مجلة الدراسات والأبحاث الاجتماعية

الإهتمام بكل ما له علاقة بالعلوم الانسانية والاجتماعية

عناصر التنمية الاجتماعية في المجتمع الجزائري

    يمكن تحديد عناصر التنمية الاجتماعية في ثلاثة عناصر أساسية هي: تغيير بنائي أو بنياني، الدفعة القوية، وإستراتيجية ملائمة، وهذه العناصر الثلاثة مجتمعة تعتبر ضرورية للتنمية الاجتماعية ولازمة لها وبدونها لا تتحقق لها مقومات النجاح.

1-التغيير البنائي أو البنياني:

يقصد بالتغيير البنائي ذلك النوع من التغيير الذي يستلزم ظهور أدوار وتنظيمات اجتماعية جديدة تختلف اختلافا نوعيا عن الأدوار والتنظيمات القائمة في المجتمع، ويقتضي هذا النوع من التغيير حدوث تحول كبير في الظواهر والنظم والعلاقات السائدة في المجتمع، أي في حجمه وفي تركيب أجزائه وشكل تنظيمه الاجتماعي.

       والتغيير البنائي هو الذي يرتبط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فمن الصعب أن تحدث التنمية في مجتمع متخلف اجتماعيا دون أن يتغير البناء الاجتماعي لذلك المجتمع، فقد ورثت الدول النامية كثيراً من المشكلات التي ترسبت وتراكمت عبر السنين، وأصبحت تمثل خصائصها كالثنائية الاقتصادية والتكنولوجية، وسيادة الطابع الزراعي عليها والتفاوت الكبير في توزيع الثروة والدخل، وسيطرة أفراد الطبقة العليا على جهاز الحكم والسلطة، وانخفاض المستويات التعليمية.

       كل هذه الخصائص تمثل تحديات بالنسبة للدول النامية، ولا يمكن تحقيق تنمية شاملة دون إحداث تغييرات بنائية لها صفة العمق والجذرية ولها طابع الشمول والامتداد – أما الطابع الذي يعالج الأوضاع معالجة سطحية ويضع حلولاً جزئية ومؤقتة للمشكلات الاجتماعية في البلاد النامية دون أن يستأصل الأوضاع القديمة من جذورها، بحث لا يغير البناء الاجتماعي  في تلك الدول تغييراً جذرياً فلن تتحقق لهم مقومات النجاح([1]).

وعلى ذلك نجد أن التغيير البنائي واحد من مجموعة عناصر لازمة للتنمية، بدونه لا يتسنى للبلاد النامية أن تتخلص من المشكلة الاجتماعية التي ترسبت عبر السنين والتي أصبحت تمثل تحديات أمام حكومات هذه البلاد.

 

2- الدفعة القوية:

       لا بد لخروج المجتمعات النامية من المستويات المتخلفة فيها، ومن حدوث دفعة قوية أو مجموعة من الدفعات القوية يتسنى بمقتضاها الخروج من حالة الركود، وهذه الدفعة أو الدفعات القوية لا زمة لإحداث تغيرات كيفية في المجتمع ولإحداث تقدم في أسرع وقت ممكن.

       وتعتبر حكومات الدول النامية هي المسئولة – مسئولية -  قد تكون كاملة عن إحداث الدفعة القوية فهي التي تملك إمكانيات التغيير، وهي المسئولة عن ضمان حد أدنى لمستويات المعيشة للأفراد، ويمكن أن تحدث أيضاً هذه الدفعة في المجال الاجتماعي بإحداث تغييرات تقلل التفاوت في الثروات والمداخيل بين المواطينين، وبتوزيع الخدمات توزيعاً عادلاً بين الأفراد، ويجعل التعليم إلزامياً ومجانياً كما هو معمول به في الجزائر وبتأمين العلاج ( هناك بطاقة أُستحدثت في الجزائر سُميت: بطاقة الشفاء، وهذا لغير الأجراء ) والتوسع في مشاريع الإسكان وغير ذلك من المشاريع التي تتعلق بالخدمات([2])

       وللحد من الأمية بين الكبار في السن فإنه من الممكن تحقيق الدفعة القوية عن طريق تعبئة كافة الطاقات والإمكانيات الموجودة، والاستعانة بالشباب الجامعي في المناطق الريفية والحضرية وتجنيده في حملات محو الأمية، وبواسطة وسائل الإعلام أيضاً في إعداد برامج محو الأمية وسن قوانين ذات صلة بتشغيل العمال في القطاعات الصناعية أو الخدماتية التي تشترط على العامل إجادة الكتابة والقراءة...

       والدفعة القوية التي تحدث في المجال الاقتصادي والتي لا تصاحبها دفعة مماثلة في المجال الاجتماعي تترتب عليها هوة ثقافية كبيرة وأزمات ضخمة أقل أضرارها مقاومة التغيير الذي يحدث في الجوانب الاقتصادية، ووضع العقبات والعراقيل عن طريق هذا التغيير بشكل يهدد نجاحه ويضعف من فعاليته.

       بالإضافة إلى ذلك فإن التنمية الاقتصادية ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالتنمية الاجتماعية، فعلى سبيل المثال تتطلب الخطط الاقتصادية من خطة التعليم القوى البشرية المدربة، وتتطلب من خطة الإسكان أن تعمل على سد الحاجات السكنية للعاملين في مواقع العمل وكذلك بالنسبة لباقي الخطط الاجتماعية المختلفة.

       ثم إن ارتفاع مستويات الخدمات العامة يؤثر تأثيراً واضحاً في برامج التنمية الاقتصادية ويؤدي إلى زيادة الكفاية الإنتاجية للفرد، فارتفاع المستوى الثقافي و الصحي للعامل وعدم تعرضه للإجهاد يزيد من طاقته وقدرته في العمل، كما يؤدي إلى زيادة الإتقان في العمل.

       لذا فمن الضروري إيجاد نوع من التوازن والتكامل بين الجانبين الاقتصادي والاجتماعي بحيث تكون الخطط متكاملة في وظيفتها، متوازنة في أهدافها، ومتفاعلة نحو تحقيق هدف مشترك([3]).    

   3- الإستراتيجية الملائمة: 

             ويقصد بها الإطار العام أو الخطط العريضة التي ترسمها السياسة التنموية في الانتقال من حالة التخلف إلى حالة النمو الذاتي، وتختلف الإستراتيجية عن التقنية التي تعني الاستخدام الصحيح للوسائل المتاحة لتحقيق الهدف.

       ولكي يتم استخدام هذه الوسائل استخداماً صحيحاً لابد وأن تكون هذه الوسائل موزعة وفقاً لخطة جيدة الإعداد من شأنها تمكن واضع التقنية من أن يستغل جميع الأدوات التي تحت تصرفه استغلالاً حسناً.

       وينبغي أن تقوم إستراتيجيات التنمية في البلاد النامية على أساس تدخل الدولة في مختلف الشؤون، بحيث توجه النشاط الاقتصادي نحو تحقيق أهداف اجتماعية عادلة، وبحيث تسعى لتحقيق مستوى أعلى من الرفاهية والرقي بالنسبة لكل فئات المجتمع.

       كما ينبغي أن نشير في هذا الصدد إلى وجوب قيام إستراتيجية التنمية الاجتماعية على أساس التكامل والتعاون بين كل من التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، أي تحقيق التوازن بين رأس المال البشري ورأس المال المادي ( التنمية الشاملة ).

       وتتوقف الإستراتيجية المختارة على العديد من الاعتبارات أهمها:

·  طبيعة الظروف عند بدء التنمية من حيث درجة التخلف، نوع الاستعمار الذي كان يحتل البلد، الفترة الزمنية التي مرت منذ حصول الدولة على استقلالها ونوع الحكم السائد في بلد بعد تحرره، درجة الاستقرار السياسي ونوعية الإدارة وشكل الجهاز الحكومي وطبيعة النظام الاقتصادي ونوعية التركيب الطبقي، وحجم المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، وتركيب المجتمع من حيث السكان ومستويات التعليم والصحة والقيم السائدة في المجتمع([4])

·  طبيعة الأهداف المنشودة، فهناك أهداف بعيدة يراد الوصول إليها في المدى البعيد، وأهداف مرحلية يراد الوصول إليها في المدى القريب.

ونجد أن الأهداف الاجتماعية للتنمية التي نصت عليها معظم الخطط في البلاد النامية تتمركز حول توفير فرص العمل لفئات المجتمع، تقليل التفاوت في توزيع الثروة وتحسين الدخل، رفع مستويات المعيشة.

·  تحديد دور الحكومة في التنمية الاجتماعية، دور المجتمعات المحلية
( المجتمع المدني) والجهود الذاتية يمكن أن تساهم في عملية التنمية، فمع ضرورة قيام الحكومة بالدور الفعال في عملية التنمية في البلاد النامية إلا أن من الضروري أيضاً المشاركة الفعالة في برامج التنمية الاجتماعية سواء من ناحية التمويل أو الإدارة أو المتابعة أو التقويم، وعلى ذلك يلزم باستمرار تحديد البرامج والخدمات التي تلتزم بها الدولة، والخدمات التي تتم على المستوى المحلي وتشترك في السلطات المعنية بالمساعدات الفنية والمالية وكذلك العمال التي تعالج

 بالجهود الذاتية ([5]) .

 

 

 

 



[1] عبد الباسط محمد حسن: التنمية الاجتماعية، المطبعة العالمية، القاهرة، ص 111.

[2] نفس المرجع السابق، ص 114.

[3] محمد شفيق. التنمية الاجتماعية( دراسات في قضايا التنمية ومشكلات المجتمع)، بدون طبعة، المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية.1994ص 64.

[4] نفس المرجع ، ص 65.

[5] نفس المرجع ، ص67.

المصدر: زيوش سعيد: دور الأخصائي الاجتماعي في تنمية المجتمع الريفي الجزائري، مذكرة ليسانس غير منشورة، جامعة المسيلة، الجزائر 2000.
  • Currently 68/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
23 تصويتات / 1348 مشاهدة
نشرت فى 25 فبراير 2011 بواسطة socialman

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

37,194