في الوقت الذي لا تغيب فيه عن أي متابع للمشهد المصري حقيقة أن ثورة الخامس والعشرين من يناير لم تكن "ثورةً ليومٍ واحد"، وأن موجة التغيير التي علت في 25 يناير 2011 مازالت تمتد وتتعمّق عبر عام كامل من الثورة بإنجازاتها وإخفاقاتها، تبرز الآن عدة توجهات نحو صناعة 25 يناير جديدة. هذا التوجه، أطرافه، القوى الدافعة فيه، آلياتها، منهجياتها، السيناريوهات المرجحة، والأكثر ترجيحًا، تسيطر بشكل كبير على الحوارات الدائرة في الشارع المصري -سواءً- على المستوى الشعبي أو السياسي والنخبوي. 25 يناير جديدة = حرق مصر يبدو سيناريو الحرق أو -بالأحرى- الإحراق، هو الأكثر قتامة بين السيناريوهات المتوقعة. المتنبئون بهذا السيناريو يزعمون وجود مخطط لإشعال الحرائق بالمنشئات الحيوية والمباني التابعة لوزارة الداخلية، وينسبون هذا المخطط لأطراف داخلية مدعومة من الخارج، يضعون على رأسها حركة 6 أبريل. فقد جاء في تصريحات للواء (حمدي بخيت) المحلل الاستراتيجي، أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كونداليزا رايس) حددت ثلاثة محاور لاحتراق مصر وهي: "المنظمات المدنية- المساعدات- المجتمع العسكري". وأكد أن ما حدث من تصريحات الاشتراكيين الثوريين وأحداث مجلس الوزراء لا يستبعد من ورائها وجود مخطط لحرق مصر يوم 25 يناير. ويعود المجلس الاستشاري المعاون للمجلس العسكري ليكرر ذات التحذير، حيث كشف (محمد الخولي) المتحدث الرسمي باسم الاستشاري عن وجود معلومات مؤكدة لدى وزارة الداخلية عن ما يسمى بمخطط "لإحراق مصر" في 25 يناير، ونقل عن وزير الداخلية قوله أن الداخلية ستستخدم منهج الاستباق من خلال المعلومات المتوفرة، لافتًا إلى أن ما يسمى بإحراق مصر قد يكون مجرد أسلوب للتخويف وتهديد استقرار البلاد. وأشار الخولي إلى استعدادات الوزارة لمواجهة ذلك المخطط، والتي تشتمل على: مبادرة تسليم السلاح الذي بحوزة المدنيين وإعطاء فترة سماح لتسليم الأسلحة بمقابل مادي أو ترخيصها، التخفف من بعض المسئوليات الأمنية للتفرغ لتحقيق الأمن الداخلي، تكثيف الحملات الأمنية لضبط المجرمين والتشكيلات العصابية المختلفة، والتصدي للانفلات الأمني بكافة أشكاله وصوره، مؤكدًا على أن الداخلية ستتعامل مع النشاط السياسي من دون اللجوء إلى العنف. وفي ذات السياق تتواتر تصريحات وزير الداخلية اللواء (محمد إبراهيم يوسف) حول أن أجهزة الأمن تتابع دعوات التخريب والتظاهر المنطلقة من شبكات التواصل الاجتماعي، وتقوم بمحاولة معالجتها سياسيًا، سعيًا لأن يكون 25 يناير يومًا يمتزج فيه عيد الشرطة بنجاح الثورة للخروج بالاحتفال بـ"الشكل اللائق". ثم كانت المفاجأة عندما أذيعت تفاصيل "مخطط الإحراق" عبر موقع الشرطة المصرية في 3 يناير، في ما قيل أنه منقول عن صفحة ائتلاف الثورة على فيسبوك. جاء البيان في صيغة تحريضية مباشرة وحمل نقاطًا محددة، كان أبرزها الدعوة إلى السيطرة على جميع المباني الحكومية والبنوك والمرافق وأقسام الشرطة والسجون ومخازن السلاح، تدمير جميع مركبات الأمن المركزي والجيش، مهاجمة قوات الأمن وشلّ حركتهم، واعتقال رؤوس النظام وقتلة الشهداء ومحاكمتهم في الميادين العامة، وذلك تمهيدًا لإعلان حكومة ثورة من أعضاء مجلس الشعب الفائزين في الانتخابات، من ثم انتخاب رئيس انتقالي خلال 30 يومًا من إعلان الحكومة. واختلفت القراءات لذلك البيان، بين مستغرب ومشكك في صحة نسبته لائتلاف شباب الثورة، وبين يفترض كونه مجرد أسلوب للضغط على المجلس العسكري لتنفيذ تلك المطالب، وآخر يرى التهديد حقيقيًا ويستدعي المواجهة والحذر. فيما طالبت حركة 6 أبريل -في بيان لها- المجلس العسكري بالكشف عن فحوى مخطط حرق مصر قبل 25 يناير، محذرة من مغبّة الانتظار حتى تحققه ومما يلي ذلك -حسب البيان- من إلصاق التهمة بـ"الطرف الثالث". وأشار البيان إلى أن الكلام عن ذلك المخطط، هو كلام يراد منه إرهاب الشرفاء من الشعب المصري لعدم الخروج يوم 25 يناير، وناشد البيان اللجان الشعبية الخروج وتأمين مظاهرات 25 يناير القادم، مؤكدًا على استمرار سلمية الثورة، وأن المظاهرات ستخرج -فقط- في حال عدم تنفيذ مطالبها. ويتزامن ذلك مع الحملة التي دشنتها الحركة لما أسمته بـ"الحفاظ على الجيش المصري"، في محاولة لتعزيز شعار الثورة «الجيش والشعب إيد واحدة»، ورفض توريط الجيش في أي مواجهة دامية مع الشعب. 25 يناير جديدة = ثورة غضب جديدة يظل سيناريو استمرار الثورة مطروحًا بشدة، ويتم الدفع لتحقيقه من أكثر من جهة وعلى أكثر من صعيد. عشرات الدعوات التي انطلقت في الآونة الأخيرة -ومازالت تنطلق- عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبيانات الحركات السياسية. "ثورة 25 يناير 2012.. الثورة مستمرة"، "الثوار راجعين.. ثورة كاملة أو نموت بشرف"، "الشعب يريد ثورة من جديد.. ثورتنا مش ثورة تخريب"، "كنت بقول ارحل يا مبارك.. دلوقتي بقول ارحل يا مشير"، "يوم 25 يناير مش عيد الثورة.. يوم 25 يناير هنعِيد الثورة"... تتعدد العناوين والشعارات، وتلتقي معظمها في مطلبين، وهما القضاء على الفساد وتسريع الانتقال بالحكم إلى يد سلطة مدنية. ويأتي في مقدمة المطالب التي تنادي بها حركة 6 أبريل وعدد من الحركات والائتلافات المتضامنة معها: أن يقوم المجلس العسكري بتسليم سلطات رئيس الجمهورية في 23 يناير إلى رئيس مجلس الشعب المنتخب، أو إلى رئيس يتم اختياره من مجلس الشعب المنتخب، على أن يكون ذلك الرئيس هو رئيس انتقالي، ويتم عقد انتخابات رئاسية في خلال 60 يومًا من تاريخ تسليم السلطة. أما عن أساليب الحشد المتبعة، فأبرزها الحشد الإلكتروني من خلال الصفحات والدعوات على الشبكات الاجتماعية، وعلى الأرض من خلال المسيرات اليومية، والدعوة إلى التظاهر النسوي تارة والطلابي تارة، وتوزيع المنشورات والبيانات، والترويج لمواد حملة "كاذبون" التي تستخدم جميع وسائل الإيضاح من مقروءة ومسموعة ومرئية، للقيام بما يدعى "فضح لتجاوزات وجرائم المجلس العسكري". وتحت شعار "يسقط حكم العسكر" يتم تداول عشرات الصور والفيديوهات والرسائل، كتلك الواردة في البيان التعريفي لإحدى الدعوات على فيسبوك: "بعد أن تحولت المرحلة الانتقالية إلى مرحلة انتقامية من الثوار، ومساعدة لنظام مبارك لإعادة ترتيبه نفسه واستمراره في الاستحواذ على السلطة، وعدم وجود أي تغير جذري في الإدارة السياسية لمصر.. أكيد احنا محتاجين ثورة ثانية لتسليم السلطة للمدنيين". وتنبه رسائل أخرى يتم تداولها إلى مظاهر وأدوات ما تسمى بـ"الحرب على ثورة 25 يناير الجديدة" وتذكر منها: إشاعة أن يوم 25 يناير سيكون يومًا للفوضى والتخريب، شن حملة اعتقالات واسعة للثوار، الترويج لأن يوم 25 يناير سيكون احتفالية بذكرى الثورة باعتبارها "بقت ذكرى خلاص"، الحكم بإعدام مبارك أو سجنه المؤبد قبل يوم 25 يناير ثم تبرئته في الاستئناف. وفي ذات السياق من حملات التوعية الشعبية ضد الحكم العسكري وإعادة إنتاج الثورة في 25 يناير القادم، تنتشر قوائم إرشادية للنشطاء، من قبيل "دليلك لعرض انتهاكات العسكر في الشارع والمترو". وفي حين يعتزم قطاع ليس بالهيّن التزام بيته في 25 يناير، ويردد: "كفاية هدم وتدمير، ونعـم للبناء والتعمير"، يظل مصطلح ثورة الغضب الثالثة حاضرًا بشكل آخر، ويضاف إليه هذه المرة عبارة: "ثورة أبناء مبارك"، والتي يعتزم مؤيدوها النزول إلى ميدان العباسية يوم 24 يناير، وقد أعلنوا على إحدى صفحاتهم على فيسبوك عن أهدافهم الأساسية وهي: "إلغاء محاكمة مبارك والإفراج عنه، ورجوع اسمه على محطة مترو الأنفاق وعلى جميع انجازاته، بالإضافة إلى التكريم الرسمي له من القوات المسلحة". يناير جديدة = احتفال25 وهنا نأتي إلى جدليّة من نوع آخر، تطرح فيها تساؤلات على غرار: بماذا سيتم الاحتفال؟ هل سنحتفل بعيد الشرطة؟ أم بعيد الثورة؟ وهل اكتملت الثورة -أصلاً- حتى يحين الاحتفال بها وجني ثمارها؟ أم هل استطاعت الشرطة صيانة شعارها "الشرطة في خدمة الشعب" حتى يتم مكافأتها عليه؟ ليظهر لنا -وبوضوح- التباين في المواقف والرؤى من جديد. يتصدر مؤيدي الاحتفال بالثورة-إلى جانب المجلس العسكري والحكومة- حزبا (الحرية والعدالة، والنور) يدعمهم قطاع واسع من الشعب وممن اصطلح على تسميتهم بـ"الأغلبية الصامتة". وجاء في تصريح لـ(طارق الزمر) المتحدث الرسمي للجماعة الإسلامية، تأكيده على المشاركة في الاحتفالية من أجل الحفاظ على مطالب الثورة وسلميتها، ومن أجل تكريم الثورة، مشيرًا إلى أن ميدان التحرير سيكون مكملاً للبرلمان وليس مناهضًا له، فميدان التحرير يعبر عن الشعب، ولكن مجلس الشعب -حسب قوله- هو الأكثر تعبيرًا فهو يمثل أكثر من 30 مليون مصري. في الإطار نفسه، دعا عمرو موسى، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة، عبر صفحته الخاصة على "تويتر"، كافة القوى السياسية والشبابية لتكثيف جهودها لتحقيق التوافق الوطني حتى يتم الاحتفال بيوم 25 يناير -الذي وصفه بـ"اليوم التاريخي"- بما يليق بمصر وثورتها وشهدائها وشعبها من ناحية، وبما يساهم في استكمال تحقيق أهداف الثورة من ناحية أخرى. أما ائتلاف الكتلة الصامتة، وهو أحد الائتلافات الوسطية التي تؤيد مطالب الثوار وميدان التحرير وتطالب بالاستقرار ورحيل المجلس العسكري بمجرد تسليم السلطة، جاء في تصريح لمؤسسه (ياسر قورة) قوله: "إن دعوات العنف والتخريب التي تنادي بها بعض التيارات والقوى السياسية في 25 يناير، لابد وأن يقف أمامها الشعب المصري لإجهاضها ومنعها من تحقيق أهدافها"، مطالبًا بأن يكون 25 يناير المقبل 2012 "عالميًا" يشهد له العالم، ومؤكدًا على أن الثورة تسير في "الاتجاه السليم" نحو تحقيق أهدافها. بينما يقف على الجانب المعارض للاحتفال بذكرى 25 يناير -بدعوى عدم اكتمال الثورة- أحزاب سياسية أخرى وبعض الائتلافات والحركات الشبابية وفي مقدمتها حركة 6 أبريل، وكفاية، والجمعية الوطنية للتغيير، والتي تنحاز جميعها -وتخطط- للسيناريو الثاني، وهو سيناريو التصعيد الثوري والضغط باتجاه استكمال تحقيق مطالب الثورة. الفجر
|