بقلم أوليفييه بلانشار//ما أكبر الفرق الذي تحدثه سنة واحدة …

لقد بدأنا عام 2011 ونحن في وضع التعافي، وكان الأمل قائماً، وإن اعترف الجميع بأن التعافي الاقتصادي ضعيف وغير متوازن. وبدت القضايا أسهل في إدارتها: سواء كيفية التعامل مع الديون العقارية المفرطة في الولايات المتحدة، أو مع التصحيح المالي في البلدان الواقعة على أطراف منطقة اليورو، أو معالجة تقلبات التدفقات الرأسمالية الوافدة إلى الاقتصادات الصاعدة، أو تحسين التنظيم في القطاع المالي.

كان برنامج العمل طويلاً، ولكنه بدا قريب المنال.

ولكن مع اقتراب السنة من نهايتها، بلغ التعافي الاقتصادي حالة من الجمود في كثير من الاقتصادات المتقدمة، حتى أن بعض المستثمرين بدأوا يستكشفون الانعكاسات التي يمكن أن تترتب على احتمال تفكك منطقة اليورو، وإمكانية تردي الأوضاع بالفعل مقارنة بما كانت عليه في عام 2008.

وقد استخلصت أربعة دروس رئيسية مما حدث.

  • أولاً، أصبح الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد أزمة 2008-2009 مثقلا بتوازنات متعددة ـ محصلة مشاعر التشاؤم أو التفاؤل المحقِّقة لذاتها، والتي تولِّد انعكاسات كبرى على الاقتصاد الكلي.

والتوازنات المتعددة ليست جديدة. فقد عرفنا منذ زمن طويل موجات السحب الجماعي للأرصدة المصرفية والتي تتحقق نتيجة التنبؤ بها، الأمر الذى تسبب فى استحداث نظام التأمين على الودائع. أما الهجمات المحقِّقة لذاتها التي تتعرض لها أسعار الصرف الثابتة فهي مادة تتناولها المراجع الدراسية. وقد تعلمنا في مرحلة مبكرة من الأزمة أن التمويل بالجملة قد يُحْدث نفس الآثار، وأن موجات السحب الجماعي يمكن أن تؤثر على المؤسسات المصرفية وغير المصرفية على السواء. وأدى ذلك إلى قيام البنوك المركزية بتقديم السيولة لمؤسسات مالية أكثر بكثير من ذي قبل.

ومن الأمور التي زادت وضوحا هذا العام أن مشكلات السيولة، وما يقترن بها من موجات سحب جماعي للودائع، يمكن أن تؤثر على الحكومات أيضاً. فعلى غرار البنوك، نجد أن التزامات الحكومات أكثر سيولة من أصولها ـ حيث يتركز معظم الأخيرة في الإيرادات الضريبية المستقبلية. فإذا كان المستثمرون يعتقدون أنهم يتمتعون بالملاءة، يصبح بإمكانهم الاقتراض بسعر فائدة خالٍ من المخاطر؛ وإذا بدأت تساورهم الشكوك وبدأوا يشترطون أسعار فائدة أعلى، فالاحتمال كبير في أن تؤدي هذه الأسعار المرتفعة إلى العجز عن السداد. وكلما ارتفع مستوى الدين، تقلص الفارق بين الملاءة والعجز عن السداد، وتقلص الفارق أيضاً بين سعر الفائدة المقترن بالملاءة وسعر الفائدة المقترن بالعجز عن السداد. وإيطاليا هي المثال الذي تشيع الإشارة إليه الآن في هذا الخصوص، لكننا ينبغي ألا ننخدع بالأوهام. ففي ظروف ما بعد الأزمة التي تتسم بارتفاع الدين الحكومي وقلق المستثمرين، يتعرض الكثير من الحكومات للخطر. وما لم تتوافر السيولة الكافية لضمان بقاء أسعار الفائدة عند مستويات معقولة فإن الخطر سيظل قائماً.

  • ثانياً، تدابير السياسة غير المكتملة أو الجزئية يمكن أن تتسبب في تفاقم الأمور.

وقد رأينا كيف تتدهور التصورات في الغالب بعد إعلان وعود بإيجاد الحل فى أعقاب اجتماعات رفيعة المستوى، ثم ينتهي الأمر بأنصاف حلول وحسب؛ أو عندما يتضح أن الخطط التي سبق إعلانها بزخم دعائي كبير هي خطط غير كافية أو غير مجدية. والسبب في اعتقادي هو أن هذه الاجتماعات والخطط أظهرت حدود السياسة، وهو ما يرجع في العادة إلى اختلافات الرأي بين مختلف البلدان. وقبل أن تتضح الأمور، لم يكن بمقدور المستثمرين أن يتأكدوا، لكنهم علقوا بعض الاحتمالات على قدرة الأطراف الفاعلة على الإنجاز. وجاءت المحاولات رفيعة المستوى لتوضح ببساطة أن الإنجاز الكامل غير قابل للتحقق، على الأقل آنذاك. ومن الواضح أن المثل الذي يقول “خير لك أن تحاول وتفشل من ألا تحاول على الإطلاق”، لا ينطبق في كل الأحوال.

  • ثالثاً، ازدواجية موقف المستثمرين الماليين إزاء التقشف المالي والنمو

يأتي رد فعل المستثمرين إيجابياً تجاه أنباء التقشف المالي، لكنه يصبح سلبياً فيما بعد حين يؤدي التقشف إلى تخفيض معدلات النمو ـ وهو ما يحدث غالباً. وتشير بعض التقديرات الأولية التي يعمل الصندوق على إعدادها حالياً إلى أن الآثار المشتركة للتقشف المالي وما ينطوى عليه ضمنياً من انخفاض النمو تؤدي إلى حدوث زيادة، وليس انخفاضا، في هامش المخاطر على السندات الحكومية. و إذا شعرت الحكومات بأنه يتعين عليها الاستجابة للأسواق، فقد تجد نفسها مدفوعة للتقشف المالي بأسرع مما ينبغي، ولو من قبيل وجهة النظر الضيقة التي تنصب على الاستدامة المالية.

وينبغي أن أكون واضحاً هنا. الأمر يتطلب تقشفاً مالياً كبيراً، ولا بد من خفض مستويات الدين. لكن ينبغي أن يتحقق ذلك، كما قالت “أنجيلا ميركل” على نحو أشبه بسباقات العدْو لمسافات طويلة، وليس العَدْو السريع. ذلك أن عودة الدين إلى مستوياته الرشيدة سيستغرق أكثر من عقدين من الزمن. وهناك مثل سائر ينطبق بالفعل هنا أيضاً: “الخطى البطيئة الثابتة تكسب السباق.”

  • رابعاً، التصورات تصوغ الواقع:

تتبدل الأطر المفاهيمية من حيث الخطأ والصواب مع اختلاف الأحداث. وبمجرد أن تتبدل لا تعود أبداً إلى سابق عهدها. وعلى سبيل المثال، لم تحدث تطورات كبيرة في إيطاليا خلال فصل الصيف. لكن بمجرد أن أصبح التصور السائد هو أن إيطاليا في خطر، ظل هذا التصور قائماً. والتصورات لها أهميتها: فبعد أن يرحل المستثمرون أصحاب “الأموال الحقيقية” عن أحد الأسواق، لا يعودون إليها بين عشية وضحاها. وهناك مثال آخر: لم تحدث تطورات كبيرة تغير الوضع الاقتصادي في منطقة اليورو خلال النصف الثاني من السنة. لكن الأسواق والمعلقين بعد أن بدأوا في الإشارة إلى تفكك اليورو، ظل هذا التصور قائماً ولن يتبدد بسهولة. وكثير من المستثمرين الماليين عاكفون حالياً على وضع الاستراتيجيات اللازمة تحسباً لحدوث هذا التفكك.

وبالجمع بين هذه العوامل الأربعة، يمكننا تفسير أسباب انتهاء هذه السنة بحال أسوأ من بدايتها.

هل ضاع الأمل تماما؟ لا، لكن إعادة التعافي إلى مساره الصحيح سيكون أكثر مشقة عما كان منذ عام. فسوف يتطلب خططاً للتقشف المالي ذات مصداقية ولكنها واقعية فى نفس الوقت. وسوف يتطلب أيضاً توفير السيولة حتى يمكن تجنب التوازنات المتعددة. كذلك سيتطلب وضع خطط ليس لمجرد الإعلان عنها فحسب وإنما لتنفيذها أيضاً. وأخيراً، سيتطلب تعاوناً أكثر فعالية بكثير بين جميع الأطراف المشاركة.

ويحدوني الأمل أن يتحقق ذلك. فالبديل سيكون سيئاً للغاية.

 

shreetalahdas

http://kenanaonline.com/shreetalahdas