الهجرةُ ظاهرةٌ تَهُمّ البلدان كافة، وكذلك ما يروج حول أثرها من أغاليط وسوء الفهم.
إن ثمة العديد من الافتراضات الخاطئة التي تحوم حول ظاهرة الهجرة.
فمن بين هذه الأغاليط اعتبار المهاجرين عبئا. والواقع أن المهاجرين يقدمون إسهامات واسعة للبلدان التي تستضيفهم. فالعمال من المهاجرين يجلبون معهم مهاراتهم، ومباشرو الأعمال الحرة يساعدون على إيجاد فرص العمل، والمستثمرون يحملون معهم رأس المال. أما في الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الناشئة، فهم يضطلعون بدور لا غنى عنه في النشاط الزراعي والسياحي والداخلي. وفي كثير من الأحيان، يكون المهاجرون منبع الرعاية لأفراد المجتمع، صغارا وطاعنين في السن.
ويَعُدّ الناس الهجرة غير النظامية جريمة. فالكثيرون منهم يعتبرون المهاجرين غير الحاملين للمستندات اللازمة خطرا على المجتمع ومن ثم ينبغي احتجازهم، أو يظنون أن جميع النساء اللائي يهاجرن للعمل في وظائف لا تتطلب مهارات عالية، إنما قدمن عن طريق الاتجار.
فهذه المعتقدات الواهية وغيرها تفضي إلى اعتماد سياسات للهجرة تكون في أفضل الأحوال غير وجيهة بل تكون أحيانا خطيرة.
ولئن كانت الدول تمتلك بحكم سيادتها صلاحية إدارة شؤون حدودها، فإن من واجبها أيضا أن تتقيد بالالتزامات القانونية الدولية. فالقانون الدولي لحقوق الإنسان ينص على أن لجميع الأشخاص الحق في التمتع بحقوق الإنسان الأساسية، دون تمييز وبغض النظر عن جنسيتهم أو مركزهم القانوني. فلا ينبغي إعادة مهاجر إلى مكان يكون مآله فيه التعذيب. وكل مهاجرة يجب أن تتاح لها إمكانية الاستفادة من الرعاية الصحية، بما في ذلك الخاصة بالصحة الإنجابية. وكل مهاجر طفل يجب أن يكون في استطاعته الذهاب إلى المدرسة.
إن حقوق الإنسان ليست صدقة تُمنح ولا هي مكافأة تُنال على امتثال قواعد الهجرة. إنها حقوق غير قابلة للتصرف يتمتع بها جميع الأشخاص، بمن فيهم المهاجرون الدوليون الذين يبلغ عددهم 214 مليونا في العالم، وكذلك أفراد أسرهم.
لقد صادق خمسة وأربعون بلدا على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. وأهيب بجميع البلدان الأخرى أن تنضم إلى هذه المعاهدة المهمة تأكيدا لالتزامها بحماية حقوق الإنسان لجميع المهاجرين وتعزيزها في أراضيها.
إنه لن يكون في مقدور المهاجرين أن يسهموا اقتصاديا أو اجتماعيا في المجتمعات التي رحلوا عنها أو التي وفدوا إليها إن انتهكت حقوقهم وعُرِّضوا للتهميش والإقصاء. بيد أن الهجرة يمكنها أن تكون قوة تعود بالنفع على الأفراد وكذلك على بلدان المنشأ والعبور والمقصد، إن دعّمتها السياسات الصحيحة وشملتها تدابير حماية حقوق الإنسان.
فلنُجَسِّد احتفالنا باليوم الدولي للمهاجرين باتخاذ خطوات بناءة لتحويل هذه الظاهرة العالمية إلى قوة لتحقيق التقدم