دور الزكاة في محاربة الفقر

  د. شعبان عبده أبوالعز المحلاوي 

   تلعب الزكاة دوراً حيويا في إنعاش الاقتصاد، وتحقيق التنمية، ومحاربة الفقر؛ حيث أنها تعتبر بمثابة مؤسسة الضمان الاجتماعي في الإسلام لمواجهة الفقر([1]). حيث تلعب الزكاة دوراً هاماً في الاقتصاد الإسلامي، فهي تفرض على الثروة الصافية سواء أكانت مستعملة أم معطلة وسواء أكان استعمالها في الأعمال والمشاريع الإنتاجية كالمصانع أم في أدوات ومواد الرفاه كالحلي، فالزكاة بهذه الصفات تتدخل تدخلاً أساسياً في الجوانب التالية :

- من أهم الأهداف التي تسعى إليها الزكاة هي منع اكتناز الأموال، وبقائها كموارد ساكنة لا تقدم منفعة حقيقية لاقتصاد المجتمع. و يتضح هذا المبدأ عند معرفة أن الإسلام لا يشجع إبقاء قطعة أرض لمدة أكثر من ثلاثة سنين دون إعمارها. وهذا المبدأ يعد أكثر أهمية بالنسبة للأموال السائلة، والتي لا يجب أن تبقى مكتنزة وغير مستخدمة، ويقول تعالي: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم"([2])، أي أنه مطالب باستثمار ماله لصالح المجتمع([3]).

     وهذا المفهوم يتوافق مع مبادئ الاقتصاد العالمي الحالي؛ والذي يؤكد أن اكتناز الأموال من أهم العوامل التي تعوق التنمية الاقتصادية للدولة، لأن هذه الموارد الراكدة لا تدخل في عجلة الاقتصاد، وبالتالي تقلل من حجم الموارد المحلية. ومن ثم، فإن ذلك يؤدي إلى مستوى تنموي أقل بكثير مما يمكن أن يتحقق لو أن كل الموارد موظفة ومستخدمة في إنعاش الاقتصاد([4]).

- إن مفهوم الزكاة يشجع ضمنيا استثمار الأموال المكتنزة لأن أموال الزكاة إذا لم تستثمر وتنمى سوف تتلاشى مع مرور السنين بسبب دفع الزكاة كل عام. وبالتالي، فإنه من الأساسيات أن تستثمر الأموال لكي تنمى وتدفع الزكاة من أرباح هذا الاستثمار وليس من أصل رأس المال([5]).

     فالذي يملك أي ثروة تفوق النصاب يعرض نفسه لفقدان ربع ثروته في مدة لا تزيد عن اثنتي عشرة سنة، ولذلك نجد الرسول صلي الله عليه وسلم يحض على استثمار مال اليتيم ويبرر ذلك بقوله :"حتى لا تأكله الصدقة" . ولم يعرف العالم بأسره نظاماً اقتصادياً مثل النظام الاقتصادي الإسلامي في حله لمشكلة تراكم الثروة المعطلة دون أن تستثمر في تحسين الأحوال المعاشية للمجتمع، وتشكل الزكاة باعثاً حثيثاً على استثمار الثروة لأنها تحد من الميل لاكتنازها([6])

     على صعيد آخر، فإن أموال الزكاة لا يجب أن تستخدم فقط لسد احتياجات الفقراء الاستهلاكية مثل الطعام والملبس، إنما يجب أن تستخدم في خلق أدوات للاستثمار لهؤلاء الفقراء حتى يستطيعوا بدورهم أن يمتلكوا أدوات الإنتاج التي تضمن لهم دخل ثابت، وبالتالي سد احتياجاتهم بصفة مستمرة. ذلك يعني أن أموال الزكاة يجب أن يستفاد بها في أن تحول الفقير إلى عضو عامل، ومنتج في المجتمع كل حسب مهاراته وقدراته، لكي يتمكن من التخلص من حالة الفقر والاعتماد على مساعدة الآخرين بصورة تضمن استقلاله الاقتصادي.

    ومن ثم، يجب استخدام أموال الزكاة في بناء المصانع، والمؤسسات التجارية وخلق أنشطة مدرة للدخل لتحول الفقراء من متلقين للزكاة إلى دافعي الزكاة. وتلك الوسيلة في استخدام أموال الزكاة تعد من أكفأ الوسائل التي تحول المجتمع بأكمله إلى مجتمع منتج به تنمية بشرية، واقتصادية وخالي من البطالة والفقر.

- العامل الاقتصادي الثالث المرتبط بالزكاة هو عامل الإنفاق. طبقا للنظريات الاقتصادية المعاصرة، الاستثمار وحده ليس كافياً لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية إن لم يتواجد السوق الذي يستوعب شراء المنتجات الصادرة عن هذه الاستثمارات. فهناك علاقة مترابطة بين الاستثمار والإنفاق لأن تقليل الإنفاق يؤثر على السوق ويقلل من قدراته على استيعاب المنتجات مما يجعل الكثيرون غير راغبين في أن يجازفوا بأموالهم في استثمارات جديدة .

    ولو نظرنا إلى القرآن الكريم، لوجدنا كلمة إنفاق مذكورة خمسة وسبعين مرة في نطاق تشجيع المسلمين على صرف أموالهم على شكل زكاة وصدقة. وذلك ليس فقط لتطهير النفس ومساعدة الفقراء والمساكين، ولكن أيضا لأن مبدأ الإنفاق يساعد على تداول الأموال مما يؤدي إلى زيادة الطلب في الأسواق، وإنعاش الاقتصاد. ويتضح ذلك أيضا من تشجيع الإسلام على الإنفاق ليس فقط على الفقراء، وإنما أيضا على أهل البيت مما يعد في حد ذاته صدقة. مما سبق، يتضح أن الأموال لا يجب أن تكنز وأن أموال الزكاة يجب أن تستخدم في مصارف استثمارية واستهلاكية في آن واحد لكي تحقق دورها الفعلي في إنعاش الاقتصاد.

- أثر الزكاة في توزيع الثروة والدخل . تعمل الزكاة على الأمد البعيد على إعادة توزيع الثروة، وبالتالي إعادة توزيع الدخل أيضاً في اتجاه المساواة والعدالة ، فالزكاة تؤخذ من الغني وتعطي للفقير، وتؤخذ من الغني طالما يمتلك ما يزيد عن النصاب, وتعطي للفقير سواء كانت في شكل نقود أو سلع استهلاكية، أو سلع إنتاجية فإن ملكية كل ذلك تنتقل إلي الفقير، مما يرتب زيادة في دخل الفقير وإنقاصا في دخل الغني .

 

 



([1] ) د / محمد شوقي الفنجري: الزكاة بلغة العصر، مجلة منبر الإسلام, السنة 67, العدد3 مارس 2008، ص 80.

([2] ) التوبة : 34 .

([3] ) د / محمد شوقي الفنجري: الوسطية في الاقتصاد الإسلامي ، إصدار المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 2008 ، ص 45.

([4] ) العطاء من أجل التنمية: 16-12-2009 www.neareast.org/phil/ar/page.asp?pn=4

([5] ) د / محمد منذر قحف : الاقتصاد الإسلامي، الاقتصاد الإسلامي، دار القلم ، بدون سنة نشر، ص 113.

([6] ) د / محمد منذر قحف : الاقتصاد الإسلامي، المرجع السابق، ص 119.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3138 مشاهدة
نشرت فى 22 أكتوبر 2011 بواسطة shabanElmahlaw

ساحة النقاش

دكتور / شعبان عبده أبوالعز المحلاوي

shabanElmahlaw
اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,098