إقتصاديات حقوق التأليف والنشر

د. شعبان عبده أبو العز المحلاوي

     يتعيّن على أي تحقيق جدي في موضوع الملكية الفكرية والتنمية بأن يأخذ بعين الاعتبار الدور المهم والحرج لحقوق النشر والتأليف وللصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف (مثل النشر والأفلام والتلفزيون والإذاعة والموسيقى والآن برامج الحاسب الآلي أيضا) في إنتاج ونشر المعرفة والمنتجات المبنية على أساس المعرفة. وقد ساعدت هذه الصناعات في تحقيق زيادات دراماتية في الإنتاجية عن طريق المساعدة في استحداث منتجات مبنية على المعلوماتية مثل برامج النشر بواسطة الحاسب الآلي، والبريد الالكتروني أو قواعد معلومات الحاسب الآلي العلمية المتقدمة. علاوة على ذلك، فقد تطوّرت الصناعات التي تعتمد على حقوق النشر والتأليف إلى مصدر عظيم للثروة ولاستحداث فرص العمل في اقتصاد عالمي يعتمد على المعرفة.

     يعتبر إحداث وملكية منتجات المعرفة على أهمية متزايدة بالنظر إلى تمركز الإعلام والمعرفة في اقتصادات ما بعد الاقتصادات الصناعية. فقد توسّع مفهوم حقوق النشر والتأليف، الذي كان أصلا معدا لحماية المؤلفين ودور نشر الكتب، بحيث يشمل الآن منتجات أخرى من منتجات المعرفة مثل برامج الحاسب الآلي والأفلام...وقد برزت حقوق النشر والتأليف على أنها من أهم الأساليب لتنظيم التدفق الدولي للأفكار وللمنتجات المبنية على أساس المعرفة، وستشكّل آلية مركزية لصناعات المعرفة في القرن الواحد والعشرين. لدى الذين يتحكمون بحقوق النشر والتأليف أفضلية كبيرة في الاقتصاد العالمي الناشئ المبني على أساس المعرفة. الواقع هو أن حقوق النشر والتأليف محمية إلى حد بعيد في أيدي الأمم الصناعية الكبرى, وفي أيدي مؤسسات الإعلام الكبرى المتعددة الجوانب الأمر الذي يضع الدول ذات دخل الفرد المتدني, بالإضافة إلى الاقتصادات الصغيرة في وضع ضعيف إلى حد بعيد.

     ويعود تاريخ الحماية القانونية لحقوق النشر والتأليف إلى القرن السابع عشر, "قانون آن"، وفي نهاية القرن التاسع عشر جرى تكريسها في "ميثاق بيرن". ومع أن لغة الاتفاق توحي بأنه نموذج لحماية حقوق المؤلفين والفنانين، إلا انه في حالات كثيرة تعود حقوق النشر والتأليف ليس للأفراد بل إلى الشركات التي توظفهم. حقا، تعتبر حقوق النشر والتأليف عنصرا أساسيا في النموذج التجاري لدور النشر والتلفزيون وشركات الاسطوانات الموسيقية وشركات إنتاج برامج الحاسب الآلي لأنها تمنح أصحابها حقوقا مقتصرة، من بينها، حقوقا على استنساخ وتوزيع الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف. تتيح تقنيات الإعلام والاتصالات الجديدة (ICTs)، ولاسيما شبكة  الانترنت، المجال لاستخراج نسخ غير مصرّح بها ولكن غير محدودة وممتازة وبلا كلفة من أعمال محمية، بالإضافة إلى توزيعها الحاضر تقريبا في كافة أنحاء العالم. يشكّل ذلك الأمر  تحديا غير مسبوق لقانون حقوق النشر والتأليف.

     وتستحق حقوق النشر والتأليف انتباها خاصا الآن ليس لأن ملايين الناس لا يزالون يفتقرون إلى الكتب وللأعمال الأخرى المحمية بحقوق النشر والتأليف بل لأن العقد المنصرم قد شاهد تقدمات سريعة في تقنيات الإعلام والاتصالات الأمر الذي غيّر طريقة إنتاج وانتشار وخزن المعلومات. وترافق ذلك مع تقوية حماية حقوق النشر والتأليف على الصعيدين القومي والدولي. وفي الواقع تلك التغييرات في التكنولوجيات هي التي أدت إلى قيام الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في الدول المتقدمة بالضغط من أجل اتفاقية "تريبس" ومعاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية .

     المسألة الحرجة بالنسبة للدول النامية هي تحقيق التوازن الصحيح بين حماية حقوق النشر والتأليف من جهة وتأمين القدرة على الحصول على المعرفة وعلى المنتجات المبنية على أساس المعرفة من جهة أخرى. مسألة تكلفة الحصول على المعرفة وتفسير استثناءات "الاستخدام المنصف" أو "التعامل المنصف" هما أمران حرجان بالنسبة للدول النامية خصوصا مع تمديد حقوق النشر والتأليف إلى برامج الحاسب الآلي والى المواد الرقمية.

·        ما هي أهمية حقوق النشر والتأليف كحافز للصناعة الثقافية ولغيرها من الصناعات في الدول النامية؟

·    كيف تؤثر حقوق النشر والتأليف على الدول النامية بصفتها دولا مستهلكة للمواد من الخارج، ولا سيما للمواد التعليمية، بما في ذلك عن طريق شبكة الانترنت؟

·         ماذا يترتّب على الدول النامية أن تفعله لتطبيق حقوق النشر والتأليف؟

·         كيف تؤثر حقوق النشر والتأليف والسوفتوير على الدول النامية؟

 

حقوق النشر والتأليف كحافز للإبداع .

     مثلما أشارت بعض الوكالات أمثال المنظمة العالمية للملكية الفكرية والبنك العالمي، من الأهمية أن تطوّر الدول النامية آليات للحماية والإفادة من  الاستغلال التجاري لأعمالها الإبداعية الماضية والحاضرة. ومن ثَّم يمكن لحقوق النشر والتأليف، من وجهة النظر هذه، أن تلعب دورا هاما في تطوير المجالات الثقافية في الدول النامية وذلك بتأمين المكافآت عن طريق الحقوق المقتصرة مقابل النسخ والتوزيع. ومن المنظور العالمي، المكافآت المباشرة الناجمة عن حماية حقوق النشر والتأليف موجهة إلى حد بعيد إلى صناعات النشر والتسلية والترفيه وبرامج الحاسب الآلي في أوروبا وأمريكا الشمالية.

     ولكن نجد في بعض الحالات بأن الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في الدول النامية هي صناعات مزدهرة وتحصل على نصيبها من تلك المكافآت. ولعل أشهر حالة هي صناعة برامج الحاسب الآلي الهندية. هناك أيضاً قدراً كبيراً من المواهب الإبداعية في الدول النامية – مثل الموسيقيين في مالي وجاميكا أو الفنانين التقليديين في نيبال – الذين يمكن الانتفاع من مواهبهم لتوليد المزيد من الثروة للاقتصادات الناشئة. ولكن يحدث ذلك فقط في وجود بنية أساسية محلية للصناعات الثقافية، مثلا للنشر والتسجيل. حاليا، يضطر عدد كبير من المؤلفين والموسيقيين في الدول النامية (ولاسيما في أفريقيا) إلى الاعتماد على دور النشر أو شركات الاسطوانات الأجنبية.

    وهكذا توحي الأدلة بأنه يمكن لتوفر الحماية لحقوق النشر والتأليف أن يكون شرطا ضروريا ولكن ليس كافيا لتطوير صناعات محلية قابلة للاستمرار في قطاعات النشر والتسلية والترفيه وبرامج الحاسب الآلي في الدول النامية. هناك عوامل عديدة أخرى مهمة للتنمية المستديمة لمثل تلك الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف. فلنأخذ صناعة النشر في أفريقيا كمثل. عدم الإمكانية في التنبؤ بمقدار مشتريات الحكومة والدول المانحة من الكتب، والإدارة الضعيفة في الشركات المحلية، والتكاليف العالية لمعدات الطباعة والورق، والافتقار إلى الموارد المالية، كل ذلك يعد بمثابة تقييدات شديدة جدا في العديد من الدول في المستقبل المنظور.

     ومع أنه يمكن أن تكون الفوائد المحتملة من تطوير صناعات مبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في بعض الدول النامية مغرية, ولكن هناك في الوقت الراهن "فجوة كبيرة في المعرفة" بين أغنى الدول وأفقرها, الأمر الذي يشكك في احتمال توفر النتائج المرجوة. ومثلما أفاد البنك العالمي:

"إذا اتسعت الفجوة في المعرفة سينقسم العالم أكثر، ليس من جراء التفاوت في رأس المال والموارد الأخرى، بل من جراء التفاوت في المعرفة. ستتدفق بازدياد رؤوس الأموال وغيرها من الموارد إلى تلك الدول التي تتمتع بقواعد قوية في المعرفة، الأمر الذي سيقوي عدم المساواة. هناك أيضا خطر من اتساع الفجوة في المعرفة داخل الدول، ولاسيما النامية منها، حيث يتوفر للمحظوظين القلة فيها المجال للاطلاع على المعلومات بواسطة الانترنت بينما يبقى الآخرون أميين. ولكن الخطر والفرصة هما وجهان لعملة واحدة. فإذا استطعنا تضييق الفجوات في المعرفة وتغلبنا على مشاكل الحصول على المعلومات...من الممكن أن نتمكن من تحسين الدخل ومستويات المعيشة بسرعة أكثر مما كنا نتصوّره سابقا".

على المدى الطويل، يمكن لحماية حقوق النشر والتأليف القوية أن تساعد في حث الصناعات الثقافية المحلية في الدول النامية شرط أن تستوفى الشروط الأخرى التي تؤثر على نجاح مثل تلك الصناعات. ولكن من المحتمل، على المدى القصير والمتوسط، أن تخفّض قدرة الدول النامية وقدرة الفقراء في إغلاق هذه الفجوة بالحصول على الكتب المدرسية والمعلومات العلمية وبرامج الحاسب الآلي التي هي بحاجة إليها بأسعار يمكنها أن تتحملها.

هل ستسمح قواعد حقوق النشر والتأليف للدول النامية على إغلاق الفجوة في المعرفة؟  

  من الناحية النظرية، يمكن لقواعد حقوق النشر والتأليف الدولية أن تتغلب على مشاكل الحصول على المعرفة, لأن تلك القواعد تتيح المجال للدول لإدخال استثناءات في حقوق النشر والتأليف في بعض الظروف في قوانين تلك الدول الوطنية. مثلا، تسمح المادتان 9 و 10 من ميثاق بيرن للدول بأن تقوم باستنساخ محدود للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف بدون إذن لأغراض محددة مثل التعليم والأبحاث والاستعمال الخاص، طالما أنها لا تخل بحق صاحب حقوق التأليف في الاستغلال العادي لعمله .

    وفي مؤتمر ستوكهولم لاتفاقية بيرن، طالبت الدول النامية بمرونات إضافية في قواعد حقوق النشر والتأليف الدولية بسبب حاجتها إلى التعليم الجماعي. أصدر المؤتمر "بروتوكولا" يتيح للدول النامية بتوفير مدة مخفضة من الحماية مدتها 25 سنة علاوة على الترخيص الإجباري للترجمة إلى اللغات المحلية، وأكثره إثارة للجدل، استخدام أية مواد محمية لأغراض التعليم أو العلم أو الأبحاث. ولكن لم يجر التصديق على "بروتوكول ستوكهولم" بسبب الافتقار إلى الإجماع بين الدول المتقدمة والدول النامية. وفي النهاية، توصلوا إلى اتفاق في باريس في عام 1971على مجموعة مخفّفة من الاستثناءات للدول النامية، تتيح أساسا ترخيصا إجباريا محدودا للأعمال للترجمة إلى اللغات المحلية. تم تسجيل تلك الاستثناءات في "ملحق الاتفاقية" ولكنها لم تفد الدول النامية إلا قليلا مثلما يبيّن الواقع ومفاده أن حفنة صغيرة من الدول النامية قد أدخلتها في شروطها الخاصة في قوانينها.

الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف ونسخ الأعمال المحمية بحقوق التأليف .  

    تلعب الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف، مثل النشر وبرامج الحاسب الآلي، دورا كبيرا هاما في الاقتصاد العالمي المبني على المعرفة، كما تلعب المنتجات والخدمات التي توفرها تلك الصناعات دورا مركزيا في تسهيل الابتداع والتنمية الاجتماعية والاقتصادية عموما. ينعكس نجاح تلك الصناعات في نموها العظيم، الذي أسفر عن الملايين من الوظائف العالية الرواتب وعن مليارات في الدخل، بما في ذلك في بعض الدول النامية.

    ولكن، في الماضي، أظهرت الأدلة بأن المستويات الضعيفة من تطبيق حقوق النشر والتأليف كان لها أثر كبير على نشر المعرفة وعلى المنتجات المبنية على أساس المعرفة في بعض الحالات، مثل برامج الحاسب الآلي، في كافة أنحاء العالم النامي. وفي الواقع، يمكن القول بأن العديد من الفقراء في الدول النامية تمكنوا فقط من الحصول على أعمال معيّنة محمية بحقوق النشر والتأليف باستخدام نسخ غير مصرّح بها متوفرة بجزء من سعر المنتج الأصلي الحقيقي. ولذلك يوجد تخوّف من أن يكون التأثير غير المقصود من الحماية القوية وتطبيق القواعد الدولية لحقوق النشر والتأليف وفقا لما تطلبه، من بين أمور أخرى، اتفاقية "تريبس"، هو تقليل القدرة على الوصول إلى منتجات المعرفة في الدول النامية مع ما ينجم عن ذلك من عواقب ضارة على الفقراء .

     يتوجب على دور النشر، لكل من الكتب والمجلات المطبوعة وعلى شبكة الانترنت، وعلى شركات صنع برامج الحاسب الآلي أن تراجع سياسات تسعيرها لمنتجاتها للمساعدة على تخفيض الاستنساخ غير المصرّح به وتسهيل الحصول على منتجاتها في الدول النامية. المبادرات التي تقوم بها دور النشر لتوسيع القدرة على الحصول على منتجاتها في الدول النامية هي مبادرات قيّمة ونحن نشجّع توسيع مثل تلك المشاريع. توسيع مبادرات حرية الحصول مجانا على المعلومات المتوفرة على شبكة الانترنت في الدول النامية لتغطية جميع المجلات الأكاديمية هو مثال جيد على ما يمكن عمله.

حقوق النشر والتأليف والقدرة على الحصول على المواد والمنتجات

المواد التعليمية  

حدث في السنوات الأخيرة توسّع في التعليم الابتدائي والثانوي في الدول النامية وتم تركيز المساعدات في تلك القطاعات. بينما لا تزال هناك تحديات كبيرة في تحقيق "التعليم للجميع". أحرزت الدول النامية وشريكاتها المانحة تقدما كبيرا في هذا المضمار. وكذلك تحسّنت القدرة على الحصول على الكتب وعلى مواد القراءة على المستويين الابتدائي والثانوي في بعض الدول؛ نتيجة مستويات متزايدة من الإنفاق العام على التعليم الابتدائي وعلى البرامج الدولية لمنح الكتب بدون مقابل، مثل برنامج "مؤسسة إعانات الكتب الدولية". وأهم من ذلك، لأنه في بعض الدول فإن صناعات النشر المحلية في مرحلة بدائية، ولا يمكنها أن تنتج الكتب المدرسية ومواد القراءة بأسعار زهيدة .

    ولكن القدرة على الحصول على الكتب والمواد التعليمية مهم في أماكن أخرى من النظام التعليمي أيضا. حيث تحتاج الدول النامية إلى أناس مثقفين مثل الأطباء والممرضين والمحامين والباحثين والمهندسين وعلماء الاقتصاد والمعلمين والمعلمات والمحاسبين. فمن دون أناس مهرة في تلك المهن وبدون نظام من التعلّم والتعليم مدى الحياة، لن تتمكن الدول النامية من استيعاب التكنولوجيات الجديدة وتوليد الابتداع والمنافسة في اقتصاد المعرفة العالمي. مثلا، حتى لو تمكنت الدول النامية من الحصول على الأدوية الرخيصة فهي ستحتاج إلى الأطباء والممرضين المدربين لتقديمها كما يجب من أجل إنقاذ حياة الناس.

ومع ذلك، في عدد كبير من الدول النامية، ولاسيما في دول إفريقيا جنوب الصحراء، هبط التعليم في المرحلة  الجامعية إلى مستويات لن يكون بوسعه قريبا من توفير المستويات الدنيا من التعليم والأبحاث، هذا في وقت يتزايد الطلب على أماكن في الجامعات. وبينما ينفق عدد كبير من الدول النامية نسبة كبيرة من نتاجهم القومي الإجمالي على التعليم، فقد يتعذّر على تلك الدول إيجاد الموارد الإضافية اللازمة للمحافظة ببساطة على المستويات الحالية من الطلاب في المرحلة الجامعية من التعليم، بغض النظر عن تحسين جودته. وهكذا، من الواضح أن حقوق النشر والتأليف ليست السبب الوحيد لضعف البنية التحتية للمرحلة الجامعية من التعليم ولا تزال تشكّل الأسعار العالية للكتب وللمواد التعليمية وقدرة الوصول المحدودة إلى الموارد على شبكة الانترنت أجزاء مهمة في الوضع المتدهور.

  وفي القطاع الجامعي، تشير الأدلة بأن حرية الحصول على الكتب وعلى المواد الأخرى للتعليم والأبحاث تبقى مشكلة حرجة في عدد كبير من الدول النامية، ولاسيما أفقرها. تبقى معظم الدول النامية معتمدة بشدة على الكتب المدرسية والكتب المرجعية المستوردة، لأن هذا القطاع ليس مجديا تجاريا لدخول دور النشر المحلية فيه. وأسعار تلك الكتب هي خارج إمكانيات معظم الطلاب.

المكتبات العامة .  

    يجب أن تلعب المكتبات الجامعية دورا رئيسيا في دعم الأبحاث وتأمين القدرة على الوصول إلى الكتب والمجلات والمواد الموجودة على شبكة الانترنت المحمية بحقوق النشر والتأليف إلى الطلاب الفقراء في الدول النامية، ولكن تكون تلك المواد عادة في حالة متردية.  وقد وفّرت الوكالات المانحة التمويل اللازم لتحديث وإعادة تزويد المكتبات بالكتب في عدد من الدول، بما فيه توفير لها الوصل بالانترنت وتسهيلات النسخ الفوتوغرافي. إلا أن هناك حاجة ملحة إلى المزيد من تلك المساعدات؛ لكي تحتفظ المكتبات بمقتنيات حديثة من الكتب المدرسية. وعموما، يبقى الوضع بالنسبة للمكتبات الجامعات في الدول النامية الفقيرة وضعا كئيبا، ولاسيما في أفريقيا.

    إن القدرة على الحصول على المجلات العلمية والكتب بأسعار ممولة من الأموال العامة ولفترة محددة من الوقت من شأنه أن يساعد إلى حد بعيد. وفي حالات أخرى، تحتاج دور النشر المحلية ذات الأسواق المحدودة إلى الحصول على الكتب الأجنبية بسهولة وبأسعار زهيدة لكي تترجمها إلى اللغة المحلية. وفي سياق آخر، هناك حاجة إلى إذن لإعادة طباعة الكتب من الدول الصناعية في لغة الكتب الأصلية من أجل مصلحة الشعب الأصلي الذي يجيد قراءة اللغة الانجليزية أو الفرنسية ولكن يتعذّر عليه تكبّد كلفة الكتب المستوردة. وبالنسبة لبعض الدول، فان معظم العناصر اللازمة لصناعة نشر أهلية غير موجودة وهكذا هناك حاجة إلى بناء تلك الصناعة من الصفر. قد لا تكون حقوق النشر والتأليف العنصر الرئيسي في جميع تلك الظروف ولكنها تلعب دورها في هذا المجال.

     من أجل تحسين قدرة حصول الدول النامية على الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف وتحقيق أهدافها في التعليم وتحويل المعرفة، عليها أن تتبنى تدابير تنافسية بموجب قوانين حقوق النشر والتأليف. يجب أن يسمح للدول النامية بأن تحافظ على أو تتبنى استثناءات واسعة للاستخدامات التعليمية وللأبحاث وللمكتبات العامة في قوانينها الوطنية المتعلقة بحقوق النشر والتأليف. ويجب القيام بتنفيذ مقاييس حقوق النشر والتأليف الدولية في العالم النامي بالأخذ بعين الاعتبار المستوى العالي المتواصل من الحاجة إلى تحسين توفر تلك المنتجات وأهميتها الحرجة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

حقوق النشر والتأليف وبرامج الحاسب الآلي .

   هناك انقسام رقمي أي في مجال الحاسب الآلي بين دول العالم المتقدم والعالم النامي. في اقتصاد عالمي مبني على المعرفة تعتبر تكنولوجيات الحاسب الآلي متطلّبا أساسيا للحصول على المعلومات وعلى استخدامها وللإسراع في تحويل التكنولوجيا وتعزيز نمو الإنتاجية. وفي الوقت ذاته، منتجات برامج الحاسب الآلي هي ربما أكثر أشكال المنتجات المبنية على أساس المعرفة حماية. بموجب اتفاقية "تريبس" تستحق برامج الحاسب الآلي الآن الحماية لحقوق النشر والتأليف مثل أي عمل أدبي آخر وكذلك إلى أشكال أخرى من الحماية للملكية الفكرية، بما في ذلك عن طريق براءات الاختراع في بعض الدول، مثل الولايات المتحدة.

   لدى الدول النامية مجموعة من المتطلبات لبرامج الحاسب الآلي في صناعاتها وفي مستشفياتها ومدارسها ومكاتبها الحكومية. ولكنها أكثر من ذلك تريد حرية الحصول على حزمات من برامج الأعمال الجاهزة والتي يمكنها تحمّل تكاليفها، مثل برامج معالجة الكلمات والحسابات والبريد الالكتروني. حيث تسيطر الشركات في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث تشكّل شركة مايكروسوفت اللاعبة الأولى في هذا المجال، على السوق العالمية في تلك المنتجات. صناعات برامج الحاسب الآلي في الدول النامية، حتى في الهند، هي في غالبيتها غائبة عن قطاع برامج الحاسب الآلي الجاهزة للشراء من على الرف.

    يجب على الدول النامية وعلى شركائها المانحين أن تراجع سياساتها المترتبة على شراء برامج الحاسب الآلي للتأكد من دراسة الخيارات المتوفرة لاستعمال منتجات البرامج الزهيدة الثمن أو من مصدر مفتوح دراسة وافية, والتأكد أيضا من تقييم تكاليفها وفوائدها تقييما حذرا. ويجب أن تتأكد الدول النامية من أن قوانين حقوق النشر والتأليف الوطنية تسمح بالهندسة العكسية لبرامج الحاسب الآلي خارج متطلبات التشغيل البيني، بشكل يتفق مع معاهدات الملكية الفكرية ذات الصلة المنتسبة إليها تلك الدول.

توفير إمكانيات شبكة الانترنت في مجال التنمية  .

   هناك سبب للأمل بأن لثورة تقنية الإعلام الإمكانية لزيادة قدرة الحصول على المعلومات وعلى المعرفة في الدول النامية. لقد أحدثت التقدمات السريعة في مجالين رئيسيين من مجالات التكنولوجيا - خزن/معالجة المعلومات الرقميّة والاتصالات الليفية بالفضائيات/الألياف البصرية – وسائل سريعة ورخيصة للحصول على المعرفة واستعمالها في كافة أنحاء العالم. نمو شبكة الانترنت هو مثال رئيسي على ذلك. في أواسط عام 1993 بلغ عدد المواقع على الانترنت أقل من 200 موقع ومع نهاية عام 2000 ارتفع هذا العدد إلى 20 مليون موقع. ومن المتوقع أن يبلغ عدد مستعملي شبكة الانترنت مع حلول عام 2005 بليون شخص، مع أن معظم هؤلاء سيكونوا في الدول المتقدمة (برنامج التنمية للأمم المتحدة 2001).

     يتيح نمو شبكة الانترنت فرصا حقيقية لتحسين القدرة على الحصول على المعرفة وعلى تحويلها في الدول النامية. مثلا الحجم والعدد المتنامي للمكتبات الرقميّة تحدث أنواعا غير مسبوقة من قدرة الحصول على كافة المعلومات المنشورة في أي مكان في العالم. وفي المستقبل سيصبح بإمكان الدول النامية أن تبني شبكة رقميّة وطنية لتوفير حرية الحصول على موارد المكتبات من كافة أنحاء العالم إلى أقاصي القرى. وكذلك، تبيّن المبادرات مثل الجامعة الافتراضية الأفريقية إمكانيات شبكة الانترنت كأداة ومورد للتعلّم عن بعد في العالم النامي. ومنذ تأسيسها في عام 1997، أتم أكثر من 24 ألف طالب من 17 دولة أفريقية دورات دراسية مدتها نصف سنة في التكنولوجيا والهندسة والأعمال والعلوم في الجامعة الافتراضيّة الأفريقية. وهي توفر أيضا للطلاب قدرة الوصول إلى المكتبة الرقمية على شبكة الانترنت مع ما توفره من أكثر من ألف مجلة بالنصوص الكاملة.

القيود التكنولوجية.

ولكن هناك تهديدات أيضا لقدرة الحصول على وانتشار المعلومات والتكنولوجيا من تلك التغييرات التكنولوجية. هناك نزعة متزايدة داخل صناعات النشر وبرامج الحاسب الآلي باتجاه توزيع المحتويات على شبكة الانترنت مع فرض قيود الحصول عليها بواسطة أنظمة لإدارة الحقوق الرقميّة، مثل تكنولوجيات التشفير. هذا الشكل المتطوّر من الحماية التكنولوجية يلغي حقوق "الاستخدام المنصف" التقليدية للتصفّح وتقاسم المعلومات أو عمل نسخ خصوصية للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف بأشكال رقميّة، إذ لن تتوفر الأعمال للحصول عليها بدون دفع رسم، حتى للاستعمالات المشروعة. وبالنسبة للدول النامية حيث الوصل بشبكة الانترنت محدود والاشتراك بها باهظ الثمن، قد تستبعد تلك الحقوق الحصول على تلك المواد تماما وتفرض عبئا ثقيلا من شأنه أن يؤخر مشاركة تلك الدول في المجتمع العالمي المبني على أساس المعرفة.

    من الواضح أن المسائل المحيطة بقدرة الحصول على المعلومات وعلى المعرفة عبر شبكة الانترنت لا تزال تنشأ. فهي، من بعض النواحي، ذات أهمية فورية محدودة في الدول النامية بالنظر إلى محدودية وصل تلك الدول بشبكة الانترنت. ولكن، مسائل الانترنت مهمة للجامعات وللأبحاث العلمية في العالم النامي وقد تصبح عما قريب مركزية في التعليم الثانوي وحتى التعليم الابتدائي في الدول النامية، حيث سيصبح الحصول على شبكة الانترنت أقل كلفة بكثير من بناء المكتبات العامة وتخزينها بالكتب. لشبكة الانترنت إمكانيات عظيمة للتنمية ومن الضروري ألا نفقد تلك الإمكانيات.

هناك حاجة للقيام بالمزيد من التحليل حول أفضل الأساليب لحماية المحتويات الرقميّة وحماية مصالح أصحاب الحقوق، وفي الوقت ذاته احترام المبادئ التي تؤمن الحصول الكافي على المعلومات وعلى "الاستخدام المنصف" من قبل المستهلكين. وبوجه خاص، يترتب على صانعي السياسة أن يتفهموا تفهما أفضل تأثير الرغبة لتوزيع المعلومات عبر شبكة الانترنت وحماية محتواها التكنولوجي على الدول النامية. هناك احتمال من حماية قدر كبير من تلك المواد تكنولوجيا أو عن طريق تدابير تعاقدية تفرض كشرط من شروط الحصول على المعلومات. من غير الواضح كيف يمكن ضمان المتطلبات المعقولة "للاستخدام المنصف" في مثل تلك البيئة.

    إنه من السابق لأوانه في الوقت الحاضر أن تجبر الدول النامية في الذهاب إلى أبعد من مقاييس اتفاقية "تريبس" في هذا المجال. ونحن نعتقد انه من غير الحكمة للدول النامية أن تصدّق على معاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، ما لم تكن لديها أسباب وجيهة محددة للقيام بذلك، ويجب أن تحتفظ بحريتها لسن التشريعات بخصوص التدابير التكنولوجية. إن تنفيذ هذا القانون عالميا سيضر كثيرا بمصالح الدول النامية في القدرة على الحصول على المعلومات وعلى المعرفة التي هي بحاجة إليها للتنمية. وكذلك، فقد توصلنا إلى نتيجة مفادها أن "التوجيه المترتب على قواعد المعطيات للاتحاد الأوربي" يذهب إلى حد بعيد في توفير الحماية إلى تجميع المعلومات ومن شأنه أن يقيّد على نحو غير ملائم حرية الحصول على قواعد المعطيات العلمية التي تحتاج إليها الدول النامية.

    يحق لمستخدمي المعلومات المتوفرة على شبكة الانترنت في الدول النامية حقوق "الاستخدام المنصف"، مثل عمل النسخ المطبوعة من الموارد الالكترونية وتوزيعها وذلك بأعداد معقولة لأغراض الأبحاث والتعليم، واستخدام مقتبسات معقولة منها في التعليقات والانتقادات. وحيث يحاول مزودو المعلومات الرقميّة أو برامج الحاسب الآلي تقييد "الاستخدام المنصف" بشروط تعاقدية ملازمة لتوزيع المواد الرقميّة، يعتبر الشرط التعاقدي المعني لاغيا. وحيث تجري المحاولة إلى فرض التقييد ذاته بأساليب تكنولوجية، يجب ألا تعتبر التدابير لهزم الأساليب التكنولوجية للحماية في تلك الظروف على أنها غير قانونية. يجب على الدول النامية أن تفكر مليا قبل الانضمام إلى معاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية.

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 263 مشاهدة
نشرت فى 15 يوليو 2011 بواسطة shabanElmahlaw

ساحة النقاش

دكتور / شعبان عبده أبوالعز المحلاوي

shabanElmahlaw
اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,789