حقوق الملكية الفكرية

 دكتور/ شعبان عبده أبوالعز المحلاوي

    إن من يمعن النظر في مصطلح الملكية الفكرية، يلاحظ أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفكر، ومن ثم لابد أن يكون هناك حقاً لهذا الإنسان في حماية فكره، وهو أمر طبيعي. ولاشك أن هذا الفكر قد يؤدى إلى ابتكار ما، بالتالي يمكن القول أن مفهوم حقوق الملكية الفكرية يبدو واضحاً في تلك الحقوق الخاصة بملكية الإنسان لما قد ينتج عن عصارة فكره وذهنه من مبتكرات, ويسهم استغلال النتاج الذهني في إحداث التقدم التكنولوجي والاقتصادي؛ إذ أن استخدام تلك الأفكار والاختراعات والتكنولوجيا في العملية الإنتاجية من شأنه رفع كفاءة الإنتاج وزيادة معدلاته .

أولاً : مفهوم حقوق الملكية الفكرية وخصائصها.

     حقوق الملكية الفكرية هي الحقوق التي تعطى للأشخاص مقابل إبداعاتهم العقلية([1]). وتعطى عادة للمبدع حقاً شاملاً على استخدام إبداعاته لفترة محدودة من الزمن. وللمبدعين الحق في منع الآخرين من استخدام مبتكراتهم طوال فترة الحماية.

     ويمكن تعريفها بأنها الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية. وهذه الحقوق طائفتان أو نوعان، حقوق ناشئة عن الملكية الصناعية، وأخرى ناشئة عن الملكية الأدبية والفنية([2]).

     كما تعرف بأنها عبارة عن الحقوق التي تكفلها الدولة، وتساندها لعدد محدد من السنوات، لمنع غير المرخص لهم من الاستخدام التجاري لفكرة جديدة يمتلكها شخص آخر أو جهة أخرى. وكذلك فهي كافة الحقوق الناشئة عن أي نشاط أو جهد فكرى يؤدى إلى ابتكار في المجالات الصناعية والعلمية والأدبية والفنية([3]).

     ولقد وضعت المنظمة العالمية للملكية الفكرية  ([4]) (WIPO)مفهوماً ذا نطاق واسع لحقوق الملكية الفكرية، باعتبار أنها جميع الحقوق المتعلقة بالأعمال الأدبية والفنية والعلمية، والابتكارات في كل نواحي الحياة البشرية، والتصميمات الصناعية، والماركات والعلامات التجارية، والحماية من المنافسة غير العادلة، وجميع الحقوق الأخرى الناتجة عن نشاط الملكية الفكرية في المجالات الصناعية والعلمية والأدبية والفنية([5]).

     ويمكن تجميع تلك الحقوق في ستة أنواع رئيسية لحقوق الملكية الفكرية كالتالي([6]):

-       براءات الاختراع Patents تتعلق بالاختراعات .

-   وحقوق المؤلف Copyright  ترتبط بالأعمال الأدبية والفنية، وتمتد للرسومات الهندسية، وبرامج الحاسب الآلي Software  .

-    التصميمات Designs تختص بالأشكال والتكوينات متضمنة تصميمات الدوائر المتكاملة Integrated Circuits Designs  .

-    العلامات التجارية Trademarks  فهي ترتبط بكلمات أو رموز لمنتجات أو خدمات معينه للتعرف على مصدرها .

-       حماية أصناف النباتات التي تقدم حقوق معينة في أصناف النبات .

-   حماية الأسرار التجارية Trade Secrets لتقديم حماية للمعلومات السرية غير المفصح عنها، والتي لا تتطلب التسجيل.

     وأهم ما يميز الملكية الفكرية عن غيرها من الملكيات الأخرى أنها مقيدة بمعايير قانونية محلية كانت أو دولية، وتسقط في النهاية في حيز الملك أو الدومين العام بعد انقضاء فترة من الزمن([7]). كما أن هذه الحقوق تنصرف إلى ما هو غير ملموس مادياً؛ فهي تتعلق ببنود المعلومة، والتي يمكن إدماجها أو تجسيدها في الأشياء الملموسة، ويمكن إدماجها في وعاء مادي يتم تداول المعلومة من خلاله إلى المستهلك، مثل الكتاب والاسطوانة المدمجة والفيلم وغيرها([8]).

ثانياً : تطور حماية حقوق الملكية الفكرية.

     تتمتع حقوق الملكية الفكرية بالحماية منذ أمد بعيد، وإن كان على مراحل حسب ظهور هذه الحقوق، وحسب تزايد الوزن النسبي للدور الذي تلعبه في الاقتصاد. ولكن قبل أن تصدر التشريعات الوطنية أو يتم التوصل إلى اتفاقيات دولية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، كانت توجد حماية لهذه الحقوق استناداً إلى القانون الطبيعي، وقواعد العدالة أقرها وحكم بها القضاء؛ حيث سبق القضاء التشريع في إضفاء الحماية على المؤلفات الأدبية والفنية، كما تولى تحديد طبيعة هذا الحق([9]).

     ولقد تناولت التشريعات المتعاقبة - سواءً على المستوى المحلى، أو المستوى الدولي - حقوق الملكية الفكرية، مثلها مثل أي حق من الحقوق الطبيعية. وفى هذا الإطار نبدأ ببحث تطور حماية حقوق الملكية الفكرية في بعض دول العالم، وكذلك الاتفاقيات الدولية التي تناولت حقوق الملكية الفكرية وحمايتها .

(1) تطور حماية حقوق الملكية الفكرية في بعض الدول الأجنبية .

     قانون الملكة آن Queen Anne  الصادر في 10 أبريل 1710م، والذي أطلق عليه قانون تشجيع المعرفة، هو أول تشريع يصدر في انجلترا لحماية حق المؤلف؛ حيث أن انجلترا كانت من الدول السباقة في ميدان حماية حقوق الملكية الفكرية. وقد كانت قواعد هذا القانون تتسم بقدر كبير من البساطة، واستمر العمل بهذا القانون حتى صدور قانون حق المؤلف الإنجليزي الصادر في نوفمبر 1956م، وإن كان هذا القانون يهتم بالحق المالي للمؤلف على حساب الحق الأدبي له. إلى أن جاء قانون حق المؤلف وبراءة الاختراع الصادر في 15 نوفمبر 1988م، والذي اهتم كثيراً بالحق الأدبي للمؤلف([10]).

     وقد سارت كندا في نفس اتجاه انجلترا، معتمدة أساساً على الشريعة العامة، والقانون العرفي والسوابق القضائية في مجال حق المؤلف. وذلك حتى صدور قانون حق المؤلف الصادر في 31 ديسمبر 1989 منظماً لحقوق المؤلف المادية والمعنوية، وتنظيم التراخيص الإجبارية، وكيفية تصوير ونسخ المؤلفات، وربط بين القانون واتفاقية روما 1928م المتعلقة بحق المؤلف([11]).

     أما بالنسبة للوضع في فرنسا, فلم تكن هناك حماية كافية لحق المؤلف قبل الثورة الفرنسية، فقد كان على المؤلف أن يحصل على إذن بطبع كتابه، وأن يطلب حماية حقه من خلال ترخيص ملكي يصدر به نسخ مؤلفه. وبقيام الثورة الفرنسية، تطورت حماية حق المؤلف فصدر قانون حق المؤلف الصادر في 19 يناير1791 والذي أسبغ الحماية على حقوق المؤلف، وخاصة حقوق مؤلفي المسرحيات. فكان لهم الحق في نشر مسرحياتهم طوال حياتهم، وبعد ذلك ينتقل الحق إلي ورثتهم. وفى 19 يوليو 1793 صدر تشريع آخر يوسع من نطاق الحماية لتشمل كافة المصنفات الأدبية والفنية. أدخلت عليه تعديلات بموجب قانون 8 أبريل 1854, ثم قانون 1866. وقد أسبغ قانون 20 مايو 1920 على حق المؤلف حقوقاً هامة، أخصها حق التتبع. ومد قانون 29 مايو 1925 من نطاق الجزاءات، وظلت هذه القوانين تنظم حقوق الملكية الفكرية في فرنسا إلى أن صدر قانون 11مارس 1975. وأخيرا صدر قانون شامل للملكية الفكرية في فرنسا بالقانون رقم 597  في يوليو 1992([12]).

  (2) تطور الحماية في بعض الدول العربية .

     صدر في المملكة العربية السعودية قانون حماية حق المؤلف في 17 ديسمبر 1989، ودخل حيز التنفيذ في 12 يناير 1990. ويمثل القانون السعودي مثالاً فريداً من حيث كيفية تفسيره؛ فكافة الأنظمة في المملكة العربية السعودية لا يمكن تفسيرها بمنأى عن القواعد المتعارف عليها في الشريعة الإسلامية الغراء. ولا يجوز كذلك أن يخالف أي تفسير مصادر التشريع الإسلامي، وتقوم المحاكم بدور رئيسي في تفسيرها تفسيراً سيترتب عليه وجود ثروة فقهية وقضائية هامة في ضبط أبعاد مفاهيم هذه النصوص ضبطاً شرعياً([13]).   

      وتطبق السودان قانون حماية حق المؤلف الصادر في 16 مايو 1974 وهو قانون موجز مكون من إحدى وعشرين مادة، وقد قام فقهاء القانون السودانيين بعمل دراسات موسعة حوله؛ حتى يلائم التقدم العلمي الحديث في شأن حقوق المؤلف. وبعد صدور قانون أصول الأحكام القضائية لعام 1984 أصبح هناك استقرار فكرى كبير بالنسبة لشرح هذا القانون. والسودان عضو في العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في مجال الملكية الفكرية. وتقوم الإدارة القومية لحقوق المؤلف والتابعة لوزارة الثقافة بدعم الحفاظ على حقوق المؤلف، وتنشيط الصناعات الثقافية([14]).

      وأصدرت الإمارات العربية المتحدة, القانون رقم 40 لسنه 1992 في شأن حقوق المؤلف، بتاريخ 28 سبتمبر 1992 واشتمل على تسع وأربعين مادة. ثم صدر القرار الوزاري رقم 411 لسنة 1993 بشأن الرقابة على المصنفات المحمية بدولة الإمارات العربية، والقرار الوزاري رقم 412 لسنة 1993 بشأن نظام إيداع المصنفات الفنية وما يطرأ عليها من تصرفات([15]).

    وصدر في المملكة الأردنية الهاشمية القانون رقم 22 لسنه 1992 في شأن حماية حقوق المؤلف، وقد اشتمل القانون على تسع وخمسين مادة. أما الجمهورية العربية السورية فقد حمت حقوق المؤلف في إطار نصوص قانون العقوبات الجنائية، الذي نص في المواد من 708 حتى 715 منه على العقوبات المتعلقة بجرائم الاعتداء على الملكية الأدبية والفنية. وفى الجماهيرية العربية الليبية صدر قانون حماية حقوق المؤلف رقم 9 في 16 مارس 1968 وهو يقع في خمسين مادة([16]) .

أما تطور الحماية في مصر فسوف يتم الإشارة لها في المبحث الثاني من هذا الفصل.

(3) الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الملكية الفكرية .

  ظلت الحماية الدولية لحقوق الملكية الفكرية حتى أواخر السبعينات من القرن الماضي تعالج كموضوع قانوني، ثم تحولت في الثمانينات إلي قضية أساسية في السياسة التجارية للولايات المتحدة؛ نظراً لتفوقها النسبي على منافسيها في مجال التجارة في التكنولوجيا ومنتجاتها، وبسبب الخسائر الجسيمة التي تلحق بشركاتها من جراء الحماية الضعيفة لحقوق الملكية الفكرية([17]). ومن ثم فإن النظام الدولي لحقوق الملكية الفكرية ينقسم زمنياً إلى قسمين، الأول قبل قيام منظمة التجارة العالمية، والثاني بعد قيامها .

أ -  الحماية الدولية لحقوق الملكية الفكرية قبل قيام منظمة التجارة العالمية.

     النظام الدولي لحماية حقوق الملكية الفكرية في هذه الفترة – قبل قيام منظمة التجارة العالمية - ينقسم بدوره إلى قسمين رئيسيين، اتفاقيات لحماية الملكية الصناعية، واتفاقيات لحماية المصنفات الأدبية والفنية .

- اتفاقيات الملكية الصناعية .

     أول وأهم اتفاقية في هذا المجال هي اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية، المبرمة في 30 مارس 1883 وتشمل براءة الاختراع، ونماذج المنفعة، والرسوم والنماذج الصناعية، والعلامات التجارية, والاسم التجاري، وبيانات المصدر، وكذلك قمع المنافسة غير المشروعة. وكان هناك عدداً آخر من الاتفاقيات المكملة، أهمها اتفاقية مدريد بشأن تسجيل الدول للعلامات عام 1891م، واتفاق مدريد بشأن جمع بيانات مصدر السلع الزائفة أو المضللة عام 1891م([18]).

- اتفاقيات المصنفات الأدبية والفنية .

     تعد اتفاقيه بيرن([19]) أقدم وأشمل اتفاقيه دولية لحماية المصنفات الفنية والأدبية.  وتشمل هذه المصنفات كل إنتاج في المجال الأدبي والعلمي والفني أياً كانت طريقة، أو شكل التعبير عنه (المادة 2/1 من الاتفاقية). إلى جانبها فإن هناك عدداً آخر من الاتفاقيات المكملة التي تساهم أيضاً في حماية المصنفات الأدبية والفنية، مثل اتفاقية روما 1961م، واتفاق جنيف 1971م، واتفاقية بروكسل 1974م، واتفاقية مدريد المتعددة الأطراف 1979م([20]).

    تقع الاتفاقيات السابقة في نطاق الاختصاص المؤسسي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO التي تشرف على تنفيذ الاتفاقيات الدولية المنظمة لحقوق الملكية الفكرية. وقد تأسست هذه المنظمة عام 1967م، وبدأت ممارسه أعمالها في 1970م، ثم تحولت إلى وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة في ديسمبر 1974م وتهدف المنظمة إلي تحقيق الأغراض التالية :

·        الارتقاء بحقوق الملكية الفكرية، وحمايتها عن طريق تشجيع إبرام اتفاقيات جديدة .

·        المساعدة في تحديث التشريعات الوطنية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية .

·        تجميع وتقديم المعلومات، والمساعدات الفنية .

·        ضمان وكفالة التعاون بين البلدان أعضاء المنظمة من خلال إدارة مركزية للاتفاقيات. 

ومع ذلك فإن المنظمة العالمية للملكية الفكرية لا تعدو أن تكون كياناً مؤسسياً لا يمتلك من السلطات ما يخوله إصدار قرارات ملزمة, أو فرض عقوبات .

ب - الحماية الجديدة في إطار منظمة التجارة العالمية .

    في بداية السبعينات من القرن الماضي، طالبت البلدان النامية بتغيير هيكل العلاقات الدولية، وإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يسمح بتسهيل نفاذها إلى الأسواق، ويعوضها عن عدم الإنصاف في توزيع الموارد، ويكفل إصلاح التفاوت الشديد في الوصول إلى المعلومات، والسيطرة عليها، غير أن محاولاتها في إقامة هذا النظام قد باءت بالفشل. وظلت قضية النفاذ إلى المعلومات, بالإضافة إلى قضية الملكية الفكرية محل جدل دولي مستمر .

    سعت البلدان المتقدمة نحو إدخال قضية الملكية الفكرية في إطار مفاوضات الجات من أجل دعم وتقوية الحماية الدولية لهذه الحقوق؛ ذلك أن الجات تمتلك فعاليات أقوى تمكنها من القيام بهذا الدور بكفاءة؛ حيث تري الدول المتقدمة حتمية توافر نظام لحماية مشروعاتها لحقوق الملكية الفكرية، وأنها تعلق نقل تلك المشروعات للدول النامية على ضرورة وجود نظم حماية مأمونة في الدول الأخيرة بما يدفع الدول المتقدمة على القيام بعملية النقل. وازداد الاهتمام أكثر بحماية حقوق الملكية الفكرية بسبب إدراك حقيقة أن التقدم الاقتصادي أصبح كثيف العلم والتكنولوجيا في ذاته، وأن القدرات التكنولوجية التي تعتمد على البحث العلمي والتطوير أصبحت من أهم مكونات القدرات التنافسية التي ازداد الاهتمام بها في ظل ازدياد اندماج الاقتصادات العالمية وانفتاحها علي بعضها البعض([21]).

   أما البلدان النامية فقد عارضت إدخال قضية الملكية الفكرية في إطار مفاوضات الجات؛ نظراً للتباين الشديد في مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية بين الدول المتقدمة والنامية، وتري أن هناك منظمة عالمية للملكية الفكرية مهمتها السهر على الإشراف على وتطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية باريس، وروما، وبرن بما يأخذ في الاعتبار مصالح كل من الدول المتقدمة والنامية معاً([22]).

     وقد حُسم هذا الجدل لصالح وجهة نظر البلدان المتقدمة، حيث نجحت الأخيرة في إدراج القضية على جدول أعمال جولة أورجواي الأخيرة، التي انتهت بالتوصل إلى اتفاق الجوانب التجارية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية (TRIPS) في إطار منظمة التجارة العالمية. ونتج عن هذا الاتفاق تغيير القواعد الدولية الحاكمة والمنظمة للملكية الفكرية تغييراً أساسياً؛ حيث أُدمجت اتفاقية بيرن([23]) وما يتصل بها من اتفاقيات أخري في اتفاق التريبس([24]). والجدول التالي يبين مدد الحماية للسلع المتمتعة بحقوق التأليف والنشر وفق اتفاق التريبس .

    وقد تناول اتفاق التريبس مدد الحماية في المواد 12, 14 واعتبارها بمثابة الحد الأدنى للحماية، وللأعضاء الحق في النص في قوانينها الداخلية على شروط أو استثناءات أو تحفظات إلى الحد التي تسمح به الاتفاقية([25]). وتسري مدد الحماية طبقا لما ورد بالجدول السابق على الدول الأعضاء بشكل تدريجي، يختلف من الدول المتقدمة عنه بالنسبة للدول متوسطة الدخل عنه بالنسبة للدول منخفضة الدخل؛ حيث أعطيت مهلة للدول النامية لترتيب أوضاعها قبل الالتزام الكامل عام 2005 ومن بين تلك الدول مصر .

خصائص حماية حقوق الملكية الفكرية في ظل التريبس .

الحماية وفق اتفاق التريبس تتميز ببعض السمات تميزها عما كان سائداً من قبل. ويمكن تناول هذه السمات والخصائص كالتالي :

·   الحماية وفق اتفاق التريبس ليست ذاتية التنفيذ، والمعنى أن الاتفاق لا ينفذ في الدول الأعضاء من تلقاء نفسه، بل يلزم اتخاذ إجراءات ايجابية من الدول الأعضاء لإنفاذ الاتفاق فيها، والتقيد بأحكامه, وذلك من خلال إصدار تشريعات وطنية، بشرط ألا تتعارض أحكامها مع اتفاق التريبس، بل وتتخذ الإجراءات اللازمة للحماية([26]). ولقد نصت المادة الأولى من اتفاق التريبس تحت عنوان "طبيعة ونطاق الالتزامات" على أنه " تلتزم البلدان الأعضاء بتنفيذ أحكام هذه الاتفاقية، ويجوز للبلدان الأعضاء أن تنفذ ضمن قوانينها ما يتيح حماية أوسع من التي تتطلبها هذه الاتفاقية، شريطة عدم مخالفة هذه الحماية لأحكام الاتفاقية. وللبلدان الأعضاء حرية تحديد الطريقة الملائمة لتنفيذ أحكام هذه الاتفاقية في إطار أنظمتها وأساليبها القانونية".

·   تتسم الحماية التي تقررها التريبس بالشمول, حيث تتضمن اتفاقية واحدة كل حقوق الملكية الفكرية المعروفة، بدلاً من أن ترد في اتفاقيات مختلفة، قد تتفاوت فيما بينها من حيث عدد الأعضاء أو مدى الالتزام أو أساليب النفاذ أو غيرها من المقومات. شملت الاتفاقية حقوق المؤلف والحقوق المتعلقة بها، والعلامات التجارية، والمؤشرات الجغرافية، والتصميمات الصناعية، وبراءات الاختراع، والتصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة، وحماية المعلومات السرية. الأمر الذي لم يكن سائداً في الاتفاقيات الدولية السابقة، كما أن القوانين الداخلية لكثير من الدول، كانت تفرد لكل حق من هذه الحقوق قانوناً مستقلاً .

·   اتفاق التريبس جزءاً لا يتجزأ من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ومن ثم يتسم بنفس المميزات الخاصة بالمنظمة، ومنها الشمول والإلزام وكلية القبول بها؛ والمعنى قبول الاتفاقيات كلها في صفقة أو كحزمة واحدة دون تجزئة، أو دون قبول بعضها وترك البعض الآخر، والتي قد ترى بعض الدول أنه لا يلبى مطالبها. أي أن حماية حقوق الملكية الفكرية تعد شرطاً جوهرياً بالنسبة للتجارة الدولية، كما أن اتفاقية التريبس تتكامل مع باقي اتفاقيات منظمة التجارة العالمية بوصفها جزءاً منها([27]).

·   يوسع اتفاق التربس من نطاق حماية حقوق الملكية الفكرية أفقياً، وذلك من خلال إدخال مجالات جديدة مثل حماية الملكية الفكرية في قطاع الزراعة، وحماية برامج الحاسب الآلي وبنوك المعلومات .

·   الحماية وفق اتفاق التربس لا تسرى على الأفكار المجردة، أو الطرق الرياضية، بل لابد أن تتجسد الأفكار في صورة سلعة أو خدمة حتى تتمتع بالحماية (مادة 9 فقرة 2 من اتفاق التريبس) .

·   يتمتع مالك حقوق التأليف والنشر في الأعراف القانونية اللاتينية بحق أدبي  - بجانب الحق المادي - يتمثل في حقه في حماية أمانة أعماله، حتى بعد البيع أو الترخيص بالاستعمال. ويقوم هذا الحق على فكرة مؤداها أن المصنفات الأدبية والفنية ليست مجرد منتجات اقتصادية تباع وتشترى؛ ولكنها تتضمن علاقات روحية بين المؤلف وأعماله، وهذه العلاقات لا يمكن أن تكون محلاً للبيع أو الترخيص، الأمر الذي لم يتضمنه اتفاق التربس([28])؛ حيث تقتصر مجالات الحماية وفق التريبس على حقوق التأليف المادية فقط .

·   تركز المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( WIPO ) على قواعد حماية حقوق الملكية الفكرية، وهو الأمر الذي أحالت إليه منظمة التجارة العالمية؛ حيث أحالت إلى اتفاق باريس واتفاق بيرن. إلا أن المنظمة الجديدة أضافت معايير جديدة للحماية، وتبنت صيغة أكثر صرامة من المعايير السابقة ( م 41/1 من اتفاق التربس) التي تنص على أنه " تلتزم البلدان الأعضاء بضمان اشتمال قوانينها لإجراءات الإنفاذ المنصوص عليها في هذا الجزء لتسهيل اتخاذ تدابير فعالة ضد أي تعد على حقوق الملكية الفكرية التي تغطيها هذه الاتفاقية .... ". وعلى ذلك فإن أي دولة تتغافل عن هذه الحماية تعتبر خارقة للاتفاقية وغير ملتزمة بشروطها([29]).

·   في ظل الحماية التقليدية لحماية حقوق الملكية الفكرية يقع عبء إثبات([30]) انتهاك حقوق الملكية الفكرية على المدعى بوجود انتهاك لتلك الحقوق، ولكن في ظل النظام الجديد للحماية وفق اتفاق التريبس تم نقل عبء الإثبات ليقع على عاتق المتهم، والذي يتعين عليه إثبات عدم قيامه بانتهاك حقوق ملكية المدعى (المادة 43/1 من اتفاق التريبس) والتي تنص على أنه "للسلطات القضائية الصلاحية حين يقدم طرف في خصومة أدلة معقولة تكفي لإثبات مطالباته ويحدد آياً من الأدلة المتصلة بإثبات أي من مطالباته يخضع لسيطرة الخصم في أن تأمر الخصم بتقديم هذه الأدلة ...".

 

 


([1] )       ; An Economic Analysis of Copyright Law, William M. Landes and Richard A. Posner 

  cyber.law.harvard.edu/IPCoop/89land1.html  20-11-2008

[2]) ) د/ محمد حسام محمود لطفي : النظام القانوني لحماية الحقوق الذهنية في مصر, ورقة بحثية مقدمة لندوة مستقبل اتفاقية حقوق الملكية الفكرية, بمركز بحوث ودراسات التجارة الخارجية, جامعة حلوان 9-10 أبريل 2001 , ص  295 .

([3] ) د / عمر عبد الحميد سالمان : الانعكاسات الاقتصادية لحماية الملكية الفكرية مع إشارة إلى مصر، ورقة بحثية مقدمة لندوة مستقبل اتفاقية حقوق الملكية الفكرية، بمركز بحوث ودراسات التجارة الخارجية، جامعة حلوان  9-10 أبريل 2001, ص 254 .

([4] )                                                       World Intellectual Property Organization

[5]) ) د/ ياسر محمد جاد الله محمود : الملكية الفكرية والنمو الاقتصادي, بدون دار نشر،  2003 , ص 17 .

([6] ) Secrets of Intellectual Property A guide for Small and Medium-Sized Exporters;     International Trade Center UNCTAD/WTO , Geneva 2004, P 5.

([7] )           L. Lessig ; An Interview with Lawrence Lessig on Copyrights, April 7, 2003

www.econlib.org/library/Columns/y2003/Lessigcopyright.htm

([8] ) د / مصطفى محمد عز العرب : اتفاقية التربس, آليات الحماية وبعض معارضات الدول النامية, بحث مقدم لندوة مستقبل اتفاقية حقوق الملكية الفكرية, بمركز بحوث ودراسات التجارة الخارجية, جامعة حلوان, 9-10 أبريل 2001 , ص 175 .

([9] ) د/ محمد محسن إبراهيم النجار : حماية الملكية الذهنية في ضوء اتفاقية الجات, بحث قدم للمؤتمر الأول, كلية الحقوق جامعة المنصورة, مارس 1996 , ص 645 .

([10] )                                                the free encyclopedia Copyright; From Wikipedia,

en.wikipedia.org/wiki/Economic_history  18-12-2004                                                          

[11]) )  د/ محمد شتا أبو سعد : حق المؤلف والحقوق المجاورة في إطار حقوق الملكية الفكرية, بحث منشور بالمجلة الجنائية القومية, المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, المجلد الثاني والأربعون, العددان الأول والثاني, مارس / يوليه 1999, ص 18.

([12] ) د/ محمد شتا أبو سعد : المرجع السابق, ص 19 .

[13]) ) د/ محمد شتا أبو سعد : مرجع سابق, ص 23 .

([14] ) د/ أحمد فاروق غنيم : المشروعات الصغيرة المتوسطة كممتلكين وكمستخدمين لحقوق المؤلف,

29-11- 2007 www.cipe-arabia.org/files/html/art0806.htm

[15]) )  د/ محمد شتا أبو سعد: مرجع سابق, ص 29 .

[16]) ) د/ محمد شتا أبو سعد : مرجع سابق, ص 33 .

[17]) ) د/ احمد يوسف الشحات : بعض الأبعاد الاقتصادية لحقوق الملكية الفكرية, بحث منشور بمجلة روح القوانين, كلية الحقوق جامعة طنطا, العدد الثاني والعشرون, يناير 2001 الجزء الأول, ص 6 .

[18]) ) د/ احمد يوسف الشحات : مرجع سابق, ص 7 وما بعدها .

([19] ) يعود تاريخ اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية إلى 9 سبتمبر 1886 وقد كملتها اتفاقية باريس في 4 مايو 1896, وعدلتها اتفاقية برلين في 13 نوفمبر 1908 ثم أضافت إليها وكملتها اتفاقية برن في 20 مارس 1914 وعدلتها اتفاقية روما في 2 يونيو 1928 وبروكسل في 26 يونيو 1948 واستكهولم في 14 يوليو 1976 ، وأخيراً اتفاقية باريس في 24 يوليو عام 1971 . للمزيد راجع د/ محمد شتا أبو سعد : مرجع سابق, ص 36 وما بعدها .

([20] )                                          , Op, Cit. Copyright; From Wikipedia, the free encyclopedia        

([21] ) د/ السيد أحمد عبد الخالق : الاقتصاد السياسي لحماية حقوق الملكية الفكرية في ظل اتفاق التربس, المكتبة العصرية, 2005 , ص 3 .

([22] ) د / مصطفى محمد عز العرب : مرجع سابق، ص 208 .

([23] ) حيث نصت المادة 9/1 من اتفاق التريبس على أنه " تلتزم البلدان الأعضاء بمراعاة الأحكام التي تنص عليها المواد من 1 حتى 31 من معاهدة برن 1971 وملحقها ..... " . باستثناء المادة السادسة من اتفاق بيرن والمتعلقة بالحقوق الأدبية فلا موجب لالتزام أعضاء التريبس بها, مما يعني اقتصار مجالات الحماية وفق التريبس على الحقوق المادية فقط .

[24]) )                      ; Intellectual Property Rights in the Global Economy, p 3.K. Maskus
August 2000, http;www.iie.com                                                                                    

([25] ) مادة 14/ 6 من اتفاق التريبس " فيما يتعلق بالحقوق الممنوحة بموجب الفقرات 1, 2, 3 يجوز لأي بلد عضو النص على شروط أو قيود أو استثناءات أو تحفظات إلي الحد الذي تسمح به معاهدة روما .... " .

([26] ) د/ محمد محسن إبراهيم النجار : مرجع سابق, ص 652 .

([27] ) د/ السيد أحمد عبد الخالق : الاقتصاد السياسي لحماية حقوق الملكية الفكرية في ظل اتفاق التربس, المكتبة العصرية, 2005 , ص 16 , 17 .

([28] ) د / أحمد يوسف الشحات : مرجع سابق, ص 45 .

([29] ) كرتيس كوك : حقوق الملكية الفكرية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، ترجمة قسم الترجمة بدار الفاروق للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006 ، ص 94 .

([30] ) من المبادئ المهمة في تحديد عبء الإثبات، هو ذلك المبدأ الذي يقرر أن عبء الإثبات على المدعي، أي على الخصم إثبات الوقائع التي يدعيها ليستخلص منها أثراً قانونياً لمصلحته وتقديم الأدلة التي تؤيد ما يدعيه، ذلك أن هذا الادعاء إنما يترتب عليه تغيير في الأوضاع القانونية القائمة، فيجب على من يطالب بهذا التغيير أن يقيم الدليل على الوقائع التي تؤدي قانوناً إليه، ولا يكون على المدعي عليه الذي يركن إلى الوضع القائم أن يقدم دليلاً عليه, حيث يقع عبء الإثبات علي من يدعي خلاف الوضع القائم .

المصدر: دكتور/ شعبان عبده أبوالعز المحلاوى
  • Currently 31/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 1241 مشاهدة
نشرت فى 31 مايو 2011 بواسطة shabanElmahlaw

ساحة النقاش

دكتور / شعبان عبده أبوالعز المحلاوي

shabanElmahlaw
اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,157