موقع التنمية البشرية لتطوير القدرات

نجمع لك الخبرات ..... لتصنع الغد الذي تريد

من الباطن إلى الظاهر / 17

ليس هناك تميز حقيقي في هذا العالم كله يمكن فصله عن الحياة السوية                 دافيد ستار جوردان

 

طوال ما يربو عن خمسة وعشرين عام من التعامل مع الناس في مجالات الأعمال والجامعة وفي محيط الزواج والأسرة تقابلت مع الكثير من الأشخاص الذين حققوا مستويات مبهرة من الناجحات الخارجية ، غير أنهم اكتشفوا أنفسهم يتصارعون مع جوع داخلي ، ومع احتياج عميق للتطابق والتأثير الشخصي ، ولعلاقات صحية ومتطورة مع الآخرين .

ولعلى لا أكون متجاوز في القول بأن بعض المشكلات التي أفضوا بها لي قد تكون مألوفة لك .

"لقد حددت وحققت أهدافي في حياتي العملية ، حيث أتمتع بنجاح مهني ساحق غير أنني قد دفعت مقابل ذلك من حياتي الشخصية وحياة أتمتع بنجاح مهني ساحق غير أنني قد دفعت مقابل ذلك من حياتي الشخصية وحياة عائلتي . إنني لم أعد قادر على معرفة زوجتي وأبنائي ، بل إنني لست متأكد أنني أعرف نفسي ذاتها وما هو مهم في الحقيقة بالنسبة لي ، ولقد وجدتني مضطراً لأن أسأل نفسي – هل يستحق الأمر ذلك ؟ "

لقد شرعت في إتباع نظام غذائي جديد – وذلك للمرة الخامسة هذا العام . إنني مدرك لزيادة وزني وأرغب حقاً في التغيير . إنني أقرأ كافة المعلومات الجديدة ، وأحدد أهدافي ، وأسخر نفسي كلها في إطار توجه عقلي ايجابي قائلاً لها إنني أستطيع تحقيق الهدف . غير أنني لا أستطيع ، وبعد بضعة أسابيع أخفق في الأمر . إنني أبدو ببساطة غير قادر على الوفاء بما عاهدت عليه نفسي . !!

" لقد حضرت دورة تدريبية بعد أخرى في مجال الإدارة الفعالة . إنني أتوقع الكثير من مرؤوسي وأبذل قصارى جهدي لأكون ودوداً معهم وأحسن معاملتهم ، غير إنني لا أشعر بأي ولاء منهم تجاهي ، وأظن أنني لو تغيبت يوماً واحداً لمرض بي فسوف ينفقون معظم وقتهم في الثرثرة حول نافورة المياه . لماذا لا أستطيع تدريبهم على أن يكونوا مستقلين ومتحملين للمسؤولية ، أو أن أعثر على موظفين قادرين على ذلك ؟ "

" أصبح ابني المراهق متمرداً ومدمناً للمخدرات . إنه لا يستطيع إلىّ مهماً فعلت . ما الذي أستطيع فعله ؟

إن هناك الكثير الذي يمكن فعله ، غير أنه لا يوجد وقت كاف مطلقاً . إنني أنوء تحت الضغوط وأشعر بالضيق طوال اليوم ، في كل يوم ، سبعة أيام في الأسبوع . لقد حضرت ندوات حول إدارة الوقت وجربت العديد من نظم التخطيط المختلفة ، وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدم ، ما زلت قادر على الشعور بأنني أعيش الحياة السعيدة , المثمرة ، الهادئة التي أتمناها . "

" إنني أرغب في تعليم أبنائي قيمة العمل ، ولكن أدفعهم إلى فعل شيء ما ، يتوجب على الإشراف على كل حركة ... وتحمل الشطحات التي تبرز عند كل خطوة . من الأيسر جداً أن أضطلع بالعمل بنفسي . لماذا لا يؤدي الأبناء أعمالهم في بهجة ودون الحاجة لتذكيرهم بها ؟ "

" إنني مشغول ... مشغول للغاية . غير أنني أتعجب أحياناً عما إذا كان ما أفعله سيغير من الأمر شيئاً على المدى البعيد .

إنني أود حقاً الاعتقاد بأن حياتي تنطوي على معنى ما ، وأن الأشياء قد طرأ عليها تغيير ما بسبب وجودي " .

" إنني أرقب أصدقائي وأقربائي وهم يحققون بعض النجاح أو ينالون بعض التقدير ، وأبتسم لهم وأهنئهم في حماس . غير أنه في داخلي تتملكني التعاسة . لماذا ينتابني هذا الشعور ؟ "

" لي شخصية قاهرة ، إنني أعلم ، في أي معاملة تقريباً ، أن باستطاعتي التحكم في النتيجة . بل إنه في معظم الأوقات . يمكنني تحقيق ذلك بمجرد التأثير على الآخرين للتوصل إلى القرار الذي أريده إنني أفكر في كل موقف وأشعر حقاً بأن الأفكار التي اطرحها هي الأفضل عادة لجميع . غير إنني أحس بالقلق ، إنني أفكر دائماً في كيفية نظر الآخرين لي ولآرائي "

" لقد أخفق زواجي ، إنني لا نتشاجر أو نفعل أي شيء آخر ، لقد كففنا فقط عن أن يحب أحدنا الآخر . لقد لجأنا إلى المشورة ، وحاولنا العديد من الوسائل ، ولم نفلح في أن نستعيد جذوة المشاعر التي كانت لدينا يوما ما . "

هذه مشكلات عميقة ، مشكلات مؤلمة – مشكلات لا يجدي في حلها أساليب المصالحة السريعة .

منذ بضع سنين ، أنخرطت وزوجتي ساندرا في واحد من مثل هذه الهموم . كان أحد أبنائنا يواجه وقتاً عصيباً للغاية في الدراسة . كان مستواه الأكاديمي ضعيفاً ، إلى حد أنه لم يكن يعرف كيف يتبع التعليمات الخاصة بالاختبارات ، بصرف النظر عن معرفة الإجابة الصحيحة . ومن الناحية الاجتماعية . كان يفتقر إلى الكياسة ، وعادة ما كان يتسبب في إحراج اقرب أصدقائه ، وفي المجال الرياضي كان ضيئلاً ، نحيفاً وغير متناسق – يؤرج مضرب كرة البيسبول، مثلاً، قبيل قذف الكرة مباشرة مما يدعو الآخرين للسخرية منه .

كنت وساندرا مستغرقين تماماً في محاولة مساعدته . لقد أحسسنا أنه إذا كان " النجاح " مهماً في أي مجال من مجالات الحياة ، فانه يكتسب أهمية قصوى في دورنا كأبوين ، ومن هنا فقد ركزنا على توجيهات وسلوكنا إزائه مع محاولة التركيز على توجهاته وسلوكه ، حاولنا تحفيزه وجعله مستعداً بإتباع أساليب التوجيه العقلي الايجابي . " هيا يا بني إنك تستطيع فعل ذلك ! نعلم أنك تستطيع ، ضع يديك لأعلى قليلاً على المضرب حتى تقترب منك " ، وركز عينيك على الكرة . لا تؤرجح المضرب حتى تقترب الكرة منك " وإذا ما أحرز بعض النجاح فإننا نمضي شوطاً أبعد لدعمه ومساعدته " . هذا جيد يا بني ، استمر في ذلك ."

وإذا ضحك منه الآخرون ، قمنا بتوبيخهم ، " دعوه وشأنه . لا تقفوا خلف ظهره . إنه ما زال يتعلم . " وكان ابننا يبكي ويصر على أنه لن يحقق أي نجاح ، وأنه لا يحب لعبة البيسبول بأي حال .

لم يبد أن أياً مما فعلناه قد أتى بفائدة ، الأمر الذي أصابنا بقلق حقيقي ، وبدا لنا تأثير ذلك على تقديره لنفسه ، حاولنا أن نشجعه ونساعده ونكون ايجابيين معه ، إلا أنه مع تكرار الإخفاق ، اضطررنا في نهاية الأمر إلى التراجع وإعادة النظر في الأمر برؤية مختلفة .

في هذا الوقت ، وفي إطار عملي المهني كنت منهمكاً في مهمة لتنمية القيادة مع العديد من المتعاقدين معنا في مختلف أنحاء البلاد ، وبهذه الصفة كنت أقوم بإعداد برامج كل شهرين حول موضوع التخاطب والإدراك للمشاركين في برنامج تطوير المدراء التنفيذيين لشركة IBM .

وفي إطار أبحاثي وإعدادي لهذا العمل تولد لدي اهتمام خاص عن كيفية تكّون المفاهيم . وكيفية تحكمها في طريقتنا للرؤية تحكم أسلوبنا السلوكي ، وقد قادني ذلك إلى دراسة نظرية التوقعات وتنبؤات تحقيق الذات أو " أثر بجماليون " ومن ثم إلى التحقق من مدى العمق الذي تكمن فيه مفاهمينا ، ولقد تعلمت أننا يجب أن ننظر إلى العدسة التي نرى العالم من خلالها ، بمثل النظر إلى العالم الذي نراه ، وأن العدسة ذاتها تشكل كيفية تفسيرنا للعالم .

وأثناء حديثي مع ساندرا عن المفاهيم التي أقوم بتدريبها في شركة IBM وعن موقفنا العائلي ، بدأنا نعي أن ما كنا نفعله لمساعدة ابننا لم يكن متوافقاً مع الطريقة التي كنا في واقع الأمر ننظر إليه بها ، وعندما قمنا بفحص أعمق أعماق مشاعرنا دون زيف ، أدركنا أن مفهومنا كمحور حول أن ابننا كان في جوهره غير مناسب " ومتخلف " بشكل ما ، ولم يكن مهماً لم بذلنا من جهد في توجهاتنا ومسلكنا حيث ذهبت جهودنا أدراج الرياح ؛ لان – رغم أفعالنا وأقوالنا – ما أوصلناه إليه كان، " أنت غير كاف " ، ويتعين حمايتك "

لذا فقد بدأنا نتحقق من أنه إذا أردنا تغيير الوضع فإنه يجب علينا أن نغير من أنفسنا أولاً . ومن أجل التغيير الفعال لأنفسنا ، يتوجب علينا أولاً تغيير مفاهمينا .

 

الصفحات الأخلاقية الذاتية والمثالية / 21

كنت في نفس الوقت ، وبالإضافة إلى أبحاثي حول المدركات منغمساً لأقصى مدى في دراسة متعمقة عن المؤلفات الخاصة بالنجاح والتي نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1776 ، كنت حينئذ أقرا ، بل وأفحص بكل دقة مئات الكتب ، والأعمدة والمقالات في مجالات مثل تطوير الذات ، وعلم النفس الشعبي والمساعدة الذاتية ، وكان في متناول يدي الشكل والمضمون لشخصيات حرة وديمقراطية اعتبرت لتكوين مفاتيح الحياة الناجحة .

وفي دراستي التي عادت بي عبر مائتي عان من الكتابات حول النجاح لاحظت أن مضمون هذه المؤلفات ينطوي على نموذج نمطي مثير للدهشة ، وفي ضوء الآلام التي كنا نعانيها ، والآلام المماثلة التي رأيتها في حياة وعلاقات الكثير من الأشخاص الذين عملت معهم على مدار السنوات ، فقد بدأ ينتابني شعور متزايد بأن كثيراً من المؤلفات عن النجاح في غضون الخمسين عاماً الأخيرة كانت مصطنعة . لقد كانت تموج بالإدراك الواعي للصورة الاجتماعية والوسائل والحلول السريعة – مع الوسائل الإعلامية والمسكنات الاجتماعية الموجهة للمشكلات الحادة والتي بدت أحياناً كأنما توفر لها مؤقتاً ، في حين تركت المشكلات المزمنة المتوارية خلف السطح الظاهر دون مساس حتى تلتهب ثم تطفح على السطح مرة بعد أخرى .

وفي تناقض صارخ ، فقد ركزت على الأدبيات تقريباً في غضون المائة وخمسين عاماً الأولى أو ما يقاربها على ما يمكن تسميته الصفات الأخلاقية المثالية كأساس للنجاح ، وهي ما تتمثل في أشياء ، مثل النزاهة ، خفض الجناح ، الإخلاص ، الاعتزال ، الشجاعة ، الصبر ، الكد والاجتهاد ، البساطة ، التواضع والقاعدة الذهبية ، وتقف السيرة الذاتية لبنيامين فرانكلين كنموذج لهذه الأدبيات ، حيث أنها تتمثل في جهود رجل واحد لخلق تكامل في مبادئ وعادات معينة في أعماق طبيعته ذاتها ، وتعلمنا الصفات الأخلاقية المثالية أن هناك مبادئنا أساسية للحياة الفعالة ، وأن الناس بوسعهم التمتع بالنجاح الحقيقي والسعادة الدائمة فقط حينما يتعلمون هذه المبادئ ويمزجونها في صلب الشخصية الأساسية لكل منهم .

غير أنه في أعقاب الحرب العالمية الأولى تحولت النظرة الجوهرية للنجاح من الصفات الأخلاقية المثالية إلى ما يمكن أن نطلق عليه " الصفات الأخلاقية الذاتية " فقد أصبح النجاح اقرب ما يكون إلى مهمة تختص بالشخصية الذاتية ، بالصورة العامة ، بالتوجهات والتصرفات ، بالمهارات والوسائل التي تضطلع " بتزييت " ممارسات العلاقات الإنسانية المتبادلة ، وقد أخذت هذه الصفات الأخلاقية الذاتية مسارين أساسيين : يتمثل أولهما في أساليب العلاقات الإنسانية والعامة ، وثانيهما في التوجه العقلي الايجابي ( PMA ) وقد تشكلت هذه الفلسفة في صياغات موحية وأحياناً في أمثال سائدة مثل " توجهاتك تحدد مدى نجاحك " تكتسب الأصدقاء بالابتسام لا بالعبوس !! ويستطيع المرء أن ينجز ما يتخيله عقله ويعتقده !! "

كما أن بعض المظاهر الأخرى من التوجهات الشخصية اتسمت بوضوح بالتلاعب ، بل والخداع ، مما يشجع الناس على ابتهاج أساليب لدفع الآخرين إلى الإعجاب بهم ، أو بالادعاء بالاهتمام بما يهواه الآخرون للحصول منهم على ما يرغبون فيه ، أو باستثمار " هيبة المظهر " أو شق طريقهم في الحياة عبر الترهيب .

وقد تناولت بعض هذه الأدبيات " الشخصية الذاتية بكونها كثيرة النجاح ، غير أنها نمت إلى اعتبرها جزءاً من كل بدلاً من الإقرار بها كعنصر أساسي وعامل مساعد ، وقد أصبحت الإشارة إلى الصفات الأخلاقية المثالية في معظم الأحوال مجرد رياء . في حين تم التركيز على أساليب التأثير للحلول السريعة ، واستراتيجيات القوة ومهارات التخاطب والتوجهات الايجابية .

ولقد بدأت أن إدراك أن هذه الصفات الأخلاقية الذاتية كانت المصدر الباطني الذي حاولت أنا وساندرا استخدامه مع ابننا ، ومع استغراقي في مزيد من التفكير في الاختلاف بين الصفات الأخلاقية الذاتية والمثالية ، أدركت أنني وساندرا كنا نتباعد شيئاًَ فشيئاًَ من الناحية الاجتماعية عن سلوك ابننا الذي كنا ببساطة من وجهة نظرنا ، غير كفء . لقد كانت صورتنا عن أنفسنا ، ودورنا كآباء صالحين مهتمين بأبنائهم أكثر عمقاً من ، وربما أثرت عليه صورتنا عن ابننا ، لقد كان هناك المزيد الكامن والمطور في الطريقة التي كنا نرى بها ونعالج من خلالها المشكلة أكثر من اهتمامنا بصالح ابننا .

ومن خلال مناقشاتي مع ساندرا ، أخذنا ندرك في معاناة مؤلمة التأثير القوي لشخصياتنا ودوافعنا وكذلك مدركاتنا عنه . لقد أن دوافع المقارنة الاجتماعية كانت غير متسقة مع قيمنا الكامنة في الأعماق وأنها أدت بابننا إلى تضاؤل شعوره بقيمته الذاتية . لذا ؛ فقد قررنا تركيز جهودنا على " أنفسنا " عن " نفسه " – وأن نستشعر هويته ، وشخصيته الذاتية ، وتفرده وقيمته .

ومن خلال التفكير العميق والتمسك بحبل الإيمان والدعاء ، بدأنا نرى ابننا في إطار شخصيته المتفردة . لقد " رأينا " في داخله طبقات وطبقات من الامكانات الكامنة التي يمكن لها أن تخرج إلى حيز الوجود حسب السرعة والمعدل الملائمين له . ومن هنا فقد قررنا الاسترخاء والتنحي عن طريقة وإفساح المجال أمام شخصيته للظهور . لقد رأينا أن دورنا الطبيعي يتمثل في تشجيعه والاستمتاع بما يقوم به وإظهار قيمته لنفسه ؛ للشعور بالأمان بحيث لا تصبح مشاعرنا الذاتية بقيمة ابننا معتمدة على سلوكه " المقبول " .

ومع إرخاء العنان لمدركاتنا القديمة عن ابننا واعتمادنا على دوافع مستندة إلى القيم ، بدأت مشاعر جديدة في الانبثاق . لقد وجدنا نستمتع بما يحدث بدلا من وضعه في موضع الاهتمام والمقارنة . لقد توقفنا عن مطابقته مع صورتنا الذاتية أو  تقديره وفقاً للتوقعات الاجتماعية ، وموقفاً عن محاولة التأثير عليه للانخراط ، بالكياسة أو بالضغط ، في قالب اجتماعي مقبول ، وفي ضوء رؤيتنا له مؤهلاً وقادراً على التكيف مع الحياة بصفة أساسية ، فقد كففنا عن توفير الحماية له ضد سخافات الآخرين .

لقد تربى ونشأ في كنف هذه الحماية مما أدى إلى بعض التراجعات المؤلمة ، التي بدت عليه وقبلنا بها دون أن نلجأ بالضرورة للرد عليها . لقد كانت رسالتنا الصامتة إليه تقول " إننا لسنا في حاجة إلى أن نحميك ، إنك في جوهرك على ما يرام "

وبمضي الأسابيع والشهور ، بدأ يشعر بالثقة المطمئنة ، ومن ثم بإثبات الذات . لقد بدأ ينتعش ، وفقاً لمعدلته وسرعته الخاصة ، بل أنه أصبح بارزاً وفقاً للمعايير الاجتماعية القياسية – أكاديمياً واجتماعياً ورياضياً – في سرعة مذهلة تتجاوز ما هو متعارف عليه من مراحل التطور الطبيعي ، وبانقضاء الأعوام ، ثم انتخابه لمواقع قيادية في العديد من الهيئات الطلابية ، واحتل منزلة رفيعة كرياضي شامل وبدأت شهادته الدراسية تزهو بعلامات التميز ، ولقد نمت وتطورت شخصيته ؛ حيث أصبح إنساناً ناشطاً متميزاً بالاستقامة مما أدى به إلى الارتباط بوسائل غير محفوفة بالمخاطر بمختلف أنواع البشر .

إنني وزوجتي ساندرا نؤمن بأن الإنجازات ذات " التأثير الاجتماعي " التي حققها ابننا إنما هي تعبير فطري عن المشاعر التي يكنها لنفسه أكثر من كونها استجابة للتقدير الاجتماعي له . لقد كانت التجربة مثيرة لي ولساندرا ، إضافة إلى ما تنطوي عليه من دروس في كيفية التعامل مع أبنائنا الآخرين وغير ذلك من الواجبات الملقاة على عاتقينا . لقد أيقظت هذه التجربة على المستوى الشخصي الوعي بالاختلاف الحيوي بين الصفات الأخلاقية الذاتية والصفات الأخلاقية المثالية لإحراز النجاح . لقد عبر النبي داود عن هذا الاعتقاد أبلغ تعبير وذلك في مزمرة " القائل " ابحث عن قلبك بكل تفان ؛ لأنه منه ينساب جوهر الحياة .

 

العظمة الرئيسية والثانوية / 26

تضافرت تجربتي مع ابني ، ودراستي عن المفاهيم مع قراءاتي في أدبيات النجاح على خلق شيء من هذا النوع من التجارب الحياتية التي تنتزع آهات الإعجاب حينما ترى الأشياء وقد تلبثت فجأة في أماكنها الطبيعية . لقد تمكنت فجأة من رؤية التأثير القوى للصفات الأخلاقية الذاتية ، ومن الفهم الجلي لتلك الاختلافات الدقيقة ، المتخفية عادة عن عمد ، بين ما أعرف أنه حقيقي – وهو ما تعلمته منذ سنوات بعيدة أيام طفولتي والأشياء التي كانت مطمورة في أعماق مشاعري الداخلية عن القيم – وبين فلسفات الحلول السريعة التي تحاصرني كل يوم . لقد فهمت بقدر أكبر من العمق ، عبر سنوات عملي الطويلة مع أناس من كافة مناحي الحياة ، السبب في اكتشافي أن الأشياء التي كنت أقوم بتدريبها وأعلم مدى فاعليتها كانت تتباين عادة مع هذه الأصوات الشائعة .

إنني لا أزعم أن عناصر الصفات الأخلاقية الذاتية – من تطور الشخصية ، والتدريب على مهارات التخاطب ، والتثقيف في مجال استراتيجيات التأثير والتفكير الايجابي – لست ذات فوائد ، بل إنها في واقع الأمر تكون أحياناً جوهرية للنجاح ، وهو ما أعتقده . غير أنها تبقى ميزة ثانوية وليست أساسية . ولربما ، في غمرة استثمار قدراتنا البشرية للبناء على الأسس التي تخلقها لنا الأجيال السابقة علينا ، نكون قد ركزنا دون قصد منا على ما نقوم نحن بتشييده إلى درجة نسيان الأساس الذي يستند إليه هذا البناء ، أو أثناء انهماكنا لفترات طويلة في حصد ثمار ما لم نغرسه ، ربما ننسى أيضاً الحاجة إلى أن نغرس نحن بنفسنا .

وإذا حاولت استغلال استراتيجيات وتكتيك التأثير البشري في كيفية دفع الآخرين لفعل ما أريده . للعمل بشكل أفضل ، ولتملك دوافع أقوى ، وللشعور بالحب ناحيتي ولكل منهم تجاه الآخر – في حين تتصف شخصيتي بخلل جوهري وتتميز بالازدواجية والافتقار إلى الإخلاص – فإنني على المدى الطويل ، لن أكون ناجحاً ؛ حيث إن ازدواجيتي لن تنبت سوى عدم الثقة ، وسيبدو أن كل شيء أفعله – حتى مع استخدام ما يطلق عليه الأساليب الجيدة للعلاقات الإنسانية – لا يهدف سوى للسيطرة .

وببساطة ، فلن يجدي كثيراً ارتقاء مستوى البلاغة الكلامية ، بل وحتى مدى حسن النوايا ، فحيث تقل أو تنعدم الثقة ، ينمحي الأساس اللازم للنجاح المستديم . إن الجوهر الجيد هو وحده الكفيل ببث روح الحياة في الوسائل والأساليب .

إن التركيز على الأساليب أشبه ما يكون بتكديس المناهج المدرسية للحظات الأخيرة . وقد تنجح هذه الطريقة أحياناً ، ولربما أحرزت علامات جيدة ، غير أنه ما لم تدفع الثمن عبر جهد دائم ، تنجح يوماً وتخفق آخر فإنك لن تحقق أبداً التمكن الحقيقي من المواد التي تدرسها أو تكوين العقلية المثقفة المبتغاة .

هل سبق لك أن فكرت في مدى سخف إرجاء العمل في مزرعة ما – أي أن تنسى أن تزرع في الربيع ، ثم تهدر الوقت كاملاً في الصيف ثم تركز كل جهدك في الخريف منتظراً نمو المحصول ؟ إن الزراعة نظام طبيعي يستوجب دفع ثمنها وإتباع خطواتها . إنك تحصد دائماً ما تزرع ، وليس هناك طريق مختصرة لذلك .

وبنفس القدر ، يصدق هذا المبدأ ، في نهاية المطاف ، على السلوك الإنساني وعلى العلاقات البشرية . إنها هي أيضاً نظم طبيعية قائمة على قانون الحصاد ، وعلى المدى القصير ، وفي إطار نظام اجتماعي موضوع مثل النظام المدرسي ، فقد يمكنك اجتيازه إذا تعلمت كيف تسيطر على القواعد التي وضعها الإنسان ، أي أنك " تخوض اللعبة " وفي معظم المعاملات غير المتكررة أو قصيرة الأمد المتبادلة بين البشر ، يمكنك الركون إلى الصفات الأخلاقية الذاتية لتحقيق هدفك ولترك انطباعات طيبة من خلال الجاذبية والمهارة والتظاهر بالاهتمام بهوايات الآخرين . إنك تستطيع الأساليب الثانوية بمفردها تفتقر إلى القيمة الدائمة في العلاقات طويلة الأمد ، وفي نهاية المطاف ، إذا لم يتوفر عمق الاستفادة ورسوخ قوة الشخصية فإن تحديات الحياة ستؤدي بالدوافع الحقيقية للبروز إلى السطح وتسود الإخفاقات في العلاقات الإنسانية محل النجاحات المؤقتة .

ويفتقر كثير من الأشخاص من ذوي العظمة الثانوية – وهم أولئك الذين يحظون بتقدير اجتماعي بسبب مواهبهم – للعظمة الرئيسية أو الصلاح في شخصياتهم النمطية ولسوف ترى ذلك – إن عاجلاً أو آجلاً – في كل علاقة طويلة الأمد لهم ، سواء كانت مع شريك العمل ، أو زوج ، أو صديق ، أو مراهق يمر بمأزق لإثبات هويته . إن الشخصية النمطية هي القادرة على الاتصال والتعبير في طلاقة ، وذلك وفقاً لما أورد إمرسون ( Emersson ) ذات مرة ، " إن ما تكونه أنت يصرخ عالياً في أذني ، إنني لا أستطيع أسمع ما تقول . "

وهناك بطبيعة الحال ، مواقف يحوز أصحابها على قوة الشخصية النمطية ، غير أنهم يفتقدون مهارات الاتصال مما يؤثر أيضاً دون أي شك على نوعية علاقاتهم ، ولكن يظل هذا التأثير ثانوياً ، وفي التحليل الأخير ، فإن ما نكونه يرسم لنا صورة أكثر طلاقة من أي شيء نقوله أو نفعله . إننا جمعياً نعلم ذلك ، فهناك أشخاص يحظون بثقتنا المطلقة لأننا نعرف شخصياتهم وسواء تمتعوا بطلاقة الحديث أم لا ، أو امتلكوا تقنية العلاقات الإنسانية أو أفتقروا إليها ، فإننا نثق فيهم ، ويظلنا التوفيق في العمل معهم .

وحسب كلمات وليام جورج جوردان William George Jordan " لقد وهب كل فرد منا في كيفية قوة هائلة للخير أو الشر وهو المؤثر الصامت ، اللامحسوس ، اللامرئي على حياته . إنه ببساطة ذلك الإشعاع الدائم لما يكونه الإنسان حقاً ، وليس ما يتظاهر أن يكونه . "

.....................

 

مبادئ النمو والتغيير / 48

إن ما تتمتع به الصفات الأخلاقية الذاتية من بريق ، وجاذبية طاغية يرجع إلى ما توفره من وسيلة ما سريعة وسهلة لتحقيق نمط رفيع من الحياة – نفوذ ، وثروة شخصية ، وعلاقات وطيدة مع أشخاص آخرين – دون خوض خطوات التطور الطبيعي للعمل والنمو الذي يجعل من كل ذلك أمراً ممكناً .

إنها مجرد شكل خال من المضمون . إنها مؤامرة " كن ثرياً حالاً التي تعد المرء بتحقيق " الثروة دون عمل " ولقد تنجح الخطة في الظاهر غير أن المتآمر يظل كامناً .

والصفات الأخلاقية الذاتية ليست سوى وهم وخداع ، ومحاولة الوصول إلى نتائج رفيعة بإتباع أساليب هذه الأخلاقيات وحلولها السريعة يماثل في إثارة محاولة الوصول إلى مكان ما في شيكاغو باستخدام خريطة خاصة بديترويت .

وحسب كلمات " إريك فروم Erich Fromm " وهو مراقب ذكي لجذور وثمار " الصفات الأخلاقية الذاتية " :

إننا نقابل في أيامنا هذه شخصاًَ يتصرف كإنسان آلي ، لا يعرف ولا يفهم ذاته ، والشخص الوحيد الذي يعرفه ليس سوى الشخص الذي يفترض أن يكونه ، الذي حلت ثرثرته الفارغة محل الحديث عن المضمون ، الذي استبدلت ابتسامته المصطنعة بضحكته الصادقة ، والذي أخذ إحساس المفعم باليأس الكثيب مكان الألم الصادق ، ومن الممكن أن ينطبق على هذا الشخص أحد قولين احدهما أنه يعاني من خلل في سمتي العفوية والشخصانية والتي قد تبدو بلا علاج ، وفي نفس الوقت يمكن أن يقال عنه أنه لا يختلف في جوهره عن ملايين الناس الآخرين الذين يدبون على هذه الأرض .

وعبر مراحل الحياة جمعيها ، هناك أطوار متدرجة للنمو والتطور , فالطفل يبدأ بالتقلب ، ثم الجلوس ، ثم الحبو ، وأخيراً المشي والركض . وكل من هذه الخطوات لها أهميتها وكل منها تستغرق وقتاً ، ولا يمكن القفز فوق أي منها .

ويصدق هذا النمط على جميع مراحل الحياة ، وعلى كافة مناحي التطور ، سواء أكان تدريباً على تعلم العزف على البيانو أو التخاطب الفعال مع زميل في العمل ، كما أنها يصدق أيضاً على الأفراد ، وعلى الزواج ، وعلى العائلات ، وعلى المؤسسات .

إننا نعلم ونقبل هذه الحقيقة أو مبدأ التدرج في مجال الأشياء الطبيعية ، غير أن تفهمه في مجالات العواطف ، والعلاقات الإنسانية ، بل وحتى في مجال شخصية الفرد أقل شيوعاً وأكثر صعوبة . وبافتراض فهمنا له ، فإن تقبله والتعايش معه في سلامة يعد أقل شيوعاًُ وأكثر صعوبة . ويترتب على ذلك ، إننا نتطلع أحياناً إلى سلوك الطرق المختصرة ، متوقعين إمكان تجاوزنا لبعض من تلك الخطوات الحيوية توفيراً للوقت والجهد وآملين في نفس الوقت جنى النتائج المرغوبة .

غير أنه ماذا يحدث حينما نحاول اختصار التدرج الطبيعي في مسار نمونا وتطورنا ، فإذا كنت أنت مجرد لاعب مضرب متوسط المستوى ، وعزمت أن تمارس اللعب على مستوى أعلى بهدف تحقيق انطباع أفضل ، فماذا تكون النتيجة ؟ هل بإمكان التفكير الايجابي بمفرده مساعدتك على التنافس بفاعلية أمام لاعب محترف ؟ .

وماذا لو نجحت في إقناع أصدقائك بأنك قادر على العزف على البيانو بمستوى العازفين في قاعة الكونشرتو في حين أن مهاراتك الراهنة لا تتجاوز مهارة المبتدئين ؟

إن الإجابات ظاهرة الوضوح . إنه من المستحيل انتهاك ، أو تجاهل ، أو تجاوز هذا التدرج في مجال التطور . إنه أمر يناقض الطبيعة ، ولن تقضي محاولة السعي إلى انتهاج طريق مختصر إلا إلى خيبة أمل والإحباط .

دعنا نفترض وجود مقياس من عشر درجات ، فإذا كنت مصنفاً على المستوى الثاني في مجال ما ، وأرغب في تحقيق المستوى الخامس ، فإنه يتوجب أن أخطو إلى المستوى الثالث أولاً . " إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة الأولى " ، ولا يمكن إنجازها إلا خطوة بخطوة في كل مرحلة .

وإذا لم تسمح لمعلمك أن يعرف مستواك – بتوجيه سؤال أو الكشف عن جهلك – فلن تتعلم ولن تكبر . إنك لا تستطيع  الاستمرار في الدعاء طويلاً ؛ لان موقفك سيفتضح في نهاية المطاف . إن الاعتراف بالجهل هو الخطوة الأولى عادة في رحلة تعلمنا ، ولقد علّمنا ثورو Thoerau " كيف لنا أن نتذكر جهلنا ، الذي يحتاج إليه نمونا ، حينما نستخدم معرفتنا طوال الوقت ؟

إنني أتذكر ذات مرة ، حينما جاءتني فتاتان شابتان ، وهما ابنتا صديق لي ، وكانتا منخرطتين في البكاء تشكوان من فظاظة أبيهما وافتقار إلى فهمهما ، وتخشيان من فتح أبويهما في الأمر مخافة العواقب في الوقت الذي كانتا في أمس الحاجة إلى حبهما ، وتفهمهما وإرشاداتهما .

تحدثت مع أبيهما ووجدت أنه كان على إدراك واع لما يحدث ، غير أنه مع إقراره بعصبيته ، فقد رفض أن يتحمل مسئولية ما ينجم عنها وأن يتقبل بأمانة حقيقة انخفاض مستوى تطوره العاطفي . لقد كانت مبادرته باتخاذ الخطوة الأولى نحو التغيير أكبر مما يتحمله كبرياؤه .

ومن أجل أن نقيم علاقات فعالة مع الزوجة أو الزوج ، أو الأبناء ، أو الأصدقاء ، أو الزملاء في العمل ، فإنه يتحتم علينا أن نتعلم الاستماع ، وهو أمر يقتضي قوة عاطفية . إن الاستماع ينطوي على الصبر ، والتفتح ، والرغبة في الفهم – وهي صفات شخصية على مستوى رفيع من التطور . إنه من السهل للغاية أن تتصرف انطلاقاً من مستوى عاطفي متدن ، وأن تسدي نصائح على مستوى رفيع .

إن مستوى تطرونا يكون واضحاً للغاية في لعب كرة المضرب أو العزف على البيانو ، حيث يكون التظاهر مستحيلاً ، غير أن الأمريكيين أقل وضوحاً في مجالات تطور السمات الشخصية والعاطفية . إننا نستطيع أن " نتكلف " و " ننتحل " أمام شخص غريب أو شريك . إننا نستطيع أن نتظاهر ، كما يمكننا أن نتجاوز ذلك بسلام لمدة وجيزة – علانية على الأقل . بل إننا قد نخدع أنفسنا . ومع ذلك فإنني أعتقد أن معظمنا يعرف حقيقة من نكون داخل ذواتنا ، وبالمثل يعرف ذلك الكثير ممن تخالطهم في الحياة وفي العمل .

لقد شاهدت العواقب الناجمة عن محاولة اختصار هذا التدرج الطبيعي للنمو خاصة في مجال الأعمال حيث يحاول رجال الأعمال " شراء " ثقافة جديدة تعلن عن تحسينات في الإنتاجية ، والجودة ، والثقة ، وخدمة الزبائن باستخدام الخطب الرنانة ، والابتسامة المرحبة ، والتدخلات الخارجية ، أو من خلال الاندماجات ، والحيازات ، والاستيلاء عنوة أو بالتراضي . غير أن ذلك يتجاهل مناخ الثقة الضئيلة التي تفرزها مثل هذه الممارسات الاحتكارية ، وعندما تخفق هذه الوسائل ، فإنهم يفتشون عن وسائل أخرى في منظومة الصفات الأخلاقية الذاتية التي تحقق النجاح – وهم طوال الوقت يتجاهلون وينتهكون المبادئ وخطوات التدرج الطبيعي التي إليها وتقوم عليها ثقافة الثقة الكبيرة.

إني أتذكر أني انتهكت هذا المبدأ بصفتي أبا منذ سنوات عديدة، فقد عدت إلى المنزل الأخضر احتفال ابنتي بعيد ميلادها الثالث، حيث وجدتها منزوية في ركن من الحجرة الأمامية، متشبتة في عناد بجميع هداياها، رافضة تماماً أن يشاركها الأطفال الآخرين اللعب بها. كان أول ما لحظت وجود الكثير من الآباء داخل الحجرة يشاهدون هذا المسلك الأناني، تملكني الحرج، وضاعفه أنني كنت في نفس الوقت ألقي محاضرات في الجامعة حول العلاقات الإنسانية. ولقد علمت، أو شعرت على أقل تقدير– ماذا يتوقع مني هؤلاء الآباء .

كان الجو في الغرفة مشحوناً للغاية– كان الأطفال متزاحمين حول ابنتي، مادين أيديهم طلباً للعب بالهدايا التي كانوا قد أعطوها إياها للتو، في حين أن ابنتي كانت ترفض ذلك في إصرار عنيد. عندئذ قلت لنفسي، " يجب عليّ بالتأكيد تعليم ابنتي قيمة المشاركة والتي هي إحدى أهم الأشياء التي تؤمن بها".

في البداية تقدمت بمطلب بسيط " عزيزتي ، من فضلك أشركي أصدقائك في اللعب التي أهدوها إليك؟ "

جاءت إجابتها الصريحة،" لا "

كانت خطوتي التالية تنطوي على قدر قليل من الإقناع ، " عزيزتي ، إذا تعلمني مشاركتهم في لعبك وهم في بيتك ، فسيشركونك في لعبهم عندما تذهبين إلى بيوتهم . "

جاءت الإجابة الفورية أيضا " لا " .

عند ذاك بدأت أحس بمزيد أحس بمزيد من الحرج لما بدا من افتقادي لأي تأثير عليها . وكان الأسلوب الثالث الذي اتبعته يستند إلى الرشوة .

قلت لها بنعومة بالغة " عزيزتي ، إذا أشركتيهم ، سأقدم لك مفاجأة خاصة سأعطيك قطعة من اللبان " .

انفجرت الطفلة صائحة ، " لا أريد لبانا " .

عند هذا الحد بدأ الغضب يتملكني . وفي محاولتي الرابعة لجأت إلى التخويف والتهديد ، " ما لم تشركيهم معك ستكونين في مأزق ! "

" لا يهمني ذلك ! " جاءت اجابتها الباكية . " إنها أشيائي ، ولا يتحتم عليّ أن أشركهم معي !! "

وأخيراً ، لجأت إلى العنف ، حيث أخذت بعض اللعب منها وأعطيتها للأطفال الآخرين . " هيا يا أطفال ، العبوا بها "

ربما كانت ابنتي في حاجة إلى تجربة امتلاك الأشياء قبل أن تستطيع منحها . ( في الواقع ، ما لم أمتلك شيئاً ، هل يمكنني حقيقة أن أعطيه لأحد ؟ ) . كانت في حاجة لي بصفتي والدها أن أكون على مستوى أعلى من النضج العاطفي لأنقل إليها هذه التجربة . غير أنني في تلك اللحظة ، وضعت رأي هؤلاء الآباء عني على قدر أعلى من نمو وتطور ابنتي وعلاقاتها معاَ . لقد قمت ببساطة بإصدار حكم أولي بأنني على حق ، وأنها يجب أن نتشارك ، وأنها كانت على خطأ إذ لم تفعل هذا .

ربما كنت قد غاليت في أن أفرض مستوى أعلى مما أتوقعه منها لأنني ببساطة كنت على مستوى متدن وفقاً لمقياسي الخاص لقد كنت قادراً أو غير راغب في بذل الصبر أو الفهم ، لذا فقد توقعت منها أن تعطي الأشياء . وفي محاولة لتعويض عجزي ، اقترضت القوة من مكانتي وسلطتي وأجبرتها على فعل ما أردت أن أفعله .

غير أن افتراض القوة ينشئ الضعف لدى المقترض لأنه يدعم الاعتماد على عوامل خارجية لإنقاذ الأشياء . إنه ينشئ الضعف في الشخص المجبر على الإذعان ، ويعوق تطوير التفكير العقلاني المستقل ، والنمو ، والمعايير الداخلية ، وأخيراً ، فإنه ينشئ الضعف في العلاقات ، حيث يحل الخوف محل التعاون ، ويصبح الطرفان المعنيان أكثر نزوعاً للتسلط واتخاذ المواقف الدفاعية .

ثم ماذا يحدث حينما يتغير مصدر القوة المقترضة – أياً ما كان حجمها ضخماً أو قوة جسدية ، منصباً ، سلطة ، كفاءة ، رمزاً وطنياً ، مظهراً ، أو ماضياً مجيداً – أو يفقد هذا المصدر موقعه ؟

فلو كنت أكثر نضجاً ، لكنت قد عولت على قوتي الباطنية على فهمي للتشارك وللنمو ، وقدرتي على الحب والتنشئة ، وسمحت لابنتي أن تختار بحرية بين الرغبة أو عدم الرغبة في التشارك . ولربما بعد محاولات المناقشة العقلانية معها ، كنت قد نجحت في تحويل انتباه الأطفال الآخرين إلى لعبة مسلية ، رافعاً كل هذا الضغط العاطفي عن ابنتي . لقد تعلمت أنه إذا شعر الأطفال بالملكية الحقيقية ، فإنهم يتشاركون بصورة طبيعية ، وحرة وتلقائية للغاية .

لقد كانت خلاصة تجربتي أن هناك أوقاتاً تصلح للتعليم وأوقاتاً لا يتعين فيها التعليم ، وعندما تكون العلاقات متأزمة ، والجو مشحون بالعواطف ، فإن أية محاولة للتعليم ينظر إليها عادة على أنها شكل من التحكم والرفض . ولكن إذا انفردنا بالطفل في هدوء ، حينما تكون العلاقات طيبة ثم مناقشة وتوصيل القيمة المبتغاة ، فإن النتيجة تكون على الأرجح أكثر تأثيراً ، ولعل النضج العاطفي اللازم لفعل ذلك كان دون مستوى قدرتي على الصبر وضبط النفس آنذاك .

إن الشعور بالتملك ربما كان يلزم أن يأتي قبل الشعور بالتشارك الحقيقي . ولعل العديد من الناس الذين يعطون بطريقة آلية أو يرفضون العطاء والتشارك في زيجاتهم وعائلاتهم لم يستشعروا قط معنى الملكية لأنفسهم ، ولشعورهم بهوياتهم وقيمهم الذاتية . إن بذل المعاونة الحقيقية لنمو أطفالنا قد يتطلب قدراً من الصبر يسمح لهم باستيعاب الإحساس بالتملك وقدراً آخر من الحكمة يتيح تعليمهم قيمة العطاء مع تقديم القدوة على ذلك بأنفسنا .

 

 

المصدر: مقتبس
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 485 مشاهدة

ساحة النقاش

موقع التنمية البشرية

shababaliraq
مجموعة من المثقفين والمختصين والمدربين هدفنا نشر الثقافة التنموية وتطوير القابليات الاجتماعية ودعم الاستشارات النفسية والتربوية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

24,319

الحياة مع المهارات اجمل

 هل تعلم بان الكثير منا لايزال يخاف خوض بعض التجارب الحياتية التي ينبغي خوضها .. وفقا للمرحلة العمرية والادراكية التي وصل اليها..لكنه يتراجع خوفا من الفشل..الفشل المر..
ولكن لانعرف بان الفشل هو طريق النجاح 
وسلم التقدم والارتقاء للكثيرين!!
 الذين اخترعوا وابتكروا واصبحوا روادا في صناعة حضارتنا الانسانية ... فشلوا قبل ذلك في حياتهم عشرات المرات!! بل مئات المرات..
ولكن الفرق الذي بيننا وبينهم...هم ينهضون ويبدؤون من جديد ، ونحن نندب حظنا ونبكي ...لما فشلنا ولما؟ ولما...؟
ويسير قطار العمر .. الى ان يأتي يوم ندفن طموحنا وهممنا واحلامنا معنا في المقابر...
هذه هي الحقيقة ..