مركز التنمية المهنية لهيئة التعليم بأبو كبير شرقية

موقع علمي يضم كل ما يخص التنمية المهنية من معلومات ومواد تدريبية وقرارات وزارية ومراجع

المنهج العلمي في معالجة مشكلات انخفاض التحصيل الدراسي للأطفال في المدارس
د. غالب محمد رشيد الأسدي

يعد التحصيل الدراسي المدخل الرئيس الذي يمكن من خلاله التعرف على مشكلات رسوب أو إخفاق بعض الأطفال في المدارس الابتدائية، والذين لا يستطيعون أن يكونوا مثل أقرانهم من الأطفال الآخرين في قدرة التعلم واكتساب المعلومات المختلفة، مما يؤدي إلى كثرة شكوى المعلمين والإدارة المدرسية وأولياء الأمور من أن هؤلاء الأطفال لا فائدة ترجى من تعليمهم، والسبب في ذلك يعود إلى أنهم قد لا يدركون الأسباب الحقيقية لهذا الإخفاق أو الانخفاض في درجات هؤلاء الأطفال وبالتالي انخفاض تحصيلهم الدراسي المتواصل والمستمر، والنتيجة النهائية هي الرسوب والبقاء في الفصول نفسها لعدة سنين دون وجود معالجات جذرية وحقيقية للمشكلة وأسبابها.
فإذا كانت كل المشكلة ومسبباتها تتعلق بالتحصيل الدراسي فما المقصود به إذاً ؟
لغويا يعرف التحصيل بأنه حصل الشيء، يحصل حصولا، والتحصيل تميز ما يحصل، وقد حصلت الشيء تحصيلا، جمع ونحل الشيء: تجمع وثبت، والمحصول الحاصل، وتحصيل الكلام ورده إلى محصول (ابن منظور، ص654).
وتربويا يعرف التحصيل الدراسي بأنه إنجاز تعليمي أو تحصيل دراسي للمادة، ويعني بلوغ مستوى معين من الكفاية في الدراسة سواء أكان في المدرسة أو الجامعة، ويحدد ذلك اختبارات مقننة أو تقارير المعلمين أو الاثنين معا (الحفني 1987ص11).
ويعرفه آخر بأنه النتيجة النهائية التي تبين مستوى الطالب، ودرجة تقدمه فيما يتوقع منه أن يتعلمه (الخليلي وآخرون 1996ص26).
ويعرفه ثالث بأنه مقدار ما يحصله الطالب من خبرات ومهارات في مادة دراسية أو مجموعة مواد مقدرا بالدرجات التي يحصل عليها نتيجة لأداء الاختبارات التحصيلية كما تحدد بالمعدل التراكمي (فطيم 1989 ص25).

يتوقف تحسين التحصيل الدراسي على عملية أخرى تدعى عملية التعلم Learning، فكلما كانت عملية التعلم ضمن المقاييس الصحيحة والعلمية أصبح التحصيل الدراسي للأطفال ضمن الحدود الطبيعية، أما إذا حدث العكس فان ذلك يؤدي إلى انخفاض التحصيل الدراسي لهم، وبالتالي الفشل أو الإخفاق الدراسي، ولعملية التعلم عدة تعريفات تختلف من باحث إلى آخر، ومن نظرية تعلم إلى أخرى، ومنها أن عملية التعلم عملية داخلية يستدل عليها عن طريق آثارها أو النتائج المترتبة عليها، وذلك في صورة تعديل يطرأ على سلوك الفرد سواء من الناحية الانفعالية مثل اكتساب اتجاهات وقيم وعواطف وميول جديدة، أو من الناحية العقلية مثل اكتساب معلومات ومهارات للاستعانة بها عند التفكير في مواقف معينة وذلك في محاولة الوصول إلى هدف معين لحل بعض المشكلات المحددة (خير الله 1988ص7).
وكي تحدث عملية التعلم بشكلها الصحيح والمناسب، فان هناك شروطا يجب توافرها بشكل جيد والتي تتضمن النضج Maturation وهي عملية تطور ونمو داخلي تتابع بشكل معين منذ بدء الحياة، وذلك باتحاد الخلية الذكرية والخلية الأنثوية، ولا دخل للفرد فيها، وتشمل تغيرات فسيولوجية وأخرى عضوية وعقلية. والشرط الثاني هو الممارسة Practice وتتضمن النشاط الحركي مثل ركوب الدراجة أو قيادة السيارة ونشاط يتضمن المعلومات أو التفكير المنطقي الناقد أو الابتكاري. أما الشرط الأخير فهو الدافعية Motivation والتي تعرف بنها طاقة كامنة في داخل الكائن الحي تعمل على زيادة استثارته ليسلك سلوكا معينا في العالم الخارجي، ويتم ذلك عن طريق اختيار الاستجابة المقيدة وظيفيا له في عملية تكيفه مع البيئة الخارجية، ووضع هذه الاستجابة في مكان الأسبقية على غيرها من الاستجابات المحتملة مما ينتج عنه إشباع حاجة معينة أو الحصول على هدف معين (خير الله 1988ص9-19).
إن تلك الشروط وتوافرها قد يضمن إلى حد كبير وجود بيئة مناسبة للتربية والتعليم، ولكن إذا لم تتوفر إحداها أو أكثر قد يجعل من عملية التعلم صعبة أو معقدة أو تعطي نتائج غير النتائج المخطط لها من قبل القائمين على العملية التربوية. وإذا وضعنا في الحسبان أن الأطفال بشكل عام يقعون من حيث نسب التحصيل الدراسي ضمن المستوى الطبيعي، وأن هناك نسبة غير طبيعية وعددها اقل دائما ومتطرفة بالإيجاب وهم المتفوقون في التحصيل الدراسي، فان هناك نسبة أخرى بالعكس وهي قليلة أيضا ومتطرفة ولكن بالسلب وهم المنخفضون في التحصيل الدراسي، يسمى هذا التوزيع بالتوزيع الاعتدالي أو الجرسي ، المشكلة إذا حدث خلل في هذا التوزيع وزادة نسبة المتطرفين بالسلب مما يعنى وجود انخفاض في التحصيل الدراسي غير طبيعي مما يحتاج إلى وقفة جادة للبحث عن الأسباب لهذا الإخفاق أو الانخفاض في التحصيل والتي يمكن من خلالها اقتراح المعالجات ورفع التحصيل الدراسي للأطفال من ذوي التحصيل المنخفض، لأن من أهم ادوار التربويين السعي الجاد للتغلب على المشكلات التي تعيق العملية التربوية، كي يضمن تحقيق النجاح للأطفال وانتقالهم إلى مراحل دراسية لاحقة تناسب أعمارهم وتوجهات وتطلعات ومتطلبات المجتمع الذي يعيشون فيه، والتي خطط لها ضمن الأهداف العامة للتربية في ذلك المجتمع. وإن أفضل طريقة للبحث عن المشكلات ومعالجتها هو إتباع المنهج أو الأسلوب العلمي في حل المشكلات.
يعد الأسلوب العلمي لمعالجة أو حل المشكلات من الأساليب التي تتناول حل المشكلة حلا جذريا وواقعيا، وذلك لأنه أسلوب يقتضي التروي والتفكير في أعماق المشكلة من جميع نواحيها، ومن ثم جمع المعلومات الوافية لحلها حلا جذريا. لذلك فان هذا الأسلوب الموضوعي يتطلب من التربويين أو القائمين على العملية التربوية الاستئناس بالوقائع والمشاهدات والملاحظات الميدانية في العملية التربوية لا الاستئناس فقط بالنظريات ووجهات النظر والإجراءات التطبيقية المحدودة النتائج التي تحتاج إلى تطوير أو بحوث لتعزيز إمكانية تطبيقها بشكل أكثر شمولية مثل طرائق التدريس المبتكرة أو وسائل التعلم أو الأجواء الدراسية وغيرها، كما يجب الالتفات أو الانتباه إلى أن الأسلوب غير العلمي أو غير المخطط له قد يؤدي إلى تقديم حلول جزئية أو مرحلية يشوبها كثير من الأخطاء والإخفاقات التي لا تخدم أو تحقق الهدف العام للتربية وطموحاتها المستقبلية.

تتضمن خطوات الأسلوب أو المنهج في حل المشكلات عدة خطوات متسلسلة ومتتالية هي:
1- وجود المشكلة
2- صوغ فرض أو عدة فروض لحل المشكلة
3- اختبار صحة هذه الفروض للوصول إلى الفرق المناسب لحل المشكلة
4- التعميم
(راجح 1970ص48).
فإذا أردنا أن نتغلب على مشكلات انخفاض التحصيل الدراسي التي تشير النتائج الامتحانية إلى وجود نسب منها تسعى جميع الإدارات المدرسية إلى خفضها إلى أقصى حد ممكن، ويعزون اسب بابها إلى جوانب اقتصادية عامة أو سياسية أو اجتماعية، وربما يكونون محقين إلى حد كبير، ولكن هناك أسباب أخرى أكثر فعالية وأثرًا في انخفاض التحصيل الدراسي تتعلق بالتكوين الشخصي للطفل في المدرسة والظروف المحيطة به. فإذا أردنا أن تكون المعالجات التربوية شاملة وفعالة، لابد أن نتبع استراتيجيات معالجات تربوية يكون محورها الطفل، وليس الإمكانيات التربوية فقط مثل طرائق التدريس أو المناهج أو الوسائل التعلمية أو إعداد المعلمين أو الأجواء المدرسية، وتلك الاستراتيجيات تنظر إلى العملية التربوية بشمولية دون جزئياتها ومن خلال النظرة الجدية والحل الجذري، فان أسلوب أو منهج حل المشكلات العلمي واتباع خطواته بدقة وموضوعية وتضمينها في خطة المعالجة الاستراتيجية المخطط لها قد تحل كثيرًا من حالات الإخفاق أو الفشل التي تؤدي إلى انخفاض التحصيل الدراسي للأطفال في المدارس، لاسيما في مرحلة الدراسة الابتدائية، لأنها تعد القاعدة أو الأساس الذي تقوم عليه مراحل دراسية أعلى، فإذا كانت نسب النجاح أو التحصيل الدراسي طبيعية فإنها أكثر احتمالا أن تكون كذلك في مراحل دراسية لاحقة، وهو طموح شرعي بالنسبة للقائمين على العملية التربوية. الساعون بكل إمكانياتهم المادية والبشرية لإنجاحها والتقليل بكل تلك الإمكانيات من انخفاض التحصيل الدراسي الذي يؤدي إلى الفشل والرسوب في الدراسة، لما لها من انعكاسات كبيرة وخطيرة فيما إذا أخفقت على مستقبل الأجيال. ومن هنا فان الوقوف عند أسباب الانخفاض في التحصيل الدراسي ومعالجاته التربوية تعد إستراتيجية تربوية مهمة في أي نظام تربوي يسعى لتحقيق الأهداف السامية.
_______________________
المصادر:
1- ابن منظور، لسان العرب
2- الحنفي، عبد المنعم، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، ط2، دار العودة، مصر، 1987
3- خير الله، سيد، علم النفس التعليمي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1988
4- الخليلي، خليل يوسف وآخرون، تدريس العلوم في مراحل التعليم العام، دبي، 1996
5- راجح، احمد عزت، أصول علم النفس، المكتب المصري الحديث، الإسكندرية، 1970
6- فطيم، لطفي، الاستذكار والتحصيل الدراسي لدى طلاب وطالبات كلية البحرين الجامعية، مجلة العربية للدراسات الاجتماعية، العدد 26، 1989
7- الياسري، حسين نوري، سيكولوجية منخفضي الذكاء، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2006

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 188 مشاهدة
نشرت فى 11 فبراير 2015 بواسطة sazzazy

مسئول الدعاية والاعلان

sazzazy
موقع علمي يتضمن تدريبات وإعلانات ومراجع وكل ما يخص التنمية المهنية والبشري »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

53,340