العراق وبدايات المسرح المصري
د. سيد علي إسماعيل
قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة حلوان
ــــــــــــــــ
ممثلون ومطربون
يؤرخ لبدايات المسرح المصري بعام 1905، عندما أصبح (الشيخ سلامة حجازي) صاحب فرقة مسرحية تحمل اسمه؛ بوصفه مصرياً. ومن الأمور المجهولة في تكوين هذه الفرقة، أنها كانت تشتمل على أول ممثل عراقي، يعمل في المسرح المصري، وهو الممثل (محمد العراقي)!! وأول مسرحية قام بتمثيلها في أغسطس 1905 كانت مسرحية (مغاير الجن) بدار التمثيل العربي، وهي من تأليف مشيل مرشاق. وفي عام 1918 وجدناه يُمثل في مسرحية (عشم إبليس في الجنة) تأليف عباس علام، ولصالح نادي جامعة الفنون الجميلة. وفي عام 1918 نفسه انضم محمد العراقي إلى فرقة جورج أبيض، ومثل معه مسرحية (رحلة المسيو بريشون). وفي عام 1924 انضم إلى فرقة فوزي منيب.
محمد العراقي
وفي عام 1925 نشرت مجلة التياترو صورته، وقالت عنه نصاً: "هو ممثل قديم، رأيناه بفرقة المرحوم الشيخ سلامة حجازي وفرقة إخوان عكاشه، والأستاذ أبيض. وهو نشيط في عمله محبوب من رؤسائه، دمث الأخلاق، مطيع للنظام، ويجيد في نوعي التراجيدي والكوميدي. وحنجرته قوية تفيد كثيراً في ألحان المجموعة، وهو الآن من عماد فرقة الأوبريت المصري التي يديرها فوزي أفندي منيب بالإسكندرية. وفي العام نفسه – 1925 – انضم محمد العراقي إلى فرقة علي الكسار، ونجح في دوره في مسرحية (عثمان حيخش دنيا). وظل محمد العراقي يعمل في فرقة علي الكسار حتى أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، حيث مثل عام 1935 في مسرحية (صح النوم)، وفي عام 1938 مثل مسرحية (الغني والفقير).
محمد العراقي في مسرحية عثمان حيخش دنيا
والجدير بالذكر إن محمد العراقي لم يكن العراقي الوحيد في فرقة سلامة حجازي، بل كان هناك آخر، وهو المطرب (عبده البغدادي)، الذي كان يطرب الجمهور بين فصول المسرحية عام 1908. وفي هذا الصدد لا ننسى أن الفنان المسرحي الكوميدي الشهير (نجيب الريحاني)، ما هو إلا ابن العراقي إلياس ريحانة تاجر الخيول، الذي استقر في مصر وتزوج من لطيفة، التي أنجبت له الممثل نجيب!!
نجيب الريحاني
ممثلات ومطربات وراقصات
لم يكن الفن العراقي موجوداً في تاريخ المسرح المصري من خلال الرجال فقط، بل كان موجوداً وبكثرة من خلال النساء العراقيات كذلك. وأول امرأة كانت (المطربة بية)، التي غنت في مسرحية (فتاة الأناضول)، التي عرضتها فرقة أولاد عكاشة بمسرح حديقة الأزبكية. وأعلنت جريدة الأهرام عن هذه المسرحية في مارس 1924، قائلة، تحت عنوان (مهرجان فرح وطرب): " اذهبوا جميعاً إلى تياترو حديقة الأزبكية لمشاهدة أكبر حادث شرقي في الرواية الجديدة التي تقدمها للجمهور المصري فرقة عكاشه وشركاهم رواية فتاة الأناضول. لأول مرة إبداع فوق حد الوصف محاسن وجمال وجلال درة فنية تمثيلية تمثل أمام جمهور الفضلاء لأول مرة وتظهر بين مناظرها المغنية الرشيقة ربة الصوت الساحر الموسيقية الشرقية المدهشة لأول مرة النجمة العراقية "السيدة بية" نزيلة مصر الآن تغني لأول مرة للجمهور المصري على تخت طرب من أقوى رجال الفن فتهز القلوب وتحرك بلابل الأشجان تغني لأول مرة بصوتها فتشجي نفوساً متعطشة للطرب وتخلب الألباب تغني هذه السيدة المغاني الشرقية الجميلة منها مصري بغدادي وعراقي اذهبوا لسماعها في هذه الليلة قبل احتجابها. الرواية جديدة والمغنية جديدة وكلاهما مطرب وجميل".
والعراقية الثانية كانت المطربة (سمحة البغدادية)، التي عملت في صالة بديعة مصابني عام 1928. والفنانة الثالثة كانت الراقصة نزهة العراقية، التي كانت ترقص وتغني في الكازينوهات والصالات، مثل كازينو رتيبة وأنصاف رشدي، حيث مثلت رواية (ابن الداية)، واستعراض (مصر والسودان)، وإسكتش (مملكة الشياطين) عام 1936. كما عملت في فرقة ببا عز الدين بكازينو مونت كارلو بالشاطبي بالإسكندرية هي وبدرية العراقية – الرابعة - وعفيفة إسكندر العراقية – الخامسة - التي تخصصت في التمثيل وإلقاء المونولوجات في الصالات والكازينوهات عام 1938، حيث مثلت استعراض (المواصلات)، ومسرحية (غانيات نهر دجلة)، وإسكتش (150 جنيه).
أما السادسة، فكانت الراقصة نجوى، التي أخبرتنا عنها مجلة (المصور)، قائلة في أكتوبر 1939: "ملكة المسارح بديعة مصابني تفتح موسمها الشتوي بكازينو وكباريه بديعة بتياترو الماجستيك رواية (99 مقلب) 3 فصول تأليف أبو السعود الإبياري تلحين فريد غصن، إخراج بشارة واكيم. تمثيل ملكة الجمال التركية هجران هانم، زينات صدقي، حكمت فهمي، الراقصة العالمية أناميرا، الراقصة الإيرانية إيرانيان نجاة، الراقصة العراقية نجوى، إسماعيل ياسين، بشارة واكيم. كباريه من منتصف الليل".
الأغاني والرقصات العراقية
لم يكن التواجد العراقي في تاريخ المسرح المصري قاصراً على الوجود البشري من خلال الفنانين والفنانات، بل كان موجوداً من خلال الفن العراقي نفسه في صورة أغانيه ورقصاته!! وتُعدّ سلطانة الطرب (منيرة المهدية) من أوائل المطربات المصريات، التي غنت الطقاطيق العراقية من خلال الألحان البغدادية، هكذا نشرت جريدة (السياسة) عام 1924، قائلة: "حفلة موسيقية، تمثيل وطرب وغناء ورقص. يمثل جوق عكاشة أجمل رواية مصرية عصرية عبقرية ذات موضوع راق. رواية (سوسو هانم). تظهر بين مناظر الرواية بلبلة الشرق مغنية أرض مصر المقدسة السيدة منيرة المهدية، فتجلس على عرش الطرب، وتخلب الألباب بحنين صوتها الساحر، وتنشد مقطوعات الروايات، وأدوار مصرية، وطقاطيق عراقية، وألحان بغدادية".
وتُعدّ فرقة عكاشة، من أوائل الفرق التي اهتمت بالرقص البغدادي وإدخاله في عروضها المسرحية عام 1923، عندما مثلت مسرحية (المغفل)، التي قالت عنها جريدة (الأهرام): "رواية موسيقية غنائية كوميدية مضحكة جداً موقع ألحانها على نغمات الأوركستر يظهر بها نهر الدجلة وقصر الخليفة الرشيد. تغني فيه المطربات وترقص فيه الراقصات الرقص البغدادي الجميل". وفي عام 1925 رقصت منيرة المهدية الرقص البغدادي كما غنت الطقاطيق العراقية على الأنغام البغدادية! فقد نشرت جريدة (كوكب الشرق) عام 1925 تحت عنوان (جوق السيدة منيرة المهدية)، قائلة: "على مسرح برنتانيا يوالي التمثيل يومياً بصفة مستديمة ويقدم للشعب المصرى الكريم الرواية الأولى (الغندورة) تأليف بديع خيري، تلحين داود حسني. تمثل دور الغندورة وترقص الرقص البغدادي القديم السيدة منيرة المهدية".
بغداد .. سحر المسرح
لم يبق بعد الفنانين العراقيين، والفنانات العراقيات، والفن العراقي ذاته في تاريخ المسرح المصري .. سوى الإلهام!! والألهام المقصود هو (بغداد)، وهو أكثر أسماء المدن العربية انتشاراً في نصوص المسرح المصري، بل وكان الإلهام الأهم لكُتّاب المسرح في مصر!! ففي عام 1916 مثلت فرقة عكاشة مسرحية (ليلة في بغداد)، وفي عام 1926 مثل نجيب الريحاني مسرحية (حلاق بغداد)، وفي عام 1927، وفي العام نفسه مثلت فرقة عكاشة مسرحية (فاتنة بغداد)، وفي عام 1931 مثلت فرقة رمسيس مسرحية (أميرة بغداد)، وفي عام 1934 تم تمثيل إسكتش (سوق بغداد) في كازينو رتيبة وأنصاف رشدي، وفي عام 1935 مثلت فرقة بديعة مصابني استعراض (ليالي بغداد)، وفي عام 1936 مثلت فرقة يوسف عز الدين إسكتش (ليلة في بغداد)، وفي عام 1942 مُثلت مسرحية (بنت بغداد).
ساحة النقاش