شخصية صلاح الدين الأيوبي، هي الرمز التاريخي الأوحد المُستخدم في المجال الفني للتعبير عن تحرير القدس، وانتصار العرب على الفرنجة الأجانب!! ومع مرور الزمن، أصبحت هذه الشخصية أيقونة القضية الفلسطينية عموماً، والانتصار على الكيان الصهيوني خصوصاً!

ومن المعروف أن أول عربي استخدم هذه الشخصية مسرحياً، هو الكاتب نجيب الحداد عندما عرّب مسرحية (السلطان صلاح الدين الأيوبي مع ريكاردوس قلب الأسد) عن مسرحية (الطلسم Talisman The) أو (التعويذة) للكاتب الإنجليزي السير والتر سكوت (Sir Walter Scott). وأول عرض لهذه المسرحية كان عام 1893 بدار الأوبرا الخديوية من خلال فرقة سليمان الحداد.

ظل نص نجيب الحداد هو النص المسرحي المعتمد لجميع الفرق المسرحية العربية في مصر منذ عام 1893 حتى عام 1915، عندما ألف فرح أنطون مسرحيته (صلاح الدين وفتح بيت المقدس)، والتي تُعد أول مسرحية تحمل النظرة العربية لهذه الشخصية التاريخية، لذلك أصبح نصها، هو النص المعتمد لجميع عروض الفرق المسرحية العربية، لا سيما بعد نكبة فلسطين 1948!!

بعد العدوان الثلاثي – إسرائيل وإنجلترا وفرنسا – على مدينة بور سعيد الباسلة عام 1956، وارتباط هذه الحادثة بقضية فلسطين، فكر المسرحيون في المشاركة الإيجابية الفنية في هذا الحدث، فتصدى للأمر جورج أبيض، الذي كتب خطاباً إلى الرئيس جمال عبد الناصر يوم 18/12/1956 – وهو نص الوثيقة الأولى - قال فيه:

"السيد رئيس الجمهورية وبطل مصر المُفدى، جمال عبد الناصر. يتقدم جورج أبيض تحت لوائكم، لواء النصر والحرية لإحياء ليلة تمثيلية بمسرح الأوبرا يخصص إيرادها لبور سعيد الباسلة، ويعرض مشتركاً مع زملائه أبطال المسرح إحدى رواياته الوطنية الخالدة (((صلاح الدين وفتح بيت المقدس))). وأملي أن تشملوا هذه الحفلة برعايتكم وتشريفكم لتلمسوا وتتحققوا من أن المسرح العربي في عهدكم حي لم يمت. فقد أكسبتموه من روحكم الوثابة شباباً وازدهاراً لا يمحوهما إشاعات وتقولات المغرضين. وتفضلوا يا سيدي الرئيس بقبول عظيم الاحترام والتقدير 18/12/1956 [توقيع] جورج أبيض".

وبعد يومين، جاءه الرد في خطاب رسمي – وهو الوثيقة الثانية - من صلاح الشاهد، تشريفاتي رئاسة الجمهورية، هذا نصه: "رياسة الجمهورية مكتب الرئيس: السيد الأستاذ جورج أبيض .. تحية طيبة – إيماء إلى كتابكم بتاريخ 18 ديسمبر 1956، بشأن طلب وضع الحفلة التمثيلية التي تزمعون إقامتها بمسرح الأوبرا تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية، والتي سيخصص صافي إيرادها لمساعدة أسر شهداء بور سعيد. نفيد أنه بعرض الأمر على السيد الرئيس، وافق سيادته على إقامة هذه الحفلة التمثيلية تحت رعايته، أما بخصوص تشريف سيادته الحفل فلم يبت في الأمر بعد نظراً للظروف الحاضرة وكذا ارتباط سيادته بمواعيد أخرى. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. 20/12/1956 [توقيع] تشريفاتي رياسة الجمهورية".

وإذا نظرنا إلى خطاب جورج أبيض إلى الرئيس جمال عبد الناصر، سنلاحظ عدة أمور، أولها: حُسن اختياره لمسرحية (صلاح الدين وفتح بيت المقدس)؛ لأنها الأنسب فنياً ووطنياً وسياسياً في هذه المرحلة، وهو الأمر الذي يُحسب لجورج أبيض. أما الملاحظة الأخرى، فتتمثل في تأكيد جورج أبيض للرئيس جمال عبد الناصر بأن المسرح العربي حي لم يمت في عهد ثورة 1952!! ولعل هذا المعني مرتبط بما ألمح إليه جورج من أن هناك مغرضين يتقولون على الرئيس جمال عبد الناصر بأنه ضد الفنون والمسرح العربي، وأشاعوا هذا الأمر لتحدث بلبلة بين قيادات ثورة 1952 وبين الشعب!!

أما خطاب رئاسة الجمهورية إلى جورج أبيض، فهو خطاب بروتوكولي عادي جداً، رغم ما فيه من أمور ربما تكون غريبة على القارئ، وتحتاج إلى تفسير، ومنها: أن الحفلة تكون تحت رعاية رئاسة الجمهورية! وهذا يعني ضمان زوال أي عقبات تقف أمام الفرقة أو عرضها المسرحي!! ومن هنا نعلم لماذا رعاية الجهات السياسية أو صاحبة القرار تكون في غاية الأهمية لأي حفلة فنية، وهو الأمر المعمول به في كل الجهات المصرية، التي تقدم حفلات مسرحية أو فنية.

إلى هنا تتوقف متابعتي لهذا الأمر!! فخطاب جورج أبيض إلى الرئيس جمال عبد الناصر، ورد مكتب الرئيس عليه، هو كل ما أملكه من وثائق في هذا الموضوع!! ولم يبق إلا النبش والبحث عن هذا العرض بعد تاريخ الخطابين، والسؤال هل تم العرض بالفعل في دار الأوبرا؟؟ وما هو الإيراد المجموع؟ وهل تم توزيعه على أسر شهداء العدوان الثلاثي على بور سعيد أم لا؟؟ وماذا كانت رعاية الرئيس لهذا العرض، وما هي أشكال دعمه لهذه الفرقة؟؟ .. إلخ الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات من قبل الباحثين!!

وخير ختام لهذا الموضوع، هذه المعلومة؛ المتمثلة في: عندما بدأت حرب السادس من أكتوبر عام 1973، وبدأت بشائر النصر تظهر في الآفاق، قام محمود شعبان بتأليف مسرحيته (صلاح الدين) في غضون عدة أيام؛ مشاركة منه في المعركة، وتبنت وزارة الثقافة المصرية النص، وسارعت في إخراجه على خشبة مسرح حديقة الأزبكية يوم 15/10/1973، وجعلت الدخول مجاناً مساهمة منها في رفع معنوية الشعب المصري، وقالت عن المسرحية في إعلاناتها (المسرحية التي تعبر عن الوحدة الوطنية والتصميم العربي على النصر)، هكذا جاء في إعلان جريدة (الأخبار) يوم العرض!!

 

 

المصدر: جريدة مسرحنا - عدد 403 - 20 أبريل 2015
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 245 مشاهدة
نشرت فى 24 إبريل 2015 بواسطة sayed-esmail

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

826,306