نصوص مسرحية ألمانية في الإمارات
أ.د/ سيد علي إسماعيل
كلية الآداب - جامعة حلوان - مصر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علاقة العرب بالمسرح الألماني
علاقة العرب بالمسرح الألماني؛ علاقة قديمة جداً، بدأت مع بداية العروض المسرحية في المسارح الحكومية الرسمية في القرن التاسع عشر، لا سيما في مصر! فالشائع أن مصر عرفت المسرح – بصورته الحديثة – مع افتتاح دار الأوبرا الخديوية في الأول من نوفمبر عام 1869؛ ولكن هناك حقيقة أخرى تقول: إن أول مسرح رسمي بُني في العصر الحديث في مصر، كان (التياترو المصري)، الذي عُرف بـ(المسرح الكوميدي الفرنسي) ([1])، وقد أُفتتح – هذا المسرح - رسمياً يوم 4/1/1869 بأوبرا (هيلين الجميلة La Belle Hélène) تأليف (جاك أوفنباخ 1819/1880 Offenbach) ، وقد حضر العرض الخديوي توفيق، عندما كان ولياً للعهد. ولأن المسرح كان مخصصاً للعروض الفرنسية، فكان المؤلف أوفنباخ فرنسياً؛ ولكن فرنسيته كانت مكتسبة حديثاً؛ لأن جنسيته الأصلية كانت الألمانية! وبناءً على ذلك، نقول: إن مصر عرفت عروض المسرح (الغربي/الأوروبي) لأول مرة من خلال المسرح الألماني.
وهذا الحُكم ينطبق أيضاً على معرفة مصر للنصوص المسرحية الحديثة المطبوعة، حيث قام رفاعة رافع الطهطاوي – بأمر من الخديوي إسماعيل– بترجمة نص أوبرا (هيلين الجميلة) إلى العربية ([2])، ويُعدّ هذا النص أول وأقدم نص مسرحي مُترجم إلى العربية ومنشور في تاريخ المسرح الحديث في مصر عام 1869، وبناءً على هذا نقول: إن مصر عرفت المسرح الأوروبي من خلال المسرح الألماني؛ سواء من خلال عروضه أو نصوصه!
والجدير بالذكر إن مسرحية (فاوست) الشهيرة لجوته، تم عرضها في مصر – لأول مرة – عام 1870 بدار الأوبرا الخديوية، وكتب عنها الناقد الفرنسي (بيريت) نقداً رصيناً، نشرته مجلة (وادي النيل)، ليكون أول نقد منشور في الصحافة المصرية لنص مسرحي ألماني، كتبه ناقد أوروبي ([3]). وبعد هذا العرض توالت العروض المسرحية الألمانية في مصر، ومنها: مسرحية (ورتر) للكاتب (كيت)، التي عرضت في الأوبرا عام 1903 ([4])،
كذلك اهتم المسرحيون المصريون بالمسرح الألماني، فنقلوا من نصوصه أعمالاً كثيرة تنوعت بين الترجمة والتعريب والتمصير والاقتباس، منها: مسرحية (الخداع والحب) تأليف (شوار)، وتعريب إلياس فياض، ومثلتها فرقة عكاشة في يناير 1912 بدار التمثيل العربي، ومسرحية (وردة) لجورج إيبرس، ترجمة محمد مسعود عام 1913، ومسرحية (صاحب البيت)، التي عرّبها سليمان نيازي عن الألمانية، وعرضتها فرقة رمسيس ليوسف وهبي في أبريل 1926، ومسرحية (صاحبة الملايين) تأليف فرانز ليهار، التي اقتبسها عبده سعيد لطفي، ومثلتها فرقة منيرة المهدية في سبتمبر 1926 على مسرح برنتانيا، ومسرحية (ابن السماء)، التي ترجمها عن الألمانية سليمان نيازي، ومثلتها جمعية أنصار التمثيل والسينما بدار الأوبرا في أبريل 1933.
كما اهتمت الفرقة القومية المصرية بالمسرح الألماني، فخصصت الأديب أحمد شكري لترجمة نصوصه، التي عرضتها الفرقة بدار الأوبرا، ومنها: مسرحية (مجرم) لريتشارد فوس، وعُرضت في يناير 1936، ومسرحية (اللهب) لهانز مولّر، وعُرضت في مايو 1937، ومسرحية (الفتاة المسترجلة) لرودريك بندكس، وعُرضت عام 1938 ([5]).
علاقة الألمان بالمسرح العربي
اهتم الكُتّاب المسرحيون الألمان بالشرق العربي والإسلامي، ومنهم (هوجو فون هوفمانزتال Hugo Von Hofmannsthal)، الذى كتب مسرحية (زفاف زبيدة ) عام 1899، ومسرحية (هيلينا المصرية) عام 1926 ([6]). كما اهتم المستشرقون الألمان بالظواهر الأولى للمسرح العربي، مثل (خيال الظل) و(القراقوز)، فأخرجوا للعالم أول كُتبٍ عن هذه الظواهر ابتداء من عام 1904. فعلى سبيل المثال ألّف الدكتور جورج جاكوب (Georg Jacob) كتاباً باللغة الألمانية بعنوان (الملاعب الظلية وانتقالها من الشرق إلى الغرب)، وفيه أثبت أن فن خيال الظل ظهر في الشرق أولاً، ثم انتقل إلى الغرب. كذلك ألّف هوروفتس (G. Horovitz) عام 1906 كتاباً ألمانياً بعنوان (آثار للألعاب التمثيلية اليونانية في الشرق)، وهو عن فن القراقوز في الشرق والغرب. وفي عام 1906 أيضاً جاء إلى مصر المستشرق الألماني (بو كاله) للبحث عن مخطوطات وشخوص تتصل بفن خيال الظل؛ فعثر عام 1909 على شخص يُدعى (درويش القصاص)، الذي أمده بمجموعة من المخطوطات الظلية، قام بنشرها فما بعد([7]).
ومن المعروف أن الألمان مولعون بالمخطوطات العربية، وهذا الولع اتجه نحو المخطوطات المسرحية – كما رأينا في مخطوطات خيال الظل – وظل هذا الاهتمام حتى وقت قريب، حيث قام (مانفريد فويدش Manfred Woidich) - بالاشتراك مع آخر – بنشر مجموعة كبيرة من مخطوطات مسرحية لأحمد فهيم الفار باللغتين الألمانية والعربية في كتاب ضخم، نشرته وزارة الأبحاث العلمية والتكنولوجية التابعة لألمانيا الاتحادية تحت إشراف المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت، ونشر الكتاب تحت عنوان (المسرح الشعبي العربي في القاهرة سنة 1909: أحمد الفار ومسرحياته الشعبية) ضمن سلسلة (النشرات الإسلامية)، التي تصدرها جمعية المستشرقين الألمانية عام 1993.
تطور علاقة العرب بالمسرح الألماني
مما سبق نلاحظ أن الاهتمام بالمسرح الألماني، بدأ بترجمة النصوص المسرحية فقط، أما الاهتمام بالحركة المسرحية الألمانية فبدأ عام 1923، عندما نشرت جريدة (السياسة) – المصرية - مقالة بعنوان (المسرح في ألمانيا) – بوصفها أول مقالة عربية منشورة عن المسرح الألماني - تحدثت فيها الجريدة عن مؤلفات فيديكند المسرحية، وكيف انتشرت في ألمانيا بعد وفاته عام 1918، حيث إن العروض المسرحية في ألمانيا كانت تعتمد على النصوص الفرنسية، فقرر الاتحاد الألماني للمسارح عام 1923 ألا تُمثل مسرحيات فرنسية بعد ذلك. كما تحدثت المقالة عن ظاهرة ابتعاد العروض المسرحية في ألمانيا عن عنصر الإبهار في الديكور والمناظر، والاكتفاء بالرمز والتجريد ([8]).
وفي صيف عام 1923 أرسلت مصر إلى بلاد أوروبا مندوبها الفني (محمود مراد) الأستاذ بالمدرسة الخديوية؛ كي يطلع على أسلوب الفنون المسرحية والموسيقية في أوروبا، من أجل الارتقاء بهذين الفنين في مصر بصفة عامة، وإدخالهما ضمن المقررات الدراسية في المدارس المصرية بصفة خاصة. وبعد عودة هذا المندوب من رحلته كتب تقريراً، أبان فيه تقدم ألمانيا في بناء المسارح، واستخدامها لأرقى أساليب الإضاءة والحركة الميكانيكية، ناهيك عن مناهجها التعليمية في مجال المسرح والتمثيل، واقترح في نهاية تقريره إرسال بعض المصريين لدراسة الفنون المسرحية في ألمانيا ([9]).
وربما هذا التقرير شجع بعض المصريين – المقيمين في ألمانيا – للكتابة عن المسارح في ألمانيا، كما فعل الطالب (علي لبيب لهيطة)، الذي نشر مقالة في جريدة (المقطم) عام 1924، تحدث فيها عن وجود مسرح في كل بلدة ألمانية، يضارع أفضل المسارح المصرية، حيث إن الحكومة تعضدها جميعاً. وهذه المسارح لم تتأثر كثيراً بظهور الفن السينمائي، حيث إن ممثليها درسوا التمثيل في المدارس، كما أن الجمهور الألماني يحترم المسرح، ويواظب على مشاهدته كل أسبوع. كما أن الدولة تخصص حفلات معينة للطلاب، بأسعار مخفضة، وكذلك تخصص الحكومة قطارات خاصة لنقل الجمهور من الضواحي إلى المدن التي بها المسارح ([10]).
وفي عام 1926 نشر حسن صديق مقالتين عن المسرح الألماني، وتحديداً عن مسرحية (ناتان الحكيم) ومؤلفها الألماني (جوتهولد أفرايم ليسنج Lessing). وهذه المسرحية ترجمها الكاتب – حسن صديق – ومثلتها الفرقة التمثيلية لمدرسة الفنون والصناعات بمسرح رمسيس من إخراج أحمد علام. كما ذكر الكاتب في مقالته الأولى ملخص المسرحية، وسبب ترجمتها؛ لأنها تحكي قصة شقيق صلاح الدين الأيوبي وأولاده، ونظرة الألمان لهذه الشخصية التاريخية. وفي مقالته الثانية، تحدث – باستفاضة – عن المؤلف ليسنج وآرائه الدينية، المبنية على التسامح ومحبة الأديان السماوية الثلاثة ([11]).
وبسبب اهتمام مصر بالمسرح الألماني، وتنفيذاً لمقترحات محمود مراد – التي وضعها في تقريره سابق الذكر – أوفدت مصر أول بعثة مسرحية إلى ألمانيا عام 1937، تمثلت في الممثل المشهور (سراج منير) لدراسة الإخراج المسرحي، و(صالح الشيتي) لدراسة فن التمثيل، وكانت مدة البعثة ثلاث سنوات ([12]).
علاقة دول الخليج العربي بالمسرح الألماني
عرفت دول الخليج العربية المسرح الألماني من خلال نصوصه، وذلك عن طريق دولة الكويت، التي أصدرت سلسلة ترجمات (من المسرح العالمي)، التي تُعد أفضل وأعظم سلسلة متخصصة في الترجمات المسرحية – في العالم العربي – صدرت حتى الآن. وصدر العدد الأول منها في 1/10/1969 ([13])، وكُتب على غلافه الداخلي: " سلسلة يشرف عليها: أحمد مشاري العدواني، الوكيل المساعد للشئون الفنية. ود.محمد إسماعيل الموافي، أستاذ مساعد الأدب الإنجليزي بجامعة الكويت. وزكي طليمات، المشرف الفني لشئون المسرح. وتصدرها وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت ([14]).
هذه السلسلة ابتكرت أسلوباً غير مسبوق – في جميع السلاسل العربية المتخصصة في الترجمات المسرحية – من حيث نشر الأعمال المسرحية الكاملة، أو شبه الكاملة، تحت اسم (الأعمال المختارة)، فنشرت بهذا الأسلوب مسرحيات كثيرة لأعلام عالمية، أمثال: أوجست سترندبرج، وموليير، وجابرييل مارسيل، وبرناردشو، وسوفوكليس، وجان جيرودو، ويوجين يونسكو، وبيراندللو، وبريخت، ويوجين أونيل، والفريد جاري وغيرهم. أما الدراسات النقدية – أو المقدمات – المنشورة مع هذه الأعمال المختارة، فتُعدّ دراسات أكاديمية كاملة – كلٌ في مجاله – بحيث لا يحتاج الدارس – في حالة اقتناء مجموعة هذه الأعمال – إلى أية دراسات أخرى.
كما استعانت هذه السلسلة بنخبة من المترجمين والنقاد المتخصصين، وأصبحت أعمالهم المنشورة مراجع أصيلة في اللغات الأصلية المُترجم عنها نصوص السلسلة، وأصبحت مقدماتهم أو دراساتهم النقدية أساساً لأغلب الدراسات المسرحية الحديثة. فعلى سبيل المثال كانت نصوص المسرح الألماني ودراساته المنشورة في هذه السلسلة من اختصاص عبد الرحمن بدوي، ويسري خميس، وباهر محمد الجوهري، ومصطفى ماهر، وعبد السلام إسماعيل. والمسرح اليوناني ودراساته المنشورة في هذه السلسلة من اختصاص: أحمد عتمان، وعلي حافظ، وعبد المعطي شعراوي، وإسماعيل البنهاوي. والمسرح التركي أصبح من اختصاص إبراهيم الداقوقي .. وهكذا.
وهذه السلسلة نشرت أكثر من عشرين مسرحية ألمانية مُترجمة إلى العربية، مع مقدمات ودراسات نقدية رصينة، منها: فريدريش دورينمات (النيزك) ترجمة وتقديم مصطفى ماهر، عدد10، يولية 1970. بيتر فايس (أنشودة أنجولا) ترجمة وتقديم يسري خميس، عدد14، نوفمبر 1970. ماكس فريش (قصة حياة) ترجمة وتقديم مصطفى ماهر، عدد62، نوفمبر 1974. برتولد بريخت (من الأعمال المختارة 1: طبول في الليل، حياة جالليو) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد70، يولية 1975. هوجوفون هوفمانزتال (زفاف زبيدة) ترجمة وتقديم يسري خميس، عدد79، أبريل 1986. برتولد بريخت (من الأعمال المختارة 2: أوبرا القروش الثلاثة، لوكلوس، بعل) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد94، يولية 1977. جوتة (جيتس فون برلشنجن) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد117، يونية 1979. جوتة (توركواتوتاسو) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد132، سبتمبر 1980. فريدريش شيلر (اللصوص) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد145، أكتوبر 1981. كارل تسوكماير (نقيب كوبينيك) ترجمة عبد السلام إسماعيل، عدد150، مارس 1982. فرانس جريلبا رتسر (الجدة الأولى) ترجمة د.باهر الجوهري، عدد154، يوليو 1982. فريدريش شيلر (فلهلم تل 1804) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد158، نوفمبر 1982. فرانس جريلبا رتسر (سابفو) ترجمة د.باهر الجوهري، عدد168. ديتر فورته (مصرع كاسبرهاوزر) ترجمة د.عبد السلام إسماعيل، عدد174، مارس 1984. تانكرد دورست (عصر الجليد) ترجمة د.عبد السلام إسماعيل، عدد188، مايو 1985. فريدريك شيلر (توراندوت) ترجمة وتقديم د.نبيلة إبراهيم، عدد230، نوفمبر 1988. جوتة (فاوست 1) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد232، يناير 1989. جوتة (فاوست 2) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد233، فبراير 1989. جوتة (فاوست 3) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد234، مارس 1989. فريدرش شيلر (المؤامرة والحب) ترجمة وتقديم عبد الرحمن بدوي، عدد 278 و279، يوليو وأغسطس 1994.
علاقة دولة الإمارات بالمسرح الألماني
إذا أردنا أن نتعرف على علاقة المسرح الإماراتي بالمسرح الألماني، سنجد أن هذه العلاقة تتمثل في نصين، نتج عنهما ثلاثة عروض! أي أن المسرح الإماراتي تعرف على المسرح الألماني نصاً وعرضاً. فقد بدأت هذه العلاقة عام 1996، عندما عرضت فرقة (مسرح الاتحاد) – مسرح أبو ظبي الوطني حالياً – مسرحية (فويسك) للكاتب الألماني (جورج بوشنر)، التي عرضتها تحت اسم (مندلي)، بعد إعدادها من قبل مخرجها العراقي (جواد الأسدي). وبعد عشر سنوات أخرج المخرج الإماراتي (محمد صالح) هذه المسرحية من خلال فرقة حتا للفنون الشعبية والمسرح، التي عرضتها في أيام الشارقة المسرحية في دورتها السابعة عشر عام 2007.
أما النص الألماني الثاني فكان (القائل نعم والقائل لا) للكاتب الألماني (برتولد بريخت)، أخرجه المخرج العراقي (عوني كرّومي)، وتمّ إعداد النص إعداداً جماعياً من خلال ورشة تدريبية أقامها المخرج لأعضاء فرقة مسرح الاتحاد – أبو ظبي الوطنية حالياً – التي عرضتها في أيام الشارقة المسرحية في دورتها التاسعة عام 1999 ([15]). ولنتوقف عند هذين النصين الألمانيين بشيء من التفصيل.
مسرحية (فويسك/مندلي)
ظهرت مسرحية (فويسك Woyzeck) بعد وفاة مؤلفها (جورج بوشنر 1813 - 1837 Georg Buchner)، وهي تعتمد على قصة حقيقية – حدثت بالفعل – تقول: إن صانع القبعات (يوهان كرستيان فويسك) طعن أرملة الجراح فوست البالغ عمرها 46 عاماً بسكين حادة، وذلك في اليوم الثالث من شهر يونية عام 1821 حوالي الساعة العاشرة مساء على عتبة مسكنها في مدينة ليبزج. لقد قتلها بدافع الغيرة. فقد كانت عشيقته، وكان يعلم عنها أن لها علاقة برجال آخرين، وبالأخص مع الجنود. كانت قد وعدت أن تلقاه في المساء، ولكنها خرجت مع غيره، مما دفعه على الإقدام على جريمته؛ فحُكم على فويسك بالإعدام بالسيف، ونُفذ الحكم علناً في السابع والعشرين من شهر أغسطس عام 1824 في سوق ليبزج.
هذه المسرحية ترجمها إلى العربية الدكتور عبد الغفار مكاوي، ونشرها ثلاث مرات([16])، وقال في مقدمة ترجمته: " إن بطلها يُعدّ أول شخصية كادحة تحتل مكان الصدارة في مسرحية عالمية .... وتسود المسرحية كلها روح الانهيار الكوني الشامل والفزع من ظلام العدم والقلق أمام المجهول. إن بطل المسرحية لا يتقدم إلى الأمام، بل يحني رأسه للقدر المعتم، لا عن ضعف، بل عن بصيرة بعبث كل فعل وانتصار. ولما لم يكن هناك فعل، فليس ثمة رد فعل له، ولا مسرحية بالمعنى التقليدي لهذه الكلمة. إن الفصل ينحل إلى مشاهد منفصلة، ومحاورات ذاتية (مونولوجات)، ولحظات خاطفة. وليس ثمة خط يرتفع بالحدث أو يهبط به إلى نهايته، بل لوحات مفككة، ورعشات لا يجمعها غير التوتر المتصل ..... ويجب ألا ننسى أن بوشنر قد ترك مسرحيته شذرة لم تتم. والنقاد ومؤرخو الأدب يختلفون حتى الآن في المشهد الذي يناسب النهاية أكثر من غيره " ([17]).
ومن خلال هذا القول – لمترجم المسرحية – نكتشف قيمة هذه المسرحية، التي تدفع مخرجيها ومُعديها لإعادة صياغتها بما يتناسب مع فكر المخرج أو المُعد وثقافته الفنية! فالمسرحية بما تشتمل عليه من لوحات منفصلة، أو مشاهد متباعدة، مع عدم وجود خاتمة لها، تكون صالحة لتأويلات عديدة، وتفسيرات كثيرة، بل وتكون تجريبية بمعنى الكلمة، ولهذه الأسباب تُعد مسرحية (فويسك) نموذجاً للتدريب والابتكار والتجريب المسرحي؛ لذلك فهي من المسرحيات الشهيرة، التي تُقام عليها الورش المسرحية! وهذا ما حدث في دولة الإمارات.
فمسرحية (فويسك) أو (مندلي) كما قُدمت في دولة الإمارات – لأول مرة - من خلال ورشة تدريبية أنتجها مجلس دبي الثقافي عام 1996، من إخراج جواد الأسدي، أخرجها – في عرضها الثاني بالإمارات – المخرج الإماراتي (محمد صالح) في مهرجان دبي لمسرح الشباب – في دورته الأولى – فحصل محمد صالح على جائزة الإخراج، وفاز العرض أيضاً بجائزة أفضل ممثلة دور ثانٍ، وجائزة تقديرية من لجنة التحكيم، وحصل العرض كذلك على منحة للمشاركة في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي. وهذه التجربة – على وجه الخصوص – وضعت (محمد صالح) في مكانة إخراجية مسرحية إمارتية مرموقة.
والجدير بالذكر إن الممثل (طارق المنصوري)، رُشح لجائزة أفضل ممثل دور ثانٍ في مهرجان أيام الشارقة المسرحية عن دوره في مسرحية (مندلي)، وهو دور الضابط المتغطرس. أما صالح كرامة – أحد مؤسسي مسرح الاتحاد (مسرح أبو ظبي) – فيُعد عرض (مندلي) من العروض المؤثرة في تاريخ الفرقة، وفي تاريخ المسرح الإماراتي. أما الممثل والمخرج الإماراتي (علي الجابري) فكان عرض (مندلي) بداية انطلاقه الفني، حيث يعتبر دوره في مندلي بصمته الفنية الواضحة.
ومن الجدير بالذكر إن مسرحية (فويسك)، عرضتها فرقة (ماندراجور) في دار الأوبرا المصرية في أبريل 1967، وهي فرقة ألمانية فرنسية، أقامت عرضها هذا برعاية المعهد الثقافي الألماني (معهد جوتة)، والمركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة ([18]). ومن خلال وثائق الرقابة، نجد أن فرقة جوتة المسرحية قدمت (فويسك) بالعربية في القاهرة عام 1974 من إخراج وليم دانيال، ومن إعداد حمدي عباس، الذي أضاف إليها خاتمة مناسبة. كما أقام مركز الهناجر للفنون بالقاهرة عام 1996 ورشة عمل حول المسرحية، أقامها المخرج الألماني (يوخن تسورنر إيرب Jochen Zoemerner Eeb)، مع مصممة الرقصات الألمانية (إيفا ماريا ليرشنبرج)، التي أخرجت العرض على مسرح مركز الهناجر ([19]). وأخيراً عرضت النمسا هذه المسرحية في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته العاشرة عام 1998 ([20]).
مسرحية (القائل نعم .. والقائل لا)
مسرحية (القائل نعم) تدور أحداثها حول معلم يذهب ليزور أحد تلاميذه، الذي تغيب عن المدرسة عدة أيام، وعندما يزوره يعلم أن والدته مريضة، وعندما يتحدث معها المُعلم يعلم أنها انشغلت بتعليم ابنها بعد موت زوجها، ثم يفصح المعلم عن سبب الزيارة، وهو ذهابه مع مجموعة من الطلاب في رحلة إلى بلدة خلف الجبال – حيث يوجد الأطباء الكبار - لاستكشاف دواء لوباء أصاب المدينة، فيرغب الطالب الذهاب معه؛ كي يحضر لأمه الدواء، فيحذره المعلم من أن الرحلة شاقة وخطيرة، فيوافق الطالب. وتبدأ الرحلة، وفي أثنائها يمرض الطالب، فيخبره المعلم عن تقليد قديم يجب أن يعرفه، وهو: إنه في مثل تلك الحالة عليه أن يُترك وحده في الجبل! ولكن هناك سؤال يطرحه بقية الطلاب علي الطالب المريض: هل ترغب في أن نرجع من أجلك، والتقليد يستوجب أن يقول لا، فيجيب الشاب وفق التقليد المتبع بشرط أن يأخذوا معهم القارورة، التي جاء بها ليحضر لأمه الدواء، ويوصيهم بإحضار الدواء من أجلها، وعندها يتركوه وحده في وسط الجبال يهلكه المرض، وتهلكه أيضا الوحدة؛ ولكن الشاب خاف من الموت وحيداً، فقال لهم أن يلقوه أسفل الجبل، ويلقوا خلفه الحجارة هرباً من الموت وحيداً، فيقذفوه فيموت أسفل الجبل.
هذه المسرحية، ألفها بريخت عام 1930، وقد اقتبسها من مسرحية يابانية مجهولة المؤلف، وعرضها على طلاب ثانوية (كارل ماركس) بألمانيا، فرفض الطلاب فكرتها الأساسية، واتهموه بالرجعية ومحولة قتل الإنسان باسم الحفاظ على التقاليد الاجتماعية. وهذه المعارضة جعلته يُعيد التفكير في المسرحية، فأعاد كتابتها مرة أخرى – في العام التالي – تحت اسم (القائل لا)! حيث عالج نهايتها معالجة عكسية لخاتمة المسرحية الأولى! ومن خلال النصين وضح بريخت فكرته، المتمثلة في: على المرء أن يفكر بطريقة مغايرة تبعاً لكل حال يُستجد، فلا يقول (نعم) فقط من أجل الحفاظ على التقاليد القديمة، لا سيما وأن (نعم) ستؤدي إلى هلاكه! ولا يقول (لا) فقط من أجل مخالفة التقاليد القديمة، لا سيما وأن (لا) ربما تؤدي إلى إنقاذه!! فالعبرة هي متي تقول (نعم)، ومتى تقول (لا)!!
هذه الجدلية أقام عليها المخرج العراقي (عوني كروّمي) ورشة مسرحية بالتعاون مع مسرح الاتحاد في أبوظبي، وقدم من خلالها مجموعة من الشباب الإماراتي الهواة، الذين تألقوا في مسرحية (القائل نعم والقائل لا)، بعد تحوير نصها ليتناسب مع البيئة الإماراتية، حيث دارت أحدثها حول قصص البحر والبحارة والغوص للبحث عن اللؤلؤ! وقد نجحت هذه الورشة، لا سيما وأن (عوني كرومي) متخصص في المسرح الألماني؛ حيث إنه حصل على الماجستير والدكتوراه في علوم المسرح من معهد العلوم المسرحية بجامعة همبولدت ببرلين في ألمانيا عامي 1972 و1976.
ومن الأسماء الإماراتية التي شاركت في الورشة، وبالتالي في عرض مسرحية (القائل نعم والقائل لا)، التي قدمتها فرقة مسرح الاتحاد (مسرح أبو ظبي): الفنان مبارك المزروعي، والفنان علي الجابري، والفنان صالح كرامة، والفنان فضل التميمي.
الهوامش
ــــــ
([1]) - هذا المسرح بُني على بقايا سراي (منزل) أحمد طاهر باشا بن طاهر باشا الكبير، وعندما تم افتتاحه لم يكن معروفاً باسم المسرح الكوميدي أو المسرح الفرنسي، بل كان يُطلق عليه اسم التياترو المصري أو تياترو مصر، وذلك بناء على أقوال جريدتي الوقائع المصرية والجوائب. أما مجلة وادي النيل فهي التي أطلقت عليه اسم الملعب الأوروباوي ثم اسم التياترو الفرنساوي. أما الوثائق الرسمية فكانت تطلق عليه في عام 1875م اسم الكوميدي فرانسيز. وللمزيد انظر: جريدة الوقائع المصرية 8/2/1869، جريدة الجوائب 3و24/3/1869، مجلة وادي النيل 30/4/1869 و8/10/1869، دار الوثائق القومية – درج 416 – تركيبة 9، ميخائيل شاروبيم بك – الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث – المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية – ط1 – الجزء الرابع – 1900م – ص(146).
([2]) - من الجدير بالذكر، إن مجلة (وادي النيل) عام 1871 كشفت النقاب عن اسم مُترجم هذه المسرحية، وأكدت أنه الطهطاوي؛ لأن المسرحية المنشورة بالعربية في مصر لا تحمل اسم مُترجمها! كما أن النسخة المتبقية – وربما الوحيدة - من هذه المسرحية كانت محفوظة بدار الكتب المصرية، وفُقدت مع الأسف! ولكن بياناتها المحفوظة تقول: هيلانة الجميلة، رواية تياترية، بدون مؤلف، القاهرة، مطبعة بولاق، 1285هـ، 86 صفحة، دار الكتب. وفي حالة ظهور هذه النسخة، ستكون إضافة جديدة لجهود الطهطاوي في مجال الترجمة المسرحية، وستجعل منه صاحب أول ترجمة عربية لمسرحية أجنبية تُنشر في مصر. وللمزيد انظر: مجلة وادي النيل – السنة الرابعة – عدد71 – الجمعة 14 شوال 1287هـ – الموافق 6/1/1871م - ص(4-6)، دار الكتب والوثائق القومية، مركز الخدمات الببليوجرافية: الثبت الببليوجرافي للكتب المترجمة إلى اللغة العربية في القرن التاسع عشر – مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة – 1998م
([3]) - ينظر: وادى النيل - السنة الثالثة - عدد 56 - 4/3/1870 - الجمعة 2 ذى الحجة 1286 هـ - ص(1348 - 1352)
([4]) - ينظر: جريدة المقطم - عدد 4471 - 8/12/1903 - ص(3)
([5]) - ينظر: جريدة (مصر) - 4/1/1912، مجلة (الهلال) - فبراير 1913، جريدة (البلاغ) - 30/4/1926، مجلة (روز اليوسف) - عدد 27 - 5/5/1926، مجلة (الفنون) - عدد1 - 19/9/1926، جريدة (المقطم) - 29/4/1933، مجلة (المصور) – 31/1/1936، 30/4/1937، 24/12/1937.
([6]) – ينظر: هوجو فون هوفمانزتال – زفاف زبيدة – ترجمة د.يسري خميس – سلسلة من المسرح العالمي – وزارة الإعلام بالكويت - عدد 79 – أبريل 1976.
([7]) - ينظر: مجلة (المشرق) – السنة السابعة – 25/7/1904 – ص(588)، والسنة التاسعة – 1/1/1906 – ص(44)، أحمد أمين – لعب التمساح – مجلة الثقافة – السنة الخامسة 1943 – ص(10، 11).
([8]) - راجع : جريدة (السياسة) – 10/9/1923
([9]) - راجع: جريدة (السياسة) – 8/10/1923
([10]) - راجع: جريدة (المقطم) – 20/4/1924
([11]) - انظر: مجلة (روز اليوسف) – عدد 27 – 5/5/1926، وراجع: حسن صديق – المسرح الألماني (1) : ناتان الحكيم - مجلة (المسرح) – عدد 31 – 28/6/1926 – ص(18 - 19)، المسرح الألماني (2) : لسنج – مجلة (المسرح) – عدد 34 – 2/8/1926 – ص(16 – 17).
([12]) - ينظر: جريدة (المقطم) - 4/12/1936، ومجلة (المصور) - 11/12/1936، 19/2/1937.
([13]) – ينظر: مانويل جاليتش – سمك عسير الهضم – سلسلة (من المسرح العالمي) – عدد1 – 1/10/1969 – وزارة الإرشاد والأنباء – الكويت.
([14]) – ظلت هذه السلسلة تصدر من وزارة الإرشاد والأنباء حتى العدد رقم (19) بتاريخ أبريل 1971 حيث تغير اسم الوزارة إلى وزارة الأعلام. كما ظلت الأسماء الموجودة للمشرفين على السلسلة - كما هي - حتى العدد (26) بتاريخ نوفمبر 1971، عندما كُتب اسم الدكتور عادل سلامة بدلاً من الدكتور الموافي. وفي العدد رقم (31) بتاريخ أبريل 1972، تم رفع اسم زكي طليمات لعودته إلى مصر. ومن بداية العدد (51) بتاريخ ديسمبر 1973 أصبح اسم العدواني وحده فقط على السلسلة كمشرف. ومن العدد رقم (79) بتاريخ أبريل 1976 أضيف إليه اسم الدكتور الموافي مرة أخرى. ومن العدد (88) يناير 1977 أضيف اسم حمد يوسف الرومي. ومن العدد (90) مارس 1977 تم رفع اسم الدكتور الموافي. ومن العدد (100) يناير 1978 أضيف اسم الدكتور طه محمود طه. ومن العدد (190) رُفع اسم العدواني. ومن العدد (223) أبريل 1988 أضيف اسم الدكتور محمد مبارك بلال. ومن العدد (260) يناير 1993 أضيف اسم سليمان داود الصباح بدلاً من الرومي، وأضيف اسم مديرة التحرير وسمية الولايتي. ومن العدد المزدوج (270/271) نوفمبر وديسمبر 1993 انتقلت السلسلة من وزارة الأعلام إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ووُضع اسم أمين المجلس د.سليمان العسكري، مع الدكتور محمد مبارك بلال، ووسمية الولاياتي. ومن عدد (310/311) يولية وأغسطس 1998 اُستبدل اسم العسكري بالأمين الجديد د.محمد غانم الرميحي، مع بقية الأسماء السابقة. ومن العدد (314) بتاريخ نوفمبر 1998 تغير اسم السلسلة إلى (إبداعات عالمية)، أي سلسلة لنشر تراجم الإبداع الأدبي عموماً: روايات وقصص وقصائد ومسرحيات ودراسات ... إلخ!!
([15]) – راجع : عبد الفتاح صبري، وعلي خميس – معجم المسرحيات الإماراتية (1950 – 2009) – الهيئة العربية للمسرح – الشارقة – 2010 – ص(159، 192).
([16]) – ينظر: عبد الغفار مكاوي – فويسك: مسرحية للكاتب الألماني جورج بخنر – مجلة (الكاتب) – القاهرة – عدد 39 – يونية 1964 – ص(83 – 103). جورج بشنر – ليونس ولينا، فويسك – ترجمة د.عبد الغفر مكاوي - سلسلة (مسرحيات عالمية) – عدد 10 – الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة – 15/7/1965. جورج بشنر – موت دانتون، ليونس ولينا، فويسك – ترجمة د.عبد الغفر مكاوي – سلسلة (مسرحيات مختارة) – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1979.
([18]) – راجع: كمال عيد – فويسك – مجلة (المسرح) – السنة الرابعة – عدد 41 – القاهرة – مايو 1967 – ص(26 – 28).
([19]) – راجع: فوزي سليمان – بين المسرح والسينما: 4 تنويعات فيليمية على مسرحية فويتسيك لبوشنر – مجلة (المسرح) – عدد 88 – مارس 1996 – القاهرة – ص(32، 33)، د.محمد شيحة – فويتسك وبلاغة التعبير الجسدي – مجلة (المسرح) – عدد 102 – مايو 1997 – القاهرة – ص(34 – 37).
([20]) – ينظر: د.محمد شيحة – المشاركة الأألمانية : الرئيس وأنا، فويتسك – مجلة (المسرح) – عدد 119 و120 – أكوبر ونوفمبر 1998 – القاهرة – ص(22 – 26).
ساحة النقاش