البحرين: ورشة الأمل
الأهالي : 23 - 02 - 2011
كان عقد السبعينيات هو العقد الذي صارت فيه الثقافة البحرينية جزءا من الثقافة العربية الحديثة، وذلك بفضل مجموعة من الكتاب والشعراء، تلاقوا في تكوين «رابطة الأدباء» في البحرين، هم: علي عبدالله خليفة وعلوي الهاشمي وقاسم حداد وعلي الشرقاوي وأمين صالح وغيرهم.
كانت هذه الرابطة هي الأم الشرعية للأدب الحديث في البحرين، بعد فترة سابقة من الثقافة التقليدية ظهر فيها اسما الشاعر إبراهيم العريض، والكاتب إبراهيم آل خليفة.
اتصلت «رابطة الأدباء» بالكتابة العربية المعاصرة، ونقلت الحالة الأدبية في البحرين نقلة كبيرة، جعلتها جزءا لا يتجزأ من الكتابة العربية الطليعية المتجددة والمجددة، في هذا السياق: توجه علي عبدالله خليفة إلي الفنون الشعبية وله من الكتب: أنين الصواري، عطش النخيل، إضاءة لذاكرة الوطن، واتجه علوي الهاشمي مع الشعر إلي النقد الأكاديمي، بعد حصوله علي الدكتوراة في النقد الأدبي من القاهرة، واشتغاله عميدا لكلية الآداب جامعة البحرين، ليصير واحدا من النقاد العرب البارزين، الذين يمزجون بين النظرة الواقعية للنص وبين المنظور البنيوي، وله من الدواوين: من أين يجيء الحزن، العصافير وظل الشجرة، محطات للحزن، ومن الكتب النقدية: فلسفة الإيقاع في الشعر العربي، شعراء البحرين المعاصرون، الشعر المعاصر في البحرين، فيما صار قاسم حداد واحدا من أهم نماذج شعراء قصيدة النثر المميزين في العالم العربي، وتجتمع في شعره: خصوصية البحرين من حيث الجغرافيا والتاريخ، والثقافة العربية الأصيلة، وأوجاع الإنسان المعاصر في كل مكان، وله من الدواوين: خروج رأس الحسين من المدن الخائنة، الدم الثاني، البشارة، عزلة الملكات، يمشي مخفورا بالوعول، علاج المسافة، ورشة الأمل.
أما أمين صالح ففي قصصه واقعية المكان والبشر، وفانتازيا المخيلة، والسعي إلي تفرد يخصه في شكل الكتابة القصصية، ومن كتبه: رهائن الغيب، موت طفيف، الجواشن «مع قاسم حداد»، الفراشات، أغنية ألف صاد، بينما توزع جهد علي الشرقاوي علي الشعر الحديث والمسرح والأغنية وكتابة الأطفال، في سعي إلي توسيع قاعدة جمهور القراء.
ومن كتبه: الرعد في مواسم القحط، نخلة القلب، هي الهجس والاحتمال، تقاسيم ضاحي بن وليد الجديدة، رؤية الفتوح البحرية، للعناصر شهادتها أيضا.
بعد هذا الجيل جاء جيل جديد برز منه يعقوب المحرقي وحمدة خميس وفوزية السندي وعلي الجلاوي وغيرهم من شعراء الجيل الأحدث.
المتصل بالثقافة البحرينية ينتبه إلي ثلاث ملاحظات، الأولي: عدم وجود وزارة ثقافة. ولذلك كانت «رابطة الأدباء» هي الحاضنة التي تفرخ الأدب والأدباء طوال السبعينيات والثمانينيات، لاسيما من خلال مجلتها الأدبية «كتابات» التي كانت رأس حرية الكتابة الجديدة في البحرين، كما كانت قنطرة التواصل مع الاتجاهات الطليعية والتجريبية في الأدب العربي الحديث، والثانية: هي نشوء «مركز إبراهيم آل خليفة» الثقافي، الذي صار يقوم مقام وزارة الثقافة، وتديرة السيدة مي إبراهيم آل خليفة، حيث ينهض بنشاطات ثقافية وفنية وفكرية عديدة جعلت من البحرين إحدي المنارات الثقافية العربية الراهنة، الثالثة: أن معظم أدباء «رابطة الأدباء»، ومعظم المساهمين في نشاط مركز إبراهيم آل خليفة الثقافي، هم من المثقفين الديمقراطيين أو اليساريين أو العقلانيين.
وليس من شك عندي أن هؤلاء المثقفين الديمقراطيين العقلانيين المدنيين هم الذين شكلوا حائط صد للدفاع عن حرية الفكر والإبداع والاستنارة، لاسيما في مواجهة الموجة السلفية التي قادها تقليديون في البرلمان البحريني منذ ثلاث سنوات ضد العرض الشعري الغنائي الموسيقي الذي قدمه قاسم حداد والموسيقي الوطني اللبناني مارسيل خليفة بعنوان «مجنون ليلي»، حينما اتهموه بالخروج عن الأخلاق والدين.
هؤلاء المثقفون الديمقراطيون العقلانيون هم الذين ساهموا في صنع بيئة ثقافية وفكرية تتبني قيم الديمقراطية وتداول السلطة والعدالة الاجتماعية ونبذ التمييز الديني وغير ذلك من مبادئ حقوق الإنسان، التي يرفعها المحتجون البحرينيون اليوم، وهم معتصمون في دوار «ميدان» اللؤلؤة، غير مبالين بنزول الجيش لتفريقهم، ولا بالرصاص الحي الذي صرع منهم الشيوخ والشباب.