عاهل الريف
الثور
في جوقةٍ للريف يعزف عودها = ويرنّ في سمع الضحى تغريدها
قبست من الأطيار رقة شدوها = وأعارها سحر الصدى غريدها
وترنمت بين الحقول قصيدة = عذراء من نغم السماء نشيدها
تشدو فيصغى الصمت من ولعٍ بها = ويكاد من طربِ السكون يعيدها
ثاوٍ هنالك كبّلتهُ يد الأسى = وثنته عن عبث المراح قيودها
شيخٌ أصمٌ تكنّفت أطرافه = سوداء من صلب الزمان حديدها
أحكام ذلٍ لحْنَ فوق جبينه = سوداً تكتّم بالسياط وعيدُها
سجنته في رحب الفضاء وخلّدت = آذانه رهنَ الحبالِ جدودُها
عُكازه سوطٌ تلّهب فوقه = ناراً يشبُّ على حشاهُ وقودُها
رقمت على أضلاعه أسطورةٌ = دُفنت بأسرار الدهور عهودُها
أسطار مَظْلَمةٍ وآية ذلّةٍ = أعيا فلاسفة الورى ترديدُها
لو ألهمت سحر البيان لما شدا = إلا بفلسفة السياط قصيدُها
***
صرخت نواعير الربى لإساره = وتفجّعت أسفا عليه كبودها
فانساب فيض عيونها وتفجّرت = دمعاً من البلوى لديهِ مهودُها
عجباً لنائحةٍ عليه لو انّها = تبكي لصمّ الصخر ذاب جليدُها
وهي التي ألقته في كنف الضّنى = ورماه في العدم المهينِ وجودُها
***
عيناهُ غلّقتا فمات سناهُما = في ضحوةٍ رفّت عليهِ برودُها
وأزاهرُ البستان ترنو حوله = مُتفتّحاً يحسو الضيا أملودُها
من نورهِ المكبوت أشرق نورها = فاهتزّ في الألق المنضرِ عودُها
وشدا الحنانُ المرّ من دُولابهِ = فتراقصت فوق المروج قدودُها
ولو انّها علمت أساهُ لصوّحتْ = وذوى له ريحانُها وورودُها
***
يا ثورُ كيف غَزَتْكَ أسواطُ الورى = وتقطعت في جانبيكَ جلودُها
مَرَدَتْ على كتفيكَ مِحراباً إذا = صلّتْ به يَفري حشاك سجودُها
وكأنما نشقت بجلدك فوحةً = من روحها الفاني فجُنّ وريدُها
شربَتْ دماءَك خمرةً وتصايحت = سكْرى تخبّط هائماً عِربيدُها
يهذي فتحسب حين يصطخب الصدى = جنّاً تفزّع في الفلاةِ شريدُها
آبيسُ أيُّ سريرةٍ بلهاء في = عطفيك قد أعيا الحجا معقودُها
حُمّلت من هوروس أقدم آيةٍ = عبدت وقدّس في حماكَ عهيدُها
أذكى لها الكهان نار بخورهم = في منف يسطع في المعابد عودُها
أرواحُ ضلاّلٍ حبتك رشادها = وجثت لديك على التراب وفودها
بذلتك تقديس النهى ولوَانّهُ = للصخرة الصماء ريع صلودُها
عبدتك أبلهَ لا تعي يا ضلةً = لو تستطيعُ ذرا هُداك جحودها
***
يا حكمةً في روقكَ العاني ! كبا = في العقل ناهِضُها وطاش سديدُها
زَعموك تحمل أرضَهم ولوَانّها = عقلتْ تميد وهادها ونجودها
***
ما العاهل الجبّار مَنْ ذا دولةٍ = وقفت على ذلّ العباد جهودُها
هوَ أنت من جعل المروجَ خمائلاً = عيدانةً يُسبي النفوس شهودُها
في كل حقلٍ من جهادك آيةٌ = يضفو على الريفِ الشقي خلودُها!
شعر: محمود حسن إسماعيل