تكبيرة الزحف
(مع أرض المعراج في ذكرى أول ليلة دنست ترابها أقدام صهيون......)
وَفِيْ لَيْلَةٍ فَجْرُهَا فِيْ السِّفُوْحِ = ظَلامٌ يُغَنِّيْ وَ ضَوْءُ يَنُوْحْ
وفحُّ المنايا على دربها = سكونٌ شقيٌ وأشلاءُ ريحْ
وأشباحُ رقص أثيم الظلال = توهج في كل أفقٍ جريحْ
تململ فيها زوالُ القبور = وكاد البِلَى عن شجاهُ يَبُوحْ
* * *
سمعتُ بها غضب الأنبياءِ = مزاميرَ ويلٍ عتيٍّ صداهْ
وأبصرت ألواحهم في الفضاءِ = محاريب تصرخُ فيها الصلاهْ
وتسبيحهم من ضفاف السماءِ = يصبُّ على الأرض سخطَ الالهْ
ويرمي عليها دخانَ الشقاءِ = أعاصيرَ حقدٍ تؤزُّ الحياهْ
* * *
تلاطمَ فيها عويلُ الغيوبِ = وضجَّت بها شهقاتُ القدرْ
ولاحت مآذنها في الظلامِ = وقد أذهلتها عوادي الغِيَرْ
سواعدَ مشلولةً في الفضاءِ = تجمَّدَ فيها دعاءُ البشرْ
تمُدُّ إلى الله راحاتها = وتزأرُ في صمتها المستمرّ!!
* * *
هنالك والنبه ساهٍ حزينْ = كحلمٍ تخطَّاه صحوُ الجفونْ
رأيت الخطايا عرايا تسيرُ = وتنسلُّ من أعينِ التَّائهينْ
وتزحفُ حيَّاتُها في الدُّروبِ = لتنهشَ بالتِّيهِ ظلَّ السكونْ
وتبذر فيهِ عُواءَ الرياحِ = وتسقي أعاصيرها بالجنونْ!
* * *
بقايا من الذل في كل أرضٍ = يحركها التيه أنَّى يشاءْ
ويدفعُها البغيُ في راحتيْه = ظلامًا مهينَ الخطا في الفضاءْ
تنصلَّ منها تراب الوجود = ولم يبق فيها لخطوٍ رجاءْ
فكيف استبدَّتْ بغايا الحظوظ = فألقت بها فوق أرضِ السماءْ
* * *
تلاقت شراذمها عند سفحٍ = تزمجرُ لعنتها في حصاهْ
وتجأرُ فيها دوالي الكُرُومِ = وتعصرُ نيرانها للسُّقاهْ
ويُصغي لها جبلٌ كم صغتْ = لمسرى النبوَّات يومًا ذُراهْ
تنفَّسَ من دنس الواغلينَ = لهيبًا إلى النار يعوي لظاهْ
* * *
تلفَّتَ من غمراتِ الظلامِ = ومن عاره في جبين الوجودْ
فأبصرتُ فجرًا عنيدَ الضياءِ = تزمجرُ أضواؤهُ بالرعودْ
وتزحفُ راياته بالدِّماءِ = لتجرف بالهول كلَّ الحدودْ
وتغسلَ بالنورِ ما لوَّثَتْهُ = خطا التائهين بأرض الجدودْ
* * *
غدًا يزأر الليلُ من حولهمْ = ويرتدُّ فيهم ضلالُ السِّنينْ
ويكتسحُ الفجرُ أَيامَهمْ = بيومٍ يكبِّر للعائدينْ
وتخفق بالنصر هالاتُهُ = على كل دربٍ سقاهُ الأنينْ
فلسطينُ حانَ شروقُ الصباح = ودوَّى أَذانُكِ للزَّاحِفِنْ!!
1964
شعر: محمود حسن اسماعيل