قيامة الثأر
(أنشدت على أرض سيناء الثائرة في المهرجان القومي الذي أقيم في العريش 22 مايو 1976)
مشرَّدونَ أَبدًا..
وَتَائِهُوْنَ أَبَدًا..
مهما طلبتم لخطاكم سكنا
مهما نهبتم في سراكم وطنا
فالأرض تحت رجسكم دمارُ
وصمتُ قبرٍ همسهُ جبَّارُ
وحين ينقضُّ لديه الثَّارُ
ستصبحون بددا
مشرَّدونَ أَبدًا..
وَتَائِهُوْنَ أَبَدًا..
* * *
مشرَّدونَ أَبدًا..
وَتَائِهُوْنَ أَبَدًا..
ولعنة الأكوان تجري في خطاكم سرمدا
ملءَ الدروبِ والغيوب باغتتكم رصدا
ينسلُّ من أوزاركم من كل أفقٍ أو صدى
شبَّت سدوم من حشاكم نارَه
وجرَّعتكم قبل موسى عارَهُ
وفرَّقتكم كي تذوقوا ثارَهُ
في ظُلماتٍ أَنكرت من غيظها وجودَكمْ
وأنشبت في الريح من أصفادها قيودَكُمْ
تقذفكم بويلها وليلها الضرير
في القلق المنبوذ تحت ضيعةِ المصير
في آهة مصلوبة على صدى
وصوت ذل مستطيرٍ ردَّدا
مشتَّتون أبدا
مُفَتَّتونَ أبدا
* * *
مشردون أبدا وأبدا مشردينْ
مضيَّعون أبدا وسرمدًا مضَيَّعينْ
بكل نور شع للإنسان كنتم جاحدينْ
لكل إلهام من السماء رحتم مفسدينْ
لكل دين أرسل الله ذهبتم منكرينْ
عن كل شرع من نبي جاءَ قمتم معرضينْ
وكل هادٍ مرَّ بالدنيا وقفتم ناقمينْ
موسى يناجي الله فوق سينا
وأنتم للعجل ساجدينا
محيِّرين التيهَ أَربعينا
حتى نُسختم فيه أجمعينا
وحين جاء خاتمُ الهُداةِ
من النبيِّن إلى الحياةِ
بذرتمُ السمَّ على الراحاتِ
وكنتم مزاحفَ الحياتِ
لمن سرى للنور في الآياتِ
فعاودتكم لعنة اللعناتِ
وعدتم للتيه والشتاتِ
لا تبصرون في الضلال أحدا
ولو تخذتك كل إفكٍ سندا
الكون في طريقكم تبدَّدا
والناس صاروا لعناتٍ وعِدا
ممزقون أبدا
مطاردون أبدا
* * *
مشرَّدونَ أَبدًا..
وَتَائِهُوْنَ أَبَدًا..
وفي يديكم لم يزل دم السماء ينزف الخطيئهْ
على ترابٍ لم تزل أَقداسه رغم الدجى مضيئهْ
مشى عليه عاركم بخوة أَفَّقة دنيئهْ
متاهةً دُنَّس طهرُ الكون من أرجاسها الخبيئهْ
حطَّت بكم خيانةٌ ستحصدون ويلها
ونوْبة للتيه يوما تشربون ذُلَّها
وتعبرون دربكم على نعوش بابل
منذُ مراثي الذل تُشجي وخزة السلاسلِ
وأنتمُ في كل أرض سيرة القلاقلِ
والغدر والضياع والشرور والمباذلِ
على سماء المسجدالأقصى وفي محرابهِ
وفي سفوح جبل النار وفي هضابهِ
وفي ضفاف دجلة والبأس في عبابهِ
وفي ثرى دمشق في زمجرة لغابهِ
وفي حمى النيل وهول النار في شبابهِ
في ثورة دكَّتْ ظلام الرق من قبابهِ
قيامةُ الأحرار هبَّت للفدا
لتدفن اللصوص في غياهب الردى
فيرجعون للمدى
مشتَّتين أبدا
مضيَّعين أبدا
* * *
مشرَّدونَ أَبدًا..
وَتَائِهُوْنَ أَبَدًا..
مهما استاجروا فالمجير لعنة الأقدارِ
ولعنة الشعوب من سراهم الغدارِ
ولعنة السماء في العشيِّ والإبكارِ
ولعنة الذل رمتها قبضة الأحرارِ
يوم يدق الهول باب تائهٍ مشردٍ مخذولْ
وتصبح الزنود كالرياح فوق تيه إسرائيلْ
تزفُّها للتيهِ من جديدِ
ملعونةً في خطوها الشريدِ
وراية النصر بكفِّ الثائرِ
تحدو ضحاها عزمات الناصرِ
تشدو وتشدو أبدا
مشرَّدونَ أَبدًا..
وَتَائِهُوْنَ أَبَدًا..
شعر: محمود حسن اسماعيل