الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أحلام الكوخ

 

هدم الليل ما بناه النهارُ = واستكانت للظلمة الأنوارُ

ومضى الكونُ يشرب الليل كأساً = عبقريًّا حبابُه الأقمارُ

واستحال الضجيجُ صَمتا رهيباً = زحمته الأشباُ والأسرارُ

أين راح النهار كيف أتى اللّيْـ = ـل وفيم الإشراق فيم السرار

هي حرب البقاء تنتظم الخلْـ = ـق سواءً صغارهم والكبارُ

****

وتداعت في الخافقين قلوب = حين طارت في الخافقين قلوب

عالم جامح وحظٌّ مُشِتٌّ = وصراعٌ يشيبُ منه المشيب

فهنا قلبُ عابد الخبز والما = ء جراحٌ أحلامه وندوب

يتنزّى دما فلا يجد الدمْـ = ـع يعزّي به الغريبَ الغريب

فإذا اشتاق ما يعافُ سواه = فالرياض المنظّراتُ جُدُوب

****

وهناك المعربدُ النشوانُ = قد تولّى تربيبه الشيطانُ

مستحيلات غيره ممكناتٌ = في يديه وقولهُ الفرقان

ولديه الحياةُ كأسٌ وحورا = ءُ وبحرٌ أمواجه ألحانُ

وله الأمر كلّما شاءَ أمراً = وإراداتُ عَقْلِه سلطان

فإذا شاء فالحياة اضطراب = وإذا شاءَ فالحياة أمانُ

****

قلت يا نفسُ إن هذا قضاء = قدّرته قبل الوجود السماءُ

ما أردت الوجود قبل وجودي = وبرغمي بعد الوجود الفناءُ

وأرى القصر توأمَ الكوخِ لولا = أنَّ هذا فقرٌ وذاك ثراءُ

وأراني لصاحب القصر نورا = ولو أني في عينهِ ظلماءُ

أنا إن متُّ مات فنٌّ رفيعُ = وهو إن ماتَ مات طينٌ وماءُ

****

قالت النفس إنَّ دنيا الأماني = هي دُنيا الخلود للإنسانِ

عشْ بها تنسَ أنَّ عُمركَ ولَّى = في جحيمٍ من الهوى والهوانِ

وتُريكَ الكوخَ المحطَّمَ قصرًا = شائع الظِّلِّ سامقَ البنيانِ

والكساءَ الرديم يُمسي حريرًا = كِسرويَّ الظلال والألوانِ

قلتُ: والواقع المريرُ فقالت: = ذاك داءٌ يُطبُّ بالنسيانِ

****

فطويتُ الأعوام والأياما = حلمًا رائع السنا بسَّاما

وجهلت الزمانَ فهو هباءٌ = ونسيتُ المكان والأحجاما

حين شفَّت روحي فشاهدتٌ قصرًا = يتحدَّى جماله الأحلاما

ورياضًا تُغرِّدُ الطير فيها = وتريق الألحان تندى غراما

وعبيدًا يشدون لحونٍ = في حمى القصر سُجَّدًا وقياما

****

وتَبعتُ الحادي وكان خيالا = عاش في عالم المنى أجيالا

أيُّ فنٍّ سامٍ وأي ابتداعٍ = جملَّ من صاغ حسنه وتعالى

التماثيل كالأناسيّ كادت = تتهادى رشاقةً ودلالا

والرسوم الخرساء تهتف بالرا = ئي فيجثو أمامهن جلالا

نفخ الفن روحه في حلاها = وكساها جلالةً وجمالا

****

عشت في الفقر كالأمير المطاع = شاعريَّ الرغاب والأطماعِ

كلُّ دنياي لذةٌ وجمالٌ = وانبعاثٌ إلى الهوى والمتاعِ

بين حورٍ عينٍ وأكواب خمرٍ = وأغانٍ علوية الإيقاعِ

وندامى كالزهر يرجون صفوي = ويخافون ثورتي واندفاعي

قاسموني مجدي وظنوا نعيمي = خالدًا غير مؤذنٍ بضياعِ

****

يا نداماي والليالي تجور = بي حنينٌ إلى البُكا وشعورُ

أفرغوا أكؤسَ المُدامِ فإنِّي = كاد قلبي مما يخاف يطيرُ

أنا أخشى انهيارَ مجدي وأرجو = أن يقينا أحداثه المقدورُ

يا نداماي يا لقلبي وعقلي = هاهي الأرضُ بالبناءِ تدورُ

يالقصري إذ عربد الريحُ في الجوّ = وشقَّتْ لساكنيه القبورُ

****

 

هبَّت الريح عاصفًا مكفهرًّا = فأحال القصرَ الممرَّدَ ذِكرى

ربِّ ما كان ذاك القصر إلا = حُلمًا لم يطل نعيمًا وعمرا

خدعتني نفسي بما قد تمنَّيْـ = ـتُ فهل كان ما تمنيت شرَّا

أم تراني جبلت من طينة البؤ = سِ فروحي ترى الفراديس قفرا

أم تراني نهبت أحلام غيري = ولنفسي مُنًى على الدهر أخرى

****

وإذا هاتفٌ يهزُّ سكوني : = أنت أخطأت في التمني ظنوني

قلتُ يا نفس قالت النفس: دعني = ما تمنيت غير ماءٍ وطينِ

ذلك القصر والندامى هباءٌ = حين تصحو على صُراخِ المنونِ

فاسمُ عن بهرج الدُّنَى وتطَّهرْ = بألوهيَّةِ الهوى والفتونِ

إن في الفنِّ قوّتي وخلودي = ويقيني إذا افتقدتُ يقيني

****

وكما يحلم الصبا بالغرامِ = وتهيم الزهور بالأنسامِ

رحتُ أبني في عالم الوهمِ مجدي = فوق ما خلَّف الهوى من حُطامي

وسرت بي الأوهام تخترق الحجْـ = ـبَ إلى عالمٍ من النور سامِ

حيث قام الأُولَمب تمرحُ فيه = آلِهَاتُ الأقداس والآثامِ

والقرابينُ من بني الفنِّ تُزجى = من بنات الأفكار والأحلامِ

****

يا مُناي اخلُدي ويا نفس طيبي = أصبح الفنُّ كله من نصيبي

أين لي بالإلهِ ربِّ الأغاريْـ = ـدِ أبولّو يملأ من الخلد كوبي

ويتوِّج رأسي بما ضفَّرته = يده من أزاهرٍ وطيوبِ

فتناهى إليَّ من جانبِ الأُفْـ = ـقِ نداءٌ كوسوساتِ الحبيبِ

يا غريبَ الفؤادِ لا قيتَ أهلاً = إنَّ ضيف الأولمبِ غير غريبِ

****

ردَّ هذا النداءُ في أُذُنيَّا = وسرى كاللهيب في أصغريَّا

فكأني مزقتُ ثوبَ تُرابي = وطويتُ السماءَ روحًا عليَّا

وكأني أصبحتُ في خاطرِ التَّا = ريخِ معنى مُجَنَّحا قُدُسيَّا

حين ألفيتني أنادم أحلا = مي رحيق الخلود طُهرًا نديَّا

وعذارى فينوي يرقصنَ حولي = ويُمجَّدنَ فنِّيَ الأبديَّا

****

ثمَّ يَمَّمنَ معبد الأربابِ = حيث توَّجنَ بالخلودِ شبابي

وتَغنَّيْنَ للإلهِ أبولُّو = آيةً خلَّدت على الأحقابِ

كلُّ ما في الوجودِ آياتُ فنٍّ = سوف تفنى والملكُ للوَّهابِ

غير أنَّ الحياةَ بالفكرِ ربَّا = نيَّةٌ طَلْقةٌ بغير حجابِ

كلُّ عبدٍ فيها إلهٌ صغيرٌ = يتسامى ما جدَّ في الأسبابِ

****

لتمنَّيتُ أن أعيش حياتي = بين تلك الفرادس الوارفاتِ

بيد أنَّ القيدَ الترابيَّ أضنا = ني فخلَّفتُ عالمَ الآلهاتِ

وهبطتُ الأرضَ الشَّقيةَ كالنَّا = سكِ يَغشى مواطنَ الشهواتِ

وبدأت الصراع في زحمةِ الأحْـ = ـياءِ سعيًا وراء هذا الفُتاتِ

وعبادي خواطرٌ عبقريَّا = تٌ ووحيٌ من السماواتِ آتِ

****

لم يكن يخطر الشقاءُ ببالي = لا ولا الخوف من صروفِ الليالي

كنت كالطفل رقةً وحياءً = ونزوعا إلى سماء الخيالِ

أحسب الأرض جنَّتي أنا وحدي = ليَ فيها ما شئتُ من آمالِ

فإذا جنَّتي سرابٌ وآما = لِيَ بيدٌ تضجُّ بالأهوالِ

وإذا بي أُجابِهُ الدهرَ فردًا = أرهقته الأيام بالأثقالِ

****

هذه الأرض لم تزد بوجودي = غير طيرٍ يسمو على التقييدِ

همُّه الحَبُّ والينابيعُ والوَكْـ = ـرُ ونجوى رفيقه الغِرِّيدِ

وأنا طائرُ الفنون فَمَا ذَنْـ = ـبيَ حتى أحيا حياة الطريدِ

اَلأَنِّي أعيشُ لِلفنِّ أعرى = وأخو الطين ناعمٌ في البرودِ

ما أذلَّ الحياةَ إن كان ذنبي = هو وزُهدي في الجوهرِ المعبودِ

****

روَّعَتْ هذه التهاويلُ حسِّي = فاستوى عندها عندها رجائي ويأسِي

وانتبهنا أنا ونفسي من الحُلْـ = ـمِ وكم ضاع فيه يومي وأمْسِي

ليت يا نفسُ والحقائقُ تبْكيْـ = ـنا وجدنا في الحلم ما كان يُنسى

ليت يا خاطري ودنياي بحرٌ = كنتَ تُرسي حيث الحقائقُ تُرسي

رُبَّ حلمٍ وَدِدْتُ لو عاشَ دهرًا = ثم ولَّى فكان ميلاد بُؤس

****

أنتِ يا نفسُ سرُّ هذا الشقاءِ = شدتَ مجدي على أساسٍ هباءِ

من سماء الخيال عُدْتُ لأَقْتَا = تَ تُرابَ الحقيقةِ النكراءِ

وهنا الكوخ فانعمي بحماه = بجمال الطبيعةِ العذراءِ

إنَّ هذا الوجود قصرٌ بناه اللَّـ = ـهُ ما بين أرضهِ والسماءِ

فدعيني أعشْ كما شاءتْ الأقـ = ـدارُ حيًّا بقاؤُهُ للفناءِ

 

شعر: صالح الشرنوبي

saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 66 مشاهدة
نشرت فى 21 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

111,691