الذكرى
(تدفّينَ مع الفجر ؛ وتسبحين في النّسم ؛ وتَضجّين في الغروب ، وتهتفين في الرؤى)
أفي القمّة السكرى بخمر الأداهرِ = تعيشين ؟ أم في فكرتي وخواطري
وفي الواحة السجواءِ من مهمه الرُّؤَى=تهيمين؟ أم في خافقي ونواظري
تطوفين بي روحا غريبا..بكفه = بقايا رفات من هشيم أزاهري
وتسرين في وهمي خيالا مشرَّدا = تطارحه النجوى لحون مزاهري
وصوتك في آفاق فكري كأنه = صدى آهة مذبوحة في الحناجرِ
* * *
إذا همتُ في الشُّطآن أنشد سلوة = لدى الموج ردّ الموج ضحكة ساخر
وإن غنَّت الأمواج خِلتُ غناءَها = أنين اليتامى أو نشيج الحرائر
و إن وَمَضَت أصدافها كان ومضها = لظى جمرة حمراءَ تغلي بناظري
وإن مرّت الأنسام تهفو حسبتها = من المسِّ أنفاسا بجوف المساعرِ
وإن أرعشت جفنيَّ تهويمة الكرى = تراءَيت جرحًا ساهدًا في محاجري
وإن ذُهِلَت عني تهاويل شقوتي = تحايلت حتى لا أُفيق لسامري
وإن راودت قلبي الأماني تمثلت = له مديةً خرقاءَ في كفِّ جازرِ
وإن قلتُ إن العيش غنوة ضاحك = وأقبلت أحدو البشر نحو المعاصرِ
وأترعت كأْسي والأخلاّء طاقة = من الزهر غذّتها أكفُّ المواطرِ
وخلّفت دنيا الناس واهتز خافقي = حنينا إلى دنيا السرور المباكرِ
وذابت أهازيج النشاوى بمسمعي = وهوّمت الأرواح حول السّوامرِ
وغمغمت الأشباح تتلو على الدُّنى = حديث الليالي والقرون الغوابرِ
ودوّمتُ عينيْ طائرٍ هيض عشّه = وأحرق جنبيه لهيب الهواجرِ
ونادمت نجم الأُفق وهو مصفّدٌ = أسيرٌ براحات القضاءِ الدوائرِ
طرقتِ عليّ الليل وهو مفازتي = وحجّبت عني النجم وهو مسامري
وفزّعتِ أحلامي. وأنسيتني غدي = وزدتِ فغلّفتِ الظلام بحاضري
وألقيتِ ..والدنيا تدور على رحى = من الفكر والهمِّ المقيم بخاطري
يسائلني صحبي وسمعي مجننّحٌ = تلقّنه الأشباح همس الضمائرِ
وفي مقلتي دمع الغريب وفي فمي = عتاب إلى قلب الجدود العواثرِ
وملءُ حنايا الصدر آهات ضارع = وملءُ شَغاف القلب زفْرات حائرِ
كأنك في عيني سهومٌ. وفي دمي = رجومٌ وفي سمعي أنين الأعاصرِ
ملأْتِ وجودي كلَّه وأنا الذي = يعيش على الأحلام عيش المقامرِ
فلا أُمنياتي في هواي حقيقة = ولا أنا عن نجواي يومًا بصابرِ
ولا أنت يا ذكرى الحبيب رحيمة = بقلب جريح في الرزايا مغامرِ
كأنك أُلْهمْتِ النّكالِ براحتي = ولُقّنتِ حب الظلم من روح هاجري
ظننتكِ في قرب الحبيبِ خرافةً = يلقّفُها صرعى الغرام المخامرِ
وفي بُعده ...أوّاه من نار بعده = تجرّعتُ يا ذكرى...حميمَ المَجَامرِ
وما كان في أحلام عمري خرافةً = سوى أملي في حانياتِ المقادرِ
فليت حداة الموتِ يحدون موكبي = جدثي المقرورِ بين المقابرِ
فما فرحي بالعيش وهو قصيدة = مهلهلة الأوزانِ ...ليست لشاعرِ
ومن صوّحتْ من عمره واحة المنى = فليس لصحراءِ الحياة بذاكرِ
شعر: صالح الشرنوبي