الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

مدن لها قلوب (1)

                                  بقلم: حلمي سالم

طرابلس

الأخ العقيد

أصبح الصبح

فلا السجن باق

و لا السجان باق

في السنوات الأولى من السبعينات الماضية و كنت في بداية أعوامي الدراسية  بكلية الآداب جامعة القاهرة تعرفت على ثلاثة زملاء ليبين كانوا معي في قسم الصحافة بآداب القاهرة: أولهم عبد الرحمن شلقم وثانيهم علي منتصر فرفر, وثالثهم نجاة الحجاجي.

وحينما شاهدت عبد الرحمن شلقم في أبريل الماضي على شاشة الفضائيات, وهو مندوب ليبيا في الأمم المتحدة يطالب العالم كله بالتدخل لإنقاذ ليبيا والشعب الليبي من بطش القذافي وجنونه, ويعلن انشقاقه عن طغيان العقيد وجرائمه ضد الإنسانية, ثم يجهش بالبكاء, فيحتضنه بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة ويحتضنه مندوبو دول العالم, تداعت على خاطري أيام الزمن القديم.

كان شلقم, زميلي في صحافة القاهرة, شابا رزينا متزنا, يتصرف بثقة وهدوء كمن يعد نفسه لموقع قيادي أو مسئولية سياسية, وكانت بفكره مسحة ناصرية أو عروبية أو قومية, ربما بتأثير ثورة وشعارات القذافي الذي كان قد قاد الثورة الليبية قبل عامين ( أي عام 1969), مدعياً أنه يسير على طريق عبد الناصر في الوحدة العربية والكرامة القومية والزعامة الملهمة, خالعا على نفسه العديد من الألقاب التي كان من بينها "أمين الأمة العربية".

كان شلقم يسكن في شارع المساحة بالدقي بجوار جامعة القاهرة, مع صديق الليبي علي منتصر فرفر, زميلنا بقسم الصحافة كذلك. وقد نشأت بيننا صداقة طيبة جعلتهما يساعدانني في إخفائي بشقتهما بعض الأيام عن أعين البوليس أثناء الحركة الطلابية المصرية عام 1972.

وبعد عودتهم إلى ليبيا, عقب التخرج عام 1974, صار علي منتصر فرفر مسئولا عن مركز دراسات "الكتاب الأخضر" وصارت نجاة الحجاجي "وكان جمالها يبهر كلية الآداب بأسرها" رئيسة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. أما عبد الرحمن شلقم فقد صار مسئولا عن صحيفة "الأسبوع الثقافي" بطرابلس, ونشر فيها ملفا كاملا على أربع صفحات, بمعاونتنا عن صديقنا وشاعرنا الشاب الراحل علي قنديل, بعد وفاته عام 1975 بشهور قليلة. ثم تدرج شلقم في المواقع حتى صار وزير الخارجية الليبية, ومؤخرا مندوب ليبيا في الأمم المتحدة, حينما اندلعت الثورة الليبية في منتصف فبراير 2011, وهو الموقع الذي تركه شلقم على الهواء مباشرة , منضماً للثورة, ليصير مندوب ليبيا في الأمم المتحدة, ولكن من قبل المجلس الوطني الانتقالي لليبيا الحرة.

كان شلقم صديقا للقذافي, ومؤمناً بالفكر القومي العروبي. يختلف مع منهج القذافي في الحكم فيخرج من المناصب, ويتفق معه فيعود إلى مناصب المسئولية, وفي كل حاله كان صدقه وإخلاصه يجعلانه يتعشم خيرا في انصلاح القذافي إذا عاونه المخلصون الوطنيون, لكي يحجموا من شططه ويقللوا من هوسه. لكنه كثيرا ما كان يصل إلى اليأس وخيبة الأمل والعشم, مثلما حدث مؤخرا, حين كشف في الأمم المتحدة للعالم أجمع بشاعة "ملك ملوك أفريقيا".

وفي المرات التي كنا نزور فيها ليبيا, سنوات الثمانينيات ونصف التسعينيات زيارات أدبية ضمن وفود شعرية أو ثقافية, كنا نلتقي شلقم , سريعاً, وفي المرات التي كان هو يزور فيها القاهرة , ضمن وفود رسمية أو سياسية, كان يحرص على أن نلتقي على هامش زياراته.  وفي قصيدتي "ربيع العرب" التي كتبتها في مايو 2011 وطفت فيها على الثورات والانتفاضات العربية التي اجتاحت بلاد العرب في الشهور الأخيرة, خصصت الثورة الليبية بمقطع وصفت فيه شلقم بأنه "يغتسل من الدنس بماء الينبوع".

كان الشاعر الليبي محمد الفقيه صالح, زميلي بجامعة القاهرة, في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين. كان يدرس في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , وربطت بيننا صداقة عميقة متواصلة ومحبة لا تزال عامرة في القلوب. وكان معي بقريتي "الراهب" في محافظة المنوفية, حينما جاءنا النبأ الأليم برحيل صديقنا الشاعر علي قنديل في يوليو 1975, إثر حادثة سيارة قتلته في مدينته كفر الشيخ, وكانت صدمته, كصدمتي, صاعقة.

أصدر الفقيه صالح كتابا نقديا بعنوان "نظرات في المشهد الأدبي الليبي المعاصر" وديوانين شعريين هما "خطوط داخلية في لوحة الطلوع" و "سمو الضمة, حنو الكسرة" كتبت عنه مقالا نقديا في جريدة "الحياة" اللندنية منذ سنوات قليلة. وقد خصصت الفقيه عام 1980 (وكان معتقلا حينئذ في طرابلس) بقصيدة عنوانها "المواطن محمد الفقيه صالح يبتكر وطنا مناسبا" تقول بعض سطورها:

"أنا طال انتظاري لاغتيالك الجميل

يا وردة يغزها ديدبان

فادخل الصيغة المطروحة: القتيل

وكن مشبعا بتجسيدك المراحل – الفواصل,

احتدم       

فحبلان في انتظار عنقك الجميل"

 

عندما عاد إلى طرابلس , بعد انتهاء دراسته بالقاهرة, عمل في وزارة الخارجية الليبية عامين, ثم تم القبض عليه مع مجموعة تتجاوز الثلاثين من أدباء وشعراء ومثقفي ليبيا الوطنيين والتقدميين, عام 1978, وظلوا في السجن عشر سنوات كاملة, حتى عام 1988, بدون أن يتم تحقيق رسمي معهم , ولا محاكمة.

كان من بين المقبوض عليهم الأدباء الأصدقاء إدريس بن الطيب (الشاعر) وعمر الككلي (القصاص) وأحمد الفيتوري (الناقد والروائي) و إدريس المسماري (الباحث) وعاشور الطويبي (الطبيب والناقد والشاعر) والجيلاني طريبشاني (الشاعر) و السنوسي حبيب (الشاعر). وغيرهم مما لم تسعفني بهم الذاكرة وأغلبهم يساريون.

ومثلما ألقى القذافي القبض عليهم فجأة. أفرج عنهم كذلك فجأة. بعد عقد كامل من الزمان. بغتة. ففي محفل جماهيري صاح الأخ القائد: "لماذا تحبسون هؤلاء الشباب؟" إذ هو لا يعتبر نفسه سلطة و لا رئيس نظام سياسي. وكأنه ليس هو الذي حبسهم! وانطلق في حركة مسرحية استعراضية إلى السجن, ممسكا معولاً بيده, وخبط بالمعول على جدار السجن, خبطتين أو ثلاثاً, كمن يهده وهو يصيح ببيت شعر شهير لمحمد الفيتوري يقول "أصبح الصبح, فلا السجن باقٍ و لا السجّان باقٍ" ليطلق سراح المعتقلينالذين صار اسمهم من تلك اللحظة مجموعة "أصبح الصبح" وقد ألمحت إلى مجموعة "أصبح الصبح" هذه في إحدى المقطوعات الشعرية في ديوان "الواحد الواحدة" قائلا:

" مزلاج باب:

مؤخرة مترعة بالسلالات

أكملنا الحديث عن العقداء الكاذبين

وأثنينا على الشعوب المريضة بآلهة . . سفليين

بينما الشدادات مهملات على سجادة البهو

كشفت عن الفلقتين في باحة فتكهرن المتقون

سألنا: كيف

انقضى عقد والمحبوبون مغلولون؟

أجاب: أصبح الصبح

حينئذ غدت أصابع في فم

في آخر الهنك حار اللسان واستوت مصابات

وكان رمل البدو رمل البدو".

 

وجلي أن القذافي لم يكن يدري أن مقولته المسرحية "أصبح الصبح فلا السجن باق ولا السجان باق" سوف تتحقق واقعيا وفعليا وميدانيا, بلا استعراض أو ادعاء بعد ثلاثة وعشرين عاما من هذه الواقعة التمثيلية, عندما انتفض الثوار الليبيون في فبراير 2011 ضد طغيان القذافي وعائلته ليزول السجن والسجان.

بعد خروج مجموعة "أصبح الصبح" من المعتقل, فقد بعضهم دراسته نهائياً, إذ كان البعض طلابا في الكليات الجامعية, وبمرور عشر سنوات من غيابهم كان قد تم فصلهم من الجامعة. بينما واصل بعضهم مسار عمله السابق إلى الحبس: إدريس بن الطيب صار سفيرا لليبيا في إيطاليا ثم الهند, محمد الفقيه صالح صار عضوا في البعثة الدبلوماسية الليبية (كسكرتير ثان ثم أول) في سفارة ليبيا بسويسرا ثم أسبانيا, وأخيراً عاد إلى ديوان وزارة الخارجية بطرابلس. إدريس المسماري و أحمد الفيتوري عملا في رئاسة تحرير صحيفة "لا" ببنغازي.

في إحدى زياراتنا الأدبية لليبيا, كنا وفدا ثقافيا كبيراً. كان من بين أعضائه صلاح أبو سيف ونور الشريف ولطيفة الزيات ومحمود أمين العالم وعلي بدر خان وغيرهم, الوقت أوائل الثمانينات. في مطار طرابلس, أثناء انتظارنا في الصالون الفخم حتى "يخلص" المرافقون لنا الجوازات, إذا بصلاح أبو سيف يقف فجأة ويصيح فينا: "شوفوا نور الشريف قاعد تحت إيه؟".  نظرنا إلى نور الشريف لنجده جالسا على مقعد , بينما فوق رأسه على الحائط لافتة ضخمة تقول: "التمثيل تدجيل" وانفجرنا جميعاً ضاحكين.

لم يكن "التمثيل" المقصود بالطبع هو التمثيل المسرحي أو السينمائي مما يقوم به نور الشريف وأمثاله, بل كان المقصود هو "التمثيل البرلماني النيابي". كانت طرابلس وليبيا كلها مزروعة شعارات ولافتات وإعلانات ويافطات من مقولات القذافي وكتابه الأخضر. في كل مكان ستصفعك لافتات مثل: "الفاتح أبداً" "شركاء لا أُجراء" من تحزب خان" , "التمثيل تدجيل" وكان من أفكار القذافي الرئيسية أن الديمقراطيين الأحزاب والبرلمان والنواب والانتخابات وما إلى ذلك من مفردات الحياة السياسية الديمقراطية , هي ألاعيب غربية شكلية فاشلة, وأن النظام الأمثل الذي اخترعه هو المؤتمرات الشعبية والحكم الشعبي, بلا سلطة ولا ديمقراطية ولا حكومة! ولذا فإن ليبيا ليست "جمهورية" بل هي "جماهيرية" وصار اسمها هو أطول و أعجب اسم لدولة في التاريخ: "الجماهيرية الليبية العربية الشعبية الديمقراطية الاشتراكية العظمى"!.

ذات زيارة أخذنا الصديق الشاعر محمد الفقيه صالح "محمد عفيفي مطر ورفعت سلام و أنا" إلى بعض الأحياء الفقيرة في طرابلس, لنرى الفقر المدقع على الناس والبيوت في الدولة التي تملك من البترول, ما يجعل العالم العربي كله يعيش في بحبوحة ورغد ورفاهية. فأموال البترول تذهب إلى أرصدة العقيد وأسرته, و إلى أزلامه من الطغمة التي هي ذراعه الباطشة, وتذهب إلى شراء المرتزقة من إفريقيا لحماية نظامه وحراسته الشخصية. وتذهب إلى بعض الحركات الانفصالية في العالم كله, لكي يقال إن العقيد يدعم حركات التحرر العالمية.

ثم توقف بنا الفقيه أمام منظر عجيب في إحدى ضواحي طرابلس: طابور طويل من الرجال والنساء يحملون "جراكن" فارغة في انتظار دورهم كي يملأوا  هذه "الجراكن" من "حنفية" في الرمل يقف أمامها الصف الطويل من أجل الماء العذب الصالح للشرب. فطرابلس لها مدة غير قصيرة ليس بها مياه عذبة للشرب, بعد أن قطع الأخ القائد مياه الشرب عن مواسير المدينة كلها, عقابا لطرابلس على أنها لم تقف معه الوقفة التي كان ينتظرها منها, بعد أن ضربت الطائرات الأمريكية بيته ودمرته 1986. وقد اكتشف المواطنون هذه "الحنفية" الشاردة "الشيطاني" في رمال هذه الضاحية , تضخ ماءا صالحاً للشرب, فصاروا يقصدونها كل ليلة بالجراكن الفارغة كي يحصلوا على حاجتهم من مياه الشرب الصالحة. وقد استمر هذا العقاب بضعة شهور, إلى أن أفرج القذافي عن المياه. هل رأيتم رئيس دولة يعاقب عاصمته بقطع مياه الشرب الصالحة عن مواطنيه؟.

عرفنا عمر جهان بمصر منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي. فنان تشكيلي ليبي تقدمي, خريج الفلسفة من جامعة بنغازي. درس الفلسفة بضع سنوات في ليبيا ثم غادرها إلى مصر لاستكمال دراساته العليا, وبدأ يجهز للماجستير في " مفهوم الجمال عند أبي حيان التوحيدي". تواكب ترك جهان ليبيا مع الفترة التي كان فيها القذافي شرع يمنع دراسة الفلسفة في المدارس والجامعات لأنها هرطقة وزندقة تجسيداً للمبدأ التراثي الذي أشاعه بعض السلف الجامد المتخلف, ويقول: "من تمنطق تزندق" و أن "الفلسفة أم السفه" وهي الفترة التي كان من أبشع جرائمها حبس الفيلسوف والمفكر المصري د. عبد الرحمن بدوي في أحد السجون بليبيا بضعة شهور مريعة بسبب تدريسه الفلسفة العلمية بالجامعات الليبية, على الرغم من أن السلطات الليبية الرسمية التعليمية هي التي استدعته لهذه المهمة الأكاديمية!.

استقر جهان بالقاهرة, واستغرق في الفن التشكيلي والنشاط الثقافي حتى نسي التوحيدي والماجستير والفلسفة, وإن ظلت به مسحة من التوحيدي ومسحة من الفلسفة. شاركنا تأسيس "جماعة ومجلة إضاءة 77" الشعرية الحداثية, التي استمرت في الصدور ككتاب غير دوري من عام 1977 حتى عام 1997. وقد أشرف عمر جهان على تصميمها وإخراجها الفني ورسومها الداخلية. ونشرت المجلة في عددها الثاني قصيدة لمحمد الفقيه صالح بعنوان "خطوط داخلية في لوحة الطلوع" التي أخذ ديوانه الأول اسمها فيما بعد, وفيها يقول, كمن يتنبأ بفجر ليبيا القادم بعد ثلاثة عقود, وبمغادرة زمن القحط, وباكتشاف النبع:

"حان دور الفراشات كي يفشي اللون أسراره الداخلية

هل يدرك الزمن النوم, والزمن القحط ما نحن فيه؟

وهل يعرف الساكنون موعدنا البكر؟

والهانئون مغامرة الغوص فيما يخبئه الطلع؟

لا عاصم اليوم إلا من اكتشف النبع, وامتلك الشارة الواعدة".

 

أقام عمر جهان بالقاهرة عدة معارض تشكيلية لاقت صدى طيباً في الأوساط التشكيلية, وحققت له مكانة إبداعية متميزة, كان معرض "السكون المشمس" واحدا من أبرز هذه المعارض. وقد اعتاد جهان أن ينشر في "كتالوجات" معارضه نصوصا نقدية وأدبية جمالية نثرية بقلمه حول تصوره الفني الفلسفي, وكانت نصوصا بالغة العمق و الإدراك الرفيع. ساعد جهان الجماعات الليبية المعارضة الموجودة بالقاهرة, مساعدات ثقافية وسياسية وفنية عديدة. وقد داعبته ذات يوم بقطعة شعرية تصفه بالقول:

" الساحر الغامق الموشّى

هل لي وهشا

كان بعض صوته نحيلا

وبعضه أجشا".

 

في هذه الزيارة نفسها حكى لنا الأصدقاء هذه الحكاية الأليمة. كان زمن الحكاية هو السنوات التي استشرت فيها "اللجان الثورية" في كل مكان ومؤسسة وموقع. كانت هذه اللجان الثورية في مؤسسة كالجامعة تحاكم أي معارض وتدينه بتهمة خيانة الكتاب الأخضر أو معاداة ثورة الفاتح, ثم تحكم عليه بالإعدام شنقاً, ثم تنفذ الحكم في التو بنصب مشنقة في نخلة من نخلات باحة الجامعة, تعلق فيها المجرم الخائن, ويبث المشهد على الهواء في تلفزيون الجماهيرية الشعبية الاشتراكية الديمقراطية الليبية العظمى, بينما الشاب المسكين يتدلى متأرجحاً في مشنقة الثورية. ليكون عظة وعبرة لكل من يشاهده على الهواء مباشرة.

أما الحكاية الأليمة فهي أن رجلاً ليبياً يعمل موظفاً, كان لديه ولدان يعيش معهما "الزوجة غير موجودة , متوفاة أو مطلقة" ولد عمره سبع سنوات, وولد عمره أربع سنوات. وذات صباح نزل الأب إلى عمله , تاركاً ولديه بالمنزل. وحينما عاد بعد الظهر وجد أن الولد ذا السنوات السبع قد صنع مشنقة من ملاءة السرير, وعلقها في السقف, وشنق فيها أخاه الأصغر, ووقف يتفرج عليه وهو يتأرجح في مشنقته ميتاً! لقد فعل الصبي بأخيه ما يراه يومياَ على شاشات التلفزيون, ظناً منه أنها لعبة "مرجحة جميلة"!.

في الأيام الأولى من الثورة سمعنا  في قناة "الجزيرة" أن إدريس المسماري قد تم القبض عليه من زبانية كتائب القذافي, ولم نستطع الاطمئنان عليه إلا بعد ثلاثة أسابيع حينما سمعنا أنه أفلت منهم بمساعدة الثوار. وفي آخر يوليو الماضي حضر المسماري إلى القاهرةٍ. حكى لنا قصة اعتقاله وقصة تحريره. ثم شكا لنا أن ثوار ليبيا يشعرون أن مصر "الثورة" لم تدعمهم الدعم الكافي. واتفقنا على معالجة هذا التقصير بتنظيم وفود مصرية أدبيةٍ وثقافية تزور بنغازي, وتقيم لقاءات ثقافية مصرية ليبية مشتركة. وتنظيم حضور وفود ثقافية ليبية إلى مصر لإقامة ندوات و مؤتمرات في مقار بعض الأحزاب الديمقراطية واليسارية المصرية, للتعريف بالثورة الليبية وتبادل الخبرات والرؤى والآراء.

وعندما عاد المسماري إلى بنغازي , و كان نظام القذافي يلفظ أنفاسه الأخيرة, وبدأ الثوار طريقهم إلى طرابلس, ودخلوها واقتحموا باب العزيزية. ومنذ أيام قليلة جاءني صوت محمد الفقيه صالح على الهاتف ليقول لي: صباح الحرية يا مصر. فأرد عليه: صباح الحرية يا ليبيا. وساعتها, تذكرت المقطع من قصيدتي "ربيع العرب" الخاص بليبيا الذي يقول:

"الجمرة تتدحرج من بادية للمدن

ومن مدن للبادية. من الرمل إلى الزرع. من الزرع إلى الرمل

انكسر القمقم فتعالت صرخات:

                هيا نعتق أنفسنا من قيد التاريخ ومن قيد الجغرافيا

هذي رقصة بنغازي تغمر أطراف المعمورة

في الحلم سيصعد عمر المختار على مصراته

معتمراً بالكوفية والصبر وحكمة كهل يهمس

إن مكروا فالله كبير المكارين

ويصعد إبراهيم الكوني على الزاوية يداعب بأنامله قطط اللوكيميا

 ويشرِّح بالسردِ طوارقَ بدوٍ،
ويعالج كبدَ الصحراء،
ويصعد ابنُ فقيهٍ صالحُ من سرت، تعذبّه الضمّةُ والكسْرةُ،
ويعذّبه الأخدودُ الفاصلُ بين الملكِ وبين الملكوتِ،
وشلقمُ يغتسل من الدَّنس بماء الينبوع،
ويختتم جهانُ اللوحةَ برتوشٍ ساخرةٍ:
الدكتاتور أنيقٌ وحليقٌ ورشيقْه
الدكتاتور رقيقْه
يتجوّل بين رعاياه يرشُّ النعمةَ:
دارا دارا،
زنقاتٍ زنقاتٍ،
وطريقاً بطريقْه
فالدكتاتور أخٌ، وقريبٌ ، وصديقهْ

والدكتاتور وباءٌ, وجحيمٌُ, حريقه".

                                               حلمي سالم

مجلة المصور                   العدد 4542 -       26 أكتوبر 2011
     
Email: [email protected]

saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 253 مشاهدة
نشرت فى 19 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

131,754