العَسْكر
كنا نخشى العَسْكرَ،
ونراهم مسكونين بشهوات السلطة،
منقلبين، وقلابين،
بغاةً، وطغاةً،
حتى لو كانوا ضباطاً أحراراً، وحُرّين،
فهم قتلة نيرودا،
هم من رشّوا اللينّدي برصاص الغدر،
ورشّوا لوركا برصاص الغدر
وصاروا آلهةً علويّين،
وهم من فردوا أجنحتهمُ السوداءَ على الأشجار،
لتغدو الأشجار خفافيشَ،
ويغدو الزمّارون أساطين.
كنا نكره رائحة العسكر،
ونراهم أحذية قاسية الوطء،
تدوس الزهرات المنفتحات بحقل الدنيا:
إسلاميين، شيوعيين، وجوديين،
ولكن العسكر في مصر الغضبانة صاروا مختلفين:
أخذوا ورداً من صبيان الحارات،
وحطّوه على ماسورات المدفع،
مسرورين وحنانين،
ابتسموا للفتيان وللفتيات
وتركوا أيديهم تكتب فوق الآليّات:
«زمانٌ زُورٌ راحَ،
ونحن بشارة آتين».
كنا نكره رائحة العسكر:
عطناً، خيلاء، ونياشين،
ولكن العسكر بعد يناير
صاروا أبناء شيوخ الميدان
وآباء صغار الميدان
ووضعوا الطفلة فوق الدبابة
في كفّيها عَلَمٌ خفّاقٌ، وحمامات، وسحابة
أجابوا ندهة مكسورين:
«ليذهب قهر القهارين»
وغنوا أغنية الجمع:
«الشعبُ، الجيشُ:
يدٌ واحدةٌ»
كنا نخشى العسكر
لكن العسكر في أم الدنيا معجزة،
رنت فوق النيل الأهزوجةُ عاليةً:
«أنا الشعب لا أعرف المستحيلا
ولا أرتضي للخلود بديلا»
حينئذ،
أدى العسكر للشهداء تحية حرب،
ليصبر الشهداء بذاكرة المعمورة:
أحياء، حيِّين.
فسلاماً للجندي إذا انهزم على خط النار
بفعل القوّاد المنهزمين،
وسلاماً للجندي إذا انتصر على خط النار
بفعل الطاقات المكبوتة في مكبوتين،
وسلاماً للجندي إذا حفظ دماء الأهل.
كنا نخشى العسكر،
لكنهم الليلة حُراس الحلم:
أمينين،
ومأمونين.