الطهطاوي
يمشى رجلٌ هذى الليلةَ بجوار مدافن نابليونَ ،
يحطُّ الوردةَ ويسجل فوق الشاهدِ :
هذا الغازي تركَ الأرضَ وأخذَ القلبَ .
أنا لستُ إمامَ البعثة،
بل مندوبُ الميتافيزيقا في الإطلال على الفيزيقا ،
عاينتُ الإسلام ولا إسلاميّينَ:
العملُ مناطُ القدرةِ،
صَوْنُ الضعفاء من الغولِ ،
الإبقاءُ على المختلفِ .
وكنتُ رأيتُ بداري إسلاميّين ولا إسلامَ:
التدليسُ مناطُ القدرةِ،
صَوْنُ الغيلانِ من الضعفاءِ ،
وسلخُ المختلفِ كشاةٍ .
يمشى بجوار مدافن نابليون يدوّن :
لم يمضِ القرنانٍ علينا يا صنوي في الهوس بمصرَ ،
ولكنى مصعوقٌ من أعجوبةِ تصويتِ الدهماءِ
على السّادة من غير مباحثِ أمنِ الدولة،
أو قطع ِالعُملةِ نصفيْن:
فنصفاً قبل الصوت ونصفاً بعد الصوت .
فكيف تطامنتم قُدّام وحوشِ العولمة ؟
وهل تعلم شياً عن كابولَ؟
تنبّهْ: لست ُ أقاضيكَ ونحن الشِّقان الضِّدانِ،
أنا ذو العمة فيما أنتَ رسولُ الثورة ِ،
لكنى أتفحّصُ ذاتي:
كيف أخلِّصُ إبريزاً ،
أو أقفز إفريزاً ،
إن كنتُ كتبتُ على القفطان: سلامٌ يا ألبابُ،
ولملمتُ الثوبَ لكي لاتحرقني الكيماوياتُ ؟
أنا مندوبُ الميتافيزيقا في الإطلال على الفيزيقا ،
أضعُ الوردةَ فوق الوردة وأقولُ :
كلانا طالبُ مملكةٍ ملأى برقابٍ منحنياتٍ:
هذى باسم القُوّادِ البحرييّنَ،
وهذى باسم ملائكةٍ من عَدْنٍ.
هل سمعتْ أذناكَ عن اللّدِّ ؟
وهل تعلم أن طيورَ المعدن عصفتْ بالناطحتيْن ؟
فيا صنوي في الهوس بمصرَ ،
أنا لستُ أحاكيكَ ونحن الشّقان الضّدان:
القبضةُ باللاهوت أو القبضةُ بالناسوت ،
وبينهما قرنانِ جريحانِ وقيحٌ ينزف من أضرحةٍ .
سأنفّذ توصيةَ العّطار
وأنهلُ من ماء النار إلى أن يهترئَ الجوفُ ،
أدلُّ حفيداتي بالغمز على آخر موضات النعش،
أزوِّجُ تشريعاتِ الأشرار لتشريعاتِ الأخيار ،
لأبدأ درسَ المستحسَنِ والمستقبحِ مما عند الإفرنجِ.
الغازي تركَ الأرضَ وأخذَ القلبَ ،
ليمشى رجلٌ هذى الليلةَ بجوار مدافن نابليونَ ،
يحطُّ الوردةَ فوق الوردةِ فوق الوردةِ ويغمغمُ :
مدرسةُ الألسن تنعاني ،
وفوانيسُ القاهرة الكبرى تنعاني ،
وعلاماتُ الدرب محاها النشّالونَ.
فيا صنوي في الهوس بمصرَ ،
أراكَ مثيلي :
فردانِ غريبانِ حزينانِ أذلَّهما القرنانِ،
فما عدتَ الفاتحَ ذا الغُرّة والتاج.
وما عدتُ الناهضَ،
طُمسَ الحلمانِ :
الهيمنةُ بسيفٍ ، والهيمنةُ بمعراجٍ ،
لا أسسّتَ المُلْكَ
ولا أنقذتُ حفيداتي من فقهاء الأسمنتِ ،
ونوّابِ الكعبةِ .
لنضمَّ القبريْن ونبكِ على المجديْنِ:
فلستَ عصىَّ الدمعِ ،
ولستُ عصىَّ الدمع .