وردة على قبر الشنفري
(1)
قلتُ لأزهار المشمشِ
أن تَنبت قبل أن يذبل عطرٌ
كان دليلا
ما بين كتابات العاشق فوق عيون الأمس
وأزيزِ رصاصاتٍ
فوق جبين امرأةٍ في ريفِ دمشق.
(2)
" أقيموا بني أمي صـدورَ مَطِيكم فإني
إلى قومٍ سِـــــــــــــــــــــواكم لأميلُ ! "
صدعَ النّفيرُ فتململت
بين الصحاري عظمةٌ
كانت كما الأعراف
بين صوتٍ والصّدى
لا الليل يفقهُ فن السياسةِ
ظلَّهُ
والحلمُ فوق الطّريقِ
مزّقتهُ سيّارةٌ
كانت تُباعدُ مشرقًا عن مشرقٍ
فالتصقنا بالحجارةِ
بالتّجارةِ
فانتفى عنّا النّشيدُ
" طلعَ البدرُ علينا ".
(3)
في النّجفِ الأشرفِ
كان رجالٌ من فقهِ السُّنةِ
ينتحرونَ على العتباتِ
وبقايا دماءٍ
لرجالٍ من فرسٍ
غطّتها دماءُ الشّيعةِ
إذْ ينتحبون
عند العتباتِ.
(4)
" ثلاثةُ أصــحــابٍ فؤادٌ مشـــــــيعٌ
وأبيضُ إصــــــليتٌ وصــفراءُ عيطلُ "
هزّني صوتُ الكمانِ
في مرقصٍ
أوتارُهُ خمرُ الأناملِ
أينما
حطَّ الذؤابةَ أينعتْ
صلصال خوفٍ من غدِ
وكلَّما رنّتْ على الأوجاعِ
غيمةٌ
أنَّ الوطن
وانسابَ من كفِّ المرابي
خمرُهُ
يلمس في انحناءِ الضّوءِ
سيفًا أزرقا
لاموت فيهِ ولا رجا
بل يشربُ الخمرَ
داءً ودواءً
يسكن إذ يُراقص أنثى المرقصِ
يسكبُ فوق البساطِ حنينَهُ
هذيان كهفٍ من كهوفِ الرّاحلين
صوب الكمانِ والخمر وأنثى المرقصِ.
(5)
مجَّدْنا الزَّيتونَ
حين تخاذل نخلُ الوادي
وانكسرت خيلُ الأعرابِ
فوق مداراتِ النّجمِ الغربيِّ
فتنادينا
" سلامُ الشُّجعانِ سيأتي يومًا ما "
فانهارتْ في سوقِ النفطِ
كلُّ مآذنِ طلعتنا
وانتحرَ الزيتونُ
كي تبزغَ خيمتُنا.
(6)
" شَكا وشـــــــــــــكَتْ ثم ارعوى بعدُ وارعوت
ولَلصَّـــــــبرُ إن لم ينفع الشــــــــــكوُ أجملُ! "
ألا يا مَنْ حكَّمتُهُ سيلَ الدّموعِ
وانثنى فوق الخدودِ
يسرق الضَّوءَ من شمعتي
ألا يا مَنْ وسَّدتهُ قلبًا شفَّ من وجدِ الحنينِ
فاحتالَ حتى طوى
من عمرِ الزهورِ بهجتي
أتيتُكَ اليوم
لا قلب لي
ولا
في الصَّدرِ إلا
بقايا حنظل
فارقُبْ
خروجَ الظِّلِّ من قلبِ الوجع
وانطفاء البحرِ
في شطوطٍ من خدع
هذا ما خطّتْ يداكَ
حين خرّبت السطورَ في الكتب
ومحوت ترتيبَ الأماني
في كهوفٍ من خُطب
ذُقْ وحدكَ
حنطةَ الغرابِ
حين شقَّ في الترابِ
سوءةَ الأدب.
(7)
يَهزمُ وردَ الأمسِ
وردَ اليومِ
فترحل من كلِّ حدائقنا
كلُّ طيورِ مودَّتِنا.
(8)
" وأســتفُّ تُرب الأرضِ كيلا يرى له
عَليَّ من الطَّـوْلِ امرُؤ مُتطوِّلُ "
وارتَجلنا حين كُنَّا مُرسلينا
عمائمَنا
سيوفًا – يماماتٍ
في بلادٍ لا تعرف اليقينَ
نخطفُ الصّحراءَ بحرًا
من صفوفِ العاشقينَ
بيننا سربُ الخيولِ
شرفٌ رفيعٌ يُسلبُ
ومن أرضٍ سكنتُها
إلى أرضٍ طلبتُها
كنتُ كالشَّمسِ الغريبةِ
مطلعي أفقٌ رحيبٌ
والقواريرُ مغربي
فانشُدي يا أرضَ السلامةِ مولدي
فالعزُّ يشرقُ من جبهتي
والشّرقُ يعرفُ وجهتي.
(9)
هل فتَّحَ مشمشكِ هذا العام
أَعطى لفتاكِ
مجالاتِ الرؤيةِ من بيتِ المقدس
حتى الحجرِ الأسودِ في الكعبةِ
هل غنّى
ترنيمة عيد الميلادِ
بين نوارس أعداءِ الخبزِ
وصهيلِ الأجراسِ
فوق كنائسِ أقباطِ المهجرِ.
(10)
" فإن تبتئس بالشـــــــنـــفــــرى أم قســـــطلِ
لما اغتبطتْ بالشــــــنــــفـــرى قبلُ أطولُ ! "
وردةٌ على قبرِ الشنفري
ملَّتْ
أن تقول
والقصائد قد أخفت ينابيع الرشادِ
فما عُدنا نُدركَ الحكمةَ
من رحيلِ الموجِ في صحفِ الكلامِ
ولا عودة الخيلِ منصورا
فاسكبْ أيُّها الوغدُ
زيتَ قنديلي
فالخيلُ تعرفني
واللَّيلُ يسكنُني
والبيدُ مُرجاني
والسَّيفُ سُلطاني
والقُرطاسُ أحلامي
والقلمُ قُرآني
وردةٌ على قبرِ الشنفري
لو زارها
بكرُ الحياةِ
لانْتشى
وانْسابَ فوق الأرائكِ
نخلةً من عسجدِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأبيات المضمنة: من لامية العرب للشنفري
د. السيد عبد الله سالم
المنوفية – مصر
15 مايو 2013