التائهة
(في زورة الشاعر لأرض المعراج أحس بعذاب التراب وثورته التي ينضرم لهيبها على خطأ التائهة الملعونة..اسرائيل)
عاريةٌ طافتْ بزُنَّارِ = مُجدَّلٍ بالخزي والعارِ
مرجومةُ النظرةِ في لمحها = تابوت أرجاسٍ وأوزارِ
فلو سرت كانت خنًا هارِبًا = من ندمٍ في النفس دوَّارِ
ولو هفت يومًا على تائبٍ = غنّى له الإثمُ بقيثارِ
وانسل في توبتهِ عاصيًا = يستلُّ فردوسًا من النارِ
ولو رنت للخلد لم تبق في = سمائهِ دعوة أبرارِ
إياؤها يخزي صلاةَ الضحى = لو شبّها معبد أطيارِ
ويُخجلُ الليلَ ولو ناغمتْ = آناؤهُ اللهَ بأسحارِ
تاهت فلو سارت لكانت سرًى = مصفّدً في وهم أسفارِ
آفاقها سمُّ خياط على = جفن شليل الكف محتارِ
ودربها غيبٌ بلا شلطئٍ = يأويهِ في لجة أقدارِ
تزجها اللعنةُ أنّى شكتْ = حيرتها في قلبِ إعصارِ
في غيهبٍ سُمِّر قيد الدجى = في ليلهِ المنتقم الضارِي
فلا سماءُ الله مدت لها = تهويمةً من طيف أنوارِ
ولا الثرى وهوَ احتضان المدى = والتيهِ واساها بأشبارِ
بنت الخطايا السودِ دارت بها = رحيق أفّاقين أشرارِ
من غابر الدهر لها سيرةٌ = ضاقت بأوطان وأسفارِ
نهارها يجترُّ زيف الرؤى = فهو ظلامٌ فاسقٌ عاري
وليلها معصيةٌ جُنِّختْ = كالبومِ في أطلال أوكارِ
تنعب في تجوالَها مثلهُ = على خرابٍ شارد الدارِ
ملعونةٌ تقتات من عرضها = قوت الصدى من أيّ مزمارِ
وتشرب السحت على نشوةٍ = يرغو بها إبريقُ خمّارِ
وتذبح الله على درهمٍ = مقدّسِ اللّعنةِ ثرثارِ
قالتْ: يداهُ جلّ مغلولةٌ = غلّت يديها كفُّ جبّارِ
وطاردتها لعناتُ الورى = بعاصفٍ كالهولِ دوّارِ
تلقى بهِ في الذل أنّى مشتْ = ويلَ هشيمٍ لاذَ بالنارِ
تلقفها الأرض ترامت لها = في زاخرٍ بالحقدِ موّارِ
ينهشُ أمن الروح في جنبها =من غير أنيابٍ وأظفارِ
يلعنها الأفق بوأدِ المدى = من كلِّ أبعادٍ وأقطارِ
تخطو وترتد على موجهِ = كذرّةٍ في صدر تيّارِ
يلعنها الله فكمْ مُرسلٍ = كانت له تأويلَ كفّارِ
تهادلت سينا على دربها = لعله يُومض لِلسّاري
وعشَّشتْ في ذاتها غيْهبًا = مُستخفيًا من غير أوكارِ
غنّى لها موسى بألواحهِ = ونافخَ الطورَ بمزمارِ
زكلّم الله فأصغتْ له = ثاكلةً تُصغي لحفّارِ
جبينُه للنور وهيَ الدجى = يمعن في تابوت أغوارِ
وجاءها عيسى برفق الهدى = فلم يزدها غير إصرارِ
وغير تاريخٍ صليبِ الأسى = يصرُّ من لوحٍ ومسمارِ
وأنزل الفرقان نورًا على = هادٍ من الرحمن مختارِ
فواصلتْ كيدَ السّما لعنةً = منبوذةً تبحثُ عن جارِ
ودارتِ الدنيا وفي غفلةٍ = نامت على أجفانِ غدّارِ
حطّت على أرضٍ لها سجدةٌ = للهِ صارتْ سجدةَ العارِ
وفي غدٍ أرقبُ خيلَ الضحى = تزأر في غضبةِ أحرارِ
تدق باب العارِ تهوِي بِهِ = وترفعُ الرّايةَ لِلثارِ
1965
شعر: محمود حسن اسماعيل