الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

authentication required

بغداد

(من ضفاف دجلة انسكبت هذه الترنيمة التي كانت انشاد الشاعر في مهرجان الشعر السادس ببغداد يوم 21 فبراير 1965).

 

 

لوْ ألهمتني طيفَ صوتٍ من صدى التاريخ حول بابها

أو وشّعتني بسنًا من سجدة النور على قبابها

أو ساكبتْني بِيَدِ الوحْيِ رحيقَ الخُلدِ من عُبابِها

أو فاغمتني بعبير المجدِ في ترابها

ورشفةٍ من وهلة الإيمانِ في أهدابها

ومن جلالِ الشرقِ من ضحاه في رحابِها

لجِئتها بسيكبٍ من مُهجتي من الغناءِ لم ترهْ

وسقتُها ملاحمًا للشعر من تاريخها معطَّرهْ

تقصُّ ألفَ ليلةٍ جديدةٍ لأَلْفِها ومعْذرَهْ

*       *    *

لو دندنَ الشعورْ =  وأقلع الطريقْ

وفاتني العبورْ = لسرها العميقْ

فنعمةُ العصورْ = في نايها العريقْ

تُدوِّخَ الدُّهورْ = وتُسكرُ الرحيقْ

وتذهلُ العيدانَ لو بابلُ تزجي السحرَ من ربابها

وتعصرُ الإلهامَ من كلِّ شجٍ أو عاشقٍ غنَّى بها

*          *           *

لو أنّني ملاح بحر ألحدتْ تحت الدجى رياحُهُ

وأصبحت قلوعهُ جنائزًا شلَّتْ بها جراحُهُ

وسُمّرتْ آفاقُهُ وارتَدَّ موءُودَ الصدى نُواحُهُ

وذقتْ رشفتينِ من دجلتِها المُطَّهرِ

وذبتُ قطرتينِ في مَسَابِهِ المُعَطَّرِ

وحُلْمَ موجتيْنِ في ربيعِهِ المسَحَّرِ

لاندلعتْ سفينتي تمخرُ في الغياهبِ المدثَّرَهْ

وأقبلتْ حولي الرياحُ طوعَ أحلام المدى مستغفِرهْ

تَطوي معي تيهَ القرونِ لو أرادتْ نظرتي أَنْ تَعبُرَهْ

فنهرُها ملاّحْ = في لُجَّةِ الحَياهْ

في كَفِّهِ مِصبَاحْ = عَبَّ الدُّجَى سناهْ

ودفَّةُ الرياحْ = تَجري على مدَاهْ

والعاصفُ المُجتاحْ = يَغْدُو لهُ صلاهْ

كمْ مرَّةٍ مسَّ رُباها فانْبرى بفجرها جناحُهُ

وهبَّ كالمقدارِ لم يترك رفاتَ ظُلمةٍ صباحُهُ

*         *         *

نزلتُها والبدر لم يدرِ بها مُتَّجهًا لقبلتهْ

فراح يجثوا خاشعًا أنَّى سرى مكبِّرًا بخطوتهْ

والنّور حبّاتُ ضحًى مبثوثةُ الضياءِ حول سجدتهْ

كأنّها تمائمٌ لوجهها المُنضّرِ

كأنّها حمائمٌ أسرابها لم تطِرِ

بيضُ الجناحِ مُصغياتٌ لبقايا وَتَرِ

ألقاهُ إسحاقُ ولمْ تَسكُنْ بقايا عُودِهِ المُرنَّمِ

ولمْ تزلْ أَنغامُهُ رغمَ المدى ولهانةً لم تنمِ

شجيَّةً أبيّةً عتيَّةَ السكونِ والتَّرنُّمِ

آهاتُها نُشورْ = يهدر في القلوبْ

وصمتُها شعورْ = يزأرُ في الدُّروبْ

يُجدِّدُ المسيرْ = يُبدِّدُ الغروبْ

ويرفع الستورْ = للشمس كي تَئُوبْ

وتُرجع النورَ لمن كانوا على الدنيا  حداة يَقْظَتِهْ

ومَنْ سَقَوْه للدجى والغربُ أعمى شاربٌ من ظلمتهْ

*       *          *

وقفتُ في فضائها أسمعُ طيرَ الخُلدِ في منابِرهْ

والبحتريُّ حاملٌ تلفُّتَ الدنيا إلى قباثرهْ

والسينُ سهمٌ للخلود يرشقُ الإيوان في سرائرهْ

يروي تذلل البلى في وجهه وخاطرهْ

ونشوة النور على إطراقةٍ بناظرهْ

منذ دهتْهُ هالةٌ شقَّتْ ذُرا أكاسرهُ

من قبلة السماء للبيداء من بيت بأرض العربِ

شعّت تضيءُ حيرةَ الوجودِ من وجهِ نبي

هبَّ لها سابورْ = من فزعة الأكفانْ

من دستهِ المقهورْ = في قبضةِ النسيانْ

ودارَ كالمسحورْ=  في حيرة الإيوانْ

يَصيحُ والمقدورْ = يُجيبُ والنيرانْ

تُهيلُ من رمادها الخمودَ والزوالَ في محاجرهْ

وترتَمي ساجدةً لوهلةِ الأضواءِ في مقاصرهْ

*         *          *

من هاهنا وخيمة الرشيد تطوي الأفق في أنامله

وصولجان الفكر والمأمون يذكي الضوء في مشاعلهْ

وسيف هولاكو من الخيبةِ مرتدٌّ إلى مقاتلهْ

منهاهنا والنور لم يفغل سناهُ أبدا

وراية الإسلام لم يترك ضحاها أحدا

وكيف والسماءُ خطَّتْ فوقها محمّدا

محرِّرَ الإنسان داهي الرق والهوان في جبينهِ

بثورةٍ شبَّتْ على تكالُب الأغلالِ في يمينهِ

فذوّبتْ قُيودَهُ بصيحةِ القُرآنْ

وأضرمتْ وقودهُ في جبهةِ الطُّغيانْ

وحرَّرتْ وُجودَهُ من قبضةِ الأوثانْ

وحرَّمتْ سُجودَهُ إلاّ إلى الرحمنْ

من هاهنا حُداؤها مدَّ الخُطا وسارَ في قوافلهْ

وفجَّرَ الضياءَ يسقِي ظلمةَ الوجود من مناهلهْ

*            *             *

ولمْ أزلْ أُصغي ويُصغي في دمي تبَتُّلُ النّخيلْ

كأنّه مسبحةٌ تعدُّ في تاريخها الطويلْ

خضراءُ ما زالتْ يدُ المنصورِ في أحلامها تجولْ

تُديرها وتفطر السلام من حبَّاتها

وتسكبُ الضَّياءَ في رياتِها

وتعصرُ الشمسَ لخطوِ الفجرِ في ساحاتِها

وحولها لعودة الأيامِ لاحتْ شمخةُ المآذنِ

تُصغي معي كأنَّها تسبيحة الوحدة في ملاحني

كأنَّها جباهْ = هبتْ من السجودْ

تكبر الصلاهْ = لفجرها الوليدْ

وترزم الشفاهْ = بوحدة النشيدْ

وترجع الحداهْ = للدرب من جديدْ

وتسبغ الراية في المعراج نور ظلها الظليلْ

ويدفنُ التاريخُ عارَ أمسهِ في مهجة الدخيلْ

*         *           *

بغدادُ يا ترنيمة العصور يا تميمةَ الزمانْ

يا حلمًا مشعشعًا للدهر كم دارت به الدنانْ

يا قصةً تحبو الأساطير على أعتابها

يا كرمةً عبَّ سقاةُ النور من أعنابِها

يا قبلةً للشمسِ تستيقظ من أهدابِها

يا زادَ كلِّ وقفةٍ يكبر التاريخُ في تُرابِها

يا كبر كلِّ نظرةٍ شقت بك الأجيال في انْسيابها

يا نبضة الأوتارْ = في ثورة النغمْ

يا صحوةَ الأحرارْ = يومَ الدجى ألمْ

روّيت شوق النارْ = من غفلة الظلمْ

فرُحتُ بالقيثارْ = والنيل والهرمْ

أشدوكِ يا بغداد لحنًا شعّ من توهُّج الأذانْ

لموكبِ الوحدةِ للراية تحدو زحفه للمهرجانْ

*      *            *

بغداد لو أملك بأس الغيب في توغُّل الآمادْ

لو لي على الهبوب في مجاهل القلوب أيُّ زادْ

لو منجلي في كفِّ ريحٍ باللهيب أفقها حصادْ

لَطُفتُ كالضياءِ في مسارب الصدورْ

وكالدعاء المستجير من تردد الشعورْ

من الخليج للمحيط للدروب للثغورْ

أهوى على الفرقة أينَ هوّمتْ في وطني الكبيرْ

أخطفها من كهفها من مزحف المستعمر الضريرْ

أسحقها في وهمِها في سمَّها بوحدةِ المصيرْ

لكنني هديرْ = محلق الجناحْ

يهزه صريرْ = من أرغن الصباحْ

فإنْ دعا النفيرْ = ودقّتْ الرياحْ

سيزحف الغديرْ = والنَّايُ والجراحْ

ونلتقي يا عربَ الوحدةِ فوق ربوة الميعادْ

ويبرق النصر يعيد اللحن في السماء يا بغدادْ

 

 

 

شعر : محمود حسن إسماعيل

saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 61 مشاهدة
نشرت فى 16 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

118,324