تجعل شريانها بلدا
"إلى س.د. الفلسطينية التي جعلت من روحها وطنا حينما عزّ الوطن"
تحاشت وردتي
وانسلّ إصبعها إلى الأفق المغيم
كنت أرمقها وراء الراقصين
تمد سماء عينيها إلى قوس يجاوزني
ويُطبقُ جمرهُ في راحتيّ
فأنتشي بالأسود المحفوف في نهدينْ
كان سؤالها فخا لطير الروح
"هل تأتي القصيدة بالأسى"
هربت حروف إجابتي خلف المقاعد
قلت: رمح الشعر عكس القلب
والحزن اختباءُ من فضيحة وردتي
هذي التي قطعت مسافة كونها
بثيابها الصيفية البيضاء
مرّتْ كالربابة في حقول القمح
ميّلت النخيل إلى أناملها
ودست ظلَّه بيديّ
داريت انخطافي في الكئوس
سألت في غيبوبتي
زهراتك الزرقاء في عينيك للغيّابِ؟
قامت عن أريكتها الصغيرة
نحو مدفأة الجدار وأخرجت رسما قديما:
كان ساعاتٍ مفتتّةٍ
تسيل على بلاط الروح
والعينان مثقلتان بالسفر
استدارت وهي تهمس لي وللساعات:
جرح الزهرة انفتح
استدلت بالأغاني الخافتات على المدينة
خلصت أنفاسها من رملها المنثور في القمصان
قالت:
"كنت محزوناً كأنك عاشقٌ"
وبكتْ.
لماذا لم أقبل دمعها المحبوس؟
خطوتنا على صمت الطريق تشابهت والليل
حلكة هذه الأشجار عرت وجهها المأخوذ
فانسابت على طرقاتها الجنيّةُ المدفونةُ
انحلت أغانيها القليلةُ.
كنت أمشي حذو مهجتها
ولكني اختبأت كهرةٍ عطشى وراء قصائد الشعراء
حتى لا أذيع جنون قلبي
هذه الخطوات تكشف آهة الرئتين
إصبعها الى الأفق المغيم ذاهبُ
لكن جمرتها على كفيّ
"هل تمشي قليلاً"
لم أبح إلا بأن الليل حفاظُ السريرةِ
والطريق مجهزٌ للسائرين
"يداك باردتان"
وانكفأن تسر لألة الطبع الحقائق
لم تراقب جمرها بيديّ
رقصتنا الأخيرة طوحت بالوردة
انفرطت على أقداح مائدة العشاء
"الآن نخب الزهرة الزرقاء"
هذا الأسود المحفوف في نهدين
بعثرها أمامي ندهةً مكتومة
وسرى همسا من ضباب الحلق
سربت احتضاري
في الحديث عن الطرازات العتيقة للبيوت
وعن مضامين التصوف
"هل سكرت؟"
الناي مفلوت على أوراقها السرية
انتبهت على نغم يقول:
"لقاؤنا
كان افتتاحا للوداع"
ختمت كذبتي الأخيرة
سابحا في فخها المخفيّ
لم ألمح إلى شجر يرف وراء أضلاعي
وقلت: البدر مكتملٌ
وأمنية الغريب قريبة
أنهت تراجمها
وخشت حلمها المستوحش
المطر القليل يدب فوق فؤادها المبلول
تركض باتجاه المنزل الرحالِ
تدخل ذاتها وتقول:
"كنت أفرّ منّي"
ثم تسكن كاليمامة
وهي تصنع قهوةً
لو أنّي كوّرتها بيديّ
لو أخفيتها بالصدر مثل فراشة بردانةٍ
لو شلت دمعتها بعمري
هل أكون جرحت سُرّة سرها المكنون؟
هذا الدرب يفتح بغتةً صندوق ذاكرتي
ويدني من دمي أسطورةً جراحةً
ويغيب.
"هل تعبت خطاكَ ؟"
الراقصون يخبئونفضاءها عني
أفتش عن قلادتها النحيلةعن عيون نبضها عصفورتان كسيرتان
القلب قرب القلب
أشهد لحنها يهوي إلى قاعي
فتبعد نايها عن وردتي وتقول:
"أعوامي ترفرف
في شراع ليس لي"
وتواصل الطقسَ.
استراحت برهةً من حزنها
واستأنفت عزفاً بعيداً
بعد نجمتها عن النجمات
كنت أرمق مقلتيها
وهي ترشف كأسها المنقوص
تضحك ملء نهديها
كأن لم تضحك العمرَ
الخطى شرخت سكون القوس
بين سمائها وثرايَ
كان القلب قرب القلب
لكن الخراب الحلو بينهما يراقص نفسه
ويظلُّ في ألقٍ
وكنت كذوبا
اختبأت حروفي هرّةً عطشى وراء قصائد الشعراءِ.
طائرةٌ تقلّ الجسم
أسأل صاحبي السّاجي:
لماذا لم أقل لها
أنك تشبهين الشجرة
التي ترف في قلبي؟
لماذا لم آخذها
في كفيّ
وأجري إلى
البحرِ؟
نيقوسيا 10/12/1984