الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

الشيخ الجليل عمر المختار - رحمه الله -

نشأته ، وأعماله، واستشهاده

 

 

د. علي محمد الصلابي

 

 

 

المبحث الأول

نشأته وأعماله

 

 

اولاً: مولده ونسبه ونشأته وشيوخه

ولد الشيخ الجليل عمر المختار من أبوين صالحين عام 1862م(<!--) وقيل 1858م، وكان والده مختار بن عمر من قبيلة المنفة من بيت فرحات وكان مولده بالبطنان في الجبل الأخضر، ونشأ وترعرع في بيت عز وكرم، تحيط به شهامة المسلمين وأخلاقهم الرفيعة، وصفاتهم الحميدة التي استمدوها من تعاليم الحركة السنوسية القائمة على كتاب الله وسنة رسوله e .

توفي والده في رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج، فعهد وهو في حالة المرض إلى رفيقه السيد أحمد الغرياني (شقيق شيخ زاوية جنزور الواقعة شرق طبرق) بأن يبلغ شقيقه بأنه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد، وتولى الشيخ حسين الغرياني رعايتهما محققاً رغبة والدهما، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم الحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء الأخوان والقبائل الأخرى(<!--).

لقد ذاق عمر المختار - رحمه الله - مرارة اليتم في صغره، فكان هذا من الخير الذي أصاب قلبه الملئ بالإيمان وحب الله ورسوله e حيث التجأ إلى الله القوي العزيز في أموره كلها، وظهر منه نبوغ منذ صباه مما جعل شيوخه يهتمون به في معهد الجغبوب الذي كان منارة للعلم، وملتقى للعلماء، والفقهاء والأدباء والمربين الذين كانوا يشرفون على تربية وتعليم وإعداد المتفوقين من أبناء المسلمين ليعدوهم لحمل رسالة الإسلام الخالدة، ثم يرسلوهم بعد سنين عديدة من العلم والتلقي والتربية إلى مواطن القبائل في ليبيا وافريقيا لتعليم الناس وتربيتهم على مبادئ الإسلام وتعاليمه الرفيعة ومكث في معهد الجغبوب ثمانية أعوام ينهل من العلوم الشرعية المتنوعة كالفقه، والحديث والتفسير ومن أشهر شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم، السيد الزروالي المغربي، والسيد الجواني، والعلامة فالح بن محمد بن عبدالله الظاهري المدني وغيرهم كثير، وشهدوا له بالنباهة ورجاحة العقل، ومتانة الخلق، وحب الدعوة، وكان يقوم بما عليه من واجبات عملية أسوة بزملائه الذين يؤدون أعمالاً مماثلة في ساعات معينة إلى جانب طلب العلم وكان مخلصاً في عمله متفانياً في أداء ماعليه ولم يعرف عنه زملاؤه أنه أجل عمل يومه إلى غده وهكذا اشتهر بالجدية والحزم والاستقامة والصبر، ولفتت شمائله أنظار أساتذته وزملائه وهو لم يزل يافعاً، وكان الأساتذة يبلغون الإمام محمد المهدي أخبار الطلبة وأخلاق كل واحد منهم، فأكبر السيد محمد المهدي في عمر المختار صفاته وما يتحلى به من خلال(<!--)، وأصبح على إلمام واسع بشئون البيئة التي تحيط به وعلى جانب كبير في الإدراك بأحوال الوسط الذي يعيش فيه وعلى معرفة واسعة بالأحداث القبلية وتاريخ وقائعها وتوسع في معرفة الأنساب والارتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض، وبتقاليدها، وعاداتها، ومواقعها، وتعلم من بيئته التي نشأ فيها وسائل فض الخصومات البدوية ومايتطلبه الموقف من آراء ونظريات، كما أنه أصبح خبير بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يجتازها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج وإلى الجغبوب والكفرة من الداخل، وكان يعرف أنواع النباتات وخصائصها على مختلف أنواعها في برقة، وكان على دراية بالأدواء التي تصيب الماشية ببرقة ومعرفة بطرق علاجها نتيجة للتجارب المتوارثة عند البدو وهي اختبارات مكتسبة عن طريق التجربة الطويلة، والملاحظة الدقيقة، وكان يعرف سمة كل قبيلة، وهي السمات التي توضع على الإبل والأغنام والأبقار لوضوح ملكيتها لأصحابها، فهذه المعلومات تدل على ذكاء عمر المختار وفطنته منذ شبابه(<!--).

ثانياً:وصف عمر المختار :

كان عمر المختار متوسط القامة يميل إلى الطول قليلاً، ولم يكن بالبدين الممتلئ أو النحيف الفارغ، أجش الصوت بدوي اللهجة، رصين المنطق، صريح العبارة، لايمل حديثه، متزن في كلامه، تفتر ثناياه أثناء الحديث عن ابتسامة بريئة، أو ضحكة هادئة إذا ما اقتضاها الموقف، كثيف اللحية وقد أرسلها منذ صغره، تبدو عليه صفات الوقار والجدية في العمل، والتعقل في الكلام والثبات عند المبدأ وقد أخذت هذه الصفات تتقدم معه بتقدم السن(<!--).

ثالثاً: تلاوته للقرآن الكريم وعبادته:

كان عمر المختار شديد الحرص على أداء الصلوات في أوقاتها وكان يقرأ القرآن يومياً، فيختم المصحف الشريف كل سبعة أيام منذ أن قال له الامام محمد المهدي السنوسي ياعمر (وردك القرآن) وقصة ذلك كما ذكرها محمد الطيب الأشهب، أنه استأذن في الدخول على الامام محمد المهدي من حاجبه محمد حسن البسكري في موقع بئر السارة الواقع في الطريق الصحراوي بين الكفرة والسودان وعندما دخل على المهدي تناول مصحفاً كان بجانبه وناوله للمختار وقال : هل لك شيء آخر تريده فقلت له ياسيدي أن الكثيرين من الأخوان يقرأون أوراداً معينة من الأدعية والتضرعات أجزتوهم قراءتها وأنا لا أقرأ إلا الأوراد الخفيفة عقب الصلوات فأطلب منكم اجازتي بما ترون فأجابني t بقوله: (ياعمر وردك القرآن) فقبلت يده وخرجت أحمل هذه الهدية العظيمة (المصحف) ولم أزل بفضل الله احتفظ بها في حلي وترحالي ولم يفارقني مصحف سيدي منذ ذلك اليوم وصرت مداوماً على القراءة فيه يومياً لأختم السلكة كل سبعة ايام ، وسمعت من شيخنا سيدي احمد الريفي أن بعض كبار الأولياء يداوم على طريقة قراءة القرآن مبتدئاً (بالفاتحة) الى (سورة المائدة) ثم الى (سورة يونس) ، ثم الى (سورة الاسراء) ثم الى (سورة الشعراء) ، ثم الى (سورة الصافات) ثم الى (سورة ق) ثم الى آخر السلكة ومنذ ذلك الحين وأنا أقرأ القرآن من المصحف الشريف بهذا الترتيب(<!--).

إن المحافظة على تلاوة القرآن والتعبد به تدل على قوة الايمان، وتعمقه في النفس، وبسبب الايمان العظيم الذي تحلى به عمر المختار انبثق عنه صفات جميلة، كالامانة والشجاعة، والصدق، ومحاربة الظلم، والقهر، والخنوع وقد تحلى هذا الايمان في حرصه على أداء الصلوات في أوقاتها قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا} وكان يتعبد المولى عز وجل بتنفيذ أوامره ويسارع في تنفيذها وكان كثير التنفل في أوقات الفراغ، وكان قد ألزم نفسه بسنة الضحى وكان محافظاً على الوضوء حتى في غير أوقات الصلاة، ومما يروى عنه أنه قال: لا أعرف إنني قابلت أحداً من السادة السنوسية وأنا على غير وضوء منذ شرفني الله بالانتساب إليهم(<!--).

لقد كان هذا العبد الصالح يهتم بزاده الروحي اليومي بتلاوة القرآن الكريم، وقيام الليل واستمر معه هذا الحال حتى استشهاده.

فهذا المجاهد محمود الجهمي الذي حارب تحت قيادة عمر المختار وصاحبه كثيراً، يذكر في مذكراته أنه كان يأكل معه وينام معه في مكان واحد ويقول: (لم أشهد قط أنه نام لغاية الصباح، فكان ينام ساعتين او ثلاثاً على أكثر تقدير، ويبقى صاحياً يتلو القرآن الكريم، وغالباً مايتناول الابريق ويسبغ الوضوء بعد منتصف الليل ويعود الى تلاوة القرآن ، لقد كان على خلق عظيم يتميز بميزات التقوى والورع، ويتحلى بصفات المجاهدين الأبرار....)(<!--).

وأما الاستاذ محمد الطيب الاشهب فقد قال : (وقد عرفته معرفة طيبة وقد مكنتني هذ المصاحبة من الاحتكاك به مباشرة، فكنت أنام بخيمته والى جانبه وأهم ماكنت امقته منه رحمه الله وأنا وقت ذاك حديث السن هو أنه لايتركنا أن ننام إذ يقضي كل ليلة يتلو القرآن ويقوم مبكراً فيأمرنا بالوضوء بالرغم عما نلاقيه من شدة البرد ومتاعب السفر...)(<!--).

وكأني أراه من خلف السنين وهو قائم يصلي لله رب العالمين في وديان وجبال وكهوف الجبل الأخضر وقد التف بجرده الابيض في ظلمة الليل البهيم وهو يتلو كتاب الله بصوت حزين، وتنحدر الدموع على خدوده من خشية العزيز الرحيم.

قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (سورة فاطر ، الآية    ).

لقد وصى رسول الله e ابا ذر بذلك فقال: (عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء) وقد حذر الرسول الكريم من هجر القرآن فقال: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِبْ)(<!--).

قال الشاعر:

قم في الدجى واتل الكتاب

                     ولا تنم إلا كنومة حائر ولهان

فلربما تأتي المنية بغتة

                      فتساق من فرش الى الاكفان

ياحبذا عينان في غسق الدجى

                     من خشية الرحمن باكيتان

اعرض عن الدنيا الدنيئة زاهداً

                     فالزهد عند أولى النهى زهدان

زهد عن الدنيا وزهد في الثناء

                     طوبى لمن أمسى له الزهدان(<!--)

إن من اسباب الثبات التي تميز به عمر المختار حتى اللحظات الأخيرة من حياته إدمانه على تلاوة القرآن الكريم والتعبد به وتنفيذ أحكامه، لأن القرآن الكريم مصدر تثبيت وهداية وذلك لما فيه من قصص الأنبياء مع أقوامهم ، ولما فيه من ذكر مآل الصالحين، ومصير الكافرين والجاحدين وأوليائه بأساليب متعددة(<!--).

لقد كان عمر المختار يتلوا القرآن الكريم بتدبر وإيمان عظيم فرزقه الله الثبات وهداه طريق الرشاد ولقد صاحبه حاله في التلاوة حتى النفس الأخير، وهو يساق الى حبل المشنقة وهو يتلو قوله تعالى :{يا أيتها النفس المطمئة ارجعي الى ربك راضية مرضية}(<!--) (سورة الفجر).

رابعاً: شجاعته وكرمه:

إن هذه الصفة الجميلة تظهر في سيرة عمر المختار منذ شبابه الباكر ففي عام 1311هـ (1894م) تقرر سفر عمر المختار على رأس وفد الى السودان يضم كل من السيد خالد بن موسى، والسيد محمد المسالوسي ، وقرجيله المجبري وخليفة الدبار الزوي احد اعضاء زاوية واو بفزان (وهو الذي روى القصة) وفي الكفرة وجد الوفد قافلة من التجار من قبيلتي الزوية والمجابرة ، وتجار آخرين من طرابلس وبنغازي تتأهب للسفر الى السودان، فانضم الوفد الى هؤلاء التجار الذين تعودوا السير في الطرق الصحراوية ، ولهم خبرة جيدة بدروبها وعندما وصل المسافرون الى قلب الصحراء بالقرب من السودان قال بعض التجار الذين تعودوا المرور من هذا الطريق إننا سنمر بعد وقت قصير بطريق وعر لا مسلك لنا غيره ومن العادة - إلا في القليل النادر- يوجد فيه أسد ينتظر فريسته من القوافل التي تمر من هناك، وتعودت القوافل أن تترك له بعيراً كما يترك الانسان قطعة اللحم الى الكلاب أو القطط، وتمر القوافل بسلام واقترح المتحدث أن يشترك الجميع في ثمن بعير هزيل ويتركونه للاسد عند خروجه، فرفض عمر المختار بشدة قائلاً: (إن الاتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف بدون حق أبطلت فكيف يصح لنا أن نعيد اعطاءها للحيوان إنها علامة الهوان والمذلة. إننا سندفع الاسد بسلاحنا اذا ما اعترض طريقنا) وقد حاول بعض المسافرين أن يثنيه عن عزمه، فرد عليهم قائلاً: أنني أخجل عندما أعود وأقول أنني تركت بعيراً الى حيوان اعترض طريقي وأنا على استعداد لحماية ما معي وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته إنها عادة سيئة يجب أن نبطلها ، وما كادت القافلة تدنو من الممر الضيق حتى خرج الاسد من مكانه الذي اتخذه على احدى شرفات الممر فقال أحد التجار وقد خاف من هول المنظر وارتعشت فرائصه من ذلك: أنا مستعد أتنازل عن بعير من بعائري ولا تحاولوا مشاكسة الأسد، فانبرى عمر المختار ببندقيته وكانت من النوع اليوناني ورمى الاسد بالرصاصة الاولى فأصابته ولكن في غير مقتل واندفع الاسد يتهادى نحو القافلة فرماه بأخرى فصرعته، وأصر عمر المختار على أن يسلخ جلده ليراه أصحاب القوافل فكان له ما أرد(<!--).

إن هذه الحادثة تدلنا على شجاعة عمر المختار وقد تناولتها المجالس يومذاك بمنتهى الاعجاب وقد سأل الاستاذ محمد الطيب الاشهب عمر المختار نفسه عن هذه الحادثة في معسكر المغاربة بخيمة السيد محمد الفائدي عن هذه الواقعة فأجاب بقوله: تريدني ياولدي أن أفتخر بقتل صيد قال لي ما قاله قديماً أحد الأعراب لمنافسه وقد قتل أسداً (أتفتخر عليّ بانك قتلت حشرة) وامتنع عمر المختار بقول الله تعالى : {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (سورة الانفال).

إن جواب عمر المختار بهذه الآية الكريمة يدل على تأثره العميق بالقرآن الكريم، لأنه تعلم أن أهل الايمان والتوحيد في نظرتهم العميقة لحقيقة الوجود، وتطلعهم الى الآخرة ينسبون الفضل الى العزيز الوهاب سبحانه وتعالى، ويتخلصون من حظوظ نفوسهم، فهو الذي مرّ كثيراً على دعاء نبي الله يوسف عليه السلام: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والارض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً والحقني بالصالحين} (سورة يوسف: الآية 101).

وهو الذي تعلم من سيرة ذي القرنين هذا المعنى الرفيع والذي لابد من وجوده في الشخصية القيادية الربانية في قوله تعالى: {هذا رحمة من ربي....} (سورة الكهف، الآية 98)، فعندما بنى السد ، ورفع الظلم ، واعان المستضعفين نسب الفضل الى ربه سبحانه وتعالى.

إن عمر المختاركان صاحب قلب موصول بالله تعالى، فلم تسكره نشوة النصر، وحلاة الغلبة بعد ما تخلص من الاسد الاسطورة وازاح الظلم وقهر التعدي بل نسب الفضل الى خالقه ولذلك أجاب سائله بقوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (سورة الانفال، الآية 17) .

إن صفة الشجاعة ظهرت في شخصية عمر المختار المتميزة في جهاده في تشاد ضد فرنسا، وفي ليبيا ضد ايطاليا ويحفظ لنا التاريخ هذه الرسالة التي ارسلها عمر المختار رداً على رسالة من الشارف الغرياني الذي أكرهته ايطاليا ليتوسط لها في الصلح مع عمر المختار وايقاف الحرب.

(قال بعد البسملة والتصلية على رسول الله القائل أن الجنة تحت ظلال السيوف.

الى أخينا سيدي الشارف بن أحمد الغرياني حفظه الله وهداه، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومغفرته ومرضاته. نعلمكم أن إيطاليا إذا أرادت أن تبحث معنا في أي موضوع تعتقد أنه يهمها ويهمنا فما عليها إلا أن تتصل بصاحب الأمر ومولاه سيدي السيد محمد إدريس ابن السيد محمد المهدي ابن السيد محمد السنوسي رضي الله عنهم جميعاً، فهو الذي يستطيع قبول البحث معهم أو رفضه، وأنتم لا تجهلون هذا بل وتعرفون إذا شئتم أكثر من هذا ومكان سيدي إدريس في مصر معروف عندكم وأما أنا وبقية الاخوان المجاهدين لا نزيد عن كوننا جند من جنوده لانعصي له أمراً ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن لايقدر علينا مخالفته فنقع فيما لانريد الوقوع فيه حفظنا الله وإياكم من الزلل نحن لا حاجة عندنا إلا مقاتلة أعداء الله والوطن وأعدائنا وليس لنا من الامر شيء إذا ما أمرنا سيدنا وولى نعمتنا رضي الله عنه ونفعنا به بوقف القتال نوقفه وإذا لم يأمرنا بذلك فنحن واقفون عند ما أمرنا به ولا نخاف طيارات العدو ومدافعه ودباباته وجنوده من الطليان والحبش والسبايس المكسرين (هؤلاء الآخرين هم المجندون من بعض الليبيين) ولا نخاف حتى من السم الذي وضعوه في الآبار وبخوا به الزروع النابتة في الأرض نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون ونحن لا نريد لكم مايدفعكم إليه النصارى وظننا بكم خير والله يوفقنا ويهدينا وإياكم الى سبل الرشاد وإلى خدمة المسلمين ورضاء سيدنا رضي الله عنه وسلام الاسلام على من تبع الاسلام.

                                            13 ربيع الثاني 1344هـ

                                          نائب المنطقة الجبلية عمر المختار(<!--)

ومحل الشاهد من هذه الرسالة قوله: (ولا نخاف طيارات العدو ومدافعه ودباباته وجنوده من الطليان والحبش والسبايس ، ولا نخاف حتى من السم الذي وضعوه في الآبار ووضعوه على الزروع النابتة في الأرض نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون).

إن صفة الشجاعة ملازمة لصفة الكرم، كما أن الجبن والبخل لا يفترقان ولقد حفظ لنا التاريخ عبارة جميلة كان يرددها عمر المختار بين ضيوفه : (اننا لا نبخل بالموجود ولا نأسف لمفقود).

لقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة بمدح الكرم والانفاق وذم البخل والامساك، قال تعالى : {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون} (سورة السجدة، آية 16).

لم تكن همة عمر المختار منصرفة الى جمع المال والثروة والغنى وإن كان قد ورث عن والده بعض الماشية إلا أنه تركها في رعاية بعض أقاربه في القبيلة وترك أرضه وموطنه منذ أن كان عمره 16 عاماً، وكان طيلة فترة إقامته في معهد الجغبوب تتكفل إدارة المعهد بمصروفاته وبعد أن تزوج وكوّن أسرة أصبح مورد رزقه مايتحصل عليه من نتاج الحيوانات القليلة ولم يكن يوماً من الأيام متفرغاً لجمع المال، وإنما عاش للعلم والدعوة والجهاد، وانشغل عن جمع الاموال والثروات وقضى حياته فقيراً مقتنعاً بما رزقه الله من القناعة والرضى بالكفاف وكان يبذل مافي وسعة لضيوفه وجنوده وينفق على أفراد جيشه ما لايخشى الفقر، ويقدم إخوانه على نفسه وأصبح شعاره (إننا لا نبخل بالموجود ولا نأسف لمفقود)(<!--).

خامساً: الدعوة والجهاد قبل الاحتلال الايطالي:

تفوق عمر المختار على اقرانه بصفات عدة منها، متانة الخلق، ورجاحة العقل، وحب الدعوة، ووصل أمره الى الزعيم الثاني للحركة السنوسية محمد المهدي السنوسي فقدمه على غيره واصطحبه معه في رحلته الشهيرة من الجغبوب الى الكفرة عام 1895م وفي عام 1897م أصدر محمد المهدي قراراً بتعيين عمر المختار شيخاً لزاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج، وقام عمر المختار بأعباء المهمة خير قيام، فعلمّ الناس أمور دينهم، وساهم في فض النزعات بين القبائل وعمل على جمع كلمتهم وسعى في مصالحهم ، وسار في الناس سيرة حميدة، فظهر في شخصيته أخلاق الدعاة من حلم وتأني، وصبر، ورفق، وعلم ، وزهد.

ومما تجدر الاشارة إليه أن وقوع الاختيار عليه للقيام بأمور هذه الزاوية كان مقصوداً من قبل قيادة الحركة السنوسية حيث أن هذه الزاوية كانت في ارض قبيلة العبيد التي عرفت بقوة الشكيمة، وشدة المراس، فوفقه الله في سياسة هذه القبيلة ، ونجح في قيادتها بفضل الله وبما أودع الله فيه من صفات قيادية من حكمة وعلم وحلم وصبر واخلاص.

إن الفترة التي قضاها في زاوية القصور تدلنا وتشهد لنا على أعماله الجليلة ؛ كداعية رباني يدعو الى الاسلام ونشره بالفكرة والاقناع والارشاد التوجيه، فهو قمة شامخة في هذا المجال، فهو لم يدخل مجال الدعوة والارشاد إلا بعد أن تعلم من أمور دينه الكثير، فشق طريق الدعوة بزاد علمي، وثقافة متميزة، وتفوق روحي، ورجاحة عقل، وقوة حجة ورحابة صدر، وسماحة نفس لقد كان حريصاً على تعلم العلم والعمل به وتعليمه وعندما زحف الاستعمار الفرنسي على مراكز الحركة السنوسية في تشاد، نظمت الحركة السنوسية نفسها وأعدت للجهاد عدتها، واختارت من القادة من هم أولى بهذا العمل الجليل، فكان عمر المختار من ضمنهم فقارع الاستعمار الفرنسي مع كتائب الحركة السنوسية المجاهدة في تشاد وبذل مافي وسعه حتى لفت الانظار الى حزمه وعزمه وفراسته وبعد نظره وحسن قيادته فقال عنه محمد المهدي السنوسي: (لو كان لدينا عشرة مثل المختار لاكتفينا)(<!--).

وبقي عمر المختار في تشاد يعمل على نشر الاسلام ودعوة الناس وتربيتهم الى جانب جهاده ضد فرنسا، فحمل الكتاب الذي يهدي بيد والسيف الذي يحمي باليد الاخرى، وظهرت منه شجاعة وبطولة وبسالة نادرة في الدفاع عن ديار المسلمين، وكانت المناطق التي يتولى أمرها أمنع من عرين الاسد، ولا يخفى مافي ذلك من ادراك القيادي المسلم لواجبه تجاه دينه وعقيدته وأمته(<!--).

وعندما أصيبت الأبل التي كانت تحمل الاثقال للمجاهدين بمرض الجرب، وكان عددها لا يقل عن أربعة آلاف بعير وكانت تلك الابل هي قوام الحياة بالنسبة للمجاهدين واهتم السيد المهدي السنوسي بشأن علاجها ووقع اختياره على عمر المختار ليكون المسؤول عن هذه المهمة التي شغلت بال المجاهدين، فأمره بأن يذهب بالابل الى موقع (عين كلك) نظراً لوفرة مائه ولصلاحيته، وكان على عمر المختار مهمة اخرى وهي الاحتياط والحرص الشديد واتخاذ التدابير اللازمة للدفاع، واختار عمر المختار من المجاهدين مجموعة خيرة، وذهب لتنفيذ أمر القيادة وكان توفيق الله له عظيماً في مهمته العسيرة فنال أعجاب السيد المهدي(<!--).

وفي عام 1906م رجع عمر المختار بأمر من القيادة السنوسية الى الجبل الاخضر ليستأنف عمله في زاوية القصور، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، فقد بدأت المعارك الضارية بين الحركة السنوسية والبريطانيين في منطقة البردى ومساعد والسلوم على الحدود الليبية المصرية. ولقد شهد عام 1908م أشد المعارك ضراوة وانتهت بضم السلوم الى الأراضي المصرية تحت ضغوط بريطانيا على الدولة العثمانية، وعاد الشيخ عمر المختار الى زاوية القصور وبرزت شخصيته بين زملائه مشايخ الزوايا، وبين شيوخ وأعيان القبائل، ولدى الدوائر الحكومية العثمانية، وظهرت مقدرته في مهمته الجديدة بصورة تلفت النظر، وأصبح متميزاً في حزمه في ادارة الزاوية وفي تعاونه مع زملائه الآخرين وفي معالجته للمشاكل القبلية، وفي ميدان الاصلاح العام مضرباً للامثال.

وكانت تربطه صلات شخصية مع عدد كبير من زعماء، وأعيان القبائل في برقة، وكذلك زعماء المدن، وكان زعماء البراعصة يحبون عمر المختار حباً نابعاً من قلوبهم في حين أنهم لم يكونوا من القبائل التابعة لزاويته ÷ وارتبطت علاقاته الاخوية مع شيوخ الزوايا كالسادة السنوسي الأشهب شيخ زاوية مسوس، وعمران السكوري شيخ زاوية المرج، وعبد ربه بوشناف الشيخي، والحسن الغماري شيخ زاوية دريانه(<!--).

سادساً: الشيخ عمر المختار في معاركه الأولى ضد إيطاليا:

عندما اندلعت الحرب الليبية الايطالية عام 1911م كان عمر المختار وقتها بواحة (جالو) خفّ مسرعاً الى زاوية (القصور) وامر بتجنيد كل من كان صالحا ًللجهاد من قبيلة العبيد التابعة لزواية (القصور) ، فاستجابوا نداءه، واحضروا لوازمهم، وحضر أكثر من ألف مقاتل، وكان عيد الاضحى من نفس السنة الهجرية على الأبواب أي لم يبق عنه إلا ثلاثة أيام فقط، ولم ينتظر السيد عمر المختار عند أهله حتى يشاركهم فرحة العيد، فتحرك بجنوده وقضوا يوم العيد في الطريق وكانت الذبائح التي اكل المجاهدين من لحومها يوم العيد من السيد عمر المختار شخصياً، ووصل المجاهدون وعلى راسهم عمر المختار وبرفقته احمد العيساوي الى موقع بنينه حيث معسكر المجاهدين الذي فرح بقدوم نجدة عمر المختار ورفقائه ثم شرعوا يهاجمون العدو ليلاً ونهاراً وكانت غنائمهم من العدو تفوق الحصر(<!--) وقد بينت دور الزوايا في جهادها ضد ايطاليا في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية والذي سميته سيرة الزعمين محمد المهدي السنوسي ، وأحمد الشريف.

ويذكر الشيخ محمد الأخضر العيساوي بأنه كان قريباً من عمر المختار في معركة السلاوي عام 1911م فوصف لنا بعض احداث تلك المعركة فقال: (..وقد فاجأنا العدو فقابله من المجاهدين الخيالة، بينما كان العدو يضربنا بمدافعه الرشاشة واضطررنا للنزول في مكان منخفض مزروعاً بالشعير وكانت السنابل تتطاير بفعل الرصاص المنهمر، فكأنها تحصد بالمناجل، وبينما نحن كذلك إذ رأينا مكاناً منخفضاً أكثر من المكان الذي نحن فيه، وأردنا أن يأوى إليه السيد عمر المختار بسبب خوفنا عليه فرفض بشدة حتى جاءه احد أتباعه يدعى السيد الأمين ودفعه بقوة الى المكان الذي اخترناه لايوائه وحاول الخروج منه فمنعناه بصورة جماعية......)(<!--).

كما أشار الشيخ محمد الأخضر الى إعجاب الضباط الأتراك به وبشجاعته وبالآراء السديدة التي تصدر عنه فكأنما هي تصدر من قائد ممتاز تخرج عن كلية عسكرية، وكان قدومه الى معسكرات المجاهدين مشجعاً وباعثاً للروح المعنوية في قوة خارقة وقد تحدثت في سيرة احمد الشريف في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية عن حركة الجهاد في أيامها الأولى ضد ايطاليا، وكان عمر المختار من المقربين للشيخ احمد الشريف السنوسي، وبعد هجرته لازم عمر المختار الأمير محمد ادريس وقام بواجباته خير قيام وبعد هجرة الأمير الى مصر تولى أمر القيادة العسكرية بالجبل الاخضر، وأخذ في تهيئة النفوس لمجابهة العدو وبدأ جولاته في أنحاء المنطقة للاتصال بالاهالي وزعمائهم، بل وبالأفراد كخطوة اولى للعمل الجديد الشاق في نفس الوقت، وقام بفتح باب التطوع للجهاد، فأقبل الليبيين من ابناء قبائل الجبل بوجوه مستبشرة وقلوب مطمئنة وتلهف على مجابهة العدو الغادر، وكانت ترافقه لجنة مكونة من أعيان وشيوخ قبائل المنطقة (البراغيث، والحرابي، والمرابطين) لمساعدته في عمله العظيم وكان من بينهم ؛ بوشديق بومازق حدوث، الصيفاط بوفروة، محمد بولقاسم جلغاف، حمد الصغير حدوث، دلاف بوعبدالله، محمد العلواني، سويكر عبدالجليل، موسى بوغيضان، الغرياني عبدربه بوشناف، عبدالله الخرساني، عوض العبيدي، رجب بوسيحة، رواق بودرمان، كريم بوراقي ، قطيط الحاسي، وغير هؤلاء من علية القوم، فزار أغلب منطق الجبل والبطنان، وكان سمو الأمير قد وصل الى مصر (يناير 1923م) وما كاد السيد عمر ينتهي من جولته هذه ويطمئن للنتائج حتى قرر الالتحاق بسمو الامير في مصر ليعرض عليه نتيجة عمله ويتلقى منه التوجيهات اللازمة(<!--).

سابعاً: سفره الى مصر :

سافر في شهر مارس سنة 1923م الى مصر بصحبة علي باشا العبيدي وترك رفقائه عند بئر الغبي حتى يعود إليهم، واستطاع اجتياز الحدود المصرية وتمكن من مقابلة السيد ادريس بمصر الجديدة ، وكان عمر المختار عظيم الولاء للسنوسية وزعمائها وشيوخها وظهر ذلك الولاء في إقامته بمصر عندما حاول جماعة من قبيلة المنفة وهي قبيلة السيد عمر المختار، وكانوا قد اقاموا بمصر، أن يقابلوا السيد عمر للترحيب به، فاستفسر المختار قبل ان يأذن لهم بذلك عما أذا كانوا قد سعوا لمقابلة الأمير عند حضوره الى مصر، فلما أجاب هؤلاء بالنفي معتذرين بأن أسباباً عائلية قهرية منعتهم من تأدية هذا الواجب رفض المختار مقابلتهم قائلاً: (وكيف تظهرون لي العناية وتحضرون لمقابلتي وأنتم الذين تركتم شيخي الذي هو ولي نعمتي وسبب خيري. أما وقد فعلتم ذلك فإني لا أسمح لكم بمقابلتي ولا علاقة من الآن بيني وبينكم)(<!--).

فما إن بلغ السيد ادريس مافعله عمر المختار مع من جاء إليه من أبناء قبيلته حتى أصدر امره بمقابلتهم فامتثل المختار لامره(<!--).

حاولت ايطاليا بواسطة عملائها بمصر الاتصال بالسيد عمر المختار وعرضت عليه بأنها سوف تقدم له مساعدة إذا ماتعهد باتخاذ سكنه في مدينة بنغازي أو المرج، وملازمة بيته تحت رعاية وعطف ايطاليا، وأن حكومة روما مستعدة بأن تجعل من عمر المختار الشخصية الاولى في ليبيا كلها وتتلاشى أمامه جميع الشخصيات الكبيرة التي تتمتع بمكانتها عند ايطاليا في طرابلس وبنغازي، وإذا ما اراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهد بأن يكون لاجئاً ويقطع علاقته بادريس السنوسي، وفي هذه الحالة تتعهد حكومة روما بان توفر له راتباً ضخماً يمكنهّ من حياة رغدة، وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورة سرية وتوفير الضمانات لعمر المختار ويتم كل شيء بدون ضجيج تطميناً لعمر المختار وقد طلبت منه نصح الاهالي بالاقلاع عن فكرة القيام في وجه ايطاليا(<!--)، وقد أكد عمر المختار هذا الاتصال وهو في مصر لما سئل عن ذلك وقال: ثقوا أنني لم أكن لقمة طائبة يسهل بلعها على من يريد، ومهما حاول أحد أن يغير من عقيدتي ورأي واتجاهي، فإن الله سيخيبه، ومن (طياح سعد) إيطاليا ورسلها هو جهلها بالحقيقة. وأنا لم اكن من الجاهلين والموتورين فادعي أنني أقدر أعمل شيئاً في برقة، ولست من المغرورين الذين يركبون رؤسهم ويدعون أنهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام، انني أعيذ نفسي من أن أكون في يوم من الايام مطية للعدو وأذنابه فأدعوا الأهالي بعدم الحرب ضد الطليان، وإذا لاسمح الله قدّر عليّ بأن أكون موتوراً فإن اهل برقة لايطيعون لي امراً يتعلق بإلقاء السلاح إنني أعرف أن قيمتي في بلادي إذا ماكانت لي قيمة أنا وأمثالي فأنها مستمدة من السنوسية(<!--).

لقد استمرت عروض الايطاليين على عمر المختار حتى بعد رجوعه للبلاد وحاولوا استمالته بالمال الطائل، والمناصب الرفيعة ، والجاه العريض في ظل حياة رغيدة ناعمة ولكنهم لم يفلحوا ، لقد كان عمر المختار رجل عقيدة، وصاحب دعوة ومؤمناً بفكرة استمدت اصولها وتصوراتها من كتاب الله تعالى وسنة نبيه e ويفهم جيداً معنى قول الله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها مانشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً} (الاسراء ، الآية  ).

وعندما خرج السيد عمر المختار من مصر قاصداً برقة لمواصلة الجهاد اجتمع به مشايخ قبيلته الموجودون بمصر من المتقدمين في السن وحاولوا أن يثنوه عن عزمه بدعوى أنه قد بلغ من الكبر عتيا وان الراحة والهدوء ألزم له من أي شيء آخر وأن باستطاعة السنوسية أن تجد قائداً غيره لتزعم حركة الجهاد في برقة، فغضب عمر المختار غضباً شديداً وكان جوابه قاطعاً فاصلاً فقال لمحدثيه: (إن كل من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيراً لي لأن ما أسير فيه إنما هو طريق خير ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عن سلوكها، وكل من يحاول ذلك فهو عدو لي)(<!--).

لقد كان عمر المختار يعتقد اعتقاداً راسخاً أن ماكان يقوم به من الجهاد إنما هو فرض يؤديه وواجب ديني لامناص منه ولا محيد عنه ولذلك أخلص في عمله وسكناته واحواله وأقواله لقضية الجهاد في ليبيا وكان يكثر من الدعاء لله تعالى بأن يجعل موته في سبيل هذه القضية المباركة، فكان يقول: (اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة)(<!--)، وأصر على البقاء في أرض الوطن الحبيب وقال: (لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربي والموت أقرب الى من كل شيء فإني أترقبه بالدقيقة)(<!--).

وعندما عرض عليه أن يترك ساحة الجهاد، ويسافر الى الحج قال : (لن أذهب ولن أبرح هذه البقعة حتى يأتي رسل ربي وان ثواب الحج لايفوق ثواب دفاعنا عن الوطن والدين والعقيدة)(<!--).

وقال: (كل مسلم الجهاد واجب عليه وليس منه، وليس لغرض اشخاص وإنما هو لله وحده)(<!--).

إن هذه الكلمات التي كتبت بماء الذهب على صفحات تاريخنا المجيد نابعة من فهم عمر المختار لقوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لايستوون عند الله والله لايهدي القوم الظالمين`الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم`خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم} (سورة التوبة، الآيات 29، 20،21).

ومن فهمه لأحاديث رسول الله e: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)(<!--).

ولقوله e: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)(<!--).

إن هذه الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة، كانت المنهج العقدي والفكري الذي تربت عليها كتائب المجاهدين وقادتها الكرام الذين تربوا في احضان الحركة السنوسية.

تم الاتفاق بين الأمير ادريس وعمر المختار على تفاصيل الخطة التي يجب أن يتبعها المجاهدون في جهادهم ضد العدو الغاشم المعتدي على اساس تشكيل المعسكرات، واختيار القيادة الصالحة لهذه الادوار، وأن تظل القيادة العليا من نصيب عمر المختار نفسه وزوده الأمير بكتاب الى السيد الرضا بهذا المعنى وتم الاتفاق على بقاء الامير في مصر ليقود العمل السياسي، ويهتم بأمر المهاجرين ويضغط على الحكومة المصرية والانكليزية بالسماح للمجاهدين بالالتجاء الى مصر، ويشرف على إمداد المجاهدين بكل المساعدات الممكنة من مصر، ويرسل الارشادات والتعليمات اللازمة الى عمر المختار في الجبل واتفق على أن يكون الحاج التواتي البرعصي حلقة الوصل بين الأمير وقائد الجهاد، وبعد ذلك الاتفاق غادر عمر المختار القاهرة، وعند وصوله الى السلوم وجد بعض رفقائه في انتظاره، فأخذ الجميع حاجتهم من المؤن الكافية لرحلتهم الى الجبل الأخضر وغادروا السلوم الى برقة(<!--).

وقد حدث في أثناء وجود عمر المختار أن اشتبك المجاهدون مع الطليان في معركتين كبيرتين في بير بلال والبريقة في ذي القعدة 1341هـ/ 1923م ، فأنتصر المجاهدون على الطليان في معركة بير بلال بقيادة المجاهد قجة عبدالله السوداني واستشهد كل من المهدي الحرنة، والشيخ نصر الأعمى وغيرهم، وقد ساهم في هذه المعركة صالح الاطيوش، والفضيل المهشهش وكانت نفقات المجاهدين في هذه المعركة على حساب الفضيل المهشهش ووقعة معركة البريقة بعد بير بلال بأربعة أيام واستشهد فيها من أبطال الجهاد ابراهيم الفيل(<!--).

ومع هذه الانتصارات إلا أن الطليان استطاعوا احتلال اماكن للمجاهدين في برقة، وزحفوا على معسكر العواقير بموقع البدين وبعد معركة شديدة كبدت الطرفين خسائر فادحة انسحب المعسكر الى اجدابية واستمر الزحف الايطالي يلاحق المجاهدين حتى اشتبك مع طلائع معسكر المغاربة في الزويتينه؛ ولم يطل الدفاع عنها حتى احتلها الطليان وواصلوا زحفهم الى اجدابية حيث احتلوها في (ابريل 1923م)(<!--).

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

file:///E:/%D9%83%D8%AA%D8%A8%20%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 94 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

111,842