<!--<!--<!--
من أسرنا إلى مدارسنا إلى شوارعنا إلى مساجدنا وفي وسائل إعلامنا دأبنا في تونس ومنذ عقود وربما حتى قرون على التخويف من كل شيء كيف ذلك ؟ وهل هو برنامج مدروس نفسانيا وسياسيا لغايات ما؟وما تأثير سياسات التخويف على الشعوب ؟
ففي أسرتنا وعندما يشعر الأب أو إلام في كثير من الأحيان بالعجز في إقناع ابنه وابنته يلجا إلى السلاح الذي حاربته به أمه وأبوه عندما كان طفلا صغيرا وهو التخويف للتخلص من طلباته فيمنعه من اللعب بلعبة ما ويخيفه من مخاطرها ويخيفه من الخروج إلى الشارع و ويخيفه من مخالطة الآخرين ويخيفه من رد فعل الآخرين وتبدو قائمة المخيفات طويلة لاحدود لها وينتج عن الخوف المفرط نوعا من الوقاية يقوم على العقاب ويكون خطر العقاب في الكثير من الحالات أسوأ بكثير من نتائج العمل المخيف الذي سيقبل عليه الطفل أو الفرد وفهم الكثيرون نتائج الخوف واستوعبوها ووظفوها سياسيا واجتماعيا لحصد المكاسب
وكمثال أخر على التخويف ما يمارس في مدارسنا المختلفة من عنف لفظي ومادي ومعنوي ضد الطلاب فحين يعجز المربي عن الوصول إلى غاياته وأهدافه وعندما لايلبي الطالب رغبة المدرس في النجاح والوصول إلى نتيجة ترضي المدرس يلجا إلى العقاب ويبدأ بالتخويف ثم يتطور إلى أنواع أخرى مختلفة من العقوبات وغرضها دوما التخويف وفرض مايريده ويتمادى المدرسون في سلوكهم هذا لسباب منها أنهم تعلموا بتلك الطرق البشعة القائمة على التخويف والعقاب وكذلك مايظهر لهم من اثر تعلم يشعر المدرس معه انه نجح في إيصال المعلومة والفكرة وانه قادر على إبلاغ أرائه وأفكاره إلى المتعلم وانه حصد نتائج جيدة من خلال تقييم عمل منظوريه والواقع انه نتاج زائف باطل لاقيمة له كبيرة إذ يتلاشى مع زوال أثر المدرس المخيف ومع أول لانفصال بين المدرس والمتعلم ونبحث في ذاكرتنا عن أشياء كثيرة مما علمنا إياها مدرسونا فلانجد شيئا منها لأننا نلفظها مع الشعور بأننا ارتحنا من سلطان المدرس علينا ولا يبقى من اثر عمليات التعلم إلا القليل القليل واغلبه ما شعر المتعلم معه بالرغبة إلى تعلمه كالكتابة وبعض اللغة وبعض القواعد الرياضية البسيطة والتي تعسر الحياة عليه من دونها وليس ذلك لأنه لم يتعلم ولا لقلة فهم المتعلم ينسى المتعلم ماتعلمه بل لأنه أخذه إرضاء لسلطة خارجة عن إرادته واتقاء شر من له السلطة عليه من مدرس وأبوين ومجتمع لذلك نرى أن نتائج المتخرجين تضيع وتتلاشى تقريبا ويعاني الكثير من المدرسين من مشاكل كبيرة في سنوات تدريسهم الأولى إذ يجدون أنفسهم يفتقدون المعلومات ويضطرون إلى نوع من المراجعة وإعادة التعلم لكي يرمم معطياته ومكتسباته التي ضاعت منه ولا يعلم لماذا بينما تجده لازال يحتفظ ببعض التفاصيل البسيطة من حياته الدراسية لأنه شارك برغبة منه ذاتية للتعلم وللدفاع عن موقف يخصه يرسخ لديه زمنا ولا يتلاشى لأنه شارك برغبته الجامحة في بناء ما أراده لنفسه
ولا يتوقف مسلسل التخويف والخوف فيظهر في مساجدنا ويلجأ بعض من يدعون الفقه إلى التخويف من الله ومن العقاب الذي سيسلطه على العباد لعصيانهم أوامر غالبا ماكان الذين يدعون سلطة الفقه أنها الفقه الصحيح والفهم الصحيح لأوامر الله وان الله قيد الإنسان وجعل منه عبدا وهم يريدونه عبدا لأفكارهم ومخاوفهم وأطماعهم يستغل الكثيرون الدين بطرق خاطئة ويتنزه الدين عنها لمصالحهم الشخصية وعوض أن يدعو إلى حب الله والاستنارة من رسله ورسائله إلى البشرية يدعون إلى الخوف من النار والعذاب ويكادون لايتركون شيئا أو فعلا بشريا إلا وجعلوا فيه منفذا يؤدي بصاحبه إلى النار والعذاب لذلك يخشى الكثيرون التدين لأنهم لايريدون التقيد بقائمات الممنوعات حتى أن البعض عندما يذهب إلى المسجد أو الكنيسة للعبادة ويسمع الوعاظ يقول أتراني كافرا وسأعذب بأعمالي ولا مفر من نيلي العقاب عوض أن يشعر بالأمان والطمأنينة في بيت الله
وفي شوارعنا يمارس الناس التخويف على بعضهم في سلوكات لاحصر لها عند المرور وعند البيع والشراء والقائمة طويلة جدا يشعر الناس معها بعدم الاطمئنان ويسعى الآخرون إلى ممارسة سلطة التخويف للكسب فيضطر الإنسان للمخالفة ويدفع إليها أحيانا دفعا في عملية وقائية
وفي السياسة يعتمد السياسيون الذين في السلطة على التخويف والترهيب وإظهار عجز الآخرين وعدم قدرتهم ويبنون لأنفسهم حصونا من الأمان والمعرفة في ظاهرها وفي باطنها خوف من أن يفهم الأخر حقيقتهم ويثور عليهم فيلجأ السياسيون إلى انه من دونهم ستخرب الشعوب وسينتشر الفساد وسيسيطر عليهم المجرمون والسفاحون والفوضى وسيغرقون في حمامات من الدماء وفقدان الأمان والأمن وإنهم هم الضمانة الحقيقية للهدوء والاطمئنان وذلك ماحدث قبيل سقوط نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك وحتى بعد سقوطهما التجأ أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية وذوو النوايا الاستيلائية على مقدرات شعبي تونس ومصر إلى التهويل والتخويف والتحذير وحتى إلى المساعدات للإبقاء على مصالحهم في البلد
وكذلك فعلت امريكا يوم القت بقنبلتها الذرية على هيروشيما وعندما نشرت اساطيلها في محيطات وبحار العالم وقواعدها في ارجاء الأرض لإخافة الشعوب وإذلالها فخافت منها حتى القوى الكبرى كالاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا حاضرا وأوروبا ولانسل عن حال الدول النامية المسكينة ومارست قوانين الغاب في العالم وحاصرت الشعوب وفعلت مافعلت لإبقاء الشعوب تحت سيطرة الخوف وقدم العالم لأمريكا الولاء ومكنها من كل المكاسب التي تريد
فليفهم العربي اليوم إن الخوف يفقده حريته ويكبله ويعيقه ويضعف مكاسبه العلمية ويدمر مكتسباته الاقتصادية ويضر بمصالحه وإذا كان للعربي أن يخاف فعليه أن يخاف من سياسات التخويف ويقف ضدها ويحمي نفسه من الذين يبثون الخوف ويؤمن بان الحرية تتناقص والخوف وليس معنى ذلك الدعوة إلى التهور ولكن لإعادة بناء شخصية الإنسان العربي على مبدأ الثقة بالنفس والرغبة في الحياة وحب الآخرين لا الخوف منهم وبث الطمأنينة بين الناس والتمييز بين الخطر الحقيقي وما يراد به شل قدرات الناس والسيطرة عليهم
البشير عجالة
ساحة النقاش