<!--<!--<!--<!--
يتساءل الكثيرون عما يجري في تونس ومصر هذه الأيام وكل واحد يصنفه حسب مزاجه ورؤيته فالبعض يعتبر مايحدث حركة إصلاحية والبعض يعتبره فوضى واحتجاجات والبعض يعتبره ثورة فهل هي ثورة أم ثورات ؟ أم هي فوضى احتجاجات ؟ وهل هو مجرد إصلاح؟ أم هو مخطط امبريالي؟
بادئ ذي بدء بلادنا العربية التي قويت بالإسلام وبسياسات الدولة العربية الإسلامية حتى أشعت في ربوع العالم شرقا وغربا بعلمها وعدالتها وحضارتها انكفأت وتقهقرت ورغم تقلص مساحة فعلها وفاعليتها داخل مايعرف الآن بالعالم العربي والذي مازال يتعرض للهجمات المختلفة ولازال يمزق وتبتر أطرافه فهذا السودان صار سودانين في انتظار تهيئة فصل إقليم دارفور عنه وذاك الصومال مزق وصار وكرا للقرصنة وموطنا للقبلية والتناحر ولم تبق منه إلا عضوية بائسة في جامعة العرب وكذلك الحال في شمال إفريقيا حيث مازالت سبتة ومليلية تحت السيطرة الاسبانية والصحراء الغربية وماتمثله من جرح عميق غائر في الجناح الغربي للوطن العربي ولانسل عن حال العراق وشرع الطوائف فيه وشماله وماآل إليه وفلسطين التي سرى في جسمها السرطان الصهيوني
لم ينجح العرب خلال القرون الأخيرة في استعادة مجدهم الضائع وبناء الدولة العربية تحت وطأة الحكومات العربية والتي أقل مايقال عنها أنها مجرد أدوات سياسية في يد دوائر امبريالية عالمية تنفذ إرادة القوى الخارجية خاصة الغربية منها مستجيبة للرغبات الصهيونية العالمية ديدنها في ذلك المحافظة على مكاسب الحكام مع تلميع صورتها ببعض المشاريع والبرامج الهزيلة الفائدة و الفاشلة لانعدام مقومات نجاحها الأساسية وظلت الحكومات تتعاون مع دوائر الاستخبارات العالمية في تنفيذ سياسات ترفع شعار الوطنية والإقليمية وتبطن ما لاتظهر في برامج التعاون العربي المشترك وقد ترسخت لدى كل حاكم عربي قناعة بأن شعبه أمة متفردة وأن أمته تلك فوضته ليسحق طموح أبنائها ويسخرهم لخدمته وأنه الوحيد الذي يفقه ويفهم وأنه الأجدر والأقوى والأعلى والأحكم والارصن والأحب والأعز .....
وظفت الدوائر الامبريالية الحكام لخدمة مصالح الغرب فزودوه(الغرب) بكل ماهومتاح لهم من طاقات طبيعية وثروات منجميه وفلاحيه وبحرية ذات جودة عالية واستبدلوها بفتات موائد الغرب أو مقابل مبالغ زهيدة إذا ما قورنت بمرودية المواد التي تكاد توهب للغرب ولا تباع له وحرم الحكام شعوبهم من مردود تلك الثروات وعاثوا فيها فسادا و استعملوها لبناء جدار حصين بينهم وبين شعوبهم من خلال تعبئة بوليسية كبيرة وتهيئة أبواق إعلامية تلمعهم وتصنع منهم أبطالا لا مثيل لهم وتؤلههم وتنفي عنهم الزلات والأخطاء في حين فتحت الحكومات أبوابها للاستخبارات والهيمنة وسمعوا لأعدائهم وسمحوا لهم بإملاء ماعليهم أن يفعلوه وناصر الغرب الحكام سرا وعلنا إلا القلة القليلة جدا فقد حاربهم وحاك المؤامرات للقضاء عليهم وأهدت الحكومات الطاقات البشرية لشعوبها وعلماءها لقمة سائغة للغرب والشعوب العربية هي التي دفعت تكلفة إنتاج الخبرات العربية العلمية من رغيف خبزها ويسرت للخبرات سبيل ترك البلاد العربية واضطرتها للهجرة من خلال التضييق عليها والاستهزاء من قدراتها واستضعافها والاستهانة بمقدرتها حتى لايبدو الحاكم أجهل من محكوميه وتلقف الغرب أبناء أمتنا يستفيد منهم ويبني بلاده بسواعدهم ونرزح نحن في الظلمات للمعنى الحديث للظلمة فكان الحاكم العربي كمن زرع بذرة ولما نمت وأينعت وصارت جاهزة للإثمار اقتلعها وأهداها للغرب ليزرعها في بستانه فكانت من أفضل الغراس ,أشهاها ثمرا وأوفرها مردودا لأن العالم العربي هناك عليه أن يثبت مقدرته وال تم اجتثاثه ورميه في المحرقة
صور الحكام شعوبهم عاقرا لاتنجب أفضل منهم في أي حال من الأحوال وفي أي مجال من المجالات لتستقيم لهم الأمور ولا ينغص لهم عيش
ومع ماتعرض له الوطن العربي من هجمات متتالية ومؤامرات ودسائس وبانتشار التعليم بين شباب الشعب العربي بنسبة هامة لاببرامج مدروسة وواعية من الحكومات العربية ولكن برغبة ملحة وشديدة من الإنسان العربي وحتى إن سعى الحكام العرب إلى التعليم فإنه للتباهي بالأرقام لابالمحتوى الذي أفرغوه من معانيه السامية ومن الغايات الاستراتيجية للتعلم وشحنوه ببرامج ضحلة المستوى تخدم مبدأ محو الامية وتكرس الإقليمية والتقوقع وتغذي الخوف انعدام الثقة بقدرة الإنسان العربي على النهوض مجددا ومع ذلك اجتهد العربي ليرفع مستوى تعلمه وإدراكه وآمن بنجاحه وتفوقه ووصل إلى مستويات أهلته لافتكاك مكانة في العالم
ومع انتشار وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وهواتف نقالة وانترنت وماتوفره من فرص للتثقف والتعلم وخاصة التواصل مع الآخرين وتلاقح الأفكار تبين للشباب العربي المقموع هول مايعيشه شعبهم في الوطن العربي في كل مكان ...حصل التصحيح في فكر الشاب العربي ووعى مؤامرات حكامه وفهم وظيفتهم الخائبة عن طريق مقارنة واقع الشباب العربي في كل البلاد العربية مع شباب العالم الآخر وخاصة من هم أقل منا حضارة وتجاوزونا في عقود قليلة واكتسحوا العالم بفكرهم وبرامجهم وإنتاجهم ولم يكن الأمر صعبا ليميز الشاب العربي محدودية تفكير ساسته وحكامه ورزوح برامجهم تحت إرادة الامبريالية وأيقن أن حكامهم لاحول لهم ولاقوه رغم مايملكونه من مقدرات وطاقات هائلة كما ذكرت سالفا اقتنع الشاب العربي إن حكامه يستسلمون للوضع المأساوي الذي يعيشه الإنسان العربي تعلتهم في ذلك أن الآخرين أقوياء وأن أمتهم لاتملك قدرة ولاتحتكم على أسباب القوة والمناعة و وأن أقصى مايمكن الحصول عليه هو واستيراد بعض منتجات التكنولوجيا الاستهلاكية وبعض البرامج المحدودة الجدوى واللااستراتيجية لها وبعض البنى التحتية تنجز عادة في الواجهات لتلميع صورهم في وسائل الإعلام في حين تتخبط الشوارع الخلفية في التخلف وتعيش بإمكانات وتقنيات قرون خلت وحتى بدائية وجعلوا من شوارعهم الخلفية فضاء متعفنا فلكلوريا تجب المحافظة عليه كنماذج للماضي يحبذ السياح مشاهدته والتقاط الصور فيه للذكريات وليجدوا فيه ارتدادا من الماضي يستمتعون فيه بحاضرهم لمافيه من بساطة ووسذاجة مقارنة بحياتهم المعقدة بالتكنولوجيا والتلوث والجريمة ...
جعلوا من فقرائنا مجالا يمارس فيه الغرب شعورا بالشفقة تجاه الإنسان وآدميته فأنشأوا صناديق المساعدات الإنسانية العاجلة والدائمة يمولونها من عرق جبيننا وسواعد أبنائنا أشجارنا المزروعة في بساتينهم ومن مخازن ثروتنا التي مكنهم الحكام منها تقريبا بلا مقابل ومن لحينا صنعوا لنا شكائم يشكموننا بها كما يقول المثل عندنا وحصلوا على مايريدون دون هدر دمائهم الزكية ومن وراء مكاتبهم في الاستخبارات والبنتاغونات وأحلوا لحكامنا دماءنا باعتبار أننا على الغالب سنصير إرهابيين لذا وجبت إبادتنا والتخلص من الخطر الذي نمثله لهم
وغض الغرب البصر عما يجري في بلادنا العربية من قمع للحريات وإلجام للأفواه ومصادرة حرية التعبير وجند لهم خبراءه يدربون أدوات الحكومات القمعية وزودهم بوسائل القمع عوضا عن الأغذية والأدوية والمعارف شحن لهم المساعدات في الأيام الأخيرة من قنابل الغاز والرصاص الحي والمطاطي ومستلزمات القمع والترهيب وساعدهم على إعادة الانتشار والتمترس والتحصن من خلال التفويت ببعض الأشياء كالسيطرة المحكمة على قنوات الاتصال والتخفيف المضحك في ثمن المواد الغذائية الضرورية وإطلاق هامش هزيل من حرية الكلمة على أنه مقصد مقاصد الثورة في تونس ومصر لتلهية الشباب العربي في انتظار إعادة خلط الأوراق وتعويض عملائهم بآخرين جددا لم تنكشف بعد وحشيتهم وسفالتهم للعالم
إذن فالمتتبع لما يجري الآن في تونس ومصر من قبل طلائع الشباب العربي يعلم جيدا أن مايجري هو ثورة واحدة لثورات إقليمية ثورة شعب واحد يتردد صداها في كل الوطن العربي ويتحرك جسد الشباب العربي ليطهر الأرض ويصحح التاريخ لا الحكومات وبرامجه وتبعيتها وغاياتها اقتلاع الحكومات البائسة من جذورها وبتر بِر الفساد وإحراقها لتختفي للأبد وغرس الحرية والكرامة وإعادة العزة للأمة والكرامة للإنسان العربي وفك القيد عن يده لتعود للمساهمة في الحضارة الإنسانية وأثبت الشباب العربي أنه من أمة واحدة وليس من أمم ورفع شعارات واحدة وتكلم بلغة واحدة واكتشف أنه غاياته هي نفسها في كل الأرض العربية وهمومه مشتركة وآماله وأحلامه واحدة والذين راهنوا على التجزئة والتفرقة فشلوا لأن ما رسموه من خرائط الوهم والزيف وما وضعوه من حدود وبوابات و انهار على الفايس بوك وتويتر و يوتيوب طاقة الثورة والحرية سرت في جسم الإنسان العربي وما كانت لتسري بكل تلك السرعة والتجاوب لو كنا أمما مختلفة
لذلك نقول لمن يريدون تصوير ثورة الشباب العربي على أنها انتفاضات بائسة وأنها ستفضي إلى إصلاحات وترقيعية في الحكومات العميلة وبرامجها اللاوطنية والذين يساندون بربع يد مرفوعة وبألسنة تعجز عن الإفصاح في انتظار ما سيحدث نقول لهم أنها ثورة لا ثورات ميادينها متعددة وغاياتها واحدة ستقتلع جذور الفساد والخيانة والتشرذم من جسم الأمة لقد بقينا أمة واحدة في ذاتنا وأرواحنا ولم تؤثر علينا خطوط خرائطهم بل ربما وحدتنا لأنهم مارسوا علينا نفس القمع والتهميش في كل البلاد العربية ولا أحد من الشباب العربي يوقن بأن الحكومات العربية يمكن إصلاحها هي وأحزابها الوهمية التي كرست التبعية والخور وستقتلع بإذن الله وترمى في مزبلة التاريخ
وهي ثورة لم تصنعها مخططات الغرب في مختبراته ومخابره كما يحاول البعض إقناعنا لتشويه صورة الثورة والثائرين لأنها لم تخرج من مخابرهم وليس بمقدور اي جهاز استخبارات أن يدعي أنه سلم البوعزيزي قطرة نفط واحدة ولا عود ثقاب واحد ليحرق نفسه ولينشر دخان جسمه المحترق بخورا عابقا يطهر النفوس الخائفة يشحنها بالشجاعة لتهدر دمها تضحيات على مذابح الحرية وما ادعاءاتهم تلك إلا حركات مكشوفة للاستيلاء على فتيل الثورة ومحاولة إخماده والحط من همة الشباب العربي بأساليب متعددة منها إيهامهم بأن الفوضى البناءة ستقع وان الجرائم والمآسي ستنتشر في ظل غياب الحكومات التي لا تنبثق من مختبرات أمريكا والصهيونية والغرب وأسلوب التخويف والترهيب والدعايات هو ذاته الاستراتيجية القديمة الجديدة من بعث الخوف في النفوس لعلمهم اليقين بأن الخوف والحرية لا يجتمعان والخوف عدو الحرية اللدود وزرعه وتغذيته بكل وسيلة هو ضمانة لإبقاء الحال على ما هو عليه وهذا معروف خاصة عن الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتمدت أسلوب التخويف والتهديد في علاقاتها الدولية منذ الحرب العالمية الثانية وما برامجها التسلحية و أساطيلها وحروبها إلا لقمع الشعوب حتى تبقى خادمة مطيعة لها لكن الشباب العربي خلط الوراق ولازال وسيعيد صياغة القوانين وسيسطر البرامج متحصنا بالحرية والديمقراطية وبإيمانه في وجه الغطرسة والظلم
ساحة النقاش