مثل الجمل لو طاح....
مثل عراقي ــ ايها السادة الافاضل ــ مثل عراقي مشهور يقول
مثل الجمل لو طاح كثرن سكاكينه) أي ان الجمل وهو واقف يهابه الكثيرون , اما اذا وقع على الارض جريحا او مصابا يكثر اصحاب السكاكين , فيُعمِلون سكاكينهم فيه ذبحا سلخا وتمزيقا وتقطيعا . والمقصود بالمثل ــ يا دام سعد آبائكم ــ ان القوي يهابه الناس فاذا ما وقع تجاسروا عليه , واستسهلوا والنيل منه . كيف ؟ سأقول لكم ورزقي على الله :
مثلا : انسان عرف بالغنى والقوة والسلطان , وطول السوط واللسان , يهابه الناس اتقاء شره , يصدقونه ويؤيدونه في كل اقواله وافعاله , حتى ولو اخبرهم ان العجل يبيض , سيتسابقون للوقوف تحته بانتظار ان تسقط البيضة في يد المحظوظ منهم . فاذا ما تهاوت قوته لأي سبب , تطاول الناس وتجرؤوا عليه , وأولهم متملقوه , عند ذلك نقول وباللهجة العراقية : ( عيني : الجمل لو طاح كثرن سكاكينه) .
شاءت الاقدار في عصرنا الحديث ان تروا حكاما كانت تهتز الارض تحت اقدامهم اذا ما ساروا عليها , على راي طيبة الذكر السيدة فيروز ( خبطة قدمكم عالأرض هدّارة) , تصطف الجماهير على الجانبين لتحيتهم والتصفيق لهم , وتخرج بمظاهرات تأييد ومسيرات رجاء عارمة عرمرمة , يناشدونهم ويلتمسون منهم ويرجونهم ويقبلون الارض تحت نعالهم للموافقة على البقاء في السلطة , كلما قاربت فترة حكمهم على الانتهاء , مسبحين بحمدهم وشاكرين آلاءهم اناء الليل واطراف النهار , فهم الحكام الملهمون الذين لم تنجب مثلهم أمة على وجه الارض . فاذا احسّوا بتمايل حكم احدهم , انقضوا عليه وقوّضوا اركان سلطته . نقول عندئذ : ( الجمل لو طاح كثرن سكاكينه ) .
ابان عهد القوة للدولة الاسلامية كانت العواصم الغربية تخطب ودها وتدفع لها
+الجزية ويتسابقون لنيل رضاها خاصة في عهد السلطان سليمان القانوني . وفي يوم من الأيام ظهر فن الرقص فى فرنسا فى زمن السلطان , وكانت فرنسا آنذاك حليفة للدولة العثمانية , وكان المسلمون يطلقون عليها (ولاية فرنسا) , وكأنها تابعة للمسلمين , انزعج السلطان سليمان جدا من ظهور هذا المجون والفسق - فتدخل في شوؤن فرنسا الداخلية كما يُقال - وأوقف هذا المجون , خشية أن ينتشر فى بلاد المسلمين .. !! وفي سنة 1923 وهي سنة سقوط الخلافة العثمانية التي كانت آخر خلافة إسلامية ، قررت أوروبا أن تقيم حفل انتصارها المبين على الإسلام والخلافة بطريقة جديدة وموجعة ، حيث عقدت مسابقة لاختيار ملكة جمال أوروبا في عاصمة الخلافة ـ أنقرة ـ وكان من ضمن المتسابقات فتاة تركية ؛ وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد ، وتقدمت الفتاة التركية واسمها "كريمان خالص" ممثلة لتركيا العلمانية وقد استعرضت مفاتنها بلباس البحر على خشبة المسرح ، وعندها وقف رئيس لجنة التحكيم في المسابقة وقال معلقا : “أيها السادة، أعضاء اللجنة، إن أوروبا كلها تحتفل اليوم .. لقد انتهى الإسلام الذي ظل يسيطر على العالم منذ 1400م، إن “كريمان خالص” ملكة جمال تركيا تمثل أمامنا المرأة المسلمة ، ها هي “كريمان خالص” حفيدة المرأة المسلمة المحافظة تخرج الآن أمامنا “بالمايوه”، ولا بد لنا من الاعتراف أن هذه الفتاة هي تاج انتصارنا ، ذات يوم من أيام التاريخ انزعج السلطان العثماني ”سليمان القانوني” من فن الرقص الذي ظهر في فرنسا، عندما جاورت الدولة العثمانية حدود فرنسا، فتدخل لإيقافه خشية أن يسري في بلاده ، ها هي حفيدة السلطان المسلم ، تقف بيننا ، ولا ترتدي غير “المايوه”، وتطلب منا أن نُعجب بها ، ونحن نعلن لها بالتالي: إننا أُعجبنا بها مع كل تمنياتنا بأن يكون مستقبلا للفتيات المسلمات السير حسب ما نريد ، فلتُرفع الأقداح تكريماً لانتصار أوروبا” . في رايكم ــ سادتي الكرام ــ اول ما يتبادر الى اذهانكم , اليس المثل العراقي ( الجمل لو طاح كثرن سكاكينه) .
بعد ذلك تم ما تم من تمزيق الولايات الاسلامية ؛ فيما عرف فيما بعد باتفاقيات
(سايكس بيكو ) المشؤومة ثم ظهر المستشرقون الذين لم يتركوا فرصة سنحت الا استغلوها لتشويه صورة الاسلام والمسلمين , وزين لهم شيطانهم ان ينفذوا الى قلب الاسر الاسلامية فحاولوا تفكيكها من الداخل , فأخذوا يدندنون على وتر ركن البيت المسلم المنيع (المرأة) ليزلزلوه , فاخذوا يثيرون الشبهات حول ظلم الاسلام لها , اذ لم يسوّها بالرجل , في قضيتي الميراث والشهادة , فنصيبها نصف نصيب الرجل وشهادتها نصف شهادته , وجعل القوامة للرجل عليها . والشبهة الثانية الزواج ؛ ابتداء من العقد الذي اعتبروه عقد بيع , لان الرجل مضطر لشراء الزوجة بمبلغ من المال اسمه(المهر) مرورا بقضية التعدد وانتهاء بمسالة لطلاق . ما الشبهة الثالثة : هي انها قابعة في البيب ملفوفة بحجاب , محرومة من التعليم ولا تخرج لسوق العمل . وطالبوها بالتمرد واغروها بذلك . وظهر في قاهرة المعز اول من نادى بالتمرد على هذه المثل ؛ امثال الكاتب قاسم امين وجورجي زيدان , وظهرت هدى شعراوي اول من خلعت الحجاب في الجامعة , وقادت تلك الثورة الملعونة التي سرعان ما سرت في بلاد بني عرب سريان النار في الهشيم , و كبرت الحركة وترعرعت , وانتقلت الى غيرها من البلاد الاسلامية ؛ من مشرقها الى مغربها , لنرى المرأة تترك مكانها الطبيعي للشغالات , لتربي لها ابناءها وتنطلق هي لتواجه معترك الحياة , لتأخذ دور بعْلها , وتنافسه في سوق العمل وفي الحياة العامة , ليجلس هو في البيت على الشات والنت , فتجد نفسها في نهاية المطاف طرفا في معركة غير متكافئة مع فتاة شابة سرقت حضن زوجها الدافئ .
بعد ذلك تصدر الفن واجهة الحياة العامة , فظهرت مسارح الغناء والرقص الشرقي والغربي والافلام والمسلسلات التي تداعب الغرائز , وبدأت تظهر صور الفتيات مبتذلة على واجهات المحلات التجارية وعلى دعاية لسلعة فاسدة , او منتج رخيص في الاسواق . خلعت الحجاب فأخذت الملابس تقصر شيئا فشيئا واخذ المصممون يتفننون في الموضات ليصبح همّ فتياتنا الاكبر في هذا العصر الفستان الفلاني والطقم العلاني والمناكير والبدكير و البطيخ كير . فلا عجب اذن ان تنطلق حديثا ثورة الفنّانات على انظمة الحكم ليعتلين بذلك سدة البرلمانات في بلاد بني عرب , مشرّعات ومحلّلات ومحرمات والله يستر من تاليها .
وللرد على هذه الشبهات باختصار شديد اقول : المرأة هذا المخلوق اللطيف الضعيف , الجوهرة المصونة والدرة المكنونة التي هيّاها رب العزة سبحانه لتكون حاضنة لأكرم المخلوقات , فحفظها ؛ طفلة وصبية وزوجا واما . وكلّفه القيام على شؤونها في كل مرحلة من مراحل حياتها ولم يكلّفها الخروج لإعالة نفسها , فإعالتها على الرجل ولو كانت تملك القناطير المقنطر , لها ذمتها المالية الخاصة بها . وأمر الرجل ان يوفر لها المسكن والمأكل والملبس , والحنان والعطف والرأفة والرحمة والامان والرفق , وقد ورد في الحديث الشريف "النساء شقائق الرجال" , وجعل الزوجة هي الاهل والسكن , وهي عرض الرجل وشرفه الذي يستميت لأجله , ويقدم روحه طائعا مختارا دفاعا عنه ومتفاخر في ذلك :
يهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراضٌ لنـا وعقـول
اقول : نظرة الاسلام ــ ايها السادة ــ تشريع شمولي , فالرجل هو المكلف بإعالة المرأة , المسؤول عن تجهيز المسكن (بيت الزوجية ) ويقدم المهر ؛ وهو هدية وعربون محبة , وليس على المرأة شيء من ذلك . لهذا أعطاه ضعفها في الميراث وكفل لها حق التملك , فنصيبها يبقى كما هو , بينما يتناقص نصيب الرجل . اما الشهادة فالمقصود بها الشهادة على بيع او شراء ( حضور مجلس يعقد فيه بيع او شراء) , وليس الشهادة امام القضاء , وقد ورد ذلك في آية واحدة فقط في القرآن الكريم وهي ( اية الدين ) الآية الخاصة بكتابة وتدوين الديون المالية "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل أحداهما فتذكر أحداهما الأخرى". (سورة البقرة، 282) . والحقيقة أن هذه الآية إنما تتحدث عن الإشهاد وليس عن الشهادة ، وقد بيّن كثير من الفقهاء هذه الحقيقة , وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم والإمام الأكبر الشيخ شلتوت , الذي كتب يقول في تفسير هذه الآية : "أن قول الله سبحانه وتعالى فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ليس واردا في مقام الشهادة ( التي يقضي بها القاضي ويحكم ) ، وإنما هو في مقام الإرشاد إلى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل" . إما الشهادة في جميع مجالاتها الأخرى مثل الشهادة في حالة الزنا أو في حالة اللعان أو في حالة الميراث فلم يذكر القرآن الكريم أبدا جنس الشهود . فشهادتها اذن في القضايا الجنائية وقضايا الظهار والعلاقات الاسرية والحدود كشهادة الرجل , اذ لم يشترط الاسلام في الشهادة على الزنا رجلين واربع نسوة .
اما قوامة الرجل على المرأة فيظنونها تشريفا لا تكليفا , يعني السيادة المطلقة , أي (سي السيد) الآمر الناهي الجالس على عرشه , المطاع المهاب مسموع الكلمة , لا يرد له طلب , وقد ساعد على ذلك الموروث الاجتماعي في عصر هبوط الامة حيث اصبحت القوة البدنية هي المسيطرة على كثير من العقول , وهذا فهم خاطئ . فالقوامة تعني القيام على شؤونها , وتلبية طلباتها وحمايتها والانفاق عليها , وهو امر تكليف وليس تشريف . وروى البخاري (676) عَنِ الأَسْوَدِ ، قَالَ : " سَأَلْتُ عَائِشَةَ ( رضي الله عنها) مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ " .
اما ما يفترى ان الإسلام يحرم المرأة المسلمة من حق العلم وحق العمل فهذا الافتراء ايضا باطل , فالإسلام أقر حق المرأة في التعليم والعمل خارج البيت , فينقل لنا التاريخ الإسلامي أن كثيرا من كبار العلماء والفقهاء تلقوا العلم على يد النساء , وتنقل لنا كتب السيرة أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت مرجعا في السيرة النبوية الشريفة , وكانت فقيهة تراجع الرواة والقراء والفقهاء . كما تنقل لنا كتب التاريخ الإسلامي أن حفصة وزوج الرسول (ص) كانت خطيبة فصيحة وراوية للحديث , وقد حفظت الصحائف التي كتبت عليها سور القرآن الكريم عندها , وحافظت عليها حفاظها على روحها , حتى سلمتها للخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه , فتم نسخها في أول مصحف في التاريخ ( المصحف العثماني ) , وتم توزيعه بعد ذلك على الأمصار . كما أن الإسلام لم يمنع المرأة من ممارسة العمل خارج بيتها , فهذه الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس اشتغلت بتعليم القراءة والكتابة , وتميزت بالحكمة ورجاحة العقل حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب ولّاها الحسبة ( وزارة التجارة ) ومراقبة الأسواق ، والأوزان والمعاملات، فكانت تراقب وتحاسب , وتفصل بين التجار وأهل السوق من الرجال والنساء . وتعتبر الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس أول امرأة تتقلد منصب وزيرة في الأمة الإسلامية .
اما مسالة تعدد الزوجات فها انتم تشهدون بام اعينكم هذه الحروب الطاحنة , والتي راح ضحيتها الملايين اكثرهم من الرجال , وتُرك جيش عرمرم من الارامل . واذا سلمنا ان المرأة بحاجة للرجل كحاجته اليها , ادركنا حجم المشكلة , فالأفضل لها الف مرة ان تكون زوجة ثانية وثالثة على ان تكون خليلة .
كما أقر الإسلام حق المرأة في الطلاق على أن تقوم بتعويض الزوج عن خسارته المادية الناجمة عن طلاقها بناء على رغبتها , طبقا للآية الكريمة "فان خفتم إلا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به..." (البقرة، 229). وهذا الطلاق بناء على رغبة الزوجة يسمى "الخلع "وهو موجود ومتعارف عليه منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلما حدث مع الصحابية (جميلة بنت عبد الله زوجة ثابت بن قيس) رضي الله عنهما التي استشارته في امر طلاقها من زوجها لأنها لا تطيقه أي لا تحبه رغم انه إنسان كريم, صاحب خلق ودين باعترافها , وكان ثابت قد منحها حديقة كمهر لها فاشترط عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مقابل حصولها على الطلاق أن ترد عليه حديقته ففعلت , فأمره فطلقها .
هذا ـــ ايها السادة الكرام ـــ غيض من فيض الشبهات , وهذه بعض الردود المختصرة عليها , احببت ان اضع بعضها بين ايديكم لتعلموا مقدار خبث هؤلاء , وافتراءاتهم على الدين واهله . طبتم وطابت اوقاتكم .