في مسرحية شهيرة للسيدة فيروز اسمها ( يعيش يعيش ) , سمعتها للمرة الاولى عام 1976 , لا اظن احدا من شبابنا قد سمع بها , فشباب اليوم لهم فنّهم الخاص بهم , من امثال (اطبطب وادلع والختيار اللي ناوي علجازة) , ولم يفعلها حتى الان , لماذا؟ الله اعلم , الجواب عند مؤلف الاغنية ، لكن لا باس فانصح من لم يسمعها ان يسمعها بتمعن , فهي موجودة على اليوتيوب , على ان يسمعها بإذن العقل ليس بأذن طربية , فمشاهدها هادفة تحتاج لوقفات . 
المسرحية باختصار تتحدث عن إمبراطورية ما , في زمن ما , على أرض ما. الإمبراطور فيها حاكم فرد , يقبع في قصر عاجي , لا يعلم عن رعيته الا بمقدار ما اعلم انا عن سكان جزر الواق الواق في المحط الاطلندي , بينما يطلِق ايدي زبانيته يسيرون دفة البلاد كيفما شاءوا , حيث امعنوا في الشعب بطشا وترويعا , واذلالا و تركيعا و تعرية وتجويعا . حصل انقلاب على الإمبراطور من زمرة اكثر منه فسادا وافسادا , طامعة فيى السلطة , فغيرت كل شيء تغييرا شكليا ؛ يعني غيرت شوارب رجال العهد الجديد لتحت , بينما كانت شوارب رجال العهد البائد لفوق . ثم استأجرت متعهدي مظاهرات ليطبلوا ويزمروا للانقلابيين , ليوهموا الناس ان كل الشعب يؤيد الانقلاب , وسلمت الصحافة والاعلام لفئة جاهلة فاسدة , هدفها التطبيل والتزمير وشراء الذمم , ومطاردة رجالات العهد البائد , واقناع الشعب ان ثورتهم صحيحة ومؤيدة . 
نعود ـــ يا سادة يا كرام ــ الى الإمبراطور المسكين حيث تخلى رجاله عنه بما فيهم الإمبراطورة وهربوا باموالهم للخارج , ليبقى وحيدا , فيضطر الى الهروب والاختباء متخفيا في بلدة على الحدود , مليئة بالمهربين وقطاع الطرق , ويعرفه اهل القرية باسم (برهوم) الهارب من حكم بسبب ضربه زوجته ,فيتعاطفوا معه ليعيش بينهم فترة كانه واحد منهم . ثم يتحالف مع المهربين وقطاع الطرق , فيقوموا بحركة انقلابية , ليعود مرة اخرى الى سدة الحكم على قمة السلطة , ولا ينسى ان يغير شوارب العهد الجديد جدا اخر طبعة الى الوسط ؛ لا لفوق ولا لتحت ثم يمارس ما مارسه السابقون من بطش وترويع , ويبدا اولا بمن اخفوه قائلا باللهجة اللبنانية ( اللي بخيفي برهوم بيخفي اللي مش برهوم ) . لتختم بالمشهد الاخير بأغنية تقول فيها : طلع المنادي ينادي, ما فيهاش افادة (فائدة) القطعان في واد والرعيان في واد .
هذا ــ يا دام عزكم ــ ملخص المسرحية , وما اشبه اليوم بالبارحة في ديار بني يعدوس , حيث الحكومات في واد والشعوب في واد اخر . الشعوب تبحث عن لقمة عيش شريفة مغموسة بشوية كرامة , والحكومات تصر على ان تسلبهم كل شيء حتى هذه الكرامه . والمشكلة التي تعاني منها الحكومات ـــ الله يكون بعونها ـــ ان الشعوب لا تتنازل عن كرامتها ؛ فهي قد خسرت كل شيء لكنها لا تتنازل عن الكرامة , ولوكان ذلك على حساب قوت عيالها .
اقول : انتم يا تجار الوطن سماسرته , يا من تكرشون الكروش وتقرشون القروش , وترفعون الشعارات الفارغة , وتجادلون وتتحاكمون الى الطاغوت وتسرقون اموال الناس وتأكلونها بالباطل , وتدلون بها الى الحكام لتحوزوا المناصب الرفيعة, والدرجات العليا لتمتد ايديكم على ثروات الوطن هبشا ونبشا , اقول لكم : نحن ابناء الوطن نسكن فيه ويسكن فينا , نعشق كل حبة رمل على ارضه نقبّلها ونضعها فوق رؤوسنا , نذوب في كل قطرة ماء تروي عطش ترابه , ندافع عنها ونفديها بأرواحنا . الوطن لنا , كله لنا لا نفرق بين شرقيه وغربيه ولا بين شماله وجنوبه , لا نفرق بين حبة رمل في مرج بن عامر واختها في العقبة , شاء من شاء وابى من ابى . نحن المدافعون عن ترابه اذا جد الجد , نحن الباقون على ارضه , وما انتم الا زبد او فقاعة ماء لا بد ان تزول , فبمجرد هزة بسيطة سترحّلون ابناءكم تسبقهم اموالكم الى الخارج ثم تلحقون بهم . والحق لا بد ان يحق وان طال الزمن . ايها المبطلون : لماذا تجعلون حياتنا ضنكة نكدة , يتسلل الياس الى قلوبنا شيئا فشيئا , ليجبر الشباب على الرحيل والبحث عن فرص عمل في ديار غربة , بعيدا عن سياط فسادكم وافسادكم , لمصلحة من سلب كرامة المواطن عند مقابلة مسؤول في دائرة لإتمام معاملة ؟ هل سمعتم عن رجل قتل افراد اسرته للتخلص من طلباتهم ثم قتل نفسه بعدهم ؟ هل سمعتم او ما سمعتم عن اناس يرتادون الحاويات في ساعات متأخرة من الليل بحثا عن بقايا طعام شبعت عنه كلابكم ؟ اين كرامة مثل هؤلاء ؟ هل سمعتم عن متعهدي مكبات النفايات يجمعون مخلفات المطاعم والفنادق ليبيعوها للغلابا والمساكين ؟ انزلوا من ابراجكم الى الاسواق الشعبية وراقبوا ما يدور فيها لتعلموا حجم الجرم الذي اقترفتموه بحق كل بائس يعيش على ارض الوطن . لمصلحة من اضطررتموهم لذلك . لك الله ايتها الشعوب المقهورة المطحونة والمغلوب على امرها ,لك الله , أتذكرون قصيدة نزار قباني الشهيرة غنت فيروز:
غنت فيروز مُغـرّدة
وجميع الناس لها تسمع
"الآنَ، الآنَ وليس غداً
أجراس العَـودة فلتـُقـرَع "
مِن أينَ العـودة فـيروزٌ
والعـودة تحتاجُ لمدفع
والمدفعُ يلزمُه كـفٌّ
والكـفّ يحتاجُ لإصبع
والإصبع يلهو منهمكا
في .... الشعب له مَرتع !؟
خازوقٌ دُقَّ بأسـفـلنا
من شَرَم الشيخ إلى سَعسَعْ
عـفواً فـيروزُ ومعـذرة
أجراسُ العَـودة لن تـُقـرع
طبتم وطابت اوقاتكم .