الحَجّاج وما أدراك ما الحجّاج ؟ ما من رجل شغل الناس , واحدث جدالا كحجاج بني أمية , حتى قيل : الحجاج لعنة بني أمية على الناس , أو لعنة الناس على بني أمية . قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : لو تخابثت الأمم إلى يوم القيامة ثم جئنا بالحجاج لغلبناهم . لكن عمر رحمه الله لو عاش في هذا العصر , ورأى حجاحيج بني يعدوس فلربما غير رايه , وعرف كيف يكون الخبث على اصوله . كيف ؟؟ الامر ـــ يا دام عزكم ــ يحتاج الى الشرح بعض الشيء , تعالوا نبدأ القصة من أولها , ثم نعقد مقارنة بين حجاج بني امية , وحجاجي بني يعدوس , ونري مقولة عمر رحمه الله على من تنطبق .
معلم للقران الكريم في الطائف التي ولد فيها سنة اربعين للهجرة المباركة نظر حوله فرأي الأخطار تحدق بالدولة الاسلامية من كل الجهات , حيث عقدت البيعة لثلاثة خلفاء في وقت واحد ؛ عبد الله ابن الزبير في الحجاز والعراق وخراسان , عبد الملك بن مروان في الشام ومصر , وشبيب الشيباني امير الخوارج في الجزيرة وفارس , وخطر الروم المتربصين بالدولة الاسلامية , المنتظرين ضعفها بفارغ الصبر , وخطر بقايا الفرس وخاصة حصن الديبل الذي اغار اكثر من مرة على ثغور المسلمين . وبنظرة ثاقبة من الحجاج ادرك أن المستقبل لبني امية , فهُم الاحزم والاقدر على سياسة الدولة , حمل الحجاج عصا الترحال وانطلق ميمما الشام , للالتحاق بجند عبد الملك بن مروان بتزكية من قائد شرطته روح بن زنباع . ابدى الحجاج من الحزم والعزم وقوة الشكيمة والراي ؛ ما لفت نظر الخليفة الاموي عبد الملك ابن مروان , فاعجب بهمة هذا الجندي وطموحه وشدة ولائه للبيت الاموي , وما هي الا اشهر عدة حتى اصبح من القواد البارزين , المشهورين بسطوتهم وجبروتهم .
انتدبه عبد الملك بن مروان لقتال مصعب بن الزبير, واخضاع العراقَيْن ( البصرة والكوفة) لدولة الخلافة الاموية , فقاتل مصعب وقتله , ودان العراق بشقيه لسلطان بني امية , واخمدت ثوراته . ارسله بعد ذلك لحصار عبدالله بن الربير رضي الله عنه في مكة المكرمة , واخضاع الحجاز كما اخضع العراق للحكم الاموي ( سنة 73هـ) , فذهب وحاصر مكة وقام بضربها بالمنجنيق , حتى سقطت احدي شرفات الكعبة المشرفة على عبد الله فقتلته , ودخل الحجاج مكة فاتحا مزهوا بنصره , فارهب اهلها واخضعهم بالقوة لآل مروان , وصلب ابن الزبير على بابها .
وجزاء له ولاه عبد الملك على العراق واطلق يده , فطغى وبغى وتكبر وتجبر وسفك دماء كثيرة . لكنه بالمقابل اخمد الثورات في المشرق كله , وعلى راسها الخوارج وخراسان . تفرغ بعد ان استتب الامر للفتوح , فارسل جيشين كبيرين : الاول بقيادة (قتيبة بن مسلم ) توغل شمالا فاتحا جنوب روسيا حتى تخوم الصين , والاخر بقيادة (محمد بن القاسم ) اخذ خط الساحل باتجاه الشرق حتى فتح عاصمة السند ( باكستان والبنجاب حاليا) وقتل ملكها داهر . عندما توفي عبد الملك , وتولى ابنه الوليد اقر الحجاج على عمله , وعرف له قدره واعلى شانه , ولم يقبل شكاية عليه من احد . اشار الحجاج عليه بتسيير جيش لفتح الاندلس وقد كان , فاستتب الامر لبني امية من تخوم الصين شرقا الى الاندلس غربا . وفجأة مات الوليد ومات الحجاج( سنة95هـ ) وتوقفت جيوش الفتح في المشرق والمغرب .
والان جاء دور التقييم : ما يؤخذ على الرجل انه كان باطشا جبارا , ياخذ بالشبهة يقتل ويعذب ويسجن , يقال انه عندما توفي وجد في سجنه خمسين الف رجل وثلاثين الف امرأة والله اعلم , ومن بين ضحاياه العالم الفذ سعيد بن جبير . بالمقابل فقد ثبّت اركان الدولة الاسلامية , ووسع رقعتها بالفتوحات وقضى على الثورات . ويرجع له الفضل اذ اشار على عيد الملك بتنقيط حروف المصحف , فقد كانت حروف المصحف العثماني غير منقطة والعرب بسليقتها تفرق بين الحاء والخاء والعين والغين والسين والشبن , بدون النقط . فلما كثرت الفتوح وشاعت العجمة , احتاج الناس للتفريق بين الحرف المنقوط وغير المنقوط . كذلك اشار عليه ان يعرّب الدواوين , وبصك الدينار الذهبي الاسلامي , بدلا من العملة الرومانية , التي كان المسلمون يتداولونها في تجارتهم . هذا هو حجاج بني امية مثير الجدل , فقد خلط اعمالا حسنة باخري سيئة , ويبقى الحكم عليه لخالقه , فلا يحق لنا تكفيره اوشتمه .
اما حجاحيج بني يعدوس فانظروا ــ رحمكم الله ــ ولنبدأ من اقصى الى اقصي الحجحوج الاول : اجبر مواطنيه على الركوع بحضرته , وتقبيل اياديه الطاهرة , يحكُم ولايته اليعدوسية بالقمع والحديد والنار . والثاني ركب دبابة اجنبية وبأمرها ائتمر , فاحرق وخرب ودمر وهدم , وقتل وشرد وسجن اهله واخوته وابناء عشيرته , وبنى قصور حكْمهِ من جماجم اطفالهم . وثالث الحجاجيج : نصب مدافعه وقدف حممها على مدن وقرى ابناء وطنه , وصب حمم طيرانه فأحرقت كل شيء , وحصدت ارواح مئات الالاف وشردت الملايين , ورابع تحالف مع الشياطين , فقتل اهله واخوته وابناء عشيرته . وخامس اقام تحالفات مشبوهة لضرب الاشقاء . واخر انزل فرسانه الساحات والميادين لضرب كل من يقول لا