قال لي صاحبي وهو يحاورني : فعلا نحن شعب ( كشر ونكد) . قلت : وكيف اكتشفت ذلك يا رعاك الله ؟ قال : يا اخي تذهب الى السوق تريد ان تتجول فيه , تحاول ان تدخل محلا , فتجد عمودا يقف على الباب ؛ ضخم الجثة , راسه بحجم البطيخة الكبيرة , وجهه يشبه وجه الفرزدق , عيناه غائرتان بين حاجبيه وخديه , انفه يبتلع نصف وجهه وفتحة فمه بطول حفرة الانهدام الكبير, تحتاج الى رافعة لترفع احدى شفتيه عن الاخرى , يقول لك بصوت يخرج من حنجرته مباشرة : ماذا تريد يا اخ , اقول : اريد ان اتفرج ربما يعجبني شيء . يقول : لو سمحت ؛ المحل ليس للفرجة , حابب تشتري اهلا وسهلا , مش حابب مع السلامة , قلت : أريتـَك هذا الذي تصف ! لو انك صبية عشرينية , بيدها اليمني شنطة خفيفة لطيفة , وبيدها اليسرى خلوي احدث طراز , تضع نظارتها الشمسية فوق شعرها , وكعبها 20سم , لكان ابرد من نسمة صيف مرت تحت شجرة خروب معمرة , وارطب من سحابة تشرينية . قال ولكنني رجل ولا اعتراض على خلق الله , يعني يُمنَع التسوق على الرجال ؟ قلت : يعني عليك ان تتحمل وتصبر قليلا . قال : اقارن هذا بأصحاب المتاجر في الاقطار الشقيقة المجاورة , قلت : لم تعد هناك اقطار مجاورة . قال : يا سيدي على اعتبار ما كان , تجد صاحب المحل يحاول اجتذابك بكل السبل ( اتفضل يا اخي لا تشتري بس فوت اتفرج , يمكن يعجبك شي , كل المحل على حسابك ) . يا رجل ليس هذا فقط . بل تمشي في الشارع فترى الناس فتقرأ على وجوههم سورة (عبس ), قلت : ومع ذلك فانا اراهم احيانا يضحكون . قهقه صاحبي وقال : الم تسمع بالمثل( شر البلية ما يضحك ) , يا رجل : عندنا عقدة اسمها عقدة الضحك , قلت : كيف ؟ قال : اما تسمعهم يقولون بعد كل ضحكة يضحكونها : الله يسترنا من هذا الضحك ,
بعد ان غادر صاحبي خطر ببالي السؤال التالي : هل( النكد) جزء من طبيعة تكويننا , أي عنصر اساسي في الجينات , يتوارثه الخلف عن السلف ؟ ام هو سلوك مكتسب نتيجة للواقع اليومي الذي نعيشه ؟ وليكون حكمنا علميا يجب ان يُبنى على المنهج العلمي اي (الملاحظة والاستقراء ثم استخلاص النتائج) , فتعالوا اذن نتابع بعضا من شرائح المجتمع , فيكون حكمنا اكثر دقة:
الشريحة الاولى : موظف في القطاع الحكومي في العاصمة , يضطر الى الوقوف على الشارع قبيل الساعة السادسة كل يوم , في مارثون فريد خلف حافلة تنقله الى مجمع الحافلات في العاصمة , خرج بالأمس و(روحه في مناخيره ) سالته عن السبب اجاب ابو ماهر : والله ماهر تعب بالليل واخذناه على الطوارئ عليه توجيهي هالسنة , وانت عارف (البير وغطاه ) , انا لا اقدر على تدريسه في الجامعة فهو يبذل قصارى جهده ليحصّل منحة , ومن كثرة الدراسة اصيب بالإعياء واغمي عليه , تصور يا رجل مستشفى حكومي لا توجد به ابرة مسكن , تضطر لشرائها على حسابك , (انا مش عارف شو فائدة التامين اذن) . والمصيبة الاكبر صبّحنا ما فيه ولا نفطة ماء في الخزان ودَوْرنا في الماء بعد يومين , صرت مضطرا لان اشتري تنكا بعشرين دينار , او ادور على الجيران اشحد من كل بيت دلوا . يصل ابو ماهر المجمع ليركب في حافلة يطلق الناس عليها اسم (جحش الدولة) , فهي حافلات ملك مؤسسة النقل العام التي هي ملك للدولة , تسير بسرعة السلحفاة , وتحمل حمل سفينة نوح . طول الطريق : قف نزّل ركاب , قف حمّل ركاب فيصل الرجل عمله متأخرا , فينفجر المدير في وجهة ويلقنه درسا في احترام المواعيد , ولا يقبل أي عذر له . في المقابل فالمدير مضطر ان يتملق رئيسه الذي يدوره مضطر لينافق رئيسه , طول اليوم حاضر يا بيك , امرك يا باشا , والله كلامك حكم يا بيك , نظريتك في فن الادارة يجب ان تدرس في الجامعات لتستفيد منها الاجيال يا باشا . يعود الى المنزل فيجد زوجته تنتظره بشوية طلبات على شوية اوامر ومع شوية تساؤلات وخاصة عن السكرتيرة فينام وهو يتميز من الغيظ , ينفجر أي اول موظف يقوده سوء حظه الى الخطأ.
الشريحة الثانية : موظف في القطاع الخاص يجلس على مكتب فخم , حسدْته اول ما رايته , فلما وصلت اليه وجدت بيده الة حاسبة , يضرب ازرارها بعنف (ولك ازبطي ولك ازبطي ولك يلعن اختك واخت اختك ولك ازبطي ) , قلت : سلامة عقلك يا بُني مع من تتحدث ؟ قال : والله يا عم (اشي بحط العقل بالكف ) انا موظف جديد ب300دينا اصرف في الموصلات 100, واصرف على نفسي 100 واستطيع ادخار 100, اريد بناء شقة فوق منزل والدي والزواج خلال خمس سنوات , مش راضية تزبط , المقاول طلب 20الف دينار لبناء الشقة واحتاج 10 الاف للزواج يعني 30 الفا , والالة تعطيني ان توفير المبلغ هذا يحتاج لا كثر من 20سنة , يعني بكون عجزت . قلت يا بني ابحث عن عروس تعمل فتساعدك قال يا عم هذا كان على زمانكم اما على زمانا فهي تحتاج 10سنوات حتى تطمئن اليك وتأمنك وتثق بك , خاصة في عصر الخلويات والفيس , قلت وما دخل الفيس بالزواج يا بني فضج الشاب بالضحك فتركته وغادرت.
الشريحة الثالثة : المزارع الذي يقترض ثمن البذور والادوية والاسمدة من احد تجار سوق الخضار المركزي , بالمقابل يجب ان يبيعه المحصول , وما ان تصل الخضار الى السوق حتى يفتعل التجار ازمة تنخفض الاسعار بموجبها , فيشتري التاجر بالرخص وبعد يومين يفتعلون ازمة اخري يبيعون بموجبها للمستهلك باسعار عالية , يعني المزارع والمستهلك ضحية تلاعب تجار السوق دون رقابة او مساءلة من احد . ما رايكم ناخذ شريحة العمال ام يكفي . انا بقول كفاية فضايح . الحكم لكم . طبتم وطابت اوقاتكم