آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

<!--

<!--<!--

-3-

      كانت" حنوت- سن" زوجة" مري إن بتاح" الذي يعمل حارساً في مخازن الحبوب الملكية مستغرقة في النوم كعادتها في مثل هذا الوقت من الليل ، وكان من عادة زوجها " مري" أن يتسلل في هدوء عند عودته من العمل في الفجر ويغير ملابسه وينام دون أن يزعجها ، لكنه في هذا اليوم لم يكف عن الصياح منذ دخل ..

-         قومي يا" حنوت- سن "..انهضي يا عزيزتي .. ليس هذا وقت النوم.. قومي وانظري ماذا أرسلت الآلهة إلينا ..

       هي لا تزال بين النوم واليقظة ، يخيل إليها أنها تسمع بكاء طفل رضيع خمنت أنه من عند الجيران ، ولم تعي بعد لماذا يصيح مري ، ولماذا يوقظها اليوم علي غير عادته بدأت تقترب من الصحو الكامل فنهضت جالسة في فراشها الأرضي ، فركت عينيها وأجالت بصرها في أرجاء الغرفة ، ما زالت معتمة ولم تتحقق من شيء بعد ، قالت بصوت يغلفه الوسن ..

- ماذا بك اليوم يا "مري"..؟ لماذا توقظني في هذا الوقت ..؟

     جاءها صوته من خارج الغرفة مرحاً سعيداً وهو يهدهد الرضيع ويترنم له مغنياً يحاول أن يجعله يكف عن البكاء..

- قومي يا عزيزتي وانظري لهذا الوجه الجميل ، انظري..

     كان قد دخل الغرفة وقرب منها الطفل وهو يصرخ باكياً ، نظرت إليه بدهشة بالغة ومدت يديها تتناوله منه برفق وتضمه إلي صدرها بحنان ، نقلت بصرها بينهما أكثر من مرة ، تساءلت وهي لا تزال غير واعية لما يحدث..

- من أين أتيت به يا" مري"..؟ ابن من هذا..؟

- ليس ابن أحد.. لقد وجدته الآن أمام باب بيتنا ، يبدو أن الآلهة هي التي أرسلته إلينا لأنها تعلم كم أنت طيبة وحنون ، إنه ابنك أنت يا" حنوت سن ".. نعم ، ابننا الذي أرسلته لنا الآلهة ليؤنس وحدتنا ، ويملأ بيتنا بالبهجة والسرور .. كم هي طيبة وكريمة تلك الآلهة !

     استيقظت كل حواسها الآن ، عندما سمعت كلمة " ابنك يا حنوت سن " لم تتمالك نفسها فاغرورقت عيناها ، وراحت تتأمل وجهه البريء ، وتتمعن في قسماته الجميلة مالت عليه وطبعت علي جبينه قبلة طويلة ضمنتها كل مخزون الحنان بين جوانحها والمحبوس منذ سنوات بلا طفل يحرك فيها مشاعر الأمومة  نظرت إلي زوجها بعينين تترقرق فيهما دموع صافية وسألته كأنها تحدث نفسها ..

- أفي حلم أنا يا" مري" ..؟! أم هي الحقيقة ..؟

        وأمام بكاء الرضيع المتواصل لم تشعر بنفسها إلاّ وهي تخرج ثديها وتضعه في فمه فالتقمه بنهم الجائع وراح يمتصه وقد كف عن البكاء .. شعرت المرأة الشابة بشعور غريب أكد لها أنها ليست في حلم وأن ما يحدث ليس وهماً ، بل حقيقة ملموسة .

      جلس "مري إن بتاح" سعيداً يتأمل زوجته المحبوبة وهي تداعب الطفل وتناغيه وبلا شعور منه راحت يده تعبث بلفة الملابس التي وجدها بجانب الطفل , وإذا بصوت رنين بين الملابس ، أمعن النظر وفتش الصرة ، فوجئ ببعض القطع الذهبية تلمع بين يديه ، صاح بزوجته ..

- انظري يا "حنوت- سن" ماذا وجدت أيضاً ..؟ إنها قطع ذهبية .. إنها ثروة ..ألم أقل لك إنه هبة من عند الآلهة

        لم تأبه" حنوت- سن" بما وجد مري ، كانت قد انحنت علي الطفل لا تكف عن تأمل وجهه تلثمه وتضع خدها علي حده ، وتتحسس بشرته الناعمة ، ثم تعود تقبل فمه وجبينه ، ولما عاود البكاء ، رفعت رأسها فجأة وقالت ..

- "مري" .. إنه جائع .. وليس في ثديي لبن .. ماذا سنطعمه ؟

        أسقط في يده ، فهو لا يعلم ماذا يأكل الصغار في هذا السن ، ونسي فرحته بما وجد وأخذ يفكر " ماذا يفعل؟ " .. انتشلته" حنوت- سن" من دوامة التفكير صائحة بفرح ..

- آه .. تذكرت .. أليس لدينا عنزة تُرْضِع ؟ اذهب واحلبها الآن وهات بعضاً من لبنها ، إنه خير غذاء للرضع .

أسرع "مري إن بتاح" إلي الفناء حيث عنزته الوحيدة ممددة وحولها بعض الدجاج ، هش الدجاج وأقعي علي ركبتيه وبيده إناء فخاري صغير، وأخذ يحلب فيه اللبن حتى ملأه وأسرع به إلي زوجته ، تناولته وراحت تسقي الرضيع بملعقة خشبية صغيرة وهي تغني له ، بينما عاد "مري" يحكي لها عما وجد في لفة الملابس من قطع ذهبية كثيرة جعلتهما أغنياء منذ الليلة وأنهما يجب أن يشتريا بيتاً في حي أفضل من هذا      الحي الفقير المليء بالذباب والقاذورات ، حياً يليق بهذا الطفل الجميل الذي وهبتهما الآلهة ، وأطلقا عليه اسم " إيب خنسو " .

         كانت هناك أربع عيون لشبحين يراقبان ما يحدث، وعند هذا الحد من الأحداث ،وقبل أن يبدأ إله الشمس في نشر أشعته الذهبية علي المدينة البيضاء ، التقت العيون الأربعة وشبح ابتسامة رضي علي وجهيهما ، واتخذ الشبحان طريقهما إلي شاطئ النهر حيث قاربهما المربوط بجذع شجرة ، وبعد قليل كان القارب يمخر عباب النهر بنعومة وهدوء  تاركاً خلفه ذلك الحي الفقير، في طريقه إلي حي الأثرياء شرق المدينة ، تمتم أحدهما قائلاً :

   -  لقد أحسنت الاختيار يا "منتو".. سيكون الطفل بأمان هناك 


*   *   *


     استغرقت ترجمة هذا الجزء وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً بسبب سوء حالة البردية وخاصة في نهايته، ولم أشأ أن أضيف شيئاً من عندي، ويبدو أن هذا الجزء كان يحوي بعض التفاصيل عن حياة الطفل والتي تدور في الغالب عن انتقال "مري-إن-بتاح" وزوجته "حنوت- سن" من الحي الذي كانا يقيمان به إلي حي أكثر نظافة ورقياً، وعن الترقيات التي لم يكن الرجل نفسه يتوقعها، حتى أصبح كاتباً عاماًً لمخازن الحبوب الملكية، وهي علي العموم تفاصيل غير جوهرية في صلب القصة، ومن حسن الحظ أن الجزء التالي كان بحالة جيدة إلي حدٍ كبير ..  


المصدر: رواية للكاتب
samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة
نشرت فى 17 أكتوبر 2014 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

90,623