"الواحات المصرية"
عرف إقليم الواحات الخارجة والداخلة والفرافرة (الفرفرون) وفيها عدد من المدن والقرى والقلاع، باسم مملكة موريطانيا الذي استمر استخدامه حتى حوالي القرن التاسع الميلادي حيث استبدل بمملكة الواحات كما ورد في كتب العرب. ويبدو أن الأسرة المالكة في هذا الإقليم قد اعتنقت الإسلام في حوالي القرن التاسع الميلادي أو بعد ذلك بقليل. ويرجع اسم هذه المملكة إلى مقطعين يونانيين، أولهما موري ومعناه أهل البادية، وهناك إشارة إلى حدوث ثورة مجموعة من المازيكين في السنوات الأخيرة من القرن الرابع الميلادي الأمر الذي دفع الإمبراطور ثيودوسيرس لإرسال حملة إلى موريطانيا لتأديبهم. وحدث في نهاية القرن السابع وأوائل القرن الثامن الميلادي شكوى ملك المقرة (دنقلة) من منع ملك موريطانيا مرور رسل المقرة إلى الإسكندرية لمقابلة البطريرك ومرجع ذلك إلى تحالف مملكة موريطانيا مع حكومة مصر الإسلامية ضد المقرة (دنقلة) وجاء في المصادر القبطية (حياة البطريق إسحاق) أن ملك موريطانيا قد منع مرور الأساقفة وغيرهم من رجال الدين الذين كانوا يسافرون عن طريق الواحات من السفر إلى دنقلة أو العودة إلى الإسكندرية. وهذه المملكة –موريطانيا- التي أطلقت على مجموعة الواحات المصرية لا ترتبط بأية علاقة مع موريطانيا الواقعة على المحيط الأطلسي جنوبي مراكش (المغرب)، والأسرة المالكة في الواحات المصرية- كما سنبينه فيما بعد- ترجع إلى "لواته" وهي قبيلة بربرية، وعلاقة مجموعات هذه القبائل، من لواته والمقرة والنوبة (نوباديا، نوباتيا.. إلخ) ونوميديا، في حاجة إلى دراسة خاصة. قامت على مجموعة الواحات الداخلة والخارجة والفرافرة حكومة من أسرة آل عبدون الذين كانت السلطنة في أيديهم منذ فتح العرب لمصر في النصف الأول من القرن السابع الميلادي. وترجع هذه الأسرة كما يقول المسعودي وابن حوقل إلى حي من لواته قبيل من البربر. ويحتمل أن تكون هذه الأسرة قد جاءت إلى هذا الإقليم في زمن سابق للإسلام وأنها اعتنقت الإسلام بعد دخوله إلى مصر، ويسند هذا القول إن مجموعات قبيلة لواته كانت موجودة في شمال غربي هذا الإقليم. ولا نعلم شيئاً عن تنظيمات هذه المملكة الإدارية، والذي يبدو من الوصف الذي جاء في كتاب "صورة الأرض" لابن حوقل أنها كانت تعتمد على الجباية –الخراج والجزية- وكانت تمر عبر أراضيها القوافل إلى السودان وغانة والمغرب وفزان. والمعروف أن هذا الطريق قد قفل بعد منع أحمد بن طولون السفر من مصر إلى المغرب عبر هذا الطريق بسبب (سافية) الرمل التي تنقلها الرياح فتهلك المسافرة. وهو ما اطلق عليه بعد ذلك بحر الرمال الأعظم ، الذى يمتد على طول الشريط الواقع على حدود مصر الغربية ، وحتى داخل الحدود الليبية فى الصحراء الغربية وكانت هناك حروب وغزوات بين مملكة الواحات والنوبة، ولا تُعلم أسباب تلك الحروب، هل هي كانت لأغراض سياسية أو اقتصادية. وقد هجم النوبة على الواحات في عام 951 م، وأن هدنة قد عقدت بين مملكة الواحات ومملكة النوبة بعد ذلك، وكانت هناك ممالك أخرى من ناحية الغرب والجنوب الغربي للواحات منها القرعان والزغاوة فماذا كان موقف هذه الممالك من بعضها البعض؟ ولا نعلم شيئاً مؤكداً عن الأمر الذي انتهت إليه هذه الأسرة المالكة ومن الذي حل محلها، كما أننا لا نعلم شيئاً عن الهجرات مِن وإلى هذه المملكة. فالواضح أن أهل النوبة قد تركوا الواحات في نهاية القرن الثالث وأوائل الرابع الميلادي للسكنى جنوبي الشلال الأول على حوض النيل، ومن المحتمل أن تكون هجرات أخرى قد تلت ذلك إلى حوض النيل في مختلف بقاعه وبخاصة بعد قفل طريق الصحراء إلى الغرب الأمر الذي تعطلت معه التجارة عن طريق القوافل المذكورة. وننشر فيما يلي ما وصل إلينا عن تاريخ هذه المملكة ونرجو أن يعاون ذلك على القيام بدراسات أوسع عن الفترتين المسيحية والإسلامية لكتابة تاريخ لهذه المملكة ونصيبها الاقتصادي في تجارة مصر، وننقل ما كتبه صاحب كتاب "صورة الأرض" بنصه وحرفه لعل ذلك يساعد على متابعة ما جاء في المصادر التاريخية الأخرى ومنها اليعقوبي والمسعودي والمهلبي (إذا وجد. نقل عنه ياقوت) والإدريسي وياقوت وابن الوردي وابن دقمان والمقريزي والقلقشندي وابن آياس وغيرهم من العرب والإفرنج. يقول ابن حوقل في كتابه صورة الأرض: "وأما الواحات فإنها بلاد كانت معمورة بالمياه والأشجار والقرى والرموم قبل فتحها. وكان يسلك من ظهرها إلى بلاد السودان بالمغرب على الطريق الذي كان يؤخذ ويسلك قديماً من مصر إلى غانة فانقطع ولا يخلو هذا الطريق من جزائر النخيل وآثار الناس وفيها إلى يومنا هذا ثمار كثيرة وغنم وجمال قد توحشت فهي تتوارى. وللواحات من صعيد مصر إليها في حد النوبة نحو ثلاثة أيام في مغارة حد، ولم تزل سافرتهم وسافرة أهل مصر على غير طريق تتصرف إلى المغرب وبلد السودان في براري ولم ينقطع ذلك إلى حين أيام دولة أبي العباس أحمد بن طولون. وكان لهم طريق إلى فزان وإلى برقة فانقطع بما دار على الرفاق في غير سنة بسافية الريح للرمل على الرفاق حتى هلكت غير رفقة، فأمر أبو العباس بقطع الطريق ومنه أن يخرج عليه أحد". وفيما يبدو أن هذا المنع كان على التجار والمسافرين من إقليم مصر. وذكر الجغرافي العربي: "وبلد الواحات ناحيتان ويقال لهما الواحة الداخلة والواحة الخارجة وبين الداخلة والخارجة ثلاث مراحل، وأجلّها الناحية الداخلة وهي واسطة البلد وقرار آل عبدون ملوكها وأصحابها، وفيها مساكنهم وأموالهم وعدتهم وذخائرهم، وهما حارتان بينهم نصف بريد وبكل حارة منها قصر إلى جانبه مساكن لحاشية من ينزله وخاصته وأصحابه وأضيافه وفيهما حرمهم وتعرف إحدى الحارتين بالقلمون والأخرى بالقصر، والناحية الخارجة تعرف ببيريس وبيخيط، وهما خمسة أصقاع ويشمل كل صقع منها على مناير تتقارب في المنزلة والحال". وذكر ابن دقماق أربع وعشرين بلداً في مملكة الواحات سنوضحها فيما بعد. "والواحات كالناحية المعتزلة في مركز دائرة من النيل، تبعد غرباً عن مدينة الأقصر في صعيد مصر بحوالي الثلانين والمائة من الأميال، ومن أي نحو قصدت الواحات من أنحائها كان الوصول إليها من ثلاث مراحل إلى أربع مراحل، والناحية الخارجة منها المعروفة ببيخيط وببيريس أقرب إلى النيل ومن قصدها من ناحية النوبه ويبرين وإعمالهم اجتاز بعين النخلة بماء عدّ لا ساكن عنده ولا يجد الماء إلى بيريس، ومن اجتاز بها أرض مصر وقصدها من أسنى (أسنا) وارمنت تزود ماء النيل إلى بيريس، ومن قصدها من البلينا وأخميم وأسيوط والأشمون من أسافل الصعيد كان وصوله إلى بيخيط وتزود ماء النيل، ومن قصدها من أسوان وأعلى الصعيد اجتاز بدنقل بماد عد في أحساء تحفر باليد وعليه نخيل كثيرة بعير ساكن وتزود الماء إلى بيريس ومسيرة كل طريق مما ذكرته إليها ثلاث مراحل وأكثر هذه الطريق في عقاب وأودية وجميع من قصدها من هذه الأربع نواحي يقطع الوادي المعروف بوادي واحساء بني فضالة". "ومن قصد الواحة الداخلة وهي دار مملكة آل عبدون من ناحية القيس والبهنسة كان وصوله إلى بهنسة ألواح إذ بها ناحية تعرف بالبهنسة أيضاً وبينها وبين الفرفرون مرحلة". "وقد يقصد الواحات من ناحية المغرب ومن جزيرة فيها نخيل وسكان من البربر تعرف بسنترية فيكون أول وصولهم منها إلى ناحية بهنستها". "والفرفرون قرية ذات قصور وبين بهنسة مصر والقيس وبهنسة الواح أربع مراحل وهي في جملة ألواح الداخلة، وتصيب الماء في هذا الطريق بموضع يعرف بماء النخلة وفيه نخلة". ونشير فيما يلي إلى ما كتبه ابن دقمان في كتابه الانتصار لواسطة عقد الأمصار (جزء ثاني):. وهي بلاد كثيرة حصينة وبها قلعة، وبهذه البلاد من الفواكه والثمار شيء كثير وكانت في القديم مملكة قائمة بنفسها، وكان لصاحب مصر على صاحبها قطيعة، ثم صارت مضافة إلى مصر. وهو إقليم غير متصل بغيره تحيط به المفاوز وجيزة بين مصر والإسكندرية والمغرب والصعيد والنوبة والحبشة ومسافاته من كل ناحية مقاربة للأخرى وقيل هي ثلاث واحات. الأولى تسمى الخارجة وقصبتها تسمى المدينة. ووسطى وفيها مدينتان، إحداهما –وهي الكبرى- تسمى القصر، والأخرى تسمى هندا، وهما مسورتان. والثالثة وتسمى الداخلة، وفيها مدينتان، إحداهما –وهي الكبرى- تسمى أريس، والثانية تسمى ميمون وبها عيون حامضة وأهلها يشربون منها ويسقون بها أراضيهم ومتى شربوا من غيرها استوبؤا. ويقال أن عدةة بلاد الواحات أربعة وعشرون بلداً منها: القصر، وبها عين حارة مثل الحمام. وأفطيمة فيها أعناب كثير وأتيان، وشكول فيها أرز وعنب. وجافاته فهي ا أرز وكروم. وعين جديد البحرية بها تزرع وكروم وأرز. وعين جديد القبلية بها كروم كثيرة وتزرع بها الأرز. وبوقس بها كروم ويزرع بها الأرز أيضاً. والقلمون بلدكبير كلها كروم وبها كنيسة للنصارى. والقلول بها كروم وتزرع الأرز. وعنقيش بها نخيل وموز كثير وكروم كثيرة، ويزرع بها الأرز، والجبن الذي يعمل من لبن بقرها إذا أكل نفع من رمي الدم، وقد جرب هذا. وذكر لي جماعة من أهل الواحات عن هذا الجبن هذا الحديث. وموط بها كروم ويزرع بها الأرز والهندا، وينزل بها المتولى على ألواح ولا يزرع الأرز. وبنسطر – يزرع بها الأرز. وبني يزيد – يزرع بها الأرز أيضاً. والمعيصرة – القريبة يزرع بها الأرز أيضاً. وسمنت – القديمة يزرع بها الأرز. وسمنت الخطا – يزرع بها الأرز. والقصبة – بلد كبير وبها كروم ويزرع بها الأرز. وبلاط – يزرع بها الأرز أيضاً. وبني يزيد – الشرقية، كفر صغير، ويزرع بها الأرز. وتنيده – بلد كبير، يزرع به الأرز. وحاجر القصر – بها كروم، ويزرع بها الأرز. بيت خلو – بها كروم ويزرع بها الأرز. وأفطمية – بها كروم ويزرع بها الأرز. وهذا البلاد تسمى الواح القبلية يسافر إليها من بر أسيوط مسيرة ستة أيام يحملون الماء والزاد ثلاثة أيام ثم يأتي المسافرون بعد ذلك إلى عين مور تحت جبل يحملون منها الماء إلى الواح. وفي "المنتية" معدن الشب الأصر والأبيض مباح. وبأرض الواح يزرع القطن وهو كسوة أهلها لم يخرج منها، وفي البلد الذي تسمى "موط" معدن الحوت، وهو الزاج، ويسمى أيضاً القلقلند، وهو من قبليها مسيرة ساعة. وكان عليه ديوان ومشد، وأرض الحوت كيمان كبار في وسط جبل. ويقال ببلاد الواحات عيون حامضة يستعملون ماءها كاستعمال الخل، ومنها عيون مرّة ومن قوة مائها لا يخالط شيئاً إلا مرّره، وإن العلة في اختلاف هذا الطعوم في المياه أن الأرضين المختلفة مثل مواضع الشب والزاج والمواضيع النارية الرمادية. وذكر الأطباء أن أعداد الطعوم ثمانية، أولها العذب والدسم والحلو والمالح والحامض والمر والقابض والحريف. وللناس في هذه أقاويل: منها العذب نوعان بارد وسخن، فالسخن إن استعمل من خارج وداخل مقيد الحاجة فإن ينقي الجسد وإن استعمل أكثر فإنه يرخي الأعضاء ويضعفها، وإن البارد يشد الأعضاء ويدفع العطش وإن الزيادة منه تخدر الجسد وتميته وإن الماء الأجاج ينفع من شدة الكبد والطحال وينفع الجراح والقروح العتيقة والحكة، والبيرقي نافع للحكة والجرب، وأما ماء القار فإنه نافع من أوجاع الصلب والعصب، وماء الحديد نافع من الاسترخاء، وماء النحاس نافع من الرطوبة والبله الكائنين في الجسد والرأس، وماء الحصبا يشنج المعدة ويقبضها ويكرشها، وماء الزاج يحسن الدم، وماء البحر نافع من البرص. وقد ذكر جماعة أنه ينفع من الأخلاط الفاسدة إذا شرب اليسير مع دهن اللوز وله في البصر أتعاب فظيعة، وأن أصح المياه للأجساد الماء الأبيض الصافي البراق الذي يخرج من جبال الطين من مشرق الشمس نحو مغربها القابل لسرعة ما يرد إليه من الحر والبرد. والكلام في هذا المعنى طويل وليس هذا موضعه. وإنما ذكرنا ذلك لاختلاف مياه بلاد الواحات. للمزيد على الموقع التالى http://egyptfolk.blogspot.com/2010_11_06_archive.html ( والى الجزء الرابع من الدراسة ان شاء الله )
ساحة النقاش