أولا : قصة الواحات المصرية
العصر المطير
قسمت الأبحاث الجيولوجية الحديثة تاريخ الصحراء الغربية المصرية فى العصور المطيرة الى عصرين ، العصر المطير الاول ( البليوسينى ) والثانى ( البلايستوسينى ) والاخير هو الاخطر بشريا وحضاريا فى مصر ، اذ انه شهد ظهور الانسان لاول مرة فى مصر ، ويتحدد زمن العصر المطير الثانى بنحو 120 الف سنة ، وقد كانت نهايته منذ حوالى عشرة آلاف سنة مضت حين بدأ عصر الجفاف والتصحر فى غرب مصر
وقد رصدت الابحاث الجيولوجية _ اثناء العصر المطير الثانى – مجموعة من البحيرات فى صحراء مصر الغربية والتى كان اهمها بحيرة بير طرفاوى التى قدرت مساحتها بخمسين الف كم2 ، ومن المعروف ان منطقة بير طرفاوى تقع جنوب الواحات الداخلة فى المسافة بينها وبين منطقة جبل العوينات ، كما تشير الابحاث الى بدء جفاف هذه البحيرة منذ حوالى عشرة آلاف سنة اى مع بداية عصر الجفاف .
وخلال العصر المطير الثانى الذى شهد التواجد الاول للانسان فى مصر، فقد عثر على ادوات حجرية فى مناطق عديدة من الصحراء الغربية المصرية ، مما يؤكد التواجد البشرى فى تجمعات واضحة على ضفاف البحيرات الكبرى القديمة فى مناطق الواحات الداخلة والخارجة وبير طرفاوى حتى منطقة جبل العوينات فى اقصى الجنوب الغربى من حدود مصر ، وتدل الادوات الحجرية التى عثر عليها مدى قدم انسان العصر الحجرى القديم فى مصر خاصة فى جنوب غرب الصحراء والتى يقدر عمرها بحوالى من 200- 180 الف سنة وفى قرية بلاط بالواحات الداخلة عثر حديثا على بئر قديمة وحولها بقايا آلات حجرية ترحع الى حوالى 150 الف سنة مضت، ايضا عثر فى بير طرفاوى جنوب الواحات الداخلة على صناعة موستيرية تعود الى 80 الف سنة
ويفسر الدكتور جمال حمدان هذين الكشفين ( باحتمال تزامن وجود انسان بير طرفاوى مع انسان بلاط ، ومن المحتمل ان يكونا قد جاءا الى الصحراء الغربية منذ 75 الف سنة ولعلهما من اصل واحد وانهما على اية حال اقدم انسان وطىء ارض مصر )" 1"
ولعل من الشواهد المادية الباقية الى الآن من ذلك العصر الحجرى فى صحراء مصر الغربية ، تلك الادوات المصنوعة من الظران وهياكل الفقاريات المتيبسة وادوات الصيد البدائية التى يضمها المتحف الجيولوجى فى مقر مشروع فوسفات ابو طرطور بالوادى الجديد والتى عثر عليها اثناء اعمال الحفر فى انفاق استخراج الفوسفات فى الهضبة الواقعة على طريق الواحات الخارجة / الداخلة
من جهة اخرى ، تلك الرسوم الغائرة ( بعمق 3 بوصة ) على الكتل الجرانيتة الضخمة فى جبل العوينات عند هضبة الجلف الكبير جنوب غرب مصر ، وهى التى يحج اليها سائحو السفارى فى رحلات وعرة وقاسية بعد اجتياز معمور الواحات الداخلة والاتجاه الى الجنوب الغربى حيث منطقة بير طرفاوى محل ميلاد الانسان الاول على ارض مصر .
عصر الجفاف
منذ حوالى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد بدأ – تدريجيا – عصر الجفاف فى القطاع الغربى من مصر الى ان سادت الظروف الصحراوية كل ارجاء هذا القطاع ، وهنا تحتم على الانسان والحيوان ، او لنقل غالبيتهم ، الهجرة مطاردون بالجفاف ، للتجمع حول الاودية النهرية التى تحسنت ظروفها من خلال صرف المستنقعات وقد احتشدت حول هذه الاودية مظاهر الحياة البشرية والحضارية الجديدة ( فى وادى النيل الحالى )
ومع الجفاف التدريجى فقد بقيت البحيرت الشاسعة وسط الصحراء الغربية لعدة مئات من السنين قبل ان تجف ، وقد ساعد على سرعة الجفاف عاملان ، الاول هو نسبة البخر التى ارتفعت مع زيادة معدل سطوع الشمس المتزامنة مع عصر الجفاف ، والثانى – وهو الاهم لدينا – هو عامل التسرب الجوفى لمياه هذه البحيرات الى باطن الارض ، ولعلنا نستطيع الادعاء بان حجم المخزون الجوفى من هذه المياه التى تسربت الى باطن ارض الصحراء الغربية كانت – بصورة مؤكدة – هى السبب الاول والاخير ولا شيىء غيره فى بقاء واستمرار الحياة فى الواحات المصرية الحالية التى تزين بقاع الصحراء الغربية رغم قسوة الطبيعة وشدة الجفاف .
الواحات .. قصة النشوء
تتوقف ابحاث علماء الجيولوجيا عن تتبع حالة الصحراء الغربية فيما بعد العصر المطير ، فانقطعت الدراسات عن الصحراء وهاجرت مع من هاجر الى صعيد وادى النيل شرقا
وكما ذكرنا فان حلول عصر الجفاف ونهاية العصر المطير قد جاء تدريجيا ، حيث بدء منذ قرابة سبعة آلاف سنة قبل الميلاد ، وحيث ان اول علامات التأريخ للعصور الفرعونية الاولى فى الواحات قد جاءت ثلاثة آلاف سنة ق.م تقريبا ، بذلك تكون هناك حوالى اربعة آلاف سنة من تاريخ هذه الصحراء يشوبها الغموض ، والغياب عن التاريخ المدون
وانطلاقا من التاريخ الموثق للعصر المطير الذى ساد هذه الارض قبل تصحرها ، وبحثا عن رؤية استنباطية ( منطقية ) لتفسير الغموض التاريخى الذى يعترى الاربعة آلاف سنة التى سبقت التاريخ الفرعونى الموثق للواحات ، مع الأخذ فى الاعتبار ان التاريخ الموثق – فى الغالب والاعم – هو تاريخ الحكام والامراء والقادة وليس تاريخ البشر بصفة عامة ... حيث عادة ما يكون التوثيق ماديا فى صورة معابد ومقابر ورسوم ونقوش جدارية تحكى تاريخ الصفوة ... اذن ماذا عن تاريخ البشر ممن عاشوا على ضفاف بحيرة بير طرفاوى قبل وبعد جفافها ؟؟
ماذا قبل؟
للمزيد تفضل بزيارتنا على الموقع التالى
http://egyptfolk.blogspot.com/2010_11_06_archive.html
( فى الحلقة القادمة ان شاء الله )
ساحة النقاش