الاحتفال بمناسبة عاشوراء فى الواحات الداخلة
( عبد الوهاب حنفى )
تحتفل المجتمعات المصرية بصفة عامة بمناسبة عاشوراء فى صور وممارسات متقاربة ، حيث تتفق جميعها فى سياق الطعام ، فهناك من الجماعات التى تطبخ ( أرز بلبن) وأخرى تطبخ ( عاشورة ) وهى تحتوى على حبوب القمح المطبوخة مع اللبن ، كما تنتشر فى مجتمعات الدلتا عادة ( التوسيع ) وهى أن تقوم الأسرة بذبح المتيسر من الطيور أو الدواجن ، وتكون هذه وجبة ( فوق العادة ) بمناسبة عاشوراء.
أما فى الواحات الداخلة – وفى منطقة موط تحديدا - فالأمر يختلف ، اذ يحتفل الناس بعاشوراء من خلال ممارسة غاية فى التميز ، فالمحتفى بهم فى هذه المناسبة هم الأطفال والشباب حتى سن ماقبل الزواج ..!!!
تبدأ المرحلة الأولى من الاحتفال قبل الموعد بقرابة الشهرين ، حيث تقوم االسيدات بالبدء فى تصنيع ( القوادس ) ومفردها قادس ، وهو عبارة عن وعاء من الخوص المضفر من خوص النخيل الأبيض ( الذى يطلق عليه قلوب النخل ) وهو أجود ماتنتجه النخيل من خوص ، من حيث المتانة واللون .وهو اسطوانى الشكل، له غطاء مثبت من الخلف ، ومن الأمام له قفل من حبل الليف ، ومن الحبل أيضا تصنع يد القادس التى تستعمل فى الحمل والتعليق .
والقادس – بصفة عامة – له العديد من الاستخدامات فى المنطقة ، فهو وعاء لطعام الفلاح ، يحمله الى حقله الذى يقضى فيه نهاره كاملا ، كما يستخدم منزليا فى المشتريات صغيرة الحجم مثل اللحوم ، والقوادس المستخدمة فى هذه الوظائف تكون دائما من تلك التى استخدمت فى احتفال عاشوراء المنقضى .
واذا كانت الأسرة تضم فى حدود خمسة من الأبناء ، فان الأم تستغرق حوالى ستة أسابيع فى صناعة هذا العدد من القوادس .
بعد ذلك تبدأ مرحلة اعداد وخبز العيش الشمسى والفطائر الخاصة بهذه المناسبة ,هى عادة ماتكون قبيل الاحتفالية بيومين ، ثم تأتى المرحلة الأخيرة من الاعداد ، فى ليلة عاشوراء ، وفيها تقوم السيدة ( الأم ) بتجهيز وطبخ الدجاج المحشو بالأرز ( بواقع واحدة لكل ابن من أبنائها ( الأولاد والبنات ) وسلق البيض ( ست بيضات للولد وأربع للبنت )
وفى فجر يوم عاشوراء تتم عملية تجهيز القادس لكل واحد منهم ، بوضع مايخصه بالاضافة الى رغيف من الخبز الشمسى ، ويحتوى القادس على :
يأتى الدجاج فى مقدمة طعام عاشوراء ، حيث يخصص ( ديك دجاج ) للولد ، بينما تخصص دجاجة للفتاة ، ويتوقف حجم الديك والدجاجة على ترتيب الولد والبنت بين أخوتهما ، ولا يستثنى من هذه القاعدة سوى أصغر الأخوة فى حال كونه ذكرا فقط ، فأنه يحصل على ديك كبير الحجم مثله فى ذلك مثل أكبر اخوته .
بعد الدجاج ، يأتى البيض ويطلق عليه محليا اسم ( الدحى ، ومفرده : دحية ) ويكون بواقع ست بيضات للولد ، وأربع للأنثى .
أما الفطائر ، فهى تتكون من فطيرتين ، الأولى محشوة بعجينة البلح ، والثانية – وهى الأهم – وتسمى ( القوز ) وهى عبارة عن فطيرة على شكل الولد أو العروسة ،وتنقش بنقوش توضح معالم الشكل ، وتستخدم فى ذلك حبات الفول السودانى بغرسها فوق عجينة الفطيرة ، لتحديد الملامح والملابس .
ويذكر هنا أن ( القوز ) هو آخر ما يوضع فى القادس لكى يغطى المحتويات ،فضلا عن أن القوز هو آخر ما يؤكل من محتويات القادس ، ويعد أكله قبل أى صنف آخر من الأفعال التى تثير التشاؤم ..!!
البعد الطبقى
ونود هنا الاشارة الى البعد الطبقى فى عنصرين من عناصر الممارسة ، وهما صناعة القادس ، ثم صناعة الفطيرة ،
فنجد اختلافا - فى صناعة القادس – من حيث درجات وأنماط الوحدات الزخرفية ، ونوع الخيوط المستخدمة وألوانها ، حيث يتجلى البعد الطبقى واضحا من خلالها ، فطبقة الأغنياء تكون قوادسها مشغولة بخيوط حريرية ، كما نلحظ فيها دقة الصناعة ، وهذا النوع المتقن الصنع تقوم عليه صانعة محترفة تصنع القادس مقابل أجر ، وهو ماتلجأ اليه الطبقة الأعلى ، وفى مقابل ذلك نجد أن طبقة العامة ، تصنع فيها الأم قوادس أولادها وفق خبرتها التى غالبا ما تكون متواضعة من حيث جودة الصناعة ، وفنية النقوش ، وتوافق الألوان المستخدمة .
أيضا ، يتجلى البعد الطبقى فى صناعة الفطائر ، وخاصة فطيرة ( القوز ) فنجد أن الأسر الميسورة تصنعها من نوع دقيق كعك الأعياد والمناسبات ، بينما تصنع الطبقة الأدنى فطائرها من دقيق الخبز الشمسى ، وهذ الفارق لاتتدخل فيه عوامل التكلفة المادية ، ولكن تحكمه القاعدة السائدة فى الواحات ، وهى أن الفطائر عموما لاتعرف طرق صناعتها سوى نساء الطبقة الميسورة فقط ..!!
الاحتفالية
قبل شروق شمس يوم عاشوراء ،يأخذ الصبية قوادسهم ، ويتجهون فى ملابس جديدة الى أقرب سقيفة مجاور ة ، ( والسقيفة هى أحد أشكال الشوارع الضيقة المسقوفة فى الواحة ) وقد تعرضنا لشرحها فى فصل العمارة التقليدية .
يقوم أكبر الأخوة فى كل عائلة بدق الخوابير الخشبية فى حائط السقيفة ، على ارتفاع حوالى المتر ونصف المتر ، وفى مستوى واحد يقوم كل الأولاد بتعليق قوادسهم ، فتشاهد حوالى 40 -50 قادس معلق على جانبى السقيفة الواحدة لأبناء كل منطقة .
بعد تعليق القوادس يجلس الأولاد على مصطبتى السقيفة المتقابلتين ، كل تحت قادسه ، فى صورة نظامية بديعة ..!!
وفى ساعة خروج الرجال والنساء الى أعمالهم اليومية صباحا ، يمرون على سقائف الواحة ، ويصافحون الأولاد والبنات ، مع ابداء الاعجا ب بجمال قوادسهم بزخارفها المختلفة .
وحينما يحل موعد الافطار تبدأ مايطلق عليها لعبة ( التطقيش ) وفيها يمسك الواحد منهم ببيضة ( ويطقشها ) فى بيضة زميله ، ومن تنكسر بيضته يخسرها لصالح منافسه ،،!
وفى هذه اللعبة تظهر المهارات الخاصة لبعض الأولاد ، مثل طريقة الامساك بالبيضة فى استقبال الضربة المنتظرة من بيضة اللاعب المنافس ، وكثيرا ما كان يلجأ بعض الصبية الى الخداع فى هذه اللعبة ، بأن يقوم باعداد شكل البيضة – تماما – من حجر أبيض اللون ) الحجر الجيرى ) يسمى( حجر الحكاك ) فلا ينكسر ، ويظل يكسب كل من يقابله فى هذه المباريات ، الى أن ينكشف أمره
بعد ممارسة هذه الألعاب ، تبدأ أول مراحل تناول الطعام ، حيث يتم أكل البيض مع الخبز وقليلا من الفطائر .
ثم بعد ذلك يتجمع البنات لممارسة لعبة ( الحجلة ) التى تسمى الأولى فى مناطق أخرى من مصر ، بينما يقوم الأولاد بممارسة ألعابهم مثل لعبة ( الميح ) وهى من أشهر ألعاب الواحات الداخلة
وعند الظهيرة ، يفتح كل واحد قادسه ويجلس على المصطبة ليأكل الدجاج ، ومن الأطفال من يفضل العودة الى البيت للأكل ، وهو مايتبعه – غالبا – أبناء الطبقة الأعلى
للمزيد راجع موقعنا ( عيون المشربية ) على العنوان التالى
ساحة النقاش