صادق الطريحي

بيت صغير للتواصل الثقافي والاجتماعي ، كل العالم هو صديقي ، مرحبا بكم

<!--

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} </style> <![endif]-->

                             الشعر والفكر عند العرب

من أواسط القرن الثاني حتى أوائل القرن السادس

صادق الطريحي

    يكاد أن يجمع الباحثون على أن الشعر بدأ قبل الفلسفة في النظر إلى العالم ، وذلك لما للشعر من قدرة في التعبير عن الخوف والأمل والرغبة عن طريق الايقاع والمجاز والخيال ، وما يؤدي ذلك من تدفق العاطفة التي يحتاجها الانسان أكثر مما يحتاج إلى البرهان والقياس ، وعلى الرغم من أن اهتمامات الشعر والفلسفة هي واحدة دائما ، وهي مشكلة الانسان وما قبل الانسان وما بعده ، إلا أنهما افترقا حين اكتفى الشعر بالاشارة إلى المشكلة إيحائيا ، وحاولت الفلسفة أن تقدم تفسيرات وحلولا لهذه المشكلة ، غير أنهما اصطدما بخصم قوي ، هو الدين بوصفه سلطة ، وما زالت مظاهر هذا الصراع ماثلة حتى اليوم ، وما اتهام قريش للرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام بأنه شاعر ، واصرار القرآن الكريم على أنه لا ينبغي له أن يكون شاعرا ، إلا أحد مظاهر هذا الصراع. وحتى وقت قريب لم يستطع الشاعر محمد سعيد الحبوبي أن يدخل في سلك الفقهاء إلا بعد ان أقسم على عدم قول الشعر، ويحدثنا الشهيد حسين مروة ، أن بعض الطلبة الذين معه قد أفشوا سره إلى استاذهم ، لأنه كان يكتب الشعر ، وكانت هذه الحادثة أحد أسباب تركه الدراسة في النجف ، بل إن السيد محمد باقر الصدر قد عانى الأمرين ـ على ما ينقل البعض ـ في المدرسة النجفية ، وذلك لاشتغاله بالفلسفة ، وهي علم لا يرتقي لمستوى علمي الفقه والاصول . وعلى رغم هذه الخصومة المشتركة ، إلا أن الشعر والفلسفة لم يكونا على وفاق دائما ، فليس كل من حاول أن يكون شاعرا مفكرا قد نجح.

    ومن أجل معرفة أكثر عن هذه العلاقة ، اخترنا كتاب الأستاذ الدكتور سعيد عدنان (الشعر والفكر عند العرب) الذي ناقش هذه المسألة في اطروحته للدكتوراه ، وقد أشرف عليها استاذ الجيل علي جواد الطاهر.   

    يبدأ الكتاب في اصول العلاقة بين الشعر والفكر ، راجعا إلى جذري الكلمتين ليتضح التقارب في اصولهما ، ثم يتوصل إلى أن الشعراء هم قادة الفكر في الأمم القديمة ، ولم يكن التمييز بين الحقيقة الشعرية والحقيقة الموضوعية قائما حينها ، لأن الفكر كان ذائبا في النصوص التي تمثلت في الاسطورة . وعندما نصل إلى عصر اليونان نجد أن الأمر قد تغير، فبعد أن يعرض لآراء افلاطون وارسطو ، واختلافهما حول تفسير معنى المحاكاة ، يصل إلى أن الشعر شيء آخر غير الفكر الذي اتخذ من صياغة المفهومات المحددة أداة في الأعراب عن نفسه. ثم يعرض الكتاب إلى ملامح الفكر العقلي عند العرب المسلمين ، وما أحدثه الدين الاسلامي من تمجيد للعقل والاستدلال ، وقد جعل النص القرآني كمقدمة لاستنباط النتائج الأخرى ، وعرض كذلك للتأثيرات اليونانية والسريانية والمسيحية في العقل المسلم ، ليصل إلى أن المجتمع المتحرك ، الكثير الخطوب ، هو المجتمع الزاخر بالفكر وطرائقه ، على العكس من المجتمع الساكن الذي لا ينتج الفكر، بحيث أصبحت النزعة العقلية من سمات العصر التي لا يمكن لأحد أن ينأى عنها.

   وعندما تلمس ملامح العلاقة بين الشعر والفكر قبل منتصف القرن الثاني للهجرة ، رآى أن لكل شاعر كبير في الجاهلية موقفا من الانسان في حياته وموته ، لكنه موقف خفي ، لم يقدر له أن يصاغ صياغة نظرية ، أما في العصر الإسلامي فقد غلبت روح المحاجة والمجادلة ، وبسط الآراء ، بحيث اقترب الشعر من الخطابة مبتعدا عن نهج الغناء الذي كان في أصل الشعر العربي .

    وما إن يصل إلى منتصف القرن الثاني الهجري ، وهو موضوع الكتاب حتى يقرر أن نصيب العصر من الشك والمجون كان وافرا ، وأن نصيبه من التفاوت الاجتماعي كان كبيرا ، وكل ذلك ما يرهف الشعراء ، ويجعلهم يحسون إزاء هذه المشكلات بشعر وافر ومتباين ، فبشار بن برد مثلا ، حينما نظر في العالم لم يتبد له إلا الجبر، واستطاع أن يعبر عن هذه الفكرة فنيا عندما مزج المشكلة مع نفسه ، ولونها بمشاعره ، ليعرب بها عن ذاته وهذا فرق بين شاعر، الفكر من نسيج شعره ، ومفكر يرى الحقائق مجردة.

   وكانت مشكلة الزمن ، وحتميته القاهرة فيما يخلف من فناء واضمحلال ، هي المشكلة التي عالجها أبو نواس في شعره ، إذ استطاع أن يمضي في الحداثة قدما ، ولم يكن يريد أن يخرج بالقصيدة من إطارها اللغوي القديم فحسب ، بل كانت الحداثة عنده : موقف يقفه الشاعر من الطبيعة والإنسان ... عبر صياغة لغوية حديثة ، وقد جعل من شعره صوتا للمدينة.

    وعندما نصل إلى أبي تمام ، نجد أن الثقافة العقلية قد تغلغلت في مختلف البيئات ، حتى استطاع أبو تمام أن يتصور أن الحياة نسيج من الأضداد ، تمضي من خلال ائتلافها وافتراقها ، وكان له أن ينعكس هذه الأفكار في شعره من خلال الطباق ، والغريب من الاستعارات ، والتشخيص ، الأمر الذي أثار عليه ناقدوه وخصومه بقوة ، دون أن يدركوا أن هذا الفن لم يكن مقصودا لذاته.

    أما ابن الرومي ، بما انطوى عليه من خوف وتوجس وحذر ويأس ، فقد استطاع أن يدخل الحداثة في شعره من خلال تقصي المعنى ، والعناية في تفصيلاته ، حتى طالت قصائده كطول هذه الحياة التي لا يمكن أن تنتهي.

    أما أبو الطيب المتنبي ، الشاعر الغريب ، الذي لم يأتلف مع ما يحيط به ، وقد قعد الزمان عن نصرته ، فأخذ في مساءلته ، ورميه بشتى النصال ، كان قد توصل إلى أن الانسان جبل على الظلم ، واهتضام الحقوق ، وحري بالناس أن يرتقوا على ما فيهم من نوازع الشر ، وهو إذ يعرب عن شجنه ، فقد أخفى الباعث المباشر الذي حرك نفسه إلى هذا الضرب من التأمل ، ولا ريب في أن إخفاء الباعث أدخل في الفن .

    وعندما نصل إلى الشريف الرضي ، نجد أنه بعيد كل البعد عن مناحي الفكر في شعره ، وهو الذي عاش في بيئة تضج بالخلافات العقلية والفكرية ، ويقدم الدكتور سعيد عدنان تعليلا لهذا الأمر، فالشريف الرضي كان يتحرك في إطار محكم من العقيدة ، وقد اطمأن إلى يقين الإجابات ، مبتعدا عن حرارة الأسئلة ، ووسوسة الشكوك . وأسئلة الفكر لا تتخلق إلا في قدر رحيب من الحرية كما هو معلوم.

    وقبل أن يتعرض لخفوت جذوة الابداع منذ القرن الخامس ، يعرض لأبي العلاء المعري ، ليرى أنه كان يؤلف بين الأضداد على نحو رفيع ، وكان مما يفجر الشعر لديه الصراع بين نوازع الحياة ، وما أخذ به نفسه من نهج الكبت.

    وعندما  درس منافذ الفكر إلى عملية الخلق الشعري ، توصل إلى أن العرب كلما أوغلوا في الحضارة ، وأصبح لديهم كيانات وأنظمة للفكر، أخذ البناء الفكري يؤثر في الشعر ، وجعل الشعراء يمارسونه ليقربهم من روح العصر، وقد وفق الكبار منهم فقط ، لأن أنظمة الفكر تورث البرود في الشعر ، إلا إذا أسبغ عليها الشاعر من روحه.

    وفي الفصل الذي درس فيه موقف النقد من نفاذ الفكر إلى الشعر ، توصل المؤلف ، إلى أن من كان من النقاد ذا منزع شعري قديم ، مال إلى ان يبقى الشعر غناء وشدوا ، لا مكان للفكر فيه. ومن كان على زاد من الفلسفة والكلام ، فانه مال إلى الشعر الذي يؤثر الفكر في ثناياه.

    جاء الكتاب مركزا ، شديد التركيز، لأن المؤلف من النابغين في فصاحة الايجاز البليغ ، كما يقول شيخنا الطاهر، علي جواد. والحق انه التزم خطة الكتاب ، ليترك المجال لغيره من الباحثين لتناول هذا الموضوع  في العصر الحديث مثلا ،  أو عقد مقارنة  في هذه القضية بين الأدب العربي والآداب الغربية. أو المقارنة الفنية بين مرحلتين في الشعر العربي .كتاب جدير بالمناقشة والدرس.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 742 مشاهدة
نشرت فى 1 سبتمبر 2012 بواسطة sadiqaltryhe

ساحة النقاش

sadiqaltryhe

sadiqaltryhe
موقع لمشاركة المعلومات مع الآخرين، ولعرض بعض الأخبار للتواصل مع صادق الطريحي [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

9,590