فراس حج محمد
لا تحيةَ أو سلام، ولستم بحاجةِ (أمّا بعد)
أمّا وقد غرقتم في وحول من الطين، مُكْرِهين القيم على ألا تكون إلا رمادا، وحولتم الناس إلى شياطين صغيرة وكبيرة، يلعن بعضهم بعضا، كما يلعنونكم زرافاتٍ ووحدانا، ذكورا وإناثا، بكرة وأصيلا؛ جرّاء ما اقترفت أياديكم المطلخة بعرق الكادحين ودماء أبناء الفقراء والمساكين، فقلبتم سلّم القيم، وأفرغتم البلد من حضارتها ونقائها وشوهتم جمال طلعةِ شمسِ صباحِها، ولطختم تربة ياسمينها بقيح أطماعكم الصبيانية الشريرة غير المتناهية!
أيها المفسدون؛
لعلكم تدّعون حب الوطن، إنها خدعتكم التي لم تعد تنطلي على ابن الخامسة، فهل ستنطلي على ابن الخمسين؟! إنكم لا تعشقون التراب إلا بقدر ما يستوعب تفاهاتكم الماجنة، تتعاملون مع البلد كما يتعامل زناة الليل والنهار مع عاهرة مرخصة، تطؤونها ما دامت ذاتَ حليبِ صدرٍ، فتمصونها، وتتركونها عارية دون احترام، كما يحترم زناة الليل بنات ليلهم!
ليس لكم شرف الانتماء للفكرة العظيمة المتجلية في الصخرة والتراب والبحر والشجرة، إنكم سارقو قوت الأطفال ولباس الفقراء، إنكم عبء القضية وموتها وانسداد أفقها، فكراسيكم المتشبثة بمؤخراتكم العفنة لن تفلح في أن تَرُدّ عنكم لعنة الأجيال القادمة، وقد أهدرتم حقها، وأضعتم مقدَّراتها، وجعلتم البلاد والعباد لقمة سائغة للأغوال والمتغولين القذرين، واستبحتم كل ما استطعتم إليه سبيلا، وعاهدتم الشيطان أن تهدروا كرامة كل حيّ في هذا البلد المستضعف أهلُه والمغلوب على أمره، والمضروب على أم رأسه!
أيها الفاسدون الفاحشون؛
لعلكم لم تقرأوا ما قاله الشاعر البصير:
في أيدينا بقية من بلادٍ فاستريحوا كي لا تضيع البقيةْ!
فها هي البقية الباقية من قطعة الغيم المسافرة قد تلاشت أو كادت، فيا ليت أن منكم رجلا رشيدا هاديا مهديا يعود لصوابه البريء، فيعرف الحق فيلتزم به، أو يقول كلمة ترفع من شأن إنسانيته المتآكلة، فيرممها ويعيد بناءها، أم أن السماء أطبقت على الأرض ، فصارت غوغاء قاحلة، تموج بشرِّها، فقد بلغ السيل الزبى، أيها الزبانية، ألا كفوا، ألا اكتفوا، أما آن لكم أن تشبعوا!
أعرف أيها الفاسدون أنكم ستضحكون وأنتم تقرأون، وسيتناسب ضحككم طرديا ومقدار فساد جوارحكم وقلوبكم ونياتكم، وربما لعنني أحدكم في سره، أو بحركة لا إرادية، مفتعلا التبول اللا إرادي على نفسه من شدة الغيظ وهو كظيم، مضمرا لي شرا مستطيرا باذخا في السوء كنفسه السوداء... ولكن، لا بأس فإنها لم تكن لتقف عليّ وحدي في هذا البلاد المتآكل الأطراف حتى الخاصرة والقلب وممصوص الدم، فكلنا تحت سنابك فسادكم سواء.
أيها الفاسدون المفسدون المُفْتِنون المفتونون،
لا ترحموا أحدا، ولكن ارحموا أنفسكم ولتستبقوا على إنسانيتكم، إن كنتم إلى الآن تدركون أن للإنسانية معنى يمكن أن يتشبث بما تبقى لكم ولنا ولهذا البلد الممغوص، المترع بدنان خطاياكم!
وأخيرا: تذكروا، وإن كانت الذكرى لا تنفع أمثالكم، أن هذه الرسالة لا تُغْضِب إلا الفاسدين، وما كان في بطنه عظام لا يستطيع المنام، ومن كانت على رأسه بطحة، فهو الآن سيحسس عليها، منتقما من الأثير الذي حمل له مثل هذه الوخزة الجائرة!