<!--<!--<!--<!--

بسم الله الرحمن الرحيم:

 

الحداثة في النقد الأدبي: تعريفًا وتصنيفًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[المحاضرة الأولى لطلاب الفرقة الثانية بكلية الدراسات العليا، في تخصص الأدب والنقد، في مقرر (النقد الأدبي الحديث)]

إعداد الدكتور/صبري فوزي أبوحسين

أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد في كلية اللغة العربية بالزقازيق

محاضرة اليوم عن الحداثة(modernism) في النقد الأدبي: مفهومًا وأصنافًا، وتاريخا، والموقف منها، ومناهج نقد الحداثة، وخصائص الحداثة، على النحو التالي:

أولا: مدخل تمهيدي

ثانيًا: مفهوم الحداثة لغويًّا

ثالثًا:مفهوم الحداثة اصطلاحيًّا

رابعًا: تاريخ الحداثة الأدبية

خامسًا: تاريخ الحداثة في النقد الأدبي

سادسًا: تصنيف الحداثة

سابعًا: مناهج نقد الحداثة

أولا: مدخل تمهيدي:

مر النقد الأدبي الحديث في حضارتنا العربية بطورين اثنين: طور النقد الأدبي الكلاسيكي (التقليدي)، وطور النقد الأدبي الرومانتيكي (التجديدي)، وحدث بعدهما ما يعرف بمرحلة الحداثة(modernism) ثم ما بعدها، وهو في ذلك التطور متابع لحركة النقد الأدبي العالمي، وبيان ذلك على النحو التالي:

يقصد بمصطلح النقد الأدبي في العصر الحديث: " الاستعمال المنظم للتقنيات غير الأدبية ولضروب المعرفة غير الأدبية أيضًا، في سبيل الحصول على بصيرة نافذة في الأدب "... حتى يفضي إلى دراسة دقيقة للنص، تشبه تحليل الأشياء تحت المجهر.وسر هذا التعريف السابق منطو في كلمة " منظم "، ذلك لأن أكثر هذه التقنيات والنظم لم يكن مجهولاً في النقد القديم ولكنه كان يستعمل بطريقة عفوية عارضة، ولم تكن العلوم المؤثرة في النقد قد تطورت تطورًا كافيًا لتستعمل منهجيًّا، ولا كانت زاخرة بالمعرفة لتسدي له يدًا جليلة!

فالنقد الأدبي الذي كتب في هذا العصر، مختلف من حيث النوع عن أي نقد سبقه. وسواء أسميناه "نقدًا جديدًا"، أو " نقدًا حديثًا"، كما سماه كثيرون أو " نقدًا عمليًّا " أو " نقدًا عاملاً، فإن صلته الوحيدة بالنقد العظيم في العصور الماضية لا تعدو الصلة بين الخالف والسالف. فليس القائمون به أشد ألمعية أو أكثر تنبها للأدب من أسلافهم؛ بل إنهم، في الحق، لا يتطاولون في هاتين الناحيتين إلى عمالقة النقد القديم يونانيًّا وعربيًّا .

وقد ذهب الناقد الإنجليزي جون كرو رانسوم- الذي كان له أثر كبير في ترويج اصطلاح " النقد الجديد " لكتاب ألفه بهذا الاسم – إلى أن الفرق في النوع بينه وبين النقد القديم،قائم على أساس الدراسة المستقصية الحديثة لخصائص المبنى الشعري، كما ذهب إلى أن عصرنا هذا يتميز تميزا غير عادي في النقد، وأن الكتابات النقدية المعاصرة، من حيث عمقها ودقتها، قد فاقت جميع النقد القديم. وهذا كلام لا يعتوره الشك، ولكنا لا نستطيع أن نتملق أنفسنا، فندعي أن تفوقنا إنما هو في سعة باع نقادنا إذا قايسناهم بأسلافهم؛ كلا، بل من الواضح أن هذا التفوق إنما يكمن في الأساليب والمناهج... ففي متناول النقد الحديث ضروب من المعرفة عن السلوك الإنساني، وفي جعبته تقنيات جديدة مثمرة، فإذا أمكن تركيز بعض هذا كله، وأمكن توحيد أعمال عدد من النقاد، وبعث الانسجام فيما هو لامع مبدد منها؛ لأنها تجيء أحيانا متأرجحة أو ناقصة ! إذا أمكن ذلك كله اتسعت في مستقبل النقد دروبه ومناظره وانطلقت دراسات أدبية تحليلية جدية من نوع يميز عصرنا.

 ولكن حتى حين ينزع الناقد الحديث ليتخصص في أحد هذه العناصر النقدية الموروثة فإنه يضع إلى جانبها عناصر أخرى غير موروثة، أو يجريها معدلة تعديلًا عميقًا بما أحرزه تطور العقل الحديث من مميزات وخصائص، فيدخل في متاهات ويدخل متلقيه فيها([1]).

كان من آثار النهضة الحديثة في مصر والشرق العربي أن سلك دارسو الأدب العربي نفس المسالك التي انتهجها الغربيون في دراسة آدابهم وأن يخضعوه لبعض الطرق العلمية التي خضعت لها الآداب الأجنبية منذ القرن الثامن عشر إلى الآن. فأثمر ذلك عن جملة مدارس نقدية، هي:

 * المدرسة الكلاسيكية المحافظة الإحيائية

 ويمثلها الشيخ حسين المرصفي، والشيخ سيد بن علي المرصفي، والأستاذ أحمد فارس الشدياق، والشيخ محمد عبده، وغيرهم...

 * المدرسة التجديدية المستوردة:

حاول الدكتور محمود أمين العالم-الناقد الاشتراكي الواقعي المعروف- أن يحصر لنا اتجاهات المثاقفة مع هذه المناهج النقدية الوافدة المستوردة في أربع مدارس تجمع عددًا من المناهج المختلفة في طرائق الإجراء المتفقة في جذورها الفلسفية، هي :

1 - المدرسة الوجدانية التي تضم النظرية الرومانتيكية كما في ممارسات مدرسة الديوان، ومدرسة أبولو، وجهود جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وتطبيقات المنهج النفسي عند أحمد محمد خلف الله، والنويهي، والخولي، ومصطفى سويف، ويحيى الرخاوي .

2 - مدرسة الذوق الفني كما تجلّت في نقد طه حسين الذي بدأه تقليدياً ثم متأثراً بمناهج الحتمية العلمية التاريخي عند هيبولت تين، ثم الجمع بين منهج البحث العلمي والتذوق الفني بعد ذلك وكما نجد لدى محمد مندور - في نظراته النقدية

3 - اِلمدرسة النقدية الجدلية : التي تتخذ من مفهوم الانعكاس أساساً في فحص العمل الأدبي، كما في كتابات: حفني ناصف، وسلامة موسى، ومجلة الطليعة السورية، وعمر فاخوري، ومفيد الشوباشي، ورئيف خوري. ثم مجلة الثقافة الجديدة، وحسين مروّه، والشرقاوي، والخميسي، ولويس عوض، ومحمد دكروب، وصلاح حافظ، وعبد العظيم أنيس، ومحمود العالم، وعبد المحسن طه بدر، وغالي شكري ... الخ ثم في أتباع البنيوية التكوينية عند( غولدمان ) أمثال : جابر عصفور، ومحمد بنّيس، ومحمد برادة، وأتباع باختين أمثال : يُمنى العيد، وسيد البحراوي، وأمينة رشيد .

4 - المدرسة النقديّة الوضعيّة والبنيويّة كما في كتابات أدونيس، وصلاح فضل، وفريال غزول، وسيزا قاسم، وخالدة سعيد، وكمال أبو ديب، وعبد الفتاح كليطو، والغذامي، وعبد الكريم الخطيبي([2])...وعلى الرغم من سعي بعض النقاد إلى تطوير رؤية أصيلة للنقد، كما نجد لدى شكري عياد، فقد ظل التيار المهيمن معتمدًا على تيارات النقد الغربي كما نجد في التيارات الشكلانية والماركسية والبنيوية والنفسية وغيرها التي تتضح في أعمال نقاد مثل محمود أمين العالم وعز الدين إسماعيل ومحمد برادة وعبدالعزيز المقالح، وصلاح فضل، وجابر عصفور، وعبدالملك مرتاض،... وغيرهم.

النقد الغربي:

 التيارات النقدية الغربية المشار إليها هنا تركت أثرًا بعيدًا في تطور النقد الحديث في مختلف الثقافات التي احتكت بها وبحكم الهيمنة الحضارية الغربية على العالم المعاصر. غير أن تلك التيارات تعود بدورها إلى جذور متعددة أبرزها الجذور اليونانية/ الرومانية المعروفة بالكلاسيكية. فقد بدأ النقد الأوروبي متفاعلاً مع المقولات الأفلاطونية والأرسطية وغيرها ثم تطور حسب تطور الثقافة الأوروبية ومستجدات الإبداع الأدبي. فظهر الصراع بين القديم والجديد في فترة مبكرة ثم هيمن النموذج الكلاسيكي على القرن الثامن عشر الميلادي إلى أن جاء النقد الرومانسي عند الألمانيين جوته وشليجل، والإنجليزي كوليردج وهازلت وغيرهم ليحل محل ماسبقه، وليمهد لنقد القرن التاسع عشر في عدد من البلدان الأوروبية، كما نجد لدى ماثيو آرنولد في إنجلترا الذي أكد على أهمية العلاقة بين الفن والمجتمع وسانت بوف في فرنسا الذي ركز على السيرة الذاتية.

أما في القرن العشرين الميلادي فقد تشعبت اتجاهات النقد الأدبي بين الشكلانية التي هيمنت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن عند الشكلانيين الروس في روسيا وبعض دول أوروبا الشرقية كما عند شكلوفسكي، والماركسية التي تطورت على يد نقاد مثل الهنغاري لوكاتش والروماني لوسيانجولدمان، والنفسية التي أفادت من تنظيرات فرويد ويونج، إلى غير ذلك من تطورات عرف بها نقاد مثل تي إس إليوتوآي أي رتشاردز في الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وميخائيل باختين في روسيا ونورثروب فراي في كندا ورولان بارت في فرنسا. وقد لعب علم اللغة الحديث كما طوره السويسري فرديناند دي سوسير دورًا مهمًا في التأثير على الشكلانية والبنيوية. وفي الثمانينيات والتسعينيات هيمنت تيارات عرفت بتيارات "ما بعد البنيوية" مثل النقد النسوي والتقويضي (التفكيكي) وما بعد الاستقلالي والتاريخاني الحديث([3]).

ثانيًا: مفهوم الحداثة لغويًّا:

 هي مصدر الفعل (حدث)، جاء في المعاجم: "حدَثَ حُدوثاً وحَداثَةً: نَقيضُ قَدُمَ، وتُضَمُّ دالُه إذا ذُكِرَ مع قَدُمَ.وحِدْثانُ الأَمْرِ، بالكسر: أوَّلُهُ وابْتِداؤُه، كحَداثَتِهِ،والحدثان من الدَّهْرِ: نُوَبُهُ، كحوادِثِهِ وأحْداثِهِ.والأَحْداثُ: أمْطارُ أوَّلِ السَّنَةِ.ورجُلٌ حَدَثُ السِّنِّ وحَديثُها: بَيِّنُ الحَداثَةِ والحُدوثَةِ، فَتِيُّ. والحَديثُ: الجديدُ، يقال: هو حديث العهد بكذا أي قريب عهد به والحديث: الخَبَرُ، كالحِدِّيثى، ج: أحاديثُ، شاذٌّ، وحِدْثانٌ، ويُضَمُّ،ورجُلٌ حَدُثٌ وحَدِثٌ وحِدْثٌ وحِدِّيثٌ: كثيرهُ.والحَدَثُ، مُحَرَّكَةً: الإِبْداءُ، و(المُحدِث): المجدِّد في العلم والفن ([4])" .

فلفظة (الحداثة) لفظة عربية، تدور حول معاني: سن الشباب، وأول الشيء وابتدائه، يقال: أخذ الأمر بحداثته أي بأوله وإبتدائه. والمُحْدَثون: المتأخرون من العلماء والأدباء، وهم خلاف المتقدمين .. وهذا التعريف صادر ممن تبع طريقة اللغويين كأبي عمرو بن العلاء ومن سار سيره ممن يهتمون بالإبداع القديم لحاجتهم إليه في التفسير والشرح للنصوص القرآنية والنبوية، وحاجتهم إليه في التقعيد النحو والصرفي واللغوي والبلاغي!

ويدور الجذر اللغوي(ح/د/ث) حول دلالة كلية حددها ابن فارس في معجمه مقاييس اللغة، بقوله: "الحاء والدال والثاء: أصل واحد وهو كون الشيء لم يكن .. على عكس قدُم الشيء يقدُم قِدْمًا وقَدامةً، أي: مضى على وجوده زمن طويل فهو عتيق. وواضح مدى حضور الزمن وهيمنته على هذه الدلالة الكلية. وهذا ما يقرره دعاة الحداثة من أن "مفهوم الزمن وعلاقة الإنسان بالزمن يأخذ أهمية مركزية بين أطياف مفهوم الحداثة. فالإنسان في الحداثة يصنع زمنه ويرسم ملامح مصيره بإرادته. فالزمن في الحداثة لا يأخذ صورة دورات متكررة صائرة إلى بداياتها. إنه لحظات متقطعة متنافرة متقدمة، إنه صولة الإنسان وتجسيد لإرادته الخلاقة. والإنسان في هذا التصور يصنع تاريخه ويهندس لحظات وجوده تحددا وابتكارا وإبداعا. وفي أصل هذا التصور للزمن بوصفه حركة إنسانية واعية تجلت فكرة التقدم الإنساني وفكرة المصير الذي تقرره إرادة البشر. إنها الحرية التي تتمثل في الخروج عن وصاية الزمن، إنها الإرادة التي تنتزع نفسها من قبضة الحتمية المتمثلة في دائرة الزمن".

الاشتقاق الأوربي لكلمة الحداثة:

 كلمة الحداثة في أصلها الاوربي مشتقة من لفظة (modern)، ويفرق الدكتور خضر عريف في كتابه (الحداثة مناقشة هادئة لقضية ساخنة بين مصطلح الحداثة والتجديد والمعاصرة) فيقول : " والذي يدفع إلى ذلك الظن الخاطئ هو الخلط بين مصطلح الحداثة (modernism)، والمعاصرة (modernity)، والتحديثmodernization)) وجميع تلك المصطلحات كثيرًا ما تترجم إلى " الحداثة " على الرغم من اختلافها شكلا ومضمونا وفلسفة وممارسة . والواقع أن الاتجاه الفكري السليم يتفق مع التحديث، ولكنه لا يتفق مع الحداثة . وإن يكن مصطلحا modernity و modernization يمكن الجمع بينهما ليعنيا المعاصرة أو التجديد، فإن مصطلح modernism يختلف عنهما تماما . إذ ينبغي أن نفرق بين مصطلحين أجنبيين، من المؤسف أن كليهما يترجم ترجمة واحدة وهي ( الحداثة، والتحديث).

 أما المصطلح الأول فهو : modernity الذي يعني إحداث تجديد وتغيير في المفاهيم السائدة المتراكمة عبر الأجيال نتيجة وجود تغيير اجتماعي أو فكري أحدثه اختلاف الزمن .

أما الاصطلاح الثاني فهو modernism ويعني مذهبا أدبيا، بل نظريه فكرية لا تستهدف الحركة الإبداعية وحدها، بل تدعو إلى التمرد على الواقع بكل جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية . . . وهو المصطلح الذي انتقل إلى أدبنا العربي الحديث، وليس مصطلح modernity الذي يحسن أن نسميه المعاصرة؛ لأنه يعني التجديد بوجه عام دون الارتباط بنظرية ترتبط بمفاهيم وفلسفات متداخلة متشابكة([5]) .

ثالثًا: مفهوم الحداثة اصطلاحيًّا:

يأخذ مفهوم الحداثة (modernism) مكانه اليوم في حقل المفاهيم الغامضة، إن يكن من المفاهيم المبهمة. وإذا كان هذا المفهوم يعاني من غموض كبير في بنية الفكر الغربي الذي أنجبه، فإن هذا الغموض يشتد في دائرة ثقافتنا العربية ويأخذ مداه ليطرح نفسه إشكالية فكرية مهمة تتطلب بذل مزيد من الجهود العلمية لتحديد مضامينه وتركيباته وحدوده. يراها الأستاذ عبدالله العروي من ألغز المفاهيم، مرحلة سؤال يحتوي كل سًلسة المفاهيم!

وبعيدًا عن التوظيفات الساذجة والشائعة لمفهوم الحداثة، التي تختزله إلى صيرورته الزمنية الراهنة، حيث يجري الحديث عن الزمن الحاضر، أو المرحلة الراهنة، أو العصر الحديث، أو المجتمع المعاصر، يمكن القول بأن الحداثة هي غير بعدها الزمني.

وفي وصف طابع هذه الإشكالية يقول محمد محفوظ: "يبدو أن مصطلح الحداثة وكأنه نص مفتوح على كل مضامين التقدم المعاصر، بحيث أنك لا تفرق بشكل صارم بين مضمون مصطلح الحداثة وبين مضامين مفاهيم التحديث والتقدم والعصرية أو الجديد. ويمتد التداخل ليشمل المعايير والقيم وأنماط السلوك واللباس وطراز السكن أي كل مناحي الحياة في آخر المطاف([6])!

وقد وجدت تعاريف عدة لمصطلح الحداثة(modernism)/ ((La modernité، وقد تنوعت مجالات استخدام المصطلح في الفلسفة والاجتماع والتاريخ؛ فقد استقطب مفهوم الحداثة اهتمام الأدباء والفلاسفة وعلماء الاجتماع، منذ عصر النهضة حتى اليوم، واحتل مكانه المميز في الأنساق الفكرية الكلاسيكية عند كارل ماركس K.Marx، وإميل دوركهايم E.Durkheim، وماكس فيبر M.Weber، واستطاع لاحقا أن يأخذ مركز الأهمية في أعمال المحدثين،...

 ويهمنا أن نقف مع بعض التعاريف الاصطلاحية لنخلص منها إلى تعريف نرتضيه!

* الحداثة وتعرف باللغة الإنجليزية باسم (modernism)، وهي الشيء الجديد، والذي يعطي صورة معاكسة عن الشيء القديم، وتعرف أيضاً بأنها: الانتقال من حالة قديمة إلى حالة جديدة، تشمل وجود تغيير ما. إنها مفهوم فلسفي مركب قوامه سعي لا ينقطع للكشف عن ماهية الوجود، وبحث لا يتوقف أبدا عن إجابات تغطي مسألة القلق الوجودي وإشكاليات العصر التي تثقل على الوجود الإنساني.

* تعرّف الحداثة –تاريخيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا-على أنّها فترة تاريخية وفنية امتدت منذ عام 1865م حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وتزامنت مع تقدم الصناعة والتكنولوجيا، بِحيث ظهرت كاستجابة لِلتقاليد والمعتقدات والأفكار الموروثة التي عرضها المفكرون العظماء؛ مثل: عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد، والفيلسوف الألماني كارل ماركس، والفيلسوف الألماني فريدرك نيتشه، والعالم البريطاني تشارلز داروين، وبهذا أُعيد النظر في معتقدات قديمة سائدة لِمحاولة تغييرها، لذا فإنّ الحداثة تتبنى أفكاراً، ومعتقدات، وعادات الغرب الجديدة، كما أنّها ترتكز على العلم، والمنطق، والديمقراطية.

ويرى ناصيف نصار في مجال التمييز بين الحداثة والتقليد "أن الحداثة هي المفهوم الدال على التجديد والنشاط الإبداعي، فحيث نجد إبداعا نجد عملا حداثيا، وبهذا المعنى فإن الحداثة ظاهرة تاريخية إنسانية عامة نجدها في مختلف الثقافات. وتتحدد الحداثة في هذا المعنى بعلاقتها التناقضية مع ما يسمى بالتقليد أو التراث أو الماضي، فالحداثة هي حالة خروج من التقاليد وحالة تجديد".

وغالبا ما يرسم الباحثون في ميدان العلوم الإنسانية حدودا فاصلة بين مفهومي الحداثة والتحديث. حيث يرون أن مفهوم: الحداثة (modernism) يتمايز عن مفهوم التحديث Modernization في اللغتين الفرنسية والإنكليزية. فالحداثة هي موقف عقلي تجاه مسألة المعرفة وإزاء المناهج التي يستخدمها العقل في التوصل إلى معرفة ملموسة.

 أما التحديث Modernization فهو عملية استجلاب التقنية والمخترعات الحديثة حيث توظف هذه التقنيات في الحياة الاجتماعية دون إحداث أي تغيير عقلي أو ذهني للإنسان من الكون والعالم. ويرتكز المفكرون عادة في تعريف الحداثة إلى فكرتين أساسيتين هما: فكرة الثورة ضد التقليد، وفكرة مركزية العقل([7]).

وتعرف عند الأدباء والنقاد تعريفات عدة، منها:

 ينقل لنا الدكتور محمد هدارة مقولة سادن الحداثة الأول وكاهنها في عالمنا العربي: على أحمد سعيد الملقب بأودنيس وهو من رواد الحداثة العربية ومفكريها رابطا بينها وبين الحرية الماسونية : " إن الإنسان حين يحرق المحرم يتساوى بالله " . ثم يتنامى المفهوم الماسوني لكلمة الحرية إلى صيغته التطبيقية الكاملة في قوله " : إن التساوي بالله يقود إلى نفيه وقتله، فهذا التساوي يتضمن رفض العالم كما هو، أو كما نظمه الله ن والرفض هنا يقف عند حدود هدمه، ولا يتجاوزها إلى إعادة بنائه، ومن هنا كان بناء عالم جديد يقتضي قتل الله نفسه مبدأ العالم
القديم، وبتعبير آخر لا يمكن الارتفاع إلى مستوى الله إلا بأن يهدم صورة العالم الراهن وقتل الله نفسه([8]) " . ولا يخفى ما في هذا التعريف من شطط عقدي وفكري، وصدمة للعقل العربي المسلم، كان أحد أسباب الموقف السلبي الانتقاصي للحداثة إبداعًا ونقدًا!

ويعرفها الدكتور أحمد مختار عمر تعريفًا علميا محددًا، بأنها

المصدر: كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر بالقاهرة، الفرقة الثانية من تمهيدي مرحلة الماجستير، تخصص الأدب والنقد.

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3819 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

295,715