مواجهة الوباء والطاعون في الحديث النبوي الشريف

أ.د/صبري فوزي أبوحسين

أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات

لا ريب في أن هذا الداء "كورونا/كوفيد-19" وباء عمَّ، بلغت أعداد ضحاياه الملايين، وجثم الخوفُ على كلّ الآدميين، وعبر الحواجز والحدود والقيود، وغزا الدول والممالك ودخل السلطنات والجمهوريات، ولم يبق مكان مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا دخله وأصاب منه، وأيقن الناسُ أنَّهم قاب قوسين أو أدنى من القيامة، وأنَّ حضارة عالم اليوم ليس لها بعد اليوم قيامة. وفي لُجَّة الأخبار المتسارعة، والأرقامِ المُفْزعة نجد من يحاول النيل من إسلامنا الجميل، وتراثنا العتيق، ولكن أبى الله إلا أن يظهر دينه الخاتم المهيمن، من خلال جملة التعاليم النبوية الطيبة الرصينة خلال زمان الأوبئة والطواعين، والتي أتغيا تجلية بعضها في الآتي: يُقصَد بالطاعون أو الوباء (The epidemic): كل مرض فاشٍ عام، أو هو الموت العام، أو سُرْعَة المَوْتِ وكَثْرَته فِي النَّاس. قال الخليل: الوباء: الطاعون، وقال القاضى الباجى: الوباء هو الطاعون، وهو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات دون غيرها، تخالف المعتاد من أمراض الناس. ويكون مرضهم واحدًا بخلاف سائر الأوقات باختلاف الأمراض. وقال القاضي: أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد، والوباء: عموم الأمراض، فسميت طاعونًا لشبهها بالهلاك بذلك، وإلا فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونًا؛ فـ(الطَّاعُون) نوعٌ من أَنواع الوَبَاءِ وفَرْدٌ من أَفراده، وهو: الموت الوَحِيُّ [السريع] من الوباء، والجمع (الطواعين) (<!--(. وقال أطباؤنا القدامى: (الوباء) فساد يعرض لجوهر الهواء لأسباب سماوية أو أرضية كالماء الآسن والجيف الكثيرة، والمراد بفساد الهواء أن تصير حقيقته غير صالحة لما أُوجدتْ له من إصلاح جوهر الروح ودفع الأبخرة، وَذكروا لَهُ علاماتٍ، مِنْهَا الحُمَّى والجُدَرِيّ والنَّزَلاَت والحِكَّة والأَورام وغيرُ ذَلِك (<!--(".

و(الطاعون) موجود منذ كانت الخليقة على هذه البسيطة، وفتكه بالحياة والأحياء مذكور مسطور، رصد المؤرخون والجغرافيون منه ما رصدوا، وتركوا ما تركوا. والطواعين المشهورة في الإسلام خمسة، منها: طاعون شيرويه في المدائن سنة ست من الهجرة في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وطاعون عمواس في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، مات فيه خمس وعشرون ألفًا، وطاعون الجارف سنة تسع وستين زمن ابن الزبير رضي الله عنه، في شوال هلك في ثلاثة أيام كل يوم سبعون ألفًا، ومات لأنس بن مالك-رضي الله عنه- فيه ثلاث وثلاثون ابنًا، ولعبد الرحمن بن أبي بكر-رضي الله عنهما- أربعون ابنًا، ثم طاعون الفتيات في شوال سنة سبع وثمانين، ومنها طاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة، كان يحصى في المربد كل يوم عشرة آلاف جنازة(<!--(. ووصف العلامة ابْن خلدون(ت808هـ) طاعونًا عالميًّا في المائة الثامنة شبيهًا بكورونا الذي نحن فيه! قائلاً: "وَأما لهَذَا الْعَهْد،... فقد نزل بالعمران شرقًا وغربًا فِي منتصف هَذِه الْمِائَة الثَّامِنَة من الطَّاعُون الجارف الَّذِي تَحيَّف الْأُمَم وَذهب بِأَهْل الجيل وطوى كثيرًا من محَاسِن الْعمرَان ومحاها، وَجَاء للدول على حِين هَرَمِها وبلوغ الْغَايَة من مداها، فقلَّص من ظلالها وفلَّ من حَدِّهَا، وأوهن من سلطانها، وتداعت إِلَى التلاشي والاضمحلال أحوالُها، وانتقص عمرَان الأَرْض بانتقاص الْبشر، فخربت الْأَمْصَار والمصانع، ودرست السبل والمعالم وخلت الديار والمنازل، وضعفت الدول والقبائل وتبدل السَّاكِن، وَكَأَنِّي بالمشرق قد نزل بِهِ مَا نزل بالمغرب لَكِن على نسبته وَمِقْدَار عمرانه! وكأنما نَادَى لِسَان الْكَوْن فِي الْعَالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة، وَاللهُ وَارِثُ الأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا(<!--(. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

<!--تعريف الطاعون في السنة النبوية الشريفة:

في السنة النبوية الشريفة بيان شاف واف لمفهوم الطاعون؛ فقد سئل النبي-صلى الله عليه وسلم- غير مرة عن مفهومه فأجاب إجابات عديدة ذات مفهوم متقارب؛ فهو في المنظور النبوي الشريف: وجع وسقم ورجز غير دائم يعذب الله به من شاء الأمم؛ ففي الحديث: روي أنه جاء رجل يسأل سعدًا عن الطاعون، فقال أسامة بن زيد -رضى الله عنهما- أنا أحدثك عنه، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" إن هذا أو كذا أرسله الله على ناس قبلكم أو طائفة من بنى إسرائيل فهو يجئ أحيانًا ويذهب أحيانًا". وفي رواية: " إِنَّ هَذَا الوَجَعَ أَوِ السَّقَمَ رِجْزٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الأُمَمِ قَبْلكُمْ، ثُمَّ بَقِىَ بَعْدُ بِالأَرْضِ، فَيَذْهَبُ المَرَّةَ وَيأتِي الأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا يَقْدَمَنَّ عَليْهِ، وَمَنْ وَقَعَ بِأَرْضٍ وَهُوَ بِهَا فَلا يُخرِجَنَّهُ الفِرَارُ مِنْهُ(<!--(".

أما بالنسبة إلى أمتنا فهو رحمة للمؤمنين، ففي الحديث المروي عن السيدة عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون, فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين(<!--(".

وهو كذلك سبب` من أسباب فناء الأمة؛ فقد روي عن أمنا عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون" (<!--

وهو كذلك سبب في شهادة المصطفين منها؛ فعن أبى عسيب قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " أتاني جبريل - عليه السلام - بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم، ورجس على الكافرين(<!--( ". وقد ورد في حديث أنه عقاب إلهي للعاصين المقصرين؛ فقد روي عن ابن عمر-رضي الله عنهما- أنه قال: "أقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا... (<!--("

ويوجز سيدنا معاذ بن جبل-رضي الله عنه- هذا المفهوم النبوي للطاعون بعبارة بيِّنة جامعة لما قال أمامه سيدنا عمرو بن العاص –رضي الله عنه-  للصحابة والتابعين يوم عمواس: تفرقوا عن هذا الرجز في الشعاب والأودية ورؤوس الجبال، قال معاذ: (بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم). قال ابن قلابة: "دعوة نبيكم": دعا أن يجعل فناء أمته بالطعن والطاعون(<!--(.

<!--أجر المطعون والحيِّ زمن الطاعون:

قرر الرسول –صلى الله عليه وسلم أن المسلم المقتول بالطاعون شهيد من شهداء الآخرة؛ فقد روي عن السيدة حفصة بنت سيرين، قالت: قال لي أنس بن مالك: بمَ مات يحيى بن أبي عمرة، قالت: قلت: بالطاعون، قال: إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطاعون شهادة لكل مسلم(<!--(". قال القاضي البيضاوي: مَن مات بالطاعون أو بوجع البطن مُلحَق بمَن قُتل في سبيل الله لمشاركته إياه في بعض ما يناله من الكرامة بسبب ما كابده من الشدة، لا في جملة الأحكام والفضائل(<!--(".

أما من عاش زمن الطاعون فإما أن يكون صابرًا محتسبًا فيكون كالمرابط في سبيل الله، وإما أن يكون جزوعًا هلِعًا فارًّا فهو كالمرتكب كبيرة والعياذ بالله؛ فقد روي عن أمنا عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات فيه مات شهيدًا، ومَن أقام فيه كان كالمرابط في سبيل الله، ومَن فر منه كان كالفارِّ من الزحف(<!--(". والطاعون شهادة لكل مسلم عاصره صابرًا محتسبًا، ومات، بعد انقضاء زمنه، وله أجر شهيد؛ فعن أمنا عائشة - رضي الله عنها - قالت: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون, " فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، فما من عبد وقع الطاعون في بلده، فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له , إلا كان له مثل أجر شهيد(<!--(". وما أبلغ الصيغة الواردة في الحديث المروي عن أمنا عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " الفار من الطاعون كالفار من الزحف, والصابر فيه كالصابر في الزحف(<!--("!

<!--التعامل مع الطاعون:

أورد أصحاب الحديث والسنن جملة أحاديث نبوية شريفة تحت ما أسموه مثلاً:  (بيان ما يجب أن يعمل في الطاعون إذا وقع بأرض، والدليل على إباحة اتقاء الصحيح مخالطة أهل الوباء) (<!--(. وهي تدل على إدراك نبوي شريف لمفهوم الحجر الصحي(Quarantine) للآمنين من الوباء، أو العزل الصحي(Sanitary insulation) للمصابين بالوباء، وهما من إجراءات الطب الوقائي الحديثة  المحتمة زمن الأوبئة والطواعين. ومنها حديث أسامة بن زيد-رضي الله عنهما-: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: إذا سمعتم به في قرية فلا تدخلوا عليه، وإذا دخلها عليكم فلا تخرجوا منها فرارًا منه". وفي رواية: "فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها , فلا تخرجوا منها (<!--("، وعَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا مَاتَ فِي بَعْضِ الْأَرْيَافِ مِنَ الطَّاعُونِ، فَفَزِعَ لَهُ النَّاسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ: «فَإِنِّي أَرْجُو أَلَّا تَطْلُعَ إِلَيْنَا بَقَايَاهَا(<!--(».

واختلف السلف الصالح في ذلك فمنهم من أخذ بظاهر الحديث، وهم الأكثر، روي عن السيدة عائشة قالت: "هو كالفرار من الزحف"، ومنهم من دخل إلى بلاد الطاعون وخرج عنها. قال بعض أهل العلم: لم ينه عن دخول أرض الطاعون والخروج عنها مخافة أن يصيب غير ما كتب عليه ويهلك قبل أجله، لكن حذارَ الفتنة على الحي، من أن يظنَّ أن هلاك مَن هلك لأجل قدومه، ونجاة من نجا لفراره، وهذا نحو نهيه عن الطيرة والقرب من المجذوم مع قوله: "لا عدوى". وقد روي عن ابن مسعود-رضي الله عنه- أنه قال : "الطاعون فتنة على المقيم وعلى الفار: أما الفار فيقول: فررتُ فنجوتُ، وأما المقيم فيقول: أقمتُ فمتُّ (<!--(.

وتدلنا السنة النبوية الشريفة أنه لو حدث أن رَجُلاً مُبْتَلًى سَكَنَ فِي دَارٍ بَيْنَ قَوْمٍ أَصِحَّاءَ فيجب مْنَعُهُ مِنْ السَّكَنِ بَيْنَ الْأَصِحَّاءِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يُورِدنَّ مُمرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ(<!--("،أي لا يُؤتَى بمريضٍ على صَحيحٍ سَليمٍ؛ مخافَةَ أن يُعديَه. وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّهُ-صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قَدِمَ مَجْذُومٌ لِيُبَايِعَهُ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِالْبَيْعَةِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِ الْمَدِينَةِ(<!--(". فدعا إلى مُجَانَبَةِ مَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ عِنْدَهُ فِي الْعَادَةِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ. . وهذا هو العزل الصحي. أما حديث: "لا عدوى ولا طِيرَةَ ولا هامةَ ولا صفر، وفِرَّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد"(<!--(" فالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ وتعتقده أن المرض والعاهة تُعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى، أو أن المراد لنَّهيُ عن الاعتقادِ أنَّ بعضَ الأَمراضِ تَنتقِلُ بسببِ العَدوَى؛ لأنَّ الأمرَ بقَضاء الله وقدَرِهِ.

ويتجلى التعامل الإيجابي مع الوباء والطاعون في غريب الحديث النبوي الشريف؛ فقد روى الإمام الحربي(ت285هـ) بسنده أن فَرْوَةَ بْنَ مُسَيْكٍ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- عَنْ أَرْضٍ وَبِيئَةٍ, فَقَالَ: دَعْهَا, فَإِنَّ مِنَ الْقَرَفِ التَّلَفَ"، وفي رواية قال: «تحولوا عنها, فإن من القرف التلف»، و(القرف):الوباء، أو هو ملابسة الداء ومداناة المرض كأنه شيء يصير مرضًا لأهله كاللباس، والقَرَفُ من الأَراضِي: المَحَمَّةُ أَي: ذاتُ حُمى ووباءٍ, و(التلف): الهلاك. يقول: إذا قارفتم الوباء كان منه التلف (<!--(. قال ابن الأثير الجزري(ت606هـ): "وليسَ هَذَا من بابِ العَدْوَى، وإِنِّما هُوَ من الطِّبِّ، فإِنَّ اسْتِصْلاحُ الهَواءِ من أَعْوانِ الأَشياءِ على صِحَّةِ الأَبْدانِ، وفَسادَ الهواءِ من أَسْرعِ الأَشياءِ إِلَى الأَسْقام(<!--(". ويستنبط من هذه الأحاديث توقى المكاره قبل وقوعها، والتسليم لأمر الله وقدره إذا وقعت المصائب والبلايا، والإيمان بأن الأمور كلها بقدر الله، وأنه لا يُنجِّي الفارَّ من القدر فرارُه، ووجوب منع القدوم على بلاد الطاعون والوباء، وتحريم الخروج عنها؛ فرارًا من ذلك.

وهذا ما طبقه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؛ فقد روى: أنّ سيدنا عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- كتب إلى أبي عبيدة-رضي الله عنه-: "إنّ الأردن أرض غمقة، وإنّ الجابية أرض نزهة، فاظهر بمن معك من المسلمين إليها". يريد بالغمقة: التي فيها الوباء والندى، وأراد بالنزهة: البعيدة من ذلك(<!--(. أي الخالية من المرض. وهذا كان ديدن التابعين وتابعيهم في التعامل مع الأوبئة والطواعين؛ فقد قال الأصمعي(ت216هـ): إذا قدمت بلادًا فمكثت بها خمس عشرة ليلة فقد ذهبت عنك قِرْأةَ البلاد(<!--(. أي وَباؤُها وثِقَلُها الذي يَحُطّ بنازليها، ومعناه أنه إذا مرض بها بعد ذلك فليس من وبإ البلد.  والتحديد بخمسة عشر يومًا في مقولة الأصمعي يذكرنا بما يسمى الآن(مدة حضانة الفيروس). وهي الفترة الزمنية التي تسبق ظهور الأعراض منذ دخول الميكروب وتكاثره حتى يبلغ أشده، وفي هذه الفترة لا يبدو على الشخص أنه يعاني من أي مرض، ولكن بعد فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر - على حسب نوع المرض والميكروب الذي يحمله - تظهر عليه أعراض المرض الكامنة في جسمه!

وفي هذه التعاليم الطبية الإسلامية الشريفة وهذا الموقف الإيجابي الواعي من الطاعون والوباء ما يدل على الإعجاز النبوي الشريف في مجال الطب الوقائي وأن الإسلام صاحب المبدأ الإنساني الخالد:(لا ضرر ولا ضرار) أي يدعو أتباعه أن يحموا أنفسهم من كل ضرر محيط، وأن يحموا غيرَهم من أي ضرر قد يتسببون فيه. فبين لنا ما يجب على من كان في دار الطاعون، ومن كان خارجه، ومن كان مجاوره، وحدد لنا مدة الحجر، ونوعية المرض الذي يحجر ويعزل منه وبسببه. وكل ذلك منذ أربعة عشر قرنًا، قبل أن يثبت الطب الحديث أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للميكروب؛ فيبدو الشخص وافر الصحة، ومع ذلك فهو ينقل المرض إلى غيره من الأصحاء!

وفي كل هذه التعاليم النبوية وغيرها ما يدل على أن هذا الدين الحنيف شاهد على البشرية وصالح لها ومصلح لها في كل زمان ومكان، وفيه أمانها وسلامها دنيويًّا وأخرويًّا؛ ولتقوم به الحجة والبرهان على العالمين، فيهلك مَن هلك عن بيِّنة، ويحيى مَن حيَّ عن بينةٍ، والله سميع عليم. وصدق الله اللطيف إذ يقول: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾[طه:123].

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

(<!-- ) اللسان لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي، والمعجم الوسيط: [و/ب/أ]، و[ط/ع/ن].

(<!-- ) كشاف اصطلاحات العلوم والفنون للتهانوي،2/1753، ونقله الزبيدي في تاج العروس عن ابن النفيس، والحَكيم داؤود الأَنطاكي رَحمَهم الله تَعَالَى.

(<!-- ) كنوز الذهب في تاريخ حلب للعجمي(ت884هـ)1/169.

(<!-- ) لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان للقنوجي1307، 1/230

(<!--) مسلم4/1738، (2218)، كتاب الطاعون: باب: الطاعون، والطيرة والكهانة.

(<!--) صحيح البخاري4/175، باب حديث الغار.

(<!--) مسند أحمد (25161), وإسناده مقبول. والحديث صحيح, صححه ابن خزيمة والحاكم وأخرجاه وأحمد والطبراني من وجه آخر عن أبي بكر بن أبي موسي الأشعري.

(<!--) مسند أحمد 5/ 81، ذكره الهيثمي في المجمع (2/ 313) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد ثقات، وإكمال المعلم بفوائد مسلم7/133.

(<!--) أخرجه البيهقي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما. سنن ابن ماجة رقم(4019).

(<!--) قال القاضي: كذا رواه جماعتهم، والصحيح من الرواية أنه - عليه السلام - أخبره جبريل أن فناء أمته بطعن أو طاعون، فقال: " اللهم فبالطاعون ". انظر: تاريخ الطبري 2/ 202 السنة الـ 17، وإسناد الحديث فيه مجهول، وإكمال المعلم بفوائد مسلم7/133.

(<!--) الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء: 3/ 1522 "حديث 166"، وهو في مستخرج أبي عوانة 15/449.

(<!--) عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني21/261.

(<!--) الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للهرري 22/278، مسند أحمد (25161), وإسناده مقبول..

(<!--) مسند الإمام أحمد40/417(24358)، وإسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير داود بن أبي الفرات فمن رجال البخاري..

(<!--) رواه الإمام أحمد، كتاب الطب والرقى والعين والعدوى، وكذا رواه ابن خزيمة، راجع المنهل العذب المورود، شرح سنن أبي داوود، باب أقوال العلماء في الخروج من بلد الطاعون، 8/335.

(<!--) مستخرج أبي عوانة(ت316هـ): المسنَد الصَّحيح المُخَرّج عَلى صَحِيح مُسلم 17/461..

(<!--) أخرجه البخاري (5730) ومسلم (100/ 2219) مطولًا، وأخرجه مسلم في صحيحه -كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (4/ 1738/ حديث رقم 2219)..

(<!--) جامع معمر بن راشد البصري (ت153هـ)، رقم(20160)، 11/148، طبع بيروت 1403هـ .

(<!--) إكمال المعلم بفوائد مسلم7/133، وعون المعبود شرح سنن أبي داوود للعظيم آبادي8/369.

(<!--) صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، رقم(5771)، وصحيح مسلم(2221) عن ابن عوف رضي الله عنه.

(<!--) أخرج معناه الإمام مسلم في الصحيح، في آخر أبواب الطب من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنا قد بايعناك فارجع".

(<!--) أخرج الحديث البخاري بسنده في كتابه [الصحيح] في كتاب الطب باب الجذام، ورواه ابن حبان بزيادة ولا نوء. وهو في صحيح مسلم رقم (4234) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(<!-- ) غريب الحديث للحربي 2/365، غريب الحديث للهروي5/354.

(<!-- ) النهاية في غريب الحديث والأثر4/46.

(<!-- ) الزاهر في معاني كلام الناس للأنباري166.

(<!-- ) تهذيب اللغة، باب القاف والراء9/211، والصحاح1/65.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 152 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,659