تعانق الذات والوطن في ديوان (ما عاد سرًّا) للشاعر محمد الشرقاوي

 

للدكتور/صبري فوزي أبوحسين، أستاذ الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات، وعضو اتحاد كتاب مصر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ما زال الشعر العربي الكلاسيكي يمتد ويتطور من جيل إلى جيل، وفي كل عصر ومصر، حتى آننا هذا!

وما زال يشرق بنوره الثابت الركين الرصين، فيصهر القلوب والعقول، في بوتقة الحضارة المصرية الخالدة، والحنيفية العربية الماجدة، وما زال يأخذ بأيدينا إلى مدارج الكمال في كل جنبات الحياة، فيحيينا ويبنينا، وينقذنا من التمرغ في مهاوي التيه والسقوط والضلال، ومستنقع الآثام والجهالة، وملذات الجسد بكل ألوانها، مستعينًا بالقيم الإنسانية العليا التي جاءت بها الأديان السماوية لهداية العالمين.

ما زال ذلكم الفن الخالد القائد حاضرًا بالساحة الفنية رغم ازدحامها بالزبد والأصفار، في الروابط والأندية الأدبية، وفي الجرائد والمجلات، وفي الجوامع والكنائس والمعابد، والمدارس والمعاهد والجامعات وفي المطبوعات والدوريات، وفي مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية، بفضل كوكبة من أصفياء الوطن، وخلصاء الأمة: إبداعًا وتنظيرًا وتحفيزًا.

وقد سار في ركبهم سيرًا حيًّا وحيويًّا ذلكم الإنسان الصعيدي، معلم الفرنسية، محمد أبوالعلا الشرقاوي، صاحب النكهة المميزة بين جيله ورفاقه، المعبر عن كل محمدة ومنقبة، الراصد لكل جميل نبيل منير مضيء فينا وحولنا، هاتفًا لجيل جديد، باثًّا الأمل، مشعلاً جذوة الفخر والحماس في بني وطنه على اختلاف أهوائهم، مقدمًا نفثات غيور وصرخات مهموم مكلوم، ذابت نفسه واكتوت للواقع الأليم في تعابير بيِّنة حرة صارخة.إنه شاعر جماهيري التوجه، يكاد يصل شعره إلى كل متلق بسهولة ويسر، شاعر عرف كيفية الوصول السريع إلى الناس في اللحظة المناسبة... وليست تلك مبالغات لا واقع لها؛ فقد عاشرت "الشرقاوي" الشاعر والإنسان، فوجدته رجلاً حركيًّا لا يكسل ولا يخمد، يسير حاملاً سيفَه/ قلمًه، منتقلا من ميدان إلى ميدان، ومن نادٍ إلى ناد، معه كتيبة من الشعراء والنقاد الشباب الذين يتابعهم ويتابعونه بكل ما أوتوا من معارف وملكات ثقافية وحياتية،  إنه يحيا ضمن ثلة يجمع بينهم حب الشعر وإقامة عكاظه بين أبناء العروبة، وإثبات حضوره في الإعلان عن إنجازات الوطن، وابتلاءات الأمة، داعين إلى مدائن فاضلة في محيطهم المصري، وعمقهم العربي والإسلامي في هذا الكون التائه المائج!

 و قد رزقت الغوص في أنماذج من شعره خلال منتديات: اتحاد الكتاب، والأدب الإسلامي بقاهرتنا العامرة، ثم منتدى الحاكمية الثقافي، ومؤسسة الحسيني الثقافية، أنموذجًا تلو الآخر، ورأيت مدى تلقي الجمهرة المثقفة واستجابتها لإبداعه استشهادًا به ونقدًا له، ببيان حسناته وسوءاته؛ ومن هنا كانت أولى الكتابات عنه مقالاً لي منشورًا في مجلة الهلال بعنوان "سيميائية التجربة الوطنية في ديوان خيوط الشمس".

وها هو ذا مولوده الثامن: ديوانه الطازج (ما عاد سرًّا) يرزق برعاية مؤسسة ثقافية مصرية كريمة فتطبعه وتنشره، فيجذبني ذلك الصنيع الفني والثقافي، فأقرأه في نسخته الإلكترونية قبل أن أراه مطبوعًا، فأجدني أنجذب به وفيه، فأخط تعليقات وإضاءت، وألقيها في حفل توقيعه بدار المؤسسة، فتخرج في هذه المحطات:

المؤسسة الراعية

من المسطور في تاريخ أمتنا أن رعاية الإبداع وأصحابه عادة عربية منيفة قبل الإسلام، حيث أسواقُ الأدب وقبةُ النابغة الذبياني، واحتفاءُ كلِّ قبيلة بشاعرها النابغ... ثم صارت سنةً نبويةً شريفة، حيث عنايةُ النبي-صلى الله عليه وسلم- بشعرائه وثناؤُه عليهم وإكرامُه وتوجيهه إياهم...

 وظلت هذه الرعاية للإبداع والمبدعين تقليدًا عربيًّا ممتدًّا عبر الزمان والمكان إلى أن جئنا إلى (مؤسسة الحسيني الثقافية) تلك الهيئة المصرية العريقة التي لمع نجمها في سماء الأدب والثقافة والفنون الراقية، وأصبحت بحق من دعائم النهضة الأدبية في مصر والوطن العربي والعالم المحب للأدب والثقافة والسلام، فأخذت تؤدي هذه المهمة النبيلة والرسالة التثقيفية التوعوية من خلال أبرز وسيلة في ذلك، وهي نشر الإبداع لشباب وكبار مبدعي ومبدعات مصر والوطن العربي. ومنها ديوان محمد الشرقاوي: (ما عاد سرًّا)، فشكرًا هذه الدار المصرية الخاصة على هذه الخطوة الثقافية الرائدة؛ ففي ظلال هذه الرعاية الفريدة للإبداع يجري نيل الشعر في وطننا، ينطلق من تربة طيبة التلقي، فيجري صافي الماء، عميق المجرى، طيب الإنبات، خيِّر الثمار، فينانَ العطاء   ...

بلاغة العنوان:

(ما عاد سرًّا) جملة فعلية منفية/ محذوفة الفاعل، تدفع المتلقي إلى السؤال:ما الذي ما عاد؟ أو من الذي ما عاد؟ وهو عنوان يدل سمة أساسية في بناء تجارب الديوان، وهي الوضوح والجهارة والجراءة في الإبداع، بوصف الواقع، وكشف الحالة، وتصويرهما إيجابًا، وسلبًا، مع تحليل ونقد غالب، وجلد حينًا.

وقد اختار الشاعر هذا العنوان، من عنوان القصيدة الخامسة والعشرين من الديوان، ومن خلال قراءتها ينجلي لنا مضمون هذا العنوان الغامض، يقول في مطلعها:

لا سامح الجبارُ أعداءَ الوطنْ      سرقوا الأمانَ وأشعلوا فيه الفِتنْ

ساقوا إلى ظهر الجياع سياطَهم     رسموا عصورَ الذلِّ فينا بالمِحَنْ

كتبوا مع الشيطانِ عهدًا لم تزلْ    أحلامُه نسفَ العدالةِ في المُدنْ

ما عاد سرًّا ما يُدبَّر جمعُهم       بل بات يُحكَى في المحافل بالعلَنْ(<!--)

فالفاعل الذي صار فعله واضحًا هو هؤلاء الأعداء الخائنون الفاسدون المفسدون في البلاد والعباد، الناشرون الإرهاب والتخويف والتجويع والإذلال بعلانية وخسة!

وكان نتيجة فعلهم أنهم:

دفعوا لباب القبر أشرف أمة       كي تستريح بطونهم طول الزمن

يا أمة الإسلام ماذا قد جرى       ما عاد فينا من عليم مؤتمن(<!--)

ومن خلال هذه القصيدة، وبقية تجارب الشرقاوي، تتضح السمة الفنية الأبرز في إبداعه، وهي تعانق الذات الشاعرة مع الوطن الأول مصر، والوطن الأكبر: عروبتنا وأمتنا. ومن ثم كان اختياري عنوان قراءتي هذه: تعانق الذات والوطن في ديوان (ما عاد سرًّا)...

دلالة الإهداء

جاء نص الإهداء: "إلى الباحثين عن العدل/ المهمومين بالفقراء/ المجاهرين بقول الجق"، وهو يدل على هادفية الشرقاوي، وحرصه على جمهورية إبداعه، وأنه يتغيا هؤلاء الإيجابيين في الحياة بغاة العدالة والمساواة والحق...

كشاف فني للديوان

هذا كشاف فني راصد بطريقة إحصائية لأبرز معالم الديوان العروضية، والكَمِّية، والفكرية، يعطي للمتلقي خريطة موجزة بالديوان:   

عنوان التجربة

القالب العروضي

الكمِّ الإبداعي

الرؤية الفكرية

في بحور الشعر 

الرمل المجزوء[منوعة القافية]

20بيتًا

مذهبه الشعري

سر الجمال

تفعيلية(متفاعلن)

46سطرًا

غزلية الظاهر وطنية المغزى

أشواق

البسيط[موحدة القافية/قافية]

20 بيتًا

مديح نبوي

مصر والنيل

البسيط[موحدة القافية/لامية]

20 بيتًا

وطنية

طائر الأمل

الوافر[موحدة القافية/نونية]

24بيتًا

تحية للشاعر والمحقق الدكتور محمد سالمان

شدو الحروف

تفعيلية(متفاعلن)

40سطرًا

وظيفة الشعر نحو الوطن

هل من عاقل

الوافرالمجزوء[منوعة القافية]

8أبيات

وعظ وتصوف

لا تفرحي

الكامل[موحدة القافية/رائية]

10أبيات

غزلية الظاهر وطنية المغزى

قلوب من نور

تفعيلية(متفاعلن)

61سطرًا

مدح الوطنيين الصالحين

الفارس الفصيح

البسيط[موحدة القافية/نونية]

20 بيتًا

تحية للباحث محمد يونس هاشم

نصيحة

الطويل[موحدة القافية/ميمية]

4أبيات

وعظ وإرشاد

أخي في العروبة

المتقارب[منوعة القافية]

16بيتًا

الحث على تحرير القدس

لا تسألي

تفعيلية(متفاعلن)

35سطرًا

غزلية

الثوب الأزرق

تفعيلية(متفاعلن)

30سطرًا

غزلية

واحة الإبداع

الكامل[موحدة القافية/لامية]

18 بيتًا

مدح الأديبة الكبيرة نوال مهنى

في هواها

الكامل[منوعة القافية]

12بيتًا

مزيج من وطنية والصوفية

طهر لسانك

الكامل[موحدة القافية/رائية]

4أبيات

وعظ وتصوف

وماذا بعد

الوافرالمجزوء [موحدة القافية/نونية]

21بيتًا

وطنية قومية

أغصان الحب

الكامل[موحدة القافية/لامية]

10أبيات

تحية لعائلة مصرية إسكندرانية

قالت هيا

تفعيلية(فاعلن)

16سطرًا

غزلية

خجلا نتوارى

المتدارك التام[موحدة القافية/نونية]

13بيتًا

قومية(قضية سوريا)

القدس تنادي

تفعيلية(فاعلن)

60سطرًا

قومية(قضية القدس)

حين

تفعيلية(فاعلن)

40سطرًا

اجتماعية نقدية

ابن الجنوب

البسيط[موحدة القافية/نونية]

20بيتًا

مدح الدكتور والشاعر زهران جبر

ما عاد سرا

الكامل[موحدة القافية/نونية]

18بيتًا

وطنية وقومية نقدية

همسات

الكامل المجزوء[منوعة القافية]

22بيتًا

اجتماعية نقدية

لا تحزن

الكامل[موحدة القافية/ضادية]

4أبيات

وعظية إرشادية

نداء الحروف

المتقارب[موحدة القافية/رائية]

14بيتًا

تحية لصديقه: عمر عبدالحفيظ شعلان

هنا الحاكمية

المتقارب[موحدة القافية/بائية]

15بيتًا

تحية للسفير عبدالحميد يونس وأهل قرية الحاكمية

المعالم الشكلية للديوان

بقراءة تجارب الديوان التسعة والعشرين، وبالنظر في هذا الكشاف الفني يتضح لنا أن به معالم فنية أساسية هي:

<!--الصحة والسلامة اللغوية

المصدر: احتفالية مؤسسة الحسيني الثقافية بتوقيع ديوان ما عاد سرا للشاعر محمد الشرقاوي يوم السبت8/9/2019م.

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 141 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

295,762