هاهي قواعد اللعبة السياسية التي أسسها الاحتلال الأمريكي في العراق تعود لتستقر على أسسها الحقيقية التي حكمت المشهد السياسي القائم على مبدأ المحاصصة الطائفية والعنصرية ، جاءت تشكيلة الحكومة العراقية الخامسة في ظل الاحتلال متوافقة ومنسجمة مع واقع العراق المرير ، ولتجسد حقيقة عهد وحقبة الانحطاط السياسي التي يعيشها العراق في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة ، ولتنهي أي جدل واجتهاد من قبل بعض الأطراف التي راهنت على ترقيع العملية السياسية وحاولت التطبيع معها فالذين حاولت المناورة من خلالهم داخل العملية السياسية اليوم يشكلون أعمدتها ويعطوها شرعية كاملة للاستمرار والديمومة .
بعد مخاض عسير دام تسعة أشهر تمخضت تجاذبات الفرقاء السياسيين في العراق عن تشكيلة حكومية وصفها رئيس وزراء حكومة الاحتلال المكلف نفسه عند عرضها على البرلمان لأغراض المصادقة : بأنها لا تمثل طموح الشعب العراقي ولا طموحه, وبالفعل فقد جاءت هذه التشكيلة هشة ولعل أول ما يثير الاستغراب في طريقة تشكيلها هو ضخامة عدد الوزارات والتي لم يسبق في تاريخ العراق السياسي أن تشكلت حكومة في العهد الملكي أو الجمهوري بهذا العدد والذي بلغ خمسة وأربعين وزارة في حين لم يتجاوز عدد الوزارات عندما كان العراق في أوج ازدهاره في الحكم الوطني عن خمسة وعشرين وزارة , الأمر الذي يعكس حجم الانقسامات وطبيعة المساومات التي أسفرت عن حكومة هي أقرب إلى مجلس غدارة شركة وحكومة ترضية لكل الأطراف أكثر منها حكومة شراكة وطنية, كما إن عملية التطبيل والتزمير ومحاولة تظليل الرأي العام العراقي والدولي التي رافقت تشكيل الحكومة الخامسة على أنها ستكون حكومة تكنوقراط قد تلاشت عندما جاءت التشكيلة المعلنة مخيبة للآمال وخالية تماما من أية كفاءات أو تكنوقراط بل تصدرتها شخصيات من أنصاف المتعلمين والأميين الذين لا تزال الشهادات الدراسية التي قدموها تخضع للتدقيق في انحدار خطير لمنظومة القيم لم يشهد له العراق مثيل.
ولدت الحكومة أصلا وهي مترهلة تشوبها الكثير من الشكوك في خلفية تشكيلها وحجم الصفقات التي عقدت كثمن لولادتها على حساب ثوابت الشعب العراقي ومصالحه ووحدة بلاده وهويته ومستقبل أجياله فقد استحدثت الكثير من الوزارات على استعجال دون دراسة جدوى فقط لإرضاء هذا الطرف السياسي أو ذاك ولغرض الانسجام مع قواعد اللعبة السياسية في المحاصصة الطائفية والعرقية ، بل إن بعض هذه الوزارات كما يبدو من أسمائها الجديدة قد فصلت تماما على مقاس شخصيات ، فقد تم إستيلاد على سبيل المثال وزارة خاصة بالأهوار في حين إنها جزء من وزارة الري والموارد المائية ولا تستحق أكثر من إدارة عامة أو مؤسسة ، وكذلك أصبح الناطق الرسمي باسم الحكومة بدرجة وزير في الدولة ، إضافة إلى استحداث درجة وزير لشؤون البرلمان في حين إن الحكومة برمتها وبكافة وزاراتها كسلطة تنفيذية خاضعة لرقابة البرلمان ، لذا من المتوقع أن تتعرض السلطة التنفيذية رغم فشلها المتكرر وعجزها وولادتها وهي تحمل بذور ضعفها وموتها السريري المبكر إلى مزيد من حالة الشلل والتشرذم وقد تستغرق سنين قبل تسوية حالة تنازع الاختصاصات والصلاحيات وفك الاشتباك ما بين هذه الوزارات قانونيا وماليا وإداريا خاصة وغن كل وزير سيستقل بوزارته على غنها استحقاق لحزبه أو طائفته أو قوميته وما سيرافق ذلك من بطالة مقنعة لمئات المسؤولين من أنصاف المتعلمين وضياع الوقت وهدر المزيد ثروات العراق خاصة وإنه مصنف على إنه الدولة الثانية من حيث الفساد الإداري والمالي.
من الواضح إن رئيس الوزراء المكلف كان أكثر حرصا على إخراج الحكومة للنور قبل انتهاء المدة الدستورية لضمان بقاءه رئيسا للوزراء ، لان تأخره كان سيعني تكليف القائمة المنافسة التي تليه بتشكيل الحكومة لذلك لم يتوقف كثيرا للتدقيق بنوعية الوزراء, من جهته لم يتأخر البرلمان في المصادقة على التشكيلة لان جميع الكتل دون استثناء كان لها نصيب من الغنائم وهذا يفسر تضخم عدد الوزارات واستحداث عدد كبير منها على حساب النوعية والأداء والجودة .
لقد خلت هذه التشكيلة الوزارية من أية مشاركة للمرأة رغم إنها نصف المجتمع ، وبسبب هرولة جميع المتنافسين بالعملية السياسية إلى المشاركة بحصة من الحكومة وفي مقدمتهم القائمة العراقية التي ملئت الإعلام ضجيجيا بتمسكها بحقها الدستوري كونها الفائز الأول لتظهر النتائج استلامها وزارات ثانوية مقارنة بوزارات النفط والخارجية والتعليم العالي والوزارات الأمنية التي أحتكرها رئيس الوزراء لتكريس نمط جديد من ديكتاتورية الأحزاب الدينية الطائفية ولتؤكد حقيقة واحدة بأن العراق اليوم في طور الاستلام والتسليم ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين إيران وإن العراق قد ولج فعلا إلى حقبة النفوذ الإيراني من خلال طبيعة تشكيلة الحكومة الخامسة وفي ظل انحسار الدور السياسي الأمريكي.
إن الخيار الاستراتيجي الذي جاءت نتائج الانتخابات وآلية تشكيل الحكومة لتؤكده, وبخلاف كل المتهافتين الذين راهنوا على التطبيع تحت الطاولة وفوقها مع رموز في العملية السياسية بحجة المناورة ، هو خيار المقاومة بكافة أشكالها والعمل على تنميتها وتصعيدها وعدم الإقرار في أي حال من الأحوال بالواقع الفاسد وبصفحة الاحتلال السياسية أو الركون إلى المتخاذلين والخائفين والمتعبين والمترددين الذين فقدوا الأمل والمطاولة التي هي سر ومفتاح النصر الأكيد لشعبنا وقضيتنا العادلة بالتخلص من الاحتلال وإبطال أثاره ، إن الهدف المركزي الذي ينبغي الانشغال به عوضا عن المناورات الثانوية غير المجدية هذا الهدف الذي يجب أن تستهلك به معظم الجهود الساخنة والباردة يتلخص في كيفية حرمان الاحتلال الأمريكي أو النفوذ الأجنبي من تحقيق أيا من أهدافه السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق
المصدر: http://sababaghdad.r3r.info/vb
نشرت فى 23 ديسمبر 2010
بواسطة sababaghdad
ارض الغرباء
- إن استطعـــت ألا يسبقـــك إلى الله أحـــد فافعــــــل »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
24,277