في تقرير نشرته جريدة "الوطن" في عددها الصادر بتاريخ 14/1/1430هـ قُدر استهلاك المملكة من الأسماك بنحو 200 ألف طن سنوياً, أي بمعدل عشرة كيلو جرامات للفرد الواحد، وهو رقم مرشح للصعود لما هنالك من تحول تدريجي في عادات المجتمع الغذائية من اللحوم الحمراء إلى البيضاء.

ويدعم ذلك التحول ما تطالعنا به وسائل الإعلام بين حين وآخر من دراسات عن مضار الإسراف في تناول لحوم المواشي، بينما يتوالى الكشف عن فوائد صحية جديدة لبروتين ودهون الأسماك وما تتميز به من سهولة هضم وامتصاص.

كما أن هناك أسباباً اقتصادية تدعم زيادة الطلب على الأسماك, من بينها انتشار نقاط توزيعه في أرجاء كثيرة من المملكة مع توسع شبكة الطرق وتوافر البرادات لحفظه طازجاً لفترات طويلة نسبياً لم تكن ممكنة في الماضي. وقد ترتب على ذلك الانتشار خفض التكلفة ما جعل أسعار غالبية أصناف السمك في متناول السواد الأعظم من المستهلكين.

ذلك الدور المتنامي للأسماك في معادلة غذاء الفرد السعودي دعا الحكومة للنص عليها تحديداً ضمن القطاعات التي كُلفت وزارة الزراعة ووزارة التجارة والصناعة بدراستها لتحديد احتياجات المملكة المستقبلية منها، وإجراء مسح شامل للدول التي تتوافر لديها إمكانات وفرص للاستثمار فيها. إذ على الرغم مما تتمتع به المملكة من سواحل بحرية طويلة تزيد في مجموعها على ألفي كيلو متر على البحر الأحمر والخليج العربي إلا أن مخزونها من الثروة السمكية يعد متواضعاً، ويعكس ذلك اعتماد السوق المحلية على الاستيراد بنسبة 70 في المائة على الأقل، وهي نسبة من المتوقع زيادتها مع اتساع الفجوة بين حاجة السوق وما تجود به المياه الإقليمية.

لكن من حسن الحظ أن ملف الأسماك يمكن معالجته محليا دون الحاجة إلى البحث عن فرص لدى الآخرين وما تحمله تلك الفرص من مخاطر تقليدية وغيرها, ذلك أن سواحل المملكة الطويلة، وإن كان مخزونها من الأسماك لا يفي بحاجة السوق، إلا أنها توفر بيئة جيدة لإنشاء مزارع لتربية الأسماك والروبيان بطاقات عالية يمكن الاعتماد عليها ضمن استراتيجية الأمن الغذائي.

وقد أشار التقرير الذي نشرته جريدة "الوطن" إلى عينة من تلك المزارع، إحداها لإنتاج الروبيان بطاقة 15 ألف طن سنويا، سترتفع تدريجياً إلى 50 ألف طن سنوياً ، توزع في 30 دولة حول العالم ما ينبئ عن جودة الإنتاج وربحية المشروع.

كما أشار التقرير إلى مزرعة أخرى في طور التأسيس على ساحل البحر الأحمر أيضاً بالقرب من ضباء لتربية الأسماك بطاقة 50 ألف طن / السنة أو ما يعادل نسبة 25 في المائة من استهلاك المملكة.

اليوم هناك خمس مزارع بأحجام مختلفة لتربية الروبيان، وأربع مزارع لتربية الأسماك البحرية كلها تتمتع بمصدر طاقة رخيص، مساحات أراض شاسعة مستأجرة من الحكومة بسعر رمزي قدره ريال واحد فقط في العام لكل هكتار، شبكة طرق جيدة، ومطارات دولية يمكن من خلالها نقل المحصول من المزارع إلى الأسواق الأوروبية في أقل من 24 ساعة. كما يتمتع معظم تلك المشاريع بدعم من البنك الزراعي في شكل إعانات وقروض ميسرة. ثم هناك عامل آخر يدعم نجاح تلك المشاريع ألا وهو المناخ الاستوائي وشبه الاستوائي على مدار العام ما يوفر بيئة مناسبة لنمو وتكاثر فصائل عدة من الأسماك والروبيان في المملكة.

الشاهد هنا أن الاستزراع السمكي في المملكة مجد اقتصادياً ويمكن أن يلعب دوراً مؤثراً ضمن استراتيجية المملكة التي ستتبناها في سياستها الغذائية والتموينية لو حظي بمزيد من الدعم والتطوير. ولعل من الخطوات الأولى في ذلك السياق التي ينبغي المسارعة فيها هي حجز أكبر حيز ممكن من الواجهات البحرية المناسبة لإنشاء وتشغيل تلك المشاريع خارج نطاق المدن، أي بعيداً عن مصادر التلوث، وتسجيلها لصالح أملاك الدولة. وبينما تستكمل تلك الخطوة لا بد من المبادرة إلى تأسيس أكثر من شركة مساهمة بمشاركة ودعم الحكومة للاستثمار في مجال تربية الأسماك والروبيان والصناعات المساندة، وتحويل الشركات الكبيرة القائمة حالياً إلى شركات مساهمة.

إن أي مصدر من مصادر الأمن الغذائي كالثروة السمكية مثلاً، لا يمكن أن يُرهن مستقبله في أيد محدودة وهو حتماً ما سيؤول إليه مصيره إن ترك بلا رعاية أو لأأ تنظيم، بل لا بد من مشاركة فاعلة من الدولة لتطويره وتوزيع فرصه بشكل يوفر بيئة تنافسية متكافئة ذات قاعدة ملكية واسعة من المواطنين تدعو للاطمئنان إن غاب الرقيب، وهناك آليات وحوافز عدة في متناول الحكومة تجعلها قادرة على صيانة ذلك المبدأ.

إعداد/ امانى إسماعيل

redsea5

أمانى إسماعيل

  • Currently 31/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 526 مشاهدة

ساحة النقاش

redsea5
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

469,824