تعتبر مكانة العلاقات العامة في أية مؤسسة مؤشراً للدلالة على مدى اهتمامها بالجوانب الإنسانية واحترام الآخر كونها تعرف على أنها فن كسب الآخر أو فن معاملة الناس، فهي نشاط إنساني مرتبط بمستوى رقي وتقدم المجتمعات يجب منحه الأولويات ضمن الخطط الإستراتيجية التي تضعها مؤسسات الدولة لأن الإنسان هو المحور الذي تدور بشأنه كل المتغيرات. فإذا أردنا تحقيق التغيير في المجتمع وتنميته لابد من إعطاء العلاقات العامة دورها الصحيح لتحقيق هدفها السامي في خدمة الإنسان وتلبية حاجاته عند مراجعته للدائرة المعنية لأن ذلك يقع في لب الدفاع عن حقوق الإنسان وصيانة كرامته.
لذلك أصبح الإلمام بأدوات العلاقات العامة وإجادتها ليس رفاهية أو مجرد مسألة ثانوية عابرة، بل هي مهارات يجب إتقانها كي يتمكن العاملون بها من أداء دورهم الحقيقي المنوط بهم كونهم يمثلون رُسل دعاية لمؤسساتهم، فما زال ينظر إلى إدارة العلاقات العامة على أنها إدارة أشبه بالديكور يضع فيها المسئولون أو مدير المؤسسة من يريد لأنها لا تخرج عن كونها عملاً بلا أي مهام، تلك هي الصورة الذهنية المطبوعة في الأذهان عن العلاقات العامة في دوائرنا ومؤسساتنا الحكومية. وبالتالي تصبح إدارة العلاقات العامة بهذه المؤسسات مجرد لافتة لا تحمل أي مضمون فعلي ولا تكون لها عناصر أو مقومات فعلية حقيقية، فأغلب المؤسسات لم تقتنع بعد بفائدة وجود إدارة للعلاقات العامة.
ويعزز هذه الحقيقة تطابق الحال على العديد من الدوائر الحكومية، فحينما يراجع المواطن أية دائرة من الدوائر يشعر ببعض من استلاب الكرامة وإساءة المعاملة المنطوية على جزء من الإهمال وبعض الممارسات الخاطئة في معالجة الأمور نتيجة لسوء اختيار العناصر العاملة في هذا المجال، على الرغم من أن هذه الإدارة تشكل واجهة المؤسسات والقادرين على نقل الصورة الحقيقية للخدمات التي تقدمها الهيئات أو الدوائر وخلق صورة مشرقة، ونتيجة ذلك أن هناك فعلاً بعض من المؤسسات والهيئات تقدم خدمات حقيقية وفعلية ولكن لا تعرف كيف تسوق خدماتها بالشكل الصحيح لعدم التفات أغلب الإدارات العليا فيها إلى دور إدارة العلاقات العامة وإعطائها الحجم والمكانة اللازمين.
وغالباً ما يكون نقص المعلومة وعدم وصولها كاملة هي أحد أسباب الخلاف، فدور إدارة العلاقات العامة في هذا المجال ينصب على تنمية مهارات الاتصال عند هؤلاء العاملين وتزويدهم بالمعلومات الكافية عن المؤسسة كما يلزم تنظيم دورات تدريبية في فنون الاتصال وأساليب التأثير والإقناع لجميع العاملين الذين لهم اتصال مباشر بالجمهور وإمدادهم بالمعلومات الكافية عن المؤسسة التي يعملون بها وعن برامجها وانجازاتها وأهدافها لكي يكون اتصالهم بالمراجع مدعماً بالحقائق المؤكدة والبيانات الصحيحة.
فموظف الاستعلامات هو الشخص الذي تقوم من خلاله المؤسسة بشرح خدماتها والدور الذي تقوم به في المجتمع بأسلوب سهل صادق ودقيق وإعلام المراجعين بسياسة المؤسسة وتعريفهم بأي تعديل أو تغيير وإضافة إلى نشاطها وتزويدهم بكافة المعلومات لمساعدته على تكوين رأي عام مبني على أساس من الحقائق والإجابة عن الاستفسارات والأسئلة عن طريق مكاتب الاستعلامات التي هي بحاجة إلى رعاية واهتمام أكثر والاعتناء بتخصيص مكاتب خاصة لهؤلاء الموظفين وتأثيثها لإضفاء الهيبة.
فموظف الاستعلامات هو الخط الأول لدعم سمعة المؤسسة ويمثل الاحتكاك المباشر مع المراجعين، لذلك فإن عليه أن يتحلى بصفات إنسانية نبيلة لكي يستطيع من خلالها أن يرتقي إلى التعامل الإنساني الجميل ويعد مجال عمله تحدياً له في التمتع في صفات ضبط الانفعالات والتحكم بها، فيرى علماء النفس أن العمل الذي يعدل علاقات الفرد بالعالم لا يمكنه أن يكون سوى نصر على نرجسية الإنسان، صحيح أن المستوى الثقافي والاجتماعي لأغلب المراجعين يحتاج إلى قدرات خاصة والى فهم أكثر لطبيعة وعقلية الأشخاص ولكن لا ضير، فأي عمل له مشاق، وقد اقترن العمل بالكدح والمشقة فقد قال عز من قائل : "إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه".
ونظرا لدور هذا المجال من الإدارة في تكوين الصورة الذهنية عن المؤسسة يجب وضع السياسات التي تحظى بثقة الجمهور واحترامه وتساعد على توطيد سمعة المؤسسة ونقاء صورتها في الأذهان والأخذ بالحسبان الوسائل والأساليب التي تحقق لهذا الاتصال أقصى درجة من الفاعلية والتأثير مما يتطلب أن يكون لدى الموظف بالعلاقات العامة القابلية المستمرة لبيع الأفكار إلى الآخرين والتأثير فيهم فما لم يكن البائع متحمساً لما يبيع فأولى أن يزهد في الشراء منه ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق الإحساس بالولاء والانتماء للعمل ورفع الروح المعنوية له.
هناك قاعدة أساسية تقول أن العلاقات العامة لا بد أن تبدأ من الداخل لتتجه بعد ذلك إلى الخارج حيث أن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن العسير أن يعامل موظف العلاقات العامة مراجعي المؤسسة بروح الود والتفاهم إذا كان هو نفسه لا يلقى هذه المعاملة من الإدارة.
فاحتلال العلاقات العامة مكانتها الصحيحة في الأجهزة الحكومية احتياج حقيقي يتطلب ضرورة دراسة المشكلات التي تعانيها إدارة العلاقات العامة والعمل على تنمية مواردها البشرية والمادية لتعميق مفهومها كمهنة أساسية في المؤسسات والدوائر لا تقل أهمية عن غيرها من الوظائف الإدارية لتحقيق السمعة الطيبة للمؤسسة وتوضيح صورتها ومكانتها.
والاهتمام بهذا الجانب ليس شيئاً بعيدا أو منفصلاً عن إنسانيتنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية الرفيعة، فالشعور بالآخرين والتواصل معهم والابتسامة في وجه المراجع التي هي صدقة من وجهة نظر الشرع وجزء من علم الإدارة الذي يدعو إلى العمل بمبدأ "ابتسم وصافح" هي عبارة عن مبادئ سامية ونبيلة وحضارية.
فالابتسامة هي جزء من بناء العلاقات العامة لأن الناس تتذكر من يبتسم أكثر من الناس الذين لا يبتسمون وهي عبارة عن تحية صامتة توحي إلى الناس على أن صاحبها يتمتع بشخصية سوية ومتزنة، فالعبارة الواضحة والصوت العذب هما مفتاح الاتصال وأساس استمراره كما أن الحرص ضروري حتى لا تؤدي زلة لسان إلى مشكلات يصعب حلها وعدم الغلظة بالتعامل مع الآخرين، فالحصافة واللباقة هما الأساس للتفاهم والتعاون ومواجهة المشكلات بهدوء وسماحة الوجه وحسن الهندام وفن الإنصات بأن يعرف الشخص متى يتكلم ومتى ينصت والشجاعة والقدرة على حل المشكلات دونما حاجة إلى القدح المباشر والتلفظ بألفاظ نابية، وتعلم المهارات الحياتية التي تكسب الشخص كيفية التحاور والتفاوض والاتصال من الشروط الضرورية الواجب اكتسابها لإرساء قواعد هذا الفن على أسس علمية لكي يأخذ دوره في التأثير وتكوين الرأي العام الجيد بشأن الخدمات التي تقدمها المؤسسة.
يستدعي ذلك تصميم برامج دقيقة لتكفل نجاح هذا الجانب من جوانب الإدارة وتشكيل لجان مشتركة من إدارة المؤسسات والأفراد العاملين في هذا المجال لكي ترسم سياسة المؤسسة ونشاطاتها نحوهم على أسس واقعية وفي ضوء الإمكانات المتاحة بدلاً من الاعتماد على الجهود الفردية وغير المخططة وغير واضحة الأهداف في هذا المجال انطلاقاً من مبدأ عدم الاستهانة بأي مفصل من مفاصل الإدارة وأن أي نجاح في العملية الإدارية هو نجاح لا يستحق أن يستهان به فالنجاحات الصغيرة هي مفتاح لنجاحات أكبر.
ساحة النقاش