أ ) تعريفُ التيمم : مسحُ الوجهِ واليدينِ بترابٍ طَهورٍ على وجهٍ مخصوصٍ. ب) شروطُ التيمم : يُشترط لصحّةِ التيمّمِ ثمانيةُ شروط: 1-5: النيّةُ، والإسلامُ، والعقلُ، والتّمييزُ، والاسْتِنجاءُ أو الاسْتِجْمارُ؛ لما تقدّم في الوضوء. 6- دخولُ وقتِ الصّلاةِ: فلا يصحُّ التيمّمُ لصلاةٍ قبلَ وقتِها،ولا لِنافِلةٍ في وقت النَّهْي؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً: «جعلت الأرضُ كلُّها لي ولأمّتي مسجداً وطهوراً؛ فأينما أدركتْ رجلاً من أمّتي الصلاةُ؛ فعنده مسجدُه وعنده طهورُه» [رواه أحمد]. 7- تعذُّرُ استعمالِ الماءِ: إما لعدمِه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَد منكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾ [النساء:43]، وقوله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الصَّعيدَ الطيِّبَ طهورُ المسلم، وإن لم يجدِ الماءَ عشر سنين؛ فإذا وجدَ الماءَ فَلْيُمِسَّه بشرَته؛ فإنّ ذلك خير» [رواه أحمد والترمذي وصحّحه]. أو لخوفِ الضَّررِ من استعماله؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى﴾، ولحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمتُ في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيمّمت ثم صليت بأصحابي الصبح؛ فلمّا قدمنا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟!»؛ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله عز وجل يقول: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء:29] ؛ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل شيئاً. [رواه أحمد، وأبو داود]. * وجوبُ طلبِ الماءِ وبذلِه: - يجبُ على من عَدِم الماءَ إذا دخلَ وقتُ الصَّلاةِ: البحثُ عن الماءِ وطلبُه. - ويجبُ بذلُ الماءِ لعطشانٍ من آدميٍّ أو بهيمةٍ محترمَيْن؛ لأنّ الله تعالى غفر لبغيٍّ بسَقْي كلبٍ؛فالآدميُّ أولى. قال ابنُ المنذر: أجمع كلُّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ المسافرَ إذا كان معه ماءٌ، وخشي العطشَ أنّه يُبقي ماءَه للشربِ ويتيمّم. - ومن وجد ماءً لا يكفي لطهارتِه: استعمله فيما يكفي وجوباً، ثم تيمّم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [متّفق عليه]. وإنْ وصلَ المسافرُ إلى الماءِ وقد ضاقَ الوقتُ، أو علمَ أنّ النوبةَ لا تصلُ إليهِ إلّا بعد خروجِ الوقت: عَدَلَ إلى التيمّم؛ محافظةً على الوقتِ. - وأمّا غيرُ المسافرِ: فلا يعدلُ إلى التيمّم ولو فاته الوقتُ. - ويحرم عليه إراقةُ الماءِ الذي معه، أو أنْ يمرّ به ويمكنُه الوضوءُ ولا يتوضّأ؛ إذا كان يعلم أنّه لا يجدُ غيرَه في الوقتِ؛ لما في ذلك من التّفريط. فإن تيمّم بعد ذلك وصلّى: لم يعد الصّلاة. - وإنْ وجدَ مُحدِثٌ -ببدنِه وثوبِه نجاسةٌ- ماءً لا يكفِي: وجب عليه غسلُ ثوبِه أوّلاً، ثمّ إنْ فضل شيءٌ غسلَ بدنَه، ثمّ إنْ فضل شيءٌ تطهّر، وإلا تيمّم، وصلّى. * ما يُتمّم له من الأحداثِ وغيرِها: - يَصِحُّ التَّيمّمُ لكلِّ حدثٍ؛ لعموم آية التيمّم، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: «عليك بالصَّعيدِ فإنّه يكفيك» [متفق عليه]. - وللنّجاسةِ على البدنِ بعد تخفيفِها ما أمكن؛ لأنّها طهارةٌ على البدن مشترطةٌ للصّلاة؛ فناب فيها التيمّمُ كطهارةِ الحدثِ. فإن تيمّم لها قبلَ تخفيفِها: لم يصحَّ؛ كالتيمّم قبلَ الاستجمارِ. 8- أنْ يكونَ بترابٍ طَهورٍ مباحٍ غيرِ محترقٍ له غبارٌ يعلقُ باليدِ: لقوله تعالى: ﴿ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا﴾. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الصّعيدُ: ترابُ الحرثِ» [رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وحسنه ابن حجر]. وقال تعالى: ﴿فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾؛ وما لا غبارَ له لا يُمسحُ بشيءٍ منه. وإن ضرب يدَهُ على بساطٍ أو شعرٍ ونحوه فعلق به غبارٌ جاز؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم ضرب بيده الجدار، ومسح وجهه ويديه. [متّفق عليه]. * صلاةُ فاقدِ الطَّهورَيْن (الماء والتّراب): إن لم يجد فاقدُ الماءِ التّرابَ الطّهورَ المباحَ غيرَ المحترقِ: صلّى الفريضة فقط دون النّوافل على حسبِ حالِه، ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ في الصّلاةِ؛ من قراءةٍ وغيرها، ولا إعادة عليه؛ لأنّه أتى بما أُمر به، ولحديث عائشة رضي الله عنهـا أنّها استعارت من أسماء قلادة فهلكت-أي: ضاعت-، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلمّا أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه فنزلت آية التّيمّم. [متّفق عليه].
فصــل (واجباتُ التيمّمِ، وفروضُه،ومبطلاتُه، وصفتُه)
أ ) واجباتُ التيمّمِ: واجبُ التيمّمِ: التسميةُ، وتسقط سهواً؛ قياساً على الوضوء. ب) فروضُ التيمم: فروضُ التيمّمِ خمسةٌ: الأوّلُ: مسحُ الوجهِ. الثّاني: مسحُ اليدينِ إلى الكوعين (الرُّسْغين)؛ لقوله تعالى: ﴿ فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾ ، واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع؛ بدليل قطع يد السارق، ولما ثبت في حديث عمار رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إنّما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا: ثم ضرب بيديه الأرض ضربةً واحدةً، ثم مسح الشِّمال على اليمين، وظاهر كفّيه ووجهه» [متفق عليه، والسِّياق لمسلم]. الثالث: التّرتيبُ في الطّهارةِ الصُّغرى (الوضوء)، لا في الطهارة الكُبرى (الغسل): فيلزمُ مَنْ ببعض أعضاءِ وُضوئِه جُرْحٌ إذا توضّأ: أن يتيمّم له عند غسله لو كان صحيحاً. قال في الإنصاف: قال الشيخ تقي الدين: ينبغي أن لا يرتّب، وقال أيضاً: لا يلزمه مراعاةُ التّرتيبِ، وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره. الرابع: المــوالاةُ: فيلزمُه أن يعيدَ غسلَ الصَّحيحِ عند كلِّ تيمّم؛ فلو كان الجُرح في الرّجل؛ فتيمّم له عند غسلها، ثمّ خرج الوقت: بطل تيمّمه، وبطلت طهارته بالماء أيضاً؛ لفوات الموالاة؛ فيعيد غسل الصّحيح، ثمّ يتيمّم له عقبه. الخامس: تعيينُ النِّيّةِ لما تيمّم لهُ من حدثٍ أو نجاسةٍ؛ فلا تكفي نيّةُ أحدِهما عن الآخرِ، وإن نواهما جميعاً: صحّ تيمّمه، وأجزأه؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات » [متّفق عليه]. ج- مبطلاتُ التيمم: مبطلاتُ التَّيمُّمِ خمسةٌ: 1- كلُّ ما يُبطلُ الوضوءَ؛ لأنّه بدلٌ عنه. 2- وجودُ الماءِ إنْ كان تيمُّمه لعدمِه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «فإذا وَجدَ الماءَ فَلْيُمِسَّه بشرَته». 3- خروجُ وقتِ الصّلاةِ؛ لما رُوي عن علي وابن عمر رضي الله عنهما في ذلك. 4- زوالُ المبيحِ لهُ. 5- خلعُ ما مسحَ عليه. - وإن وجدَ الماءَ وهو في الصلاةِ: بَطَلَتْ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : «فإذا وَجدَ الماءَ فَلْيُمِسَّه بشرَته». وإن انقضتْ صلاتُه لم تجبِ الإعادةُ؛ لأنّه أدى فريضةً بطهارةٍ صحيحةٍ، ولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمّما صعيداً طيّباً فصلّيا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبتَ السنّة وأجزأتكَ صلاتُك». وقال للّذي توضأ وأعاد: «لك الأجرُ مرّتين» [رواه أبو داود والنّسائي، والسياق لأبي داود]. هـ- صفةُ التيمم : صفةُ التَّيمُّمِ: أن ينويَ، ثم يُسمِّي، ويضربُ الترابَ بيديهِ مُفَرَّجَتَيْ الأصابعِ ضربةً واحدةً؛ لحديث عمار رضي الله عنه السّابق. والأحوطُ ضربتانِ، بعدَ نزعِ خاتمٍ ونحوهِ؛ ليصلَ التُّرابُ إلى ما تحتَهُ. قال المرداوي: الصحيح من المذهب أن المسنون والواجب ضربةٌ واحدةٌ؛ نصّ عليه، وعليه جمهور الأصحاب، وقطع به كثيرٌ منهم. فيمسحُ وجهَهُ بباطنِ أصابعِهِ وكفَّيْهِ براحتَيْهِ؛ إن اكتفى بضربةٍ واحدةٍ، وإن كان بضربتينِ مسحَ بأُولاهُما وجهَهُ، وبالثانيةِ يديْهِ. ويُسَنُّ لمنْ يرجُو وجودَ الماءِ تأخيرُ التَّيمُّمِ إلى آخرِ الوقتِ المُختارِ؛ لقول علي رضي الله عنه في الجُنُبِ: «يَتَلوَّمُ-ينتظرُ- ما بينه وبين آخرِ الوقتِ» [رواه ابن أبي شيبة والدارقطني بإسناد ضعيف]. ولهُ أن يصليَ بتيمُّمٍ واحدٍ ما شاءَ من الفرضِ والنَّفْلِ، لكنْ لو تيمّمَ للنَّفلِ لمْ يستبحِ الفرضَ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نَوى» [متّفق عليه].
|
ساحة النقاش