كان الطفل مونتي روبرتس ابناً لمدرب خيول قضى حياته متنقلا من ولاية إلى ولاية، ومن مزرعة إلى أخرى، ومن مضمار سباق إلى آخر، وذلك مقابل أجر ليس بالكثير، لأجل تدريب خيول أولئك الراغبين في إشراكها في السباقات، ولهذا كانت طفولة مونتي غير مستقرة إلى حد بعيد، في ظل هذا التنقل المستمر لعائلته.
وذات يوم، وفي واحدة من الحصص الدراسية في واحدة من المدارس الابتدائية التي التحق بها مونتي، طلب المعلم من التلاميذ أن يكتبوا موضوع إنشاء عما يريدون تحقيقه عندما يكبرون، فقضى مونتي تلك الليلة ساهرا يكتب موضوعه في سبع صفحات، واصفا حلمه لامتلاك مزرعة كبيرة يربي فيها أجود أنواع الخيول، غائصا في التفاصيل إلى حد أنه رسم مخططا توضيحيا لأشكال ومواقع المباني والحظائر ومضامير الخيل، وحجم وشكل المنزل الذي سيسكنه.
استودع مونتي في تلك الليلة كل أحلامه وشغفه بين سطور تلك الأوراق السبع، وسلمها في الصباح التالي لمعلمه. لكنه بعد يومين وحينما استلم الأوراق مرة أخرى، فوجئ بوجود علامة F كبيرة عليها، ومعها ملاحظة مكتوبة بقلم معلمه يطلب فيها مقابلته بعد الحصة الدراسية.
وبالفعل، ذهب مونتي ومعه أوراقه التي عليها علامة F والتي فيها حلمه بامتلاك مزرعة للخيول، ليقابل معلمه بعد تلك الحصة الدراسية، فسأله: لماذا أعطيتني علامة الرسوب يا سيدي؟ أجاب المعلم: حلمك غير موضوعي ولا يمكن تحقيقه، خصوصا لمن هو في مثل وضعك يا بني. من أين ستأتي بالمال اللازم لشراء الأرض وإنشاء المزرعة وشراء الخيول الجيدة، ومن ثم الإنفاق على الاعتناء بها وتدريبها؟ لا يمكن لك بحال من الأحوال أن تتمكن من ذلك. لكن اسمع، سأعطيك الفرصة لإعادة كتابة موضوع الإنشاء بطريقة أكثر واقعية، ولعلي سأراجع الدرجة التي أعطيتك إياها حينئذ.
عاد مونتي إلى منزله وفكر في الأمر طويلا، ثم استشار والده طالبا منه النصيحة، فقال له أبوه: اسمع يا مونتي، أنت من عليه أن يتخذ القرار بهذا الشأن، ولكن كل ما أستطيع قوله لك هو أن هذا القرار سيكون مهما بالنسبة لك، ويجب أن تتخذه بشكل سليم فلا تستعجل.
وبعد مرور أسبوع قضاه مونتي في التفكير في الموضوع، عاد إلى معلمه، قائلا له: يمكنك أن تبقي علامة الرسوب F على ورقتي، وسأبقى أنا محتفظا بحلمي!
هذه القصة حكاها مونتي روبرتس بنفسه، وقد وجدتها مكتوبة منذ مدة في مكان ما، لكن الجميل هو أن مونتي روبرتس يمتلك ويعيش اليوم في منزل كبير جدا، في واحدة من أكبر مزارع تربية الخيول في الولايات المتحدة، حيث لديه عشرات خيول السباق الرائعة وغالية الثمن. يقول مونتي الذي لا يزال يحتفظ بتلك الأوراق التي عليها علامة F، وقد وضعها في إطار علقه فوق المدفأة في غرفة المعيشة في منزله، إنه قد التقى بذات المعلم بعد سنوات طويلة واستضافه في مزرعته، وأن المعلم قال له حينها: اسمع يا مونتي، بعد كل هذه السنوات، وبعدما التقيت بك في ذات المزرعة التي كنت تحلم بها وكنت أظنها مستحيلا، علمت بأني عندما كنت معلما، كنت من سرَّاق الأحلام، وقد سرقت بالفعل عشرات الأحلام من تلاميذي، كما حاولت أن أفعل معك أيضا، لكنك لحسن الحظ، كنت تمتلك من الإصرار والعزيمة ما يكفي لمنعي من سرقة حلمك.
مرادي من هذه القصة التي لعلها تبدو حالمة بعض الشيء أيضا، وأبدو معها وكأني بالفعل قد تخصصت في القصص الحالمة كما يقول لي بعض الأصحاب، هو السؤال عن كم من الأحلام والطموحات والآمال التي يتخلى عنها الإنسان في مسيرة حياته؟ كم مرة انكسرت نفس الواحد فينا وتخاذلت روحه عن التشبث بما كان يحلم به ويريده، بمجرد ما اعترضت طريقه الصعوبات؟ كم من مرة استسلم لليأس وترك حتى مجرد المحاولة، لأنه رأى أو أن غيره أخبره أن تحقيق ذلك مستحيل؟
وكم مرة كنا نحن فيها من سرَّاق الأحلام مثل ذلك المعلم سارق الأحلام، معلم مونتي، فقمنا بسرقة أحلام من حولنا، إما بتثبيط همتهم وتخويفهم من المجهول، وإما بالتندر على أحلامهم وطموحاتهم؟ وإما بعدم الاكتراث بهم ومساعدتهم؟ كم مرة مارسنا هذا الدور السلبي مع أبنائنا وأحبتنا، فلم نعر أحلامهم اهتماما، ولم ننصت لهم، ولم نحاول تشجيعهم؟!
يقول والت ديزني صاحب الإمبراطورية المعروفة، التي أستطيع أن أقول بأنها صارت اليوم هي الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، "كل حلم يمكن أن يصبح حقيقة، إن كنت تملك العزيمة للتشبث به وللسعي لتحقيقه". وسأقول لذلك: إياكم أن تسمحوا لأحد أن يسرق منكم الحلم.. إياكم أن تسمحوا لأحد أن يقتل فيكم الطموح.. وإياكم أيضا أن تكونوا أنتم من سرَّاق الأحلام، عليهم من الله ما يستحقون!