زفّة – قصّة قصيرة
نزار سرطاوي
1
أقبل بقميصه الأبيض وبنطاله الكحلي. نظيفاً كان ومبتسماً . استقبلته ثلّةٌ من الحشد بالتصفيق والنشيد التقليدي: "طلع الزين من الحمّام. الله واسم الله عليه". انخرط الجميع في "الزفّة". حملوه على فرس وطافوا به في أزقة القرية وهم يرددون الأناشيد، تتقدمهم "فرقة الدبيّكة". وراءهم سارت النسوان وقد علت أصواتهن بالغناء، وانطلقت الزغاريد.
توقفت الجموع عند باب البيت الكبير. الباب مفتوح على مصراعيه. العروس التي لم يرها أحد في ذلك اليوم تنتظر هناك في إحدى غرف الدور الأول. عليه أن يسير وحده لمسافة عشرة أمتار على الأقل ثم يصعد درجات السلّم الخارجي ليصلَ إلى هدفه. أحاطت به طائفةٌ من رفاقه. غنّوا له قليلاً ثم أفسحوا له الطريق ليمضي. انسلّ من بينهم على استحياء، يسير مطأطئَ الرأسِ متثاقلَ الخطا.
فجأة ظهرت العصيّ – عصيّ نحيلة طرية من شجر الرمان لا يعلم أحد أين كانت تختبئ . لحقوا به وانهالوا عليه ضرباً. أحس بالضربات تلسع ظهره وردفيه. أطلق ساقيه للريح لا يلوي على شيء. لحقوا به، لكنه كان قد وصل أولى درجات السلم. راح يرتقيه قفزاً إلى أن اختفى عن الأنظار. أما رفاقه فعادوا وهم يقهقون بأعلى أصواتهم.
2
قلت لمحدثي: "ويحك! هذه من قصص القرن الفارط. أو لعلها من نسج خيالك".
ضحك بخبث وهو يبتعد: "بل من قصص المستقبل... غداً".
غداً! تذكرت أننا مدعوان إلى حفل زفاف صديقٍ لنا. ضجّت في رأسي روح الجماعة "أريد عصا... ممكن؟" لوّح بيده ومضى دون أن يجيب.
ساحة النقاش