<!--<!--<!--
إدارة الموارد البشرية : النشأة والتطور والمفهوم والوظائف
Human Resources Management : Evolution and Development and Concept and Functions
إعداد : أ. وائل محمد جبريل
Prepared by: WAEL M.GBREL
مُحاضر مساعد بقسم إدارة الأعمال ـ كلية الاقتصاد ـ جامعة عمر المختار
Assistant Lecturer, Department of Business Administration Faculty of Economics-University of Omar Al-Mukhtar
2009
1 ـ المقدمة :
يتباين الكتاب في تعبيرهم عن النشاط المسؤول عن إدارة العنصر البشري في المنظمة ، فمنهم من يستخدم مصطلح إدارة الأفراد قاصداً بذلك إدارة الأفراد العاملين في المنظمة ، ومنهم من يستخدم مصطلح إدارة الموارد البشرية ليقصد بها ذلك النشاط المسؤول عن إدارة المورد البشري سواء ما كان منها ضمن قوة العمل ... للمنظمات أو / من هم قادرين على العمل ولم تتهيأ لهم فرصة العمل في منظمة محددة ، ويذهب فريق ثالث إلى النظر إلى النشاط من وجهة نظر محاسبية وبعده النشاط المسؤول عن إدارة رأس المال البشري في المنظمة مركزين في ذلك على اعتبار العنصر البشري في المنظمة أصل من الأصول المهمة التي يجب أن تراعي المنظمة في الحصول عليه واستخدامه معياري الفائدة والكلفة المتحققة .
وتجمع الاتجاهات الثلاثة على أن النشاط الخاص بالعنصر البشري في المنظمة ، وبغض النظر عن المصطلح المستخدم لوصفه ، يعتبر من الأنشطة المهمة ، لا بل النشاط الذي يمكن أن يكسب المنظمة ميزة تنافسية غير قابلة للتقليد من قبل المنافسين كونه يتعامل مع الإنسان الذي لا يمكن تقليده في حاجاته ورغباته وتوقعاته ، علاوة على أن الاتجاهات الثلاثة تتفق على أن حقل إدارة الموارد البشرية نشا وتطور إلى ما وصل إليه ضمن مراحل تاريخية كانت بداياتها مع بدايات الفكر الإداري ممثلاً بمرحلة ما قبل الإدارة العلمية ومر عبر مخاض تاريخي وحقب زمنية استجاب فيها للتغييرات البيئية الخارجية والتغييرات في بيئة المنظمات وتركيبة الموارد البشرية فيها ، فكانت البدايات مع نشاط استمد اغلب أفكاره ومبادئه من حقول قريبة كالعلاقات الصناعية واقتصاد العمل وعلم النفس الصناعي وعلم الاجتماع الصناعي وعلم الأنثروبولجيا وعلم السلوك التنظيمي وعلم النفس الاجتماعي والعلم السياسي والإدارة العامة ، تفاعلت تلك الحقول فيما بينها مكونة حقل أطلق عليه بإدارة العاملين ثم إدارة الأفراد ، فإدارة الموارد البشرية وأخيراً إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية ليشكل الأخير تعبيراً واضحاً عن إدارة مسؤولة عن تحقيق المواءمة بين المنظمة والبيئة من خلال تحقيق المواءمة بين الفرد والمنظمة والفرد والبيئة ، ونظراً لكون تلك الإدارة استحدثت مبادئها من خصائص المرحلة الزمنية التي مرت خلالها فقد ارتأينا تناول ماهية ونشأة إدارة الموارد البشرية في هذه الورقة وضمن المحاور الآتية :
ثانياً ـ إدارة الموارد البشرية قبل التصنيع .
ثالثاً ـ مراحل تطور إدارة الموارد البشرية بعد مرحلة التصنيع .
رابعاً ـ العوامل التي ساعدت على الاهتمام بإدارة الموارد البشرية .
خامساً ـ تعريف إدارة الموارد البشرية .
سادساً ـ وظائف إدارة الموارد البشرية
2- إدارة الموارد البشرية قبل التصنيع (1) :
تميزت تلك الفترة بالاعتماد الكلي على الصيد والزراعة وفيها لم يكن لنشاط إدارة العنصر البشري اهتمام واضح ، حيث أن التجمعات الزراعية أو لأغراض الصيد كانت تنشأ بشكل عفوي بعيداً عن الإدارة المنظمة التي تستند إلى مباديء واضحة أو أدلة عمل ، والمتعمق في تاريخ الفكر الإداري يرجع جذوره إلى الحضارات القديمة وفيها يجد بعض الملامح لتطبيقات الإدارة بشكل عام وإدارة الموارد البشرية بشكل خاص ، حيث يجد ذلك واضحاً في الحضارة البابلية التي كان من أهم نتاجها مسلة حمورابي ، وفي حضارة وادي النيل التي تمثلت أهم ثمارها في بناء الأهرامات ، وحضارة الصين القديمة التي كان بناء سور الصين أهم ملامحها الأساسية ، وهنا يتساءل المرء أليس وراء تلك الإبداعات الحضارية الكبيرة إدارة تخطط وتوجه وتقود وتحفز وتدفع باتجاه الإنتاج الجيد والكفؤ، فبالرغم من أن السمة السائدة للتجمعات آنذاك كانت زراعية فقد توجهت جهود لا بأس بها وأثمرت في بناء حضارات عريقة قائمة على أساس تنظيم وتعبئة الجهد البشري باتجاه أهداف كانت تعتبرها تلك الحضارات مهمة في بناء مجتمعاتها آنذاك .
وبالرغم من شيوع استخدام بعض المبادئ الإدارية في تلك الفترة ألا أن العملية الإدارية تركزت حول استخدام الأرض والموارد البشرية لتحقيق أهداف محددة هي الإنتاج الزراعي ، علاوة على وضوح صفة الدمج بين الملكية والإدارة لهذا كان القطاع الزراعي أحد أشكال الإدارة المستخدمة في حقل الزراعة ، حيث كان المالك المدير هو الذي ينظم ويوجه وينسق ويقيم الأفراد العاملين في الاقطاعات الزراعية.
يستخلص مما تقدم بأن إدارة الموارد البشرية لم تكن معروفة كما تعرف عليه الآن خلال هذه الفترة وذلك لضعف النشاط الوظيفي في المنظمات الزراعية ويتضح الأمر نفسه بالنسبة للإدارات الوظيفية الأخرى كالإنتاج والتسويق والمالية وغيرها .
ـــــــــــــــــ
1) خالد عبدالرحيم الهيتي ، إدارة الموارد البشرية ، عمّان : دار الحامد ، 1999، ص ص : 19-21.
3- مراحل تطور إدارة الموارد البشرية (1):
يعتبر التصنيع نقطة البداية التي نبهت إلى ضرورة إعادة النظر بكيفية إدارة الموارد البشرية ، حيث أن ظهور المنظمات الصناعية وتنوع أنشطتها واستخدمها لأنظمة الإنتاج علاوة على التغيير في التركيبة المهارية والثقافية للموارد البشرية كانت العوامل الحاسمة لظهور حقول إدارية متخصصة ومنها إدارة الموارد البشرية التي بدأت تحت تسمية إدارة الأفراد وتطورت إلى أدارة الموارد البشرية الإستراتيجية في الوقت الحاضر .
وبالرغم من المزايا الكثيرة التي رافقت مرحلة التصنيع والمتمثلة بالتقدم الصناعي للعمل وتقليل الاعتماد على الجهد البشري واستخدام آليات الرقابة المركزية للعمل والتخصص ، الاّ أن هذه المرحلة لم تخلو من الكلف التي حفزت باتجاه التفكير بحقل يتخصص بمتابعة الموارد البشرية خارج المنظمة والعناية بها منذ لحظة دخولها إلى المنظمة وحتى لحظة انتهاء علاقتها البشرية خارج المنظمة والعناية بها منذ لحظة دخولها إلى المنظمة وحتى لحظة انتهاء علاقتها بها ، فساعات العمل الطويلة وأساليب التهذيب المشددة وزيادة الرقابة والضجر في العمل واستبدال الجهد البشري بالآلة والاعتمادية العالية بين الوظائف وسوء ظروف العمل ، كلها عوامل ساعدت في رسم بدايات إدارة الموارد البشرية متزامنة مع حركة التطور في الفكر الإداري بشكل عام ، ونظراً لأهمية هذه الحقب التاريخ فسيتم تناولها على النحو الآتي :
3-1 مرحلة ما قبل حركة الإدارة العلمية:
تميزت تلك الفترة والتي تمتد إلي القرن السابع عشر والثامن عشر بظهور الكثير من الكتابات التي نبهت إلي ضرورة الاهتمام بالعنصر البشري بشكل عام والعنصر البشري خلال فترة العمل بشكل خاص.فقد ركز كتاب Robert Owen في العام 1771 علي ضرورة تبني نظرة جديدة للمجتمع من خلال بنائه لقرية العمل العصرية في مصنعه للقطن في اسكتلندا , حيث كان الصالح العام للعاملين هدفه الأساسي في إجراء تغيير داخل المصنع، وكان لكتاب Adam Smith في عام 1776 المعنون ثروة الشعوب ومن بعده كتاب Charles Babbage في عام 1832.
ـــــــــــــ
1) انظر في ذلك إلى كل من :
- خالد عبدالرحيم الهيتي ، المرجع السابق ، ص :21.
- الصديق منصور بوسنينة وسليمان الفارسي ، الموارد البشرية : أهميتها . تنظيمها . مسؤوليتها . مهامها ، طرابلس : أكاديمية الدراسات العليا ، 2003 ، ص : 15.
اقتصادية الآلة والتصنيع , وكتابAndrew في عام 1835 المعنون "فلسفة التصنيع الأثر البالغ في ظهور بعض الأفكار والمبادئ التصنيع بإدارة الموارد البشرية", حيث ظهرت تلك المبادئ واضحة في تركيز Babbage علي مبادئ التصنيع كتقسيم العمل , علاوة علي تأكيده المنفعة المتبادلة بين العاملين وأرباب العمل , إذ إن العمل الجيد وتحسين الإنتاجية ينعكس بأجور أفضل للعاملين وأرباح أعلي لأرباب العمل وكما أكد في كتابة علي أساليب الدافعية المتمثلة بحوافز العمل والمشاركة في الأرباح وزيادة مشاركة العاملين في وضع خطط الإنتاج علي مستوي وحده العمل والمنظمة.
يستخلص مما تقدم بأن التغيرات البيئية التي دفعت باتجاه التصنيع والكتابات الرائدة الاقتصادية والإدارية المشار لها باتجاه تطور الفكر الإداري عامة, وظهور أنشطة وظيفية متخصصة كإدارة الموارد البشرية خاصة. تزامنت هذه التطورات مع تطورات خاصة بميدان العمل كان أهمها:
1: زيادة مستوي التفضيل للعمل .
2: التغير في مستوي المعيشة .
3: تحسن المستوي الثقافي العام وللعاملين علي وجه الخصوص .
4: زيادة الطلب علي تقليص وقت العمل.
5: زيادة وعي العاملين باتجاه الكفاءة والإنتاجية .
6: التغير في تركيبة الموارد البشرية وظهور مستويات مهارية مختلفة .
7: إدراك المنظمات للحاجات البشرية للعاملين .
8: التوجه الكبير باتجاه الكفاءة والإنتاجية .
9: التغير في عوامل البيئية الخارجية (السياسية – القانونية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والثقافية).
قادت هذه التغيرات إلي تحفيز أفكار جديدة كانت بداياتها بإدارة الأفراد التي بدأت بوظائف محددة توسعت وتطورت مع تطور الفكر الإداري بشكل عام . اتضحت هذه الأفكار في المدارس الإدارية ومداخلها التطبيقية .
3-2 حركة الإدارة العلمية :
يرجع نشأة إدارة الافراد كعلم له أصوله و مبادئه و أسسه إلي مطلع القرن العشرين و بشكل تزامن مع التطورات التي حدثت في علم إدارة الأعمال و الفكر الإداري , بعد ظهور حركة الإدارة العلمية , عندما نادي فريدريك تايلور F.Taylor بان زيادة الإنتاج و تحسين نوعيته لا يتمان إلا علي أساسين : الاختيار السليم للعاملين , و التوزيع الذي يتناسب مع قدراتهم و مهاراتهم علي الأعمال , من اجل أن يؤدي كل فرد أقصى إنتاجية مكنة , و قد صاغ تايلور نظريته علي أساس الفصل بين مهام الإدارة و جهود العاملين , فوظيفة الإدارة تعدل وفقاً لفلسفة حركة الإدارة العملية و التخطيط و التنظيم و المتابعة , و بينما يقتصر دور العاملين علي تنفيذ ما يكلفوا به من مهام و أعمال من قبل الإدارة , و قد اهتمت حركة الإدارة العلمية بتحديد أفضل الطرق و الأساليب المتخصصة باستخدام الفرد لجهده , و قد تبين تايلور و زملائه إن افتراضاته قد بنيت علي وجود نوع من التناقض بين مصالح الأفراد من جهة الإدارة - كممثلة لأصحاب الأعمال - من جهة أخرى , فالعامل يطالب بأجور مرتفعة دون أن يحاول زيادة مجهوده , و الإدارة تسعى إلي زيادة كمية الإنتاج و تخفيض تكلفته , و محاولة في معالجة هذه المسألة ( لتناقض ) فقد أوصى تايلور باستخدام مقاييس الحركة و الزمن لدى تحديد الأجور , و من منطلق هذا المفهوم ابتكر نظام الأجر التفاضلي و علي أساس القطعة , أي أن العامل يتقاضى معدلا اعلي للأجر بعد تحقيقه للمعدلات المعيارية أو القياسية للإنتاج .
و بالرغم من زيادة الإنتاجية و تحفيز العاملين من خلال العائد و الحوافز نتيجة تطبيقات تعليمات حركة الإدارة العلمية , فقد أدى ذلك و بنفس الوقت إلي سخط و تذمر العاملين , و قد ظهر هذا السخط واضحاً في اعتراض الحركات العمالية عليها , مما زاد الاهتمام من قبل رواد الإدارة العلمية و صاحب العمل بإيجاد وسائل أخرى تضمن خلق جو أفضل من الود و التفاهم و الرضا بين الإدارة و العاملين , و تم وقتئذ القيام بدراسات التعب و الإجهاد و تحليل العمل و توصيف الوظائف و تطوير نظم الحوافز و الأجور , فعلى سبيل المثال فقد أوصى البعض بضرورة إيجاد إدارة خاصة ينحصر نشاطها بمهام تنظيم و تطوير العلاقات بين الإدارة و العاملين علي أساس الاهتمام بتدريبهم و تنمية مواهبه و رعاية شئونهم الحياتية و تقديم الخدمات الاجتماعية و غيرها من الخدمات في محاولة إلي تقليل درجة السخط و استياء العاملين من ساعات العمل الطويلة و انخفاض الأجور و قسوة ظروف العمل و التنافس غير الشريف بينهم , و هكذا بدأت تظهر أفكار و أراء تنادي بأهمية تقسيم العملية الإدارية إلي أنشطة تهتم بالجوانب الإنسانية , باعتبار أن كلا الجانبين ضروري في الوصول إلي النتائج المحققة لأهداف المنظمة , و مما لا شك فيه , إن تطور إدارة الأفراد في ذلك الحين كان بطيئا , فحركة الإدارة العلمية ركزت في دائرة اهتماماتها الأولى علي زيادة الإنتاجية باستخدام بعض من الأساليب الحديثة كقياس معدلات الأداء و الوقت و الحركة , بينما لم تعر الجوانب النفسية و الاجتماعية و الثقافية للفرد أيه اهتمام انطلاقاً من تصورها أن الحاجات المادية هي الوحيدة المحددة لسلوك أداء الفرد , بعبارة أخرى نظرت الإدارة العلمية إلي الفرد كعنصر من عناصر الإنتاج المادية , و يمكن الحصول منه علي اكبر إنتاجية لقاء عوائد مادية , كان اهتمام الإدارة في عهد حركة الإدارة العلمية و بالإنسان ينصب علي الجانب الفسيولوجي فهي تهتم به كطاقة إنتاجية - تركزت علي قدرته من حيث الطاقة و سرعة الأداء و استمراريته و لم تنظر إليه كآدمي يحب و يكره , يحس و يتألم , يسعى و يطمح , و يؤثر و يتأثر , أي أن هناك دوافع نفسية و اجتماعية و ذاتية تكمن وراء خلق سلوكه و تصرفاته و ليس العائد المادي هو الدافع الوحيد لسلوكه .
3-3 حركة العلاقات الإنسانية :
يقود التتبع لمبادئ حركة العلاقات الإنسانية إلي الاستنتاج بان هذه الحركة لم تلغ مبادئ حركة الإدارة العلمية في مجال إدارة الأفراد وإنما انتبهت إلي جانب مهم في حياة الفرد العامل يتمثل بعلاقته بزملاء العمل والجماعات داخل المنظمة ، ففي الوقت الذي ركزت فيه حركة الإدارة العلمية علي المواءمة مابين الفرد والعمل من خلال الوظائف المشار إليها سابقاً ركزت حركة العلاقات الإنسانية علي المواءمة مابين الفرد والجماعة والجماعة والمنظمة والجماعة والجماعة داخل المنظمة إضافة إلي المواءمات التي ركزت عليها حركة الإدارة العلمية.
وعن طريق الربط بين أفكار ومبادئ الحركتين يمكن الاستنتاج بأن حركة الإدارة العلمية ركزت علي المبادئ الموحدة في تنظيم وسلسة القيادة والسلطة ونطاق الإشراف ,في حين ركزت حركة العلاقات الإنسانية علي التنظيم غير الرسمي ومعايير وضغوطات الجماعة وبرامج المشاركة والأخذ بنظر الاعتبار الخاصية المعقدة للإنسان ، انعكس التركيز في توجهات المدرستين إلي ظهور نظرية X و y التي اعتمدت مبادئ الحركتين وتوجهت بظهور نظرية Z من خلال دراسة تجارب الإدارية اليابانية التي قامت علي أساس المزج مابين مبادئ تمثل بأجور عادلة ليوم عمل عادل . برر Taylor هذا المبدأ بالفلسفة القائمة علي الافتراض بأن الدافع الأساسي لدي الفرد للعمل يتمثل بتعظيمه للنتائج الاقتصادية، وفي هذا التوجه يتضح بأن حركة الإدارة العلمية ركزت علي الطبيعة الفردية للمورد البشري في الوقت الذي أغفلت الدوافع الاجتماعية والنفسية للعمل.
يُلاحظ من خلال دراسة مبادئ الإدارة العلمية بأنها ركزت علي إدارة الأفراد بدلا من إدارة الموارد البشرية وفيها وضعت المبادئ الأولي لإدارة الأفراد العاملين متمثلة بتصميم أساليب العمل ووضع معايير العمل العلمية والاختيار والتدريب والحوافز والتركيز علي المكننة والتخصـص في العمل والفصل بين التخطيط والتنفيذ في صناعة قرارات المنظمة . ففلسفة إدارة الأفراد تقوم علي مبدأ زيادة الإنتاجية من خلال استخدام الأساليب العلمية في توجيه وإدارة العمل .
وبالرغم من أن حركة الإدارة العلمية وضعت الملامح الأولي لإدارة الأفراد إلا إنها وبتركيزها علي معيارية العمل قادت إلي زيادة حالات التذمر وانخفاض الرضا عن العمل وذلك بسبب التركيز علي الطابع الفردي في التعامل مع الفرد العامل .
ونتيجة للمشاكل التي انعكست بالتقيد الشديد بمبادئ حركة الإدارة العلمية واستناداً إلي نتائج دراسات مصانع هاثورن الأمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية تركز الاهتمام علي ضرورة زيادة الرضا عن العمل كونه السبيل إلي زيادة الإنتاجية . قاد هذا التوجه إلي ظهور حركة العلاقات الإنسانية التي قاد أفكارها Elton Mayo ، والتي تمت خلال الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن العشرين و بتأثير دراسات الهاوثرون بقيادة " ألتون مايو" و "روثلبرجر " تحول الاهتمام إلي العلاقات الإنسانية بدلا من العلاقات المادية التي سادت سابقاً في البلدان الصناعية في إدارة العنصر البشري , فقد أظهرت تلك الدراسات إن المنشأة أو المنظمة هي تنظيم اجتماعي , قبل أن تكون كياناً مادياً , و أن ما يؤثر علي إنتاجية الفرد ليس العائد المادي و بقية العوامل المادية فقط , و إنما أيضاً مشاعر و أحاسيس و عواطف الفرد و غيره من الأفراد , و ذلك بفضل العلاقات الاجتماعية التي تسود بينهم و أنماط القيادة و الإشراف و نماذج الاتصالات المتبعة من قبل الإدارة , و بذلك فقد ساهمت تجارب " ألتون مايو " و زملائه في بلورة مفاهيم في الإدارة , و في تعزيز دور إدارة الأفراد بصفة خاصة , فإذا أرادت المنظمة الوصول إلي أهدافها و تحقيق إستراتيجيتها علي أفضل نحو ممكن فعليها أن تولي العاملين لديها أهمية خاصة في التعامل معهم كبشر و تقوية خطوط الاتصال بينهم و بين الإدارة و مشاركتهم قد الإمكان في مناقشة البرامج و الخطط و الأهداف , و علي هذا الأساس فقد أولت مدرسة " العلاقات الإنسانية " اهتمام خاصا للتنظيمات غير الرسمية التي تنشأ بين الأفراد أثناء العمل و ترسيخ جذورها خارج العمل ليصبح تأثيرها في تحريك سلوكهم في العمل أقوى من تأثير التنظيم الرسمي و ما ينطوي عليه من أنظمة و قواعد و برامج و سلطات وظيفية .
وبالرغم من التطور النظري في المبادئ الإدارية إلا إن المصطلح الذي يشير إلي المورد البشري ظل حدود ما يسمي بإدارة الأفراد وبوضع تنظيمي ووظيفي غير محدد وحتى مطلع الستينات من هذا القرن والذي بشر بظهور ما يسمي بمدرسة الموارد البشرية .
و بالرغم من أهمية النتائج التي توصل إليها رواد حركة العلاقات الإنسانية و النجاحات التي حققتها في تحسين ظروف العمل و الأجور و مناصرة النقابات العملية لها , إلا أنها لم تحقق هدفها الأساسي بزيادة الإنتاجية و زيادة الرضا عن العمل وزيادة ولاء العاملين للمنظمة التي يعملون بها , و يرجع السبب في خطأ افتراضها القائل بأولوية الدوافع الاجتماعية - و إن لم تكن الوحيدة - في التأثير علي سلوك الفرد في الأداء , حيث استأثرت الجماعة و العلاقات الاجتماعية في حركة العلاقات الإنسانية باهتمام اكبر علي حساب الاهتمام بالفرد ذاته و الدوافع النفسية و الذاتية المحددة لنمط سلوكه , و بالتالي كل من له حاجات و خصائص , غيره من الأفراد , و من ناحية أخرى لا يمكن الجزم بصورة مطلقة , أن تحقيق أهداف المنظمات الغير رسمية كفيل بالوصول إلي أهداف المنظمة الرسمية , كذلك فقد أغفلت حركة العلاقات الإنسانية أهمية السياسات و الإجراءات و المعايير و قواعد العمل الجيدة في تزجيه سلوك العاملين نحو أهداف المنظمة , لهذه الأسباب و غيرها أثرها في التقليل من أهمية مدخل العلاقات الإنسانية بعدما أصبحت غير كافية وحدها لزيادة الإنتاجية و تحقيق مستويات عالية من الرضا .
و لكن , لابد من الإشارة إلي أن مدرسة العلاقات الإنسانية كانت بحق أساساً في دراسة العلوم السلوكية و مدخلاً جديداً في إدارة الأفراد , و قد استخدم مدخل العلوم السلوكية بفاعلية كبيرة في الخمسينيات من القرن العشرين , و تأخذ هذه المدرسة بسلوك الفرد و الجماعة و تفاعلات هذا السلوك في محيط الإدارة و دور القيادة في خلق العلاقات التي من شانها إثارة دوافع حاجاتهم وصلا إلي أفضل النتائج .
3-4 مدرسة إدارة الموارد البشرية :
خلال السبعينيات و الثمانينيات شاع استخدام مدخل الموارد البشرية , بما يكفل زيادة فعّالية المنظمة و إشباع حاجات العاملين في ذات الوقت باعتبار أن مصالح المنظمة و العاملين مشتركة و متسقة بين بعضها البعض إلي حد كبير, و من ثم لا يمكن تحقيق إحداها علي حساب الأخرى , و يركز مدخل الموارد البشرية علي أهمية إدارة الأفراد باعتبارهم موارد اقتصادية و ليس عنصراً من عناصر الإنتاج , بعبارة أخرى , ينظر إلي الأفراد وفقاً لهذا المدخل كبشر لهم حاجات و مشاعر و قيم و يمكن من خلال إشباعها زيادة الإنتاجية و تحقيق عوائد اقتصادية مرتفعة , وعلي هذا الأساس , يهتم مدخل الموارد البشرية بتحفيز الإدارة علي تصميم خطط و برامج للعاملين مع تحقيق أقصى مردود للمنظمة مع توفير بيئة عمل مناسبة تتيح لأفراد القوى العاملة مع تحقيق أقصى مردود للمنظمة مع توفير بيئة عمل مناسبة تتيح لأفراد القوى العاملة النمو و التطور و الاستخدام الأمثل لقدراتهم و مهارتهم .
وتقوم أفكار هذه المدرسة علي الافتراضات الآتية :
1 – تعمل المنظمة في بيئة تعتمد عليها في الحصول علي مواردها ومنها الموارد البشرية .وفي محاولة المنظمة الحصول علي مواردها البشرية فعليها أن تدرك حالة الحركية في البيئة والتي يمكن أن تعكس فرص وتهديدات تؤثر سلباً أو إيجابا في نوعية الموارد البشرية الآتية من البيئة .
2 – في محاولتها للتكيف مع حركة البيئية تحتاج المنظمة إلي إدارة متخصصة تتابع حركة الموارد البشرية خارج المنظمة وتهتم بتلك الموارد بهدف زيادة فاعليتها داخل المنظمة وتعيد تأهيلها بعد خروجها من المنظمة للاستفادة منها في نشاطات أخري .
3 – لتحقيق حالة التكيف مع التغيرات البيئة علي الإدارة المتخصصة بالمورد البشري أن تركز علي المواءمة الداخلية وكيفية تحقيق الاستخدام الأفضل للموارد البشرية في المنظمة والمواءمة الخارجية وكيفية الاستجابة للمتطلبات البيئية .
4 – للاستجابة للمتطلبات البيئية علي تلك الإدارة أن تضع في حسابها التنوع في أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والأخلاقية .
5 – أن الموارد البشرية في المنظمة كلفة وميزة في نفس الوقت وعلي إدارة الموارد البشرية أن تحقق أفضل توازن مابين الكلفة والميزة وذلك بتركيزها علي الاستخدام الكامل والصحيح للموارد البشرية، حيث يتحقق الاستخدام الكامل للموارد البشرية من خلال تشغيل كامل الطاقات البشرية في المنظمة المتاحة وما يمكن تحريكه من طاقات كامنة ، بينما يتحقق الاستخدام الصحيح من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب .وبهذين الاستخدامين يتحقق الاستخدام الأفضل للموارد البشرية .
6- تخضع حركة الفرد من البيئة إلي منظمة وداخل المنظمة ومنها إلي البيئة لإشراف ومتابعة إدارة متخصصة تُعرف بإدارة الموارد البشرية . Human Resources
ولتمكين تلك الإدارة من ممارسة عملها بكفاءة فيجب أن تعطي الاهتمام الوظيفي والتنظيمي من قبل إدارة المنظمة .
يلاحظ من افتراضات مدرسة الموارد البشرية بأن تلك المدرسة لا تهتم بالمورد البشري كفرد عامل داخل المنظمة فقط وإنما كأحد الموارد التي يمكن أن تضيف للمنظمة ميزة جديدة من مزاياها التنافسية ، فهي تنظر إلي المورد البشري كل ما يقع ضمن قوة العمل أو من هو قادر على العمل وخارج قوة العمل ،أي إنها تنظر إلي العنصر البشري باعتباره مدخل من مداخلات العملية الإنتاجية ومورد داعم للمداخلات الاخري ، فتعتبر إدارة المورد البشري مركز الجذب داخل المنظمة ومن خلال زيادة فاعليته في العمل يمكن أن يُساهم في زيادة فاعلية الأنشطة الاخري الإنتاجية والتسويقية والمالية والتطويرية ، وبهذا تختلف عن إدارة الأفراد في النقاط الأساسية الآتية (1):
1 – منظور الوقت والتخطيط : ففي الوقت الذي يكون فيه منظور التخطيط لإدارة الأفراد قصير الأجل ويعتمد علي الاستجابة لحاجة منظميه وعلي المستوي الحدي ، يكون التخطيط في إدارة الموارد البشرية بأفق زمني بعيد المدى وقائم علي أساس التوقعات المستقبلية ومتكامل وذو طابع استراتيجي .
2 – العقد النفسي : تركز إدارة الأفراد علي الإذعان في العقد مع الفرد العامل ، بينما تركز إدارة الموارد البشرية علي الولاء و الانشداد للعمل .
3 – أنظمة الرقابة : تتميز أنظمة الرقابة بكونها داخلية في إدارة الأفراد ورسمية ، بينما تكون رقابة ذاتية في إدارة الموارد البشرية .
4 – منظور العلاقات بين الأفراد : يكون منفعي وجمعي وقائم علي أساس الثقة الضعيفة بالعاملين في إدارة الأفراد ، بينما يكون تبادلي قائم على أساس الاحترام والثقة المتبادلة بين الإدارة والموارد البشرية .
ــــــــــــ
1) خالد عبدالرحيم الهيتي ، مرجع سبق ذكره ، ص : 27.
5 – الهياكل و الأنظمة المفضلة : تتميز الهياكل والأنظمة في إدارة الأفراد بكونها بيروقراطية ومركزية وميكانيكية ، بينما تكون عضوية ومرنة في إدارة الموارد البشرية .
6 – الأدوار : تركز إدارة الأفراد علي الأدوار التخصصية والمهنية بينما تميل إدارة الموارد البشرية إلي التنوع والتكامل في الأدوار ، علاوة علي أن دور إدارة الأفراد في المنظمة هو دور تنفيذي فقط بينما يغلب الطابع الاستشاري علي دور إدارة الموارد البشرية .
7 – الوظائف : تتميز وظائف إدارة الأفراد بكونها ضيقة وذات طابع اقتصادي يركز علي النتائج الداخلية للمنظمة ، بينما تمي وظائف أدارة الموارد البشرية بالسعة والطبيعة الخارجية (التكيف مع المتغيرات البيئية) وتتضمن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية .
4 ـ العوامل التي ساعدت علي الاهتمام بإدارة الموارد البشرية و تطورها :
لقد نشأت إدارة الموارد البشرية - كما ذكرنا قبل قليل - في مطلع هذا القرن و ظهرت بعد ذلك عوامل عديدة حتمت الاهتمام بإدارة الموارد البشرية و إبراز دورها في أي منظمة سواء أكانت تعمل في مجال الإنتاج أم في مجال الخدمات , و أهم هذه العوامل(1) :
1) تغير نظرة الإدارة للفرد فبعد أن كانت الإدارة تعتبر الفرد سلعة يبيع قوة عمله في سوق العمل و أن يمكن استخدامه و تشغيله وفق قوانين ثابتة كالآلات و المعدات , تغيرت هذه النظرية نتيجة للأبحاث و الدراسات و أصبح ينظر إليه كأهم العوامل في زيادة الإنتاجية و خلق القيمة و تعظيم الثروة , لذا فقد بدأت الإدارة تعامل الفرد العامل كانسان له كيانه و شعوره يتمتع بخصائص شخصية مميزة و يملك قيما و عواطف و ميول , و يبذل جهده إذا ما وضع في موقع المسئولية و المشاركة في اتخاذ القرار .
2) التطور العالمي و التطور التكنولوجي في مجال اختراع الآلات و استخراج الوسائل و الأساليب الحديثة في تكنولوجيا الإنتاج الذي حتم استخدام قوى عاملة ذات مهارة و كفاءة عالية تستطيع استخدام تلك الآلات و الأساليب بفعالية كبيرة , فالانجازات الهائلة التي حققها التقدم العلمي مثل غزو الفضاء و تشغيل الحاسبات الالكترونية و جني خيرات الأرض و البحار لم يكن بالإمكان أن يعم خيرها البشرية لولا مهارة و موهبة الإنسان في كيفية و إتقان استخدامها , و من المفيد ذكره في هذا المجال أن هناك العديد من الدول التي حققت تقدما فنياً و اقتصادياً عالياً بسبب حسن إدارتها لمواردها البشرية , و أن هناك
ـــــــــــ
1) الصديق منصور بوسنينة وسليمان الفارسي ، مرجع سبق ذكره ، ص : 25.
3) بالمقابل العديد من الدول التي تتوافر فيها الثروات الطبيعية الضخمة و لم تستطع أن تحقق تقدماً يذكر لسوء استخدامها لمواردها البشرية .
4) قياس العمل و التخصص فيه , حيث أن قياس أداء كل فرد أو كمية العمل الواجب تنفيذها خلال مدة زمنية معينة ساهم و إلي حد كبير في تطوير سياسات الأفراد في مجال الأداء و في التعرف علي محددات الأداء المعنوية و استخدامها بفاع�
ساحة النقاش