<!--<!--<!--<!--
قراءات انتقائية لسبر
الأسس النفسية لمهارة القراءة
سعياً إلى حصار التأخر القرائي
ناصر بن عبد الله الهويريني: 1424هـ
تصدير
انسياقاً مع مفهوم القراءة، وهو: " الأداء اللفظي السليم، وفهم القارئ لما يقرأ، ونقده، ومن ثم ترجمته إلى سلوك يحل مشكلة، أو يضيف شيئاً إلى عالم المعرفة "[1] يُدرك أن الأسس الكامنة وراء هذا السلوك نوعان: فسيولوجية حسية وأخرى نفسية، والثانية هي مدار الحديث في هذه المعالجة اللغوية النفسية. أما الأسس الفسيولوجية التي منها: أن يكون الجهاز الصوتي لدى القارئ سليماً معافى، لم يختلّ فيه شيء؛ لأن اختلال أي جزء منه يجعل القراءة أمراً شاقاً وغير دقيق، يصدق هذا على الجهاز السمعي كذلك، فإن له تأثيره الذي لا يقلّ شأناً عن جهاز النطق، ومن المعوقات الفسيولوجية اضطراب بعض وظائف الأعضاء، مثل: حركة العين. وهذه الأسس لها مجالها الذي يهتم بدراستها. أما الأسس النفسية [ الجانب الآخر لعملية القراءة ] فهي جانب غير محسوس. وبرجوعنا إلى مفهوم القراءة الذي عرضناه سابقاً، سنجد ألفاظاً مثل: (فهم)، (نقد)، (ترجمة إلى سلوك) جليّ أنها لا تدخل ضمن المجال الحسيّ للعملية، وهذا ما يجعلنا نبحث في الأسس النفسية الكامنة لهذه المهارة، ولعل غاية القراءة وهدفها الأول (الفهم والاستيعاب) يدخل في إطار غير المحسوس كذلك.
وبما أن هدف القراءة هو الفهم والاستيعاب فلا مناص من وجود حافز ودافع له، قد يكون أمراً مادياً، والغالب فيه أن يكون نفسياً مجرداً. وحتى تتم عملية القراءة بأحسن صورها لابد من توفر عوامل نفسية منها: الثقة بالنفس، وبناء المعلومات الجديدة على قاعدة معلوماتية مسبقة، يتم معها نقد هذه الأفكار وتصنيفها، بل إن أشكال التأخر القرائي هي بدورها لها أسبابها النفسية كما سنرى لاحقاً في هذا البحث.
وإذا نظرنا لعملية القراءة بوصفها سلوكاً بشرياً، كما يراها السلوكيون سنفرض الدافع والحافز للقراءة بوصفه أمراً أساساً، إذ إنه يمثل المثير في أغلب الأحيان، ثم إنه إذا كان الاستيعاب والفهم وتفاعل القارئ مع المقروء وجدانياً وفكرياً الهدف الأول للقراءة فهو يمثل الاستجابة المشروطة؛ لأن البدء بالقراءة هو الاستجابة الفعلية، ثم تأتي بعده الاستجابة المشروطة (الفهم والتفاعل)، ولا مفرّ من وجود تعزيز إيجابي لهذه العملية حتى تؤدي دورها على الوجه الأكمل، وحتى تتطور وتصبح عادة.
القراءة والمهارات اللغوية الأخرى
من المدركات – مع أن القراءة مهارة أساسية – أن القراء في تاريخ البشرية لاحقة لاختراع الكتابة، فلا بد أن تكون هناك نصوص مكتوبة لقراءتها، كما أنه حسب وجودها الزمني في النمو اللغوي لدى الإنسان تأتي بعد الكلام. ومع أن القراءة تشترك مع الاستماع في أنهما مهارتان سلبيتان. إلا أننا لا نستطيع الحكم على القارئ بأنه سلبي تماماً وهو يقرأ كما هو الحال مع الاستماع؛ فالقراءة تتميز عن الاستماع في أن القارئ يستطيع أن يعيد قراءة النص أكثر من مرة، كما أنه يستطيع الرجوع إلى القاموس في فهم ما يستعصي عليه، ولديه الحرية في أن يقرأ بالسرعة التي تلائمه.
اختيار مادة القراءة (التقويم المستمر)
يمكن أن تحتوي مادة القراءة في السنوات الأولى على مقاطع تبدأ من جملة وجملتين، ولا تزيد على فقرة أو فقرتين، أما في المستويات المتقدمة فتبدأ من نصوص طويلة، أو مقال قصير، وإذا كان المقصود القراءة الموسعة، فإن النصوص يجب أن تكون طويلة جداً، إذ ليس بالضرورة أن يقدم النص ليُقرأ في قاعة الدرس، بل من الأفضل أن تقرأ المادة في البيت، فقد تستغرق القراءة أياماً أو ساعات، لاسيما إذا كانت على شكل كتاب، مثل: (صور من حياة الصحابة، وقصص الأنبياء ...)، لذا يجب مراعاة جانب الطول والقصر في المادة حسب نوع القراءة، وفي ضوء مستوى الدارسين، وعلى أساس مما درسوه فعلاً. كما ينبغي عند اختيار نصوص للقراءة أن يكون المحتوى ملائماً لمستوى الدارسين ليس من حيث السهولة والصعوبة فقط وإنما من حيث الموضوع الذي تتناوله، وكذلك من حيث اللغة، فلا يشحن النص القرائي بالمفردات والتراكيب الصعبة، ولا يبالغ في تبسيطه؛ لأن السهولة المفرطة تؤدي إلى نتائج عكسية،[2] ولا نقف [في موضوع اختيار مفردات النص] عند جانب السهولة والصعوبة فقط، فهناك جوانب أخرى لا تقلّ أهمية عنها، كأن تكون مبنية على منهج إحصائي دقيق مبتعد عن الحدس والتخمين ومراعى فيها الشيوع والتوزيع وسرعة الاستحضار، بعيداً عن المصطلحات الفنية الصرفة ... والأهم من ذلك أن المحتوى عموماً والمادة القرائية خاصة يجب أن تشف عن ثقافة اللغة الهدف
أهداف القراءة تتحكم في طبيعتها
إن للقراءة أهدافاً متعددة، وقد تكون متباينة، مما يؤثر في طبيعة القراءة ذاتها، وعلى أنماطها، أما ما يحدد الهدف والغاية من القراءة فإنها العوامل النفسية، التي تكون بمثابة المقود للأهداف،[3] فمثلاً:
الهدف غالباً |
طبيعة القراءة |
التلخيص |
متأنياً قراءته دقيقة وشاملة يتحرى الأفكار العامة |
البحث |
انتقائياً يفتش عمّا يتعلق بموضوع يهمه فقط |
الإعلام |
يقصد إسماع لآخرين |
الإعداد للاختبار |
قراءة دقيقة متأنية يتخللها تكرار |
المتعة والتسلية |
البحث عن المتعة الذهنية وقطع الوقت بقراءة ليست مركزة يتخللها قفزات من سطر إلى آخر |
للعبادة |
البحث في القراءة عن الأجر والثواب |
أنماط القراءة حسب هدف القارئ :
1. القراءة لتنمية مهارات معينة، مثل: تنمية سرعة القراءة، أو حسن الأداء، أو اكتساب ثروة لفظية لغوية.
2. القراءة الوظيفية، وهي: القراءة التي تهدف إلى اكتساب مهارات عملية كالقدرة على البحث، والرجوع إلى المصادر والمراجع، واستخدام الموسوعات والمعاجم وفهارس المكتبات... وما إلى ذلك من مهارات وظيفية نفعية.
3. القراءة للمتعة الذهنية.
4. القراءة من أجل التكوين الثقافي العام.
5. القراءة من أجل التكوين الثقافي الخاص.[4]
أنماط القراءة حسب طبيعتها :
بتعدد أهداف القراءة تتعدد أنواعها وتختلف، ومن هذه الأنواع:
1. القراءة المكثفة[5]: في هذا النوع لابد أن تكون المادة القرائية أعلى –قليلاً- من مستوى الدارس. ويشكل هذا النوع العامود الفقري في برامج تعليم اللغة، كما يعتبر كتاب القراءة المكثفة الكتاب الأساس في تعليم القراءة.
2. القراءة التكميلية الموسعة[6]: تكمل دور القراءة المكثفة، وتكون غالباً على شكل قصص طويلة أو قصيرة، غايتها الأساسية إمتاع المتعلم، وتعزيز ما تعلمه من كلمات وتراكيب في القراءة المكثفة.
3. القراءة الصامتة[7]: تتمّ بالنظر فقط، دون صوت أو همس أو تحريك شفاه، بل حتى دون اهتزاز الحبال الصوتية، وتتحول –في هذا النوع من القراءة- الكلمات المكتوبة إلى معانٍ في الذهن مباشرة، دون أن تمرّ بمرحلة الأصوات، والهدف من القراءة الصامتة الاستيعاب والسرعة أو الاستيعاب بأقل وقت ممكن، وعند تطبيق القراءة الصامتة في غرفة الصف يراعى ما يلي:
- يمنع الدارس من الهمس وتحريك الشفاه أثناء القراءة.
- تحديد وقت معين لكل واجب قرائي.
- إتباع القراءة الصامتة بأسئلة تقيس استيعاب الدارس.
- تعويد الدارس على سرعة القراءة عن طريقة إحساس الدارس بضيق الوقت.
4. القراءة الجهرية[8]: تتطلب القراءة الجهرية جهداً أكبر من القراءة الصامتة، ومع ذلك فإن مردود الفهم في القراءة الجهرية أدنى منه في الصامتة؛ لأن القارئ يكون مشغولاً بالنطق عن الفهم. كما أن هذا النوع من القراءة لا يحتاج إلا في مناسبات قليلة، وقد يتضمن إزعاجاً للآخرين. وعلى المعلم مراعاة ما يلي عند تنفيذ القراءة الجهرية داخل الفصل:
- يبدأ بأفضل الدارسين قراءة منتقلاً إلى الأقل قدرة.
- السماح للفصل بتصحيح أخطاء القارئ لئلا تقتصر الفائدة عليه وحده.
- تأتي القراءة الجهرية بعد الفراغ من القراءة الصامتة وأسئلة الاستيعاب والقراءة النموذجية.
- عدم الإطالة بالقراءة الجهرية؛ لأن هذا سيكون على حساب مهارات أخرى، كما أن الإطالة ستؤدي إلى الملل وضياع الوقت[9].
5. القراءة النموذجية[10]: يقوم المعلم بها لتكون تطبيقاً، يستمع إليه الطلاب ويقلدونه، وتأخذ شكلين:
- المتصلة: يقرأ المعلم المادة القرائية والطلاب يستمعون إليه فقط.
- المنقطعة: يقرأ المعلم جملة واحدة أو جز من جملة طويلة ويردد الدارسون بعده ترديداً جماعياً، ثم يقرأ التالي ويرددون بعده... وهكذا.
6. القراءة السمعية[11]: وهي التي يستقبل الدارس فيها المعاني والأفكار خلف ما يسمعه من ألألفاظ والعبارات، وتحتاج لبلوغ أهدافها مراعاة أدب الاستماع (حسن إنصات، بعد عن المقاطعة...) .
التأخر القرائي والعوامل النفسية الكامنة وراءه
هناك صور وأشكال للتأخر لا تُحصى نقف عند الشائع منها:
التأخر |
عوامله النفسية الغالبة |
التوقف أثناء القراءة (القراءة المتقطعة) |
تنجم عن تأثير التهيب والخوف من العقاب أو الزجر مما يزرع التردد في النفس |
التراجع أثناء القراءة (التكرار) |
يكمن سببه في فقدان الثقة بالنفس، وقد يكون السبب العجز عن معرفة بعض الحروف |
ممارسة القراءة الصامتة والجهرية بالإيقاع نفسه والسرعة ذاتها |
التعود على أحد النوعين وإهمال الآخر تماماً |
الخطأ في ضبط الكلمات |
ندرة أو عدم ممارسة القراءة الجهرية والإغراق في القراءة الصامتة |
ضعف الاستيعاب والفهم أو تدنيه |
لعدم وجود الدافع أو الحافز |
عدم التمييز بين الصوت الممدود وغير الممدود |
تعلم الدارس في مرحلة الطفولة الحروف محركة ونطقها ممدودة بمعزل عن الكلمة |
ضعف الإلقاء وعدم إتقان الأداء |
القراءة بلا رغبة ولا اهتمام[12] |
هناك مظاهر أخرى كتحريك الشفتين أثناء القراءة الصامتة، واستغراق وقت أطول من اللازم في القراءة ...[13]
الحلول لمظاهر التأخر
لا يمكن الاستفادة من مهارة القراءة في غيبة الرغبة لدى الطالب، أو عدم وضوح الهدف، أو عدم الاقتناع به، وفيما يلي أبرز الحلول النفسية للتأخر القرائي:
Ä تنمية الرغبة في القراءة من خلال توفير الأجواء المناسبة لها زماناً ومكاناً، والحوافز المعززة، فدرس المطالعة والقراءة درس عملي حركي محبب في الأصل، غير مملّ وليس درس إنصات وخوف ورهبة.
Ä زرع الطموح والأمل في أبنائنا، وهاتان الصفتان إذا توفرتا هيئتا الأرضية الصالحة للفهم والاستيعاب والإقبال على القراءة بروح عالية؛ لذا فإنه لا بد من تذكية الروح الطامحة لدى الطالب وتشجيعه، وهنا تبرز ضرورة العبارات التي تشعر الطالب بتفوقه، وحذار من إحباطه بملاحقة الأخطاء والبحث عنها لاصطيادها.
Ä عدم إكراه الطالب على القراءة عند الإحساس بعزوفه عنها لسبب أو لآخر، فكلما كانت المادة التي يقرؤها ممتعة له كان استيعابها سهلاً[14].
Ä مع تحيات شبكة الإستراتيحية
[1] : منصور عبد الحميد [ علم اللغة النفسي ] ط1 ، 1982م ، ص 244 .
[2] محمد عبدالخالق محمد . ( اختبارات اللغة ) ط2 . 1996م . ص 200 .
[3] : محمد علي الخولي . ( أساليب تدريس اللغة العربية ) . ط1 . 1402هـ . ص112 .
[4] : محمد صالح الشنطي . ( المهارات اللغوية ) . ط1 . ص179 .
[5] : أساليب تدريس اللغة العربية . مرجع سابق . ص 113 .
[6] : المرجع السابق . ص 114 .
[7] : المهارات اللغوية . مرجع سابق . ص 176
[8] : المرجع السابق . الصفحة نفسها .
[9]: هذا خلاف ما يعتقده بعضنا، جاعلاً الأولوية للقراءة الجهرية عند تقويم الطالب .
[10] : أساليب تدريس اللغة العربية . مرجع سابق . ص 119 .
[11] : علم اللغة النفسي . مرجع سابق . ص 248
[12] : حمادة إبراهيم ( الاتجاهات المعاصرة في تدريس اللغة العربية ) 1987م . ص 231 .
[13] : المهارات اللغوية . مرجع سابق . ص 188 .
[14] : علم اللغة النفسي . مرجع سابق . ص 247 .
Mahmoud ELgohary
Takaful Agent
Nile Family Takaful Company
51, Beirut st., Heliopolis, Cairo, Egypt, 11341
Tel: 24130600
Fax: 24179363
Mobile: 0115909151 - 0122900995
WWW.niletakaful.COM
C.R.NO : 45602
Regulated by EFSA : 29
ساحة النقاش