الأمان العاطفي والتربوي... طوق النجاة للطفل
الكاتب: قلم/ دعاء بهاء الدين العدد 93 |
فقدانه يؤدي للفراغ العاطفي والانحراف..
اهتم الإسلام والتربية الحديثة بالطفل وحددت احتياجاته نظراً لإدراكه أهمية هذه المرحلة؛ فالطفولة تعدّ مرحلة أساسية في عمر الإنسان, حيث تشغل ما يقارب ربع حياته، فهى مرحلة ضعف بالنسبة للإنسان يحتاج فيها- وبشكل دائم- إلى رعاية وعناية في شؤونه كافة سواء البدنية أو النفسية أو الاجتماعية, فضلاً عن الطعام والشراب, ولأحداثها آثار واضحة في بقية عمره, وكثيراً من مشكلات الزوجين يكون سببها تمتع الطفل بطفولة غير آمنة, مما ينتج عنه شخصية غير سوية، ويزداد الأمر خطورة حينما نعرف أن الأطفال يشغلون نسبة من المجتمع تزيد أحياناً على النصف, خصوصاً في دول العالم الثالث ومن ضمنها جميع دول العالم الإسلامي، ولذا لابد من تلبية حاجاتهم, ومن أبرزها وفي مقدمتها الحاجة للأمان, وينشأ الطفل باحثاً عن الحب من والدته ثم والده ثم عند من يحيطون به من مربيين ومعلمين.
فما الأمن العاطفي والتربوي؟
هذا ما نتعرف عليه من خلال هذا التحقيق فإلى التفاصيل... الأمن العاطفي
في البداية ترى المستشارة الأسرية د/سلمى سيبيه أن حاجة الطفل للحب والأمان هى حاجة نفسية عاطفية تنشأ منذ ولادته, حيث تحتضن الأم ابنها بين ذراعيها، وكلما أغدقت الأم طفلها بالحب والحنان في صغره، أصبحت حياته النفسية والاجتماعية سوية في شبابه وعلى مدار حياته، محذرة أن حرمان الطفل العاطفييؤثر عليه سلبياً, ويظهر ذلك في صورة اضطرابات شديدة نتيجة لإحساسه بالخوف الدائم، فمعاملة الطفل بلا مبالاة يدفعه للانحراف, ويصبح متوحشاً هياباً من كل شيء. فحرمان الطفل من حاجته الأساسية للأمن له انعكاسات سلبية في حاضره ومستقبله.وحول دور الوالدين في تحقيق الأمان للطفل أوضحتسيبيه بعض المحاور الكثيرة والتي قد لا ينتبه لها الوالدان مثل: عندما يحمل الوالد ابنه الصغير في السيارة ويضعه في مقعد السائق فهنا لا يحقق للطفل أبسط قواعد الأمان، ترك الطفل قرب مصادر التيار الكهربي دون توفر أدوات الحماية والأمان مؤشر على تقصير الأسرة في توفير الأمان لطفلها، كذلك السماح بخروج طفل صغير للشارع مع إخوته الصغار وهذا يعرضه للخطورة, ومن ثمّ يُحدِثُ خللاً في تحقيق الأمان للطفل. وأشارت إلى ما تمثله الأسرة من أمان للطفل والذي يعد بمثابة بداية المشوار لكسب الثقة فيها, مؤكدة أن الأسرة تمثل إحدى أقوى المؤسسات الاجتماعية التي تكسب الطفل العادات والمهارات والاتجاهات العقلية والاجتماعية والجسدية.وأوضحت بعض الدراسات المشيرة إلى ازدياد حالات الانحراف والتشرد والذي يعود في المقام الأول إلى انهيار الأسرة، مؤكدة أن الجانحين لم يعيشوا حياة أسرية سوية، بل إن بعض الأمراض النفسية نتيجة لحرمان الطفل العاطفي.وأشارت إلى دور المدرسة والذي يحتل المرتبة الثانية في تحقيق الأمان للطفل, وأي خلل في هذه الوظيفة يعرض الطفل لاضطرابات يصعب حلها، مؤكدة على دور الأسرة والمدرسة والإعلام والمساجد في تحقيق جوانب الأمن النفسي والجسدي للطفل وغير ذلك وربطه بالإيمان والعلاقة بالله عزوجل, وتعويده على الرقية الشرعية والأذكار, وحب الله ورسوله, ثم من حوله؛ لأن الحب من أبرز ركائز الأمان للطفل.
الأمن التربوي
من جانبه أوضح الباحث التربوي/ نزار رمضان معنى الأمن النفسي والمعنوي والمتمثل في إغداق الطفل بعبارات الشكر والثناء، واحتوائه بالنظرات الحانية والعبارات الرقيقة والتي تعد بمثابة الحضن الدافئ للطفل, بحيث يبث في نفسه الشعور بالأمن والطمأنينة حب الخير مما يجعله يتفاعل بإيجابية ويبدع في تحمل المسؤولية، مشيراً إلى نتائج الفراغ العاطفي من حدوث القلق والتوتر التربوي بحيث لا يجد الطفل التوظيف الحقيقي لقدراته وإمكانياته من خلال المدرسة أو البيت أو المحاضن التربوية المختلفة.
ويلفت النظر إلى أهم أسباب التوتر وانفلات الأمن التربوي وهو غياب الحوار الفاعل مع الأبناء، فالثقافة السائدة لدى الأب هي ثقافة فرعونية تسلطية " ما أريكم ألا ما أرى" يفرز عن غياب الحوار التوتر والقلق التربوي، ناصحاً للآباء والأمهات بضرورة إنشاء مجلس الشورى العائلي, هذا المجلس له ساعة محددة لا يتم التخلف عنه بتاتاً مهما كانت الأسباب لأي فرد من أفراد العائلة فوق السادسة يتم المجلس بحب وهدوء وأريحية, ومن أهدافه: مناقشة الأمور العائلية, والمشكلات, ومدارسة الاقتراحات, وكذلك يتم فيه تكريم وتشجيع المجيد, ونصح المخطئ, ويتم ذلك بحوار جيد متوازن, وهذا يسمح لأي فكرة خاطئة أن تظهر على السطح وأن تحل في مهدها. ويمكن عقد اجتماع مجلس الشورى العائلي في البيت أو مقهى عائلي مناسب, أو على البحر, بحث يكون جذاباً ومناسباً لهدفه السامي.وأقترح وجود صندوق بالمنزل يسمى صندوق فضفضة يضع فيه الأب والأم والأبناء مشكلاهم وما يؤرقهم وهنا يتاح للجميع معرفة نفسية ومخاوف وأفراح وأمنيات كل فرد بالعائلة. وأكد على تأثير المدرسة في فكر الأبناء وتكوين شخصياتهم إيجابياً أو سلبياً فللأسف دور المعلم الحالي في واد وأخلاقيات المربي الحقيقي في واد ثان, من حيث أنه أب ومسؤول وشيخ ومفتي ومتابع وناصح ومستشار، واتجه دور المعلم للتلقين والتعليم فقط .وابتعد عن إعمال العقل وإعطاء مساحة من الحريات، وكذلك عدم وجود قنوات تعمل على احتواء الأبناء من قبل المرشد الطلابي وخصوصاً أن مدارسنا في الغالب تعين بهذا الموقع غير المتخصص, وأن كان متخصصاً فهو غير مدرب وغير مؤهل لمثل تلك الأفكار من الحرية المنضبطة أو الحوار الفاعل أو الأمن الفكري أو الأمان التربوي، لافتاً النظر لمناهجنا الدراسية ومقرراتنا التي لا تعطي للأبناء مساحة من الرأي والحرية .بل لا بد من إدراج كل ما هو جديد ويهدد الأسرة العربية في مناهجنا، متسائلاً: لماذا لا نعطي للأبناء منهجاً في التربية الأسرية في إدارة الذات، والمهارات الحياتية وغيرها من المناهج التي تحتوي الأبناء؟ لماذا لا ندرس لهم الأمن الفكري والأمن التربوي؟ لماذا لا نقيم البرامج والمشاريع التي تعين على هذا الأمن. وتأهيل الخريجين لمواجهة الحياة دون أزمات نفسية وتربوية؟
ساحة النقاش